الأسد هو أقدم دكتاتور في معرض صورنا، وهو الدكتاتور الأكثر دموية أيضًا. يبدو مستقبله الآن آمنًا، الأمر الذي يكشف الكثير عن حالة العالم الذي نعيش فيه اليوم.
في أوائل تشرين الثاني/ نوفمبر 2007، استقبل الرئيس بشار الأسد مبعوث الرئيس ساركوزي، لا في قصره الرخامي المطل على دمشق، وإنما في مكتبٍ مُظلم في إحدى المناطق السكنية في المدينة، حيث يمارس من هناك سلطته كل يوم.
حرص الأمين العام للإليزيه ذو النفوذ على إخبار الطاغية السوري بأن الرئيس الفرنسي الجديد يكن له الكثير من الاحترام، وأنه مستعدٌ لاستئناف التعاون مع سورية بشرط أن تُحقَّق بعض الشروط. بشار الأسد هادئ، ومبتسم، ودمث، ويتحدث بلهجة مدروسة ومتأنية، يجيد اللغة الإنكليزية بطلاقة، لديه أيضًا مشاعر دافئة تجاه نظيره الفرنسي. وبحسب أحد شهود العيان، ممن يعرفون الرئيس السوري قليلًا، من الواضح أن ضبط النفس الذي يظهره يخفي ابتهاجًا داخليًا عميقًا. لن يظهر الأسد ابتهاجه، وسيستمتع بصمت بهذه اللحظة التي تجسد الاعتراف بسلطته، ورد الاعتبار لشخصه، وتكريس سياسته. إنها بداية صغيرة فقط، لكن مستبد دمشق الذي ورث السلطة، يعرف أنها تمثل نهاية الجفاء والفتور اللذين حاول الغرب أن يحيطه بهما في السنوات السابقات.
كان بشار يبلغ من العمر 35 عامًا فقط عندما خلف والده؛ الرئيس حافظ الأسد المتوفى عام 2000. وقد سبق أن شجعه الرئيس شيراك ودعمه دعمًا كبيرًا. بعد ذلك، نُسبت النيات الإصلاحية والرغبة في السلام إلى “الرئيس الشاب”. ومع ذلك، كان يُخشى أن يكون تدريبه طبيبَ عيون في لندن، وخجله، ومظهره المتهلهل ولغته الإطنابية، غير متلائم مع ممارسة السلطة على بلد يُعدُّ ضعيفًا بسبب تعقيداته العرقية والطائفية. وكان يُخشى أيضًا من أن أفعاله ستُعرقَل من طرف “الحرس الأمني القديم” لأبيه.
إن ثقل الأساطير لافتٌ للنظر. في الواقع، عندما وصل إلى السلطة، كان قد أمضى بالفعل السنوات الست السابقات -منذ وفاة باسل شقيقه الأكبر في عام 1994- يستعد لواجباته المستقبلية، تحت إشراف والده. على سبيل المثال، كُلّف بتولي مسؤولية لبنان، وهو المكان الذي يقوم فيه القادة السوريين بالإساءات وصنوف الاتجار جميعها. بشار الأسد نسخة إلى حدٍ ما من مايكل كورلوني [بطل فيلم العراب، الشخصية المتنفذة والدموية التي لا تشبع من الانتقام] الذي كان مستعدًا لدوره لبعض الوقت. قبل وفاته، تخلص حافظ من بعض الشخصيات الكبيرة في استخبارات البلاد التي كان يمكن أن تطغى على ابنه. إن ثقافة بشار الأسد الغربية ليست سوى واجهة، حيث فشلت في تقويض أساسات زعيم الطائفة العلوية، والوريث في ممارسة السلطة التي تؤمن فقط بأقصى استخدام وحشي للقوة.
في بداية عهده، أتاح بشار مدة قصيرة من حرية التعبير النسبية، لكنه أغلقها بعد بضعة أشهر فقط. أطلق إصلاحات اقتصادية للمساعدة في لبرلة (تحرير) الاقتصاد، وقام بذلك بطريقة انتقائية (المصارف، والتأمينات، والاستيراد والتصدير، والاتصالات السلكية واللاسلكية) حتى تستفيد عائلته بشكل كبير من “البزنس”. استغل أقرباؤه من آل مخلوف، على وجه الخصوص، البلاد. لقد استنزف بشار حزب البعث من القوة الصغيرة التي كان يملكها، بصرف النظر عن أنه يوفر المرشحين للمناصب الرسمية. أرجأ بشار دائمًا الإصلاحات السياسية إلى تواريخ لاحقة. بطريقة ما، قام بعمل جيد في تحديث صيغة والده في الحكم. في الواقع، انسحب الجيش والحزب إلى حد ما من واجهة المشهد العام، في حين يستمر رجال الأعمال والأجهزة الأمنية (القوية بالفعل تحت حكم حافظ) في شغل الحيز كله اليوم. إن جيل الأبناء، الذي غالبًا ما تلقى تعليمه في الخارج، يستولي تدريجيًا على الأعمال التجارية، ويبدو أكثر حرصًا على كسب المال من جيل رفاق حافظ. تبقى القواعد الأساس كما هي: القوة الحقيقية لعائلة الأسد التي تتلاعب بشبكة متشابكة من الولاءات والفساد. إن العلويين، إلى جانب أقليات أخرى (مسيحيين ودروز وإسماعيليين) هم في صميم هذه الشبكة التي تنتمي إليها البرجوازية السنية أيضًا. فالواجهة العلمانية للنظام توفر ذريعة لقمع الشباب الساخط الذي يُصنف على الفور بأنه إسلامي، لكن السلطة في الحقيقة تُسلّم المجتمع إلى التنظيمات الدينية، مقابل إضفاء الشرعية على النظام. الخصوم يودعون في السجن، في حال كانوا محظوظين بما فيه الكفاية لئلا يُقضى عليهم.
يصف المقربون من بشار بأنه رجل لا يظهر أي علامة من علامات التكبر في علاقاته الخاصة، ولكنه واثق بصورة أساس من نفسه ومن حسن حظه. إنه مقتنع بتفوقه على معاصريه، ولا يظهر أي رحمة في ممارسته للسلطة، حتى في أكثر جوانبها قذارة، في الحقيقة ربما في هذه الجوانب خاصة. في بعض الدوائر الدمشقية التي افتقدها والده، كان يتمتع بسمعة عدم معرفته كيفية اتخاذ القرار، والتردد الشديد. قد يكون هذا صحيحًا في الأمور المتعلقة بالأمور الإدارية أو الاقتصاد، والتي لا اهتمام له فيها. ومع ذلك، فهو على النقيض؛ واضح وعنيد عندما يتعلق الأمر بـقضايا “السياسة الكبرى”، أي الشؤون العسكرية، والعلاقات الدولية، وإدارة أجهزة الاستخبارات التي تمتلك سلطة الحياة أو الموت (تحت التعذيب بصورة عامة) داخل البلاد، وقدرة هائلة على زعزعة الاستقرار خارجها.
في هذا المضمار، بدأ الرجل فقط في إظهار قيمته الكاملة خلال الأزمة العراقية التي أعقبت الغزو الأميركي عام 2003. في الوقت الذي تعاونت فيه الاستخبارات السورية تعاونًا دقيقًا مع إدارة بوش، التي لم تتردد في الاستعانة بمصادر خارجية “للتعامل” مع “إرهابيين” غير محددين، ونظمت عملية نقل واسعة لجميع أنواع المتطرفين الإسلاميين الذين خرجوا توًا من سجونهم أو القادمين من الخارج إلى العراق.
في ذلك الوقت، تفاخر الأسد وأخبر أقاربه بأنه كان زعيم التمرد السني في العراق ضد الاحتلال الأميركي. بالعودة إلى الماضي، يمكن للمرء أن يعدَّ أن هذا الإنجاز هو ما رسخ سلطة الرئيس الشاب ترسيخًا واضحًا على الاستخبارات. بالنسبة إلى الغربيين مثل –وزير الخارجية باول، أو السناتور كيري لاحقًا- أوضح بصورة قاطعة أن طول الحدود مع العراق حدَّ من فاعلية ضوابط وكالاته.
في الوقت نفسه، ابتعد بشار الأسد عن موقف والده من إيران. وهو تغيير ما زال معظم السوريين مذهولين منه اليوم. أقام حافظ تعاونًا استراتيجيًا مع الجمهورية الإسلامية، لا سيما من أجل التعامل مع حزب الله تعاملًا مشتركًا، لكن بشار قريبٌ من الإيرانيين وحزب الله، حتى على المستوى الشخصي. إن هذا المتوحش القاسي للسلطة الذي يبدو أنه خالٍ من العواطف، ومُعجبٌ بـ نصر الله، حيث رحب به في قصره في دمشق، ولم يكن ممكنًا تصوّر مثل هذه الزيارة في عهد حافظ، من السنوات 2004-2005، ولا سيما بدءًا من صيف عام 2006 والحرب في لبنان؛ أفسح مجالًا أكبر للإيرانيين لتطوير نفوذهم في دمشق. ولم يخفف قطعًا الوصاية التي كان يمارسها عبر جيشه واستخباراته على أرض الأرز. لم يُبدِ الأسد وطائفته نظرة إيجابية تجاه صعود رفيق الحريري إلى السلطة. على الرغم من أن هذا الأخير كان طيّعًا لدمشق، لكنه مع السنين، أكد نفسه زعيمًا سنيًّا قادرًا على تعبئة زملائه المؤمنين خارج المسرح اللبناني الضيق.
لقد أدى اغتيال الحريري في شباط/ فبراير 2005 إلى تحول شيراك بصورة قاطعة ضد الأسد، وأثار تحركًا فرنسيًا أميركيًا في الأمم المتحدة، بهدف طرد السوريين من لبنان. هنا أيضًا، دحض بشار الشائعات التي تفيد بأنه مجرد شبيه دكتاتور. صمد، وأظهر نفسه مظهر الرجل الحديدي. بعد أن أُجبر على تقديم بعض التنازلات، سحب القوات السورية من لبنان واستوعب صدمة الانتصار الانتخابي المناهض للسوريين من تحالف 14 آذار. ومع ذلك، فإن حملة طويلة ودامية من الهجمات ظلّت تذكر اللبنانيين بأن الحكم السوري مستمرٌ من خلال وسائل أخرى. كان التحدي في عام 2007 هو إعادة تأسيس الأداء الطبيعي للمؤسسات، التي منعت بشكل مريب من قبل النظام السوري وعملائه اللبنانيين طيلة أشهر. هذا ما أحضر مبعوث الرئيس الفرنسي إلى دمشق في تشرين الثاني/ نوفمبر 2007. نحن نعلم ما الذي سيحدث في ما بعد بما يتعلق بالعلاقة الفرنسية السورية: في 14 تموز/ يوليو 2008، الأسد في الشانزليزيه، بعدها ساركوزي في دمشق، ومن ثم الأسد وزوجته يردان الزيارة إلى باريس، وما إلى ذلك.
يتمتع بشار الأسد بقدرة غريبة على إغراء محاوريه، ومنهم شيراك وساركوزي، حتى أردوغان، وأمير قطر، وكوفي عنان أيضًا، وغيرهم كثير. ومع ذلك، فإن مرحلة الإغراء تتبعها دائمًا حالة من كشف الوهم لأن الكلمات الجيدة للزعيم السوري، أو حتى الالتزامات الدقيقة، لا يتبعها أي إجراء.
هذا الازدواجية المنهجية موجودة في كل مرحلة من سيرة بشار الأسد، من دون أن يكون هدفها واضحًا دائمًا. لم يتوقع ساركوزي مجزرة درعا في أوائل عام 2011، تمامًا مثلما فوجئ شيراك باغتيال رفيق الحريري. في الواقع، المطلعون على العمليات السرية السورية جميعهم كانوا يعرفون أنه في حالة حدوث أزمة داخلية، فإن تسوية الحسابات ستكون دموية. ولكونهم بحالة ضعيفة، وخياراتهم محدودة، فإن العلويين، وهم أقلية مكروهة (10 في المئة من السكان)، سيقاتلون بالسكاكين إذا لزم الأمر. عندما وصل “الربيع العربي” إلى سورية، لجأت الحكومة على الفور إلى الاستخدام المفرط للقوة، من دون انتظار مواجهة الصعوبات الحقيقية.
من المناوشات الأولى، أي من رسومات الأطفال في درعا في آذار/ مارس 2011، أرسلت دمشق القوات واستغلت الاستخبارات أساليبها الوحشية. وقد انتشر التصاعد الشديد للعنف انتشارًا سريعًا للغاية، جزئيًا، بسبب السلطات القانونية في البلاد. بالنسبة إلى بعضهم كان الإسلاميون مختبئين لمدة طويلة. لوّح النظام بسرعة بـ “قصة” مؤامرة أجنبية تقودها جماعة الإخوان المسلمين. لن نتطرق هنا إلى مناقشة ستشغل المؤرخين. وسنركز بدلًا من ذلك على الدور الشخصي الذي لعبه بشار الأسد. كيف يرتكب طاغية مستبد حديث جريمة جماعية؟ كيف يدخل الوريث لمستبد قومي، في حرب أهلية شرسة، لتسليم مفاتيح سيادة بلاده إلى القوى الأجنبية؟
أمرٌ واحد مؤكد، هو أن بشار نتاج نظام وثقافة. بالنسبة إلى السوريين معظمهم، كانت مجازر 1982 في حماة (التي قُتل فيها ما لا يقل عن 20,000 شخص، من دون استخدام الأسلحة الكيماوية)، والتي اختتمت تمردًا دام سنوات عدة قادته جماعة الإخوان المسلمين في ذلك الوقت، وتركت ندوبًا كبيرة في الوعي السياسي للبلد. فمن ناحية؛ توصلت الأغلبية العربية السنية (73 في المئة من السكان قبل الحرب) إلى استنتاج مفاده أنه لا فائدة من أي انتفاضة، وأنه من الضروري الاستسلام، وأن المساجد هي الملاذ الأخير الذي يسمح بحد أدنى من الحرية الشخصية. هذا هو الوقت الذي بدأ فيه التدين الشعبي في الازدهار. ومن ناحية أخرى؛ استمد مؤيدو السلطة من حادثة حماة فكرة أن “هؤلاء الناس، الملهمين بشعور الكراهية غير المبرر، يستعدون للانتقام، وهو انتقام سيأتي بالضرورة يومًا ما” (شهادة كبار المسؤولين في النظام جمعها المؤلف في 2007-2008).
في الأسابيع التي سبقت “الربيع العربي”، سُمع الأسد يقول لأقاربه: “كان أبي على حق، إن آلاف الوفيات في حماة ضمنت ثلاثة عقود من الاستقرار”. بالنظر إلى حمضه النووي DNA، كان من شبه المحتم أن يردّ نظام الأسد على الاحتجاجات بالعنف، على الانتفاضة بالترويع، وتطويق دمشق وحصارها -حيث سيصبح حالها ابتداءً من عام 2012 فصاعدًا- من خلال قصف المدن، وحصار أحياء المتمردين، وأخذ المدنيين رهائن من أجل عزل المعارضة المسلحة. كانت تمثل حظ الأسد الجيد -إنه محق في الإيمان بنجمه المحظوظ- في العثور على موسكو وطهران حلفاء مصممين على منحه الوسائل اللازمة لمتابعة هذه الاستراتيجية عندما كان من الواضح أن قواته خسرت المعركة، ندًا للند. فرصة أخرى، وهي هدية حقيقية من الآلهة، كانت صعود قوة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بدءًا من صيف 2014 فصاعدًا. سوف يكون بشار الأسد على توافق جيد جدًا مع التنظيم، لأنه سيسمح له بكسب “معركة السرديات” وسيحوّل الغرب نحو معركة يسهل فهمها من قبل رأيهم العام أكثر من دعم الثورة السورية.
هل خبِرَ بشار الأسد لحظات من الشك، أو التردد؟ إن إدمانه على الازدواجية يجعل من الصعب قراءة القرائن التي لدينا. خلال جهد الوساطة التي قامت بها جامعة الدول العربية في عام 2011، أجرى مناقشة مطولة مع محام مصري بارز، أخبره الأخير (المحامي) أن الخروج من الأزمة قد ينجم عن إصلاح دستوري يسمح له بالمحافظة على سلطته، ولكن بإعادة تحديد صلاحياته. غالبًا ما سيتم ذكر هذه الفكرة لاحقًا. وافق الأسد، وبدا متحمسًا، وطلب من زائره الاتصال بالدستوريين السوريين للعمل على النصوص. بعد أيام قليلة، أوضح علي مملوك، الذي ينسق بين أجهزة الاستخبارات، للمحامين السوريين أنه من غير الممكن أن يتنازل الرئيس عن صلاحياته أو حتى يقننها.
في أيلول/ سبتمبر 2013، وتحت ضغط من رعاته الروس، وافق بشار الأسد على تفكيك ترسانته من الأسلحة الكيماوية، التي كان ينفي وجودها في السابق. كان لديه من الذكاء السياسي لفهم أن هذه “الصفقة” أعادته إلى المشاركة في اللعبة في وقت خطر. أحد مزياته الرئيسة هي أنه يفهم استراتيجية صناع القرار الغربيين فهمًا أفضل بكثير من فهمهم لاستراتيجيته. في ذهنه، لا يمكن تصديق تدمير فعلي لكامل مخزونه من الأسلحة الكيماوية، ربما من الصعب أن يتخيل أن الغربيين يصدقونه عندما يدعي أنه ملتزم بوعده. يرجح أن لديهم الازدواجية نفسها مثلما لديه.
ووفقًا لبعض الشهادات، في أثناء الضربات الفرنسية والبريطانية والأميركية في نيسان/ أبريل 2018، في عقب استخدام الأسلحة الكيماوية في الغوطة، رأى بشار أن ترامب وماكرون وماي حاولوا ببساطة إنقاذ ماء الوجه تجاه الرأي العام لشعوبهم [جمهورهم]، لكن في الواقع لم تكن لديهم نية بأذاه كثيرًا. في سنوات أوباما، عندما كرر رئيس الولايات المتحدة “يجب أن يرحل الأسد”، لاحظ الجنرالات في حاشيته أن الأميركيين لم يطلقوا رصاصة (ولا صاروخًا) ضد القوات السورية، ومن ثم استنتجوا أن “أوباما لا يريد أن يرحل الأسد”. هل قراءة بشار ورفاقه للقادة الغربيين هي حقًا قراءة خاطئة؟
سيظهر أسدٌ آخر الآن، على الرغم من أنه في الوقت نفسه، يبقى دائمًا كما هو. سوف تظهر أسطورة أخرى، سيتم قريبًا نسيان أكثر من خمسمائة ألف قتيل سوري. إن الفظائع التي ارتكبت في ظل قيادة الأسد -سواء كان أحد يفكر في تقرير قيصر عن الآلاف من الجثث المفجوعة في سجون دمشق أو الفيلم الوثائقي [ الصرخة المخنوقة] لـ مانون لويزو حول مصير النساء في سجون النظام- سوف تُنسَب إلى المصائب المحتومة المصاحبة لأي حرب أهلية. علي مملوك مرحب به بالفعل بوصفه مبعوثًا محترمًا في روما. يتفق كل من الروس والإسرائيليين ودونالد ترامب على أن يبقى الرئيس الأسد في السلطة. الإيرانيون الذين يدركون جيدًا أن عائلة الأسد هي دعمهم الوحيد في طيف الجهات الفاعلة السياسية السورية مسرورون. ليس لدى بشار أدنى شك في أن الأوروبيين سينضمون إلى هذه المناورة. سيحصل قريبًا على صورة الدكتاتور الجدي الذي كان عليه أن يواجه وضعًا صعبًا حقًا، ولكن مع من نستطيع، بل ويجب علينا، إيجاد حلول لتحقيق الاستقرار في هذه المنطقة.
على الرغم من استعادة جنوب سورية – فقد استعادت للتو قوات النظام وروسيا درعا، إلا أن 40 في المئة من الأراضي ما تزال خارجة عن سيطرة الأسد. هذا الأخير[الأسد]، مع ذلك، يتوقع أن يتمتع بلحظات جديدة من المجد.
ومع ذلك، لن يبذل المزيد من الجهد بحثًا عن أصدقاء جدد يقدمون أنفسهم إليه، أو عن أصدقاء قدامى يعودون بدورهم. في دليل الدكتاتور المثالي الذي ورثه عن والده، ما عليه في معظم الأحيان إلا أن ينتظر ببساطة، ويصمد، والأقدار ستكون معه بصورة طبيعية. وقد أظهرت له مدة حكمه المستمرة منذ 18 عامًا مدى صدق هذه القاعدة. حتى تصمد، ولكن أيضًا لاستغلال الفرص، على سبيل المثال، فضمان أن الرعاية المزدوجة الروسية-الإيرانية، التي تعني بالضرورة التنافس في سياق تواطؤ تاريخي بين الإسرائيليين وعائلة الأسد، ستترك له مجالًا للمناورة. أو -مثال آخر- الاستفادة من النزوح السكاني الهائل، في داخل سورية (أكثر من ستة ملايين شخص) أو خارجها (من خمسة إلى ستة ملايين)، لإعادة تشكيل التوازن الديموغرافي للبلاد، على الأقل في مناطق حاسمة معينة، لصالح النظام ورعاته الإيرانيين. لقد كان الرئيس الأسد فخورًا بأن يزعم أنه بفضل رحيل المنفيين، “لقد حصلنا على مجتمع أكثر صحية وأكثر تجانسًا” (صيف 2017، عند افتتاح معرض دمشق). في أوقات أكثر دقة، كان هذا يُسمى تطهيرًا عرقيًا. يوقع الأسد الآن مراسيم تحرم المنفيين من ممتلكاتهم. من الشائع بالنسبة إلى قلة من المنفيين الذين سيعودون إلى ديارهم أن يتم قتلهم من قبل ميليشيات النظام.
منذ أيام عدة، تتلقى المئات من العائلات السورية الإخطار الرسمي بوفاة الآلاف من أقاربهم، بين عامي 2011 و2014، في السجون السورية، وغالبًا نتيجة للتعذيب. في المناقشات الدبلوماسية بين العواصم الكبرى، لا يتم الحديث إلا عن تشجيع إعادة إعمار البلد لتشجيع عودة اللاجئين.
اسم المادة الأصلي | Portrait of Bashar al-Assad – President of the Syrian Arab Republic |
الكاتب | ميشيل دوكلو،Michel Duclos |
مكان النشر وتاريخه | معهد مونتايه،INSTITUTE MONTAIGNE، 20/11/2018 |
رابط المادة | https://www.institutmontaigne.org/en/blog/portrait-bashar-al-assad-president-syrian-arab-republic?fbclid=IwAR19qgkeYZczMB1wrsBfwHXkUEtXT3vVM-9wfprev00TZgBWed1XGRuvqNc |
عدد الكلمات | 2396 |
ترجمة | وحدة الترجمة والتعريب/ أحمد عيشة |
ميشيل دوكلو: مستشار خاص – في الشؤون الجيوبوليتيكية، سفير سابق
تخرج من المدرسة الوطنية الفرنسية للإدارة، دبلوماسي فرنسي، يقدم المشورة لمعهد مونتانيه. وهو مؤلف الورقة السياسية “سورية: لإنهاء حرب لا نهاية لها”، نشرها معهد مونتانيه في حزيران/ يونيو 2016.
من عام 1984 إلى عام 1987 شغل منصب نائب مدير مركز التحليل والتخطيط والاستراتيجية في وزارة الخارجية الفرنسية، وبين عامي 2000 و2002 كان سفيرًا في اللجنة السياسية والأمنية في بروكسل، وبعد ذلك حتى عام 2006 كان نائب الممثل الدائم لفرنسا لدى الأمم المتحدة. بين عامي 2006 و2009 كان مايكل دوكلو سفيرًا في سورية، ثم في سويسرا من عام 2012 إلى عام 2014.