عنوان المادة الأصلي باللغة الإنكليزية: | Putin’s Middle East Triangle |
اسم الكاتب | Audrey L. Altstadt أودري لـ. آلت ستادت |
مصدر المادة الأصلي | Wilson Center |
رابط المادة | https://www.wilsoncenter.org/sites/default/files/kennan_cable_no.23_-_putins_middle_east_triangle.pdf/ |
تاريخ النشر | 23 تموز/ يوليو 2017 |
المترجم | مروان زكريا |
المحتويات
الأهداف الروسية والسوفياتية في الشرق الأوسط
الجبهة الطويلة لبوتين في الغرب
مقدمة
إن خطة التصعيد الروسية – الإيرانية – التركية في سورية تخبرنا أكثر عن الرؤية الجيوسياسية الروسية لنفسها أكثر من إمكان تحقيق السلام في سورية. ويدعو الاتفاق الذي جرى التوصل إليه في 4 أيار/ مايو في آستانة في كازاخستان القوات الثلاث إلى المساعدة في المحافظة على وقف النار وتقديم المساعدات الإنسانية في أربع مناطق من مناطق التصعيد. وستحمي القوات التركية والروسية المناطق، لكن مساعدة الأمم المتحدة (لا حاجة إليها). وقد لا تكون هذه الخطة أكثر فاعلية من وقف إطلاق النار المنشود السابق، ولهذا الاتفاق ثغراته الخاصة به: لن تقوم روسيا بقصف تلك المناطق ما دام (الثوار) ملتزمون بوقف إطلاق النار. ثم إن هوية (الثوار) وحقيقة التزامهم بوقف إطلاق النار تحددها روسيا([1]).
ولكن الأهداف التي يكشفها الاتفاق تظهر الطموح السياسي للأطراف. وبجعل هذه القوات ضامنة لعملية التصعيد المتوقعة، فإن الخطة تُبرز موقع كل بلد داخل سورية في المنطقة. فتركيا تعصف بالأكراد، وتستمر إيران بدعم الشيعة ونظام الأسد. لكن الرابح الأكبر، بغض النظر عن النفقات، هو موسكو. فروسيا ليست مستعدة لاستعادة سلطتها (السياسية والتجارية والعسكرية) في الشرق الأوسط فحسب، ولكنها تثبت نفسها قوة عالمية بارزة في هذه المنطقة على حساب الولايات المتحدة.
الأهداف الروسية والسوفياتية في الشرق الأوسط
كان التواصل الروسي مع الشرق الأوسط أسلوبًا متكررًا للسياسة الخارجية منذ سعي موسكو للوصول إلى البحر الأسود في أواخر القرن السابع عشر. وفي القرن الثامن عشر، بنى بطرس الأكبر أسطولًا لمحاربة العثمانيين هناك. واستولت كاثرين العظمى على ساحله الشمالي، مع شبه جزيرة القرم، واكتسبت الحقوق الخاصة بالمسيحيين الأرثوذكس في الأراضي المقدسة تحت سيطرة العثمانيين. وفي وقت لاحق، أدى التنافس الروسي مع فرنسا وبريطانيا إلى الوصول إلى شرق البحر الأبيض المتوسط إلى حرب القرم في أواسط القرن التاسع عشر. وأنهى انهيار امبراطورية رومانوف إبان الحرب العالمية الأولى آمال روسيا للسيطرة على المضيق، وآلت مساعي ستالين لإحياء تلك الإمبراطورية إلى الإحباط ذاته عند نهاية الحرب العالمية الثانية.
لقد غير الحكم البلشفي الخطاب الروسي، لكنه لم يغير أهدافه. فقد توقع لينين والنواة المثقفة للقيادة البلشفية الثورة العالمية، وليس ثورة تقتصر على روسيا مع بروليتاريتها الصغيرة فحسب. ونظرًا إلى الضعف الذي وصلت إليه الصناعة في وقته، شدّد لينين على فكرة أن سكان العالم (الاستعماري وشبه الاستعماري) يكوّنون نوعًا من الطبقة العاملة للإمبراطوريات الرأسمالية-الصناعية كالإمبراطورية البريطانية. وبعد الحرب العالمية، ظن لينين أن تركيا الناشئة وإيران كانتا مهيأتين بصورة خاصة للنداءات البلشفية. ووضع احتلال الجيش الأحمر للقوقاز، بدءًا من أذربيجان في عام 1920، نظام لينين على أعتاب الشرق الأوسط.
وهكذا تحولت عاصمة أذربيجان، مدينة باكو الصناعية، تحت الاستراتيجية البلشفية من (جرس إنذار) للاضطرابات العمالية في المرحلة القيصرية إلى (نقطة انطلاق الثورة) للعالم الاستعماري. ولعرض مدينة باكو نموذجًا للحكم السوفياتي في (العالم الإسلامي)، استضافت مدينة النفط مؤتمر الكادحين في الشرق في أيلول/ سبتمبر عام 1920، عندما كان البلاشفة يسيطرون على جزء واحد من أذربيجان. وطوال ذلك العقد، وضع النظام الشيوعي سياسات في باكو مغايرة للسياسات الموضوعة في المناطق الإسلامية المجاورة، وبخاصة في تركيا وإيران. وأدت استعادة الاستقرار السياسي في تلك البلدان في أواسط عشرينيات القرن العشرين إلى رفض قادتها للاقتراحات البلشفية.
لم تحاول موسكو السعي مجددًا لعقدين من الزمان، عندما حاولت يد ستالين الثقيلة السيطرة على مناطق من تركيا وإيران بعد الحرب العالمية الثانية. ولم يتمكن سوى خلفاء ستالين الاقترابَ من الشرق الأوسط بطريقة أكثر ملاءمة: ليس بوصفه منارة ثورية، بل شريكًا تجاريًّا، وحتى (قوة مسلمة)، مع ملايين من المسلمين السعداء لحصولهم على طاقة كهربائية أفضل وعدد مدارس أكثر منها في الدول الإسلامية المجاورة. وقد اتبع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نهج كل من بطرس الأكبر ولينين، ثم خطا خطوة أبعد، فقد أقام علاقات تجارية وسياسية مع إيران وعزز العلاقات السياسية مع تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي، ما جعل روسيا جسرًا بين الاثنين، إضافة إلى جعلها منسقًا للسياسة في منطقتهما، وبخاصة في هذا العقد، في سورية.
الجبهة الطويلة لبوتين في الغرب
بفضل عمل بوتين الهادئ والمستمر، أعاد تأسيس التأثير الروسي وحتى الوجود العسكري في مناطق كانت مرغوبة تاريخيًا من القيصر والمفوضين في النظام الشيوعي. وقد أمضى الزعيم الروسي وقتًا طويلًا في إعادة بناء العلاقات مع إيران وتركيا بالصفقات التجارية الثنائية والدبلوماسية والتعاون العسكري وتأثير العلاقات الدولية، من مثل السياحة (إلى تركيا)، والعلاقات المؤسساتية متعددة الأطراف بوساطة منظمة شانغهاي للتعاون. وتؤكد مباحثات السلام في سورية تحت الرعاية الروسية، بدءًا من مباحثات مطلع العام في آستانة بكازخستان، مرورًا بالقاعدة البحرية الروسية في ميناء طرطوس([2])، واستخدام القاعدة الجوية قرب اللاذقية، تؤكد الوجود الروسي في المنطقة للسنوات الـ 49 المقبلة([3]).
ثمة نمط معين. شبه جزيرة القرم (ومن ثَمَّ أوكرانيا)، والمضائق (ومن ثم تركيا)، ودول شرق المتوسط (سورية ولبنان وفلسطين) تمثّل كلها، من وجهة نظر روسية، جبهة طويلة. فشبه جزيرة القرم ليست جزءًا من (المشكلة الأوكرانية) ومنفصلة عن القاعدة الجوية في اللاذقية جزءًا من (المشكلة السورية). تمتد هذه الجبهة الطويلة من بحر البلطيق شمالًا إلى قناة السويس جنوبًا. وبالنظر إلى الخريطة من هذه الوجهة، وجهة نظر موسكو، تظهر الإجراءات في هذه المناطق أجزاءً من سياسة استراتيجية واحدة تتطلب رؤية مقابلة للتحليل والاستجابة. وعلى المنوال نفسه، يبدو أن تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي، التي فككت خط المواجهة للتوسع الروسي، قد لانت في ما يبدو، بوصفها حصن التأثير الغربي، بسبب العلاقات الودية الجديدة بين بوتين والرئيس التركي متزايد الاستبداد، رجب طيب أردوغان، المستشيط غضبًا من جراء النقد الغربي لحوادث القمع السياسية الأخيرة. إن بوتين بحاجة إلى هذه المشاركة الناشئة من أجل خطته في الغرب، تمامًا كما يحتاج أردوغان إلى الغاز الروسي والسائحين الروسيين.
ما وراء تلك الجبهة الطويلة؟ من بحر البلطيق إلى شبه جزيرة القرم، خلف هذه المنطقة روسيا نفسها. لكن البلدان التي تحد من الشرق الجزء الجنوبي لهذه الجبهة هي بلدان تسعى روسيا لإدارتها ويسعى بوتين بدرجات متفاوتة لبسط نفوذه عليها. ففي شرق تركيا توجد الجمهوريات السوفياتية السابقة جنوب منطقة القوقاز، جورجيا وأرمينيا وأذربيجان. وفي شرق سورية توجد العراق الغارقة في الفوضى والقوة الإقليمية إيران. إن علاقات هذه الدول، خلف جبهة بوتين الغربية، لها آثار سياسية واقتصادية واستراتيجية هائلة لروسيا وللشرق الأوسط وللعالم.
القوقاز في المثلث
تقع ولايات جنوب القوقاز وسط المثلث الجيوسياسي الذي حددته العلاقات التركية-الروسية-الإيرانية. ولكن كلًا من الدول الثلاث الصغيرة هذه لا تؤدي دورًا ولا يمكنها أداء دور في هذا المثلث. فأرمينا لديها حدود مشتركة مع تركيا لكنها لا تقيم علاقات دبلوماسية معها. وأرمينيا تحد إيران، وتقيم معها علاقات ودية وتجارية، ولكن لا حدود مشتركة لها مع حليفتها السياسية والاقتصادية، روسيا. ثم إن يريفان، عاصمة أرمينيا، منزعجة من الأسلحة الروسية التي تُباع إلى عدوتها، أذربيجان. وجورجيا معادية لروسيا، وهي تحرض الأقليات الانفصالية على طول الحدود المشتركة في جبال القوقاز المضطربة. بيد أن تبيلسي تحافظ على علاقات ودية مع جارتها تركيا، الشريك التجاري والمقصد الشعبي للسواح الجورجيين. ولا حدود مشتركة لجورجيا مع إيران، لكنها تتمتع بتجارة متنامية وباستثمارات إيرانية في عدد من المجالات الرئيسة، منها الطاقة والزراعة.
بعكس أذربيجان الغنية بالنفط والغاز، فهي الدولة الوحيدة التي تحد كلًا من روسيا وإيران وتركيا، وتمتد الأخيرة -تركيا- مسافة 20 ميلًا داخل منطقة ناخيفان. تتمتع أذربيجان بعلاقات دبلوماسية وتجارية مع كل من جيرانها الثلاثة إضافة إلى جورجيا. ويحمل خط أنابيب النفط (باكو-تبيلسي-جيهان) النفط من مدينة باكو إلى مدينة جيهان التركية الواقعة على البحر المتوسط، على بعد أقل من 200 ميل شمالي القاعدة الروسية في طرطوس([4]). ويجري حاليًا إنشاء خط للغاز الطبيعي من باكو عبر تركيا إلى أوروبا يتعشّق مع صفقات الغاز الروسية-التركية([5]). وأخيرًا، فإن أذربيجان مستعدة لأن تكون الحلقة الأخيرة في ممر بري بين إيران وروسيا. وأصبحت مدينة باكو محورًا رئيسًا في العلاقات الثلاثية لجيرانها الأقوياء.
يتحرك الرئيس الأذربيجاني إلهام علاييف بحرية بين اثنتين من الدول المجاورة على الأقل. وعلاوة على إتقانه اللغة الإنكليزية، فهو يتحدث الروسية بطلاقة، واللغة الأذربيجانية قريبة جدًا من اللغة التركية لتكون مفهومة للطرفين. والعلاقات مع إيران لائقة عمومًا إن لم تكن ودية دائمًا، لا سيما تحت قيادة روحاني. وعلى الرغم من أن أغلب سكان أذربيجان من الطائفة الشيعية، إلا أن القضايا الخلافية تهيج العلاقات الإيرانية-الأذربيجانية، بما في ذلك علاقة باكو مع إسرائيل، ونظام أذربيجان العلماني، وخوف طهران من جذب دولة أذربيجان، بصفتها دولة مستقلة، الإيرانيين الأذربيجانيين الذين يرزحون تحت الضغط الثقافي للدولة والأغلبية الفارسية. ومع ذلك، فإن موقع أذربيجان وموارد الطاقة فيها يجعلانها لاعبًا رئيسًا في المنطقة على الرغم من الانتخابات المزيفة وانتهاكات حقوق الإنسان والفساد المتفشي فيها.
الجبهة الجنوبية
من المؤكد أن أضعف دعامات هذا المثلث هي العلاقات التركية-الإيرانية. فعلى مر قرون من الزمن كانت الدولتان تتنافسان على أراض وموارد. وأضاف اعتماد إيران المذهب الشيعي دينًا للدولة حوالى عام 1501 عنصرًا طائفيًا إلى عداوتهما المتبادلة. لكن ثمة أسباب للتقارب حاليًا. فالمصلحة المشتركة للزعيمين في كل من أنقرة وطهران هي قمع الأكراد. وقد أدت هذه المصلحة المشتركة إلى بعض الرضا التركي عن دور إيران في العراق، وهو ما جسّدته زيارة رئيس الوزراء التركي بينالي يلدريم في شباط/ فبراير إلى بغداد لتلقي الدعم بإبقاء حزب العمال الكردستاني خارج منطقة سنجار شمال العراق([6]). وقد تتنازل أنقرة عن اعتراضاتها على إبقاء الأسد في دمشق من أجل حصولها على ضمان حرية التصرف ضد السوريين الكرد، والاتفاق المعقود في أوائل شهر أيار/ مايو في آستانة ينظم هذه المبادلة.
وما تزال قضايا أخرى، تحديدًا في سورية، تعرقل التعاون التركي-الإيراني. إذ إن المشروعات المتنافسة على خطوط أنابيب الغاز عبر سورية لن تفيد سوى واحدة من الدولتين. فإحدى المشروعات هو خط يبدأ من قطر مرورًا بالمملكة العربية السعودية وتركيا وصولًا إلى بلغاريا. والخط الآخر يبدأ من إيران مرورًا بالعراق وسورية، ويحاذي الحدود التركية ليعبر البحر الأبيض المتوسط ويصل إلى اليونان([7]). المشروعان كلاهما يمران من سورية. وإن أحد هذين الخطين، أو أي خط أنابيب جديد حقيقةً، سيقلل الاعتماد الأوروبي على الغاز الروسي، ومن ثَمَّ يقوض ربح شركة غازبروم ونفوذ موسكو في أوروبا. وما دامت سورية غارقة في الحرب الأهلية، لا يمكن أن يحدث أي تشييد. تمنح خطة آستانة، باستثنائها على الرد على (أعمال المتمردين)، الدولة الضامنة رخصة دائمة لقصف أي منطقة([8]). وقد فعلت روسيا ذلك في وقت سابق لا في أكثر من وقف واحد لإطلاق النار. وإذا عم السلام على أساس هذه المناطق، قد تؤخر منافسة الضامنين على الأرض عمليات البناء، الأمر الذي يصب في مصلحة روسيا أيضًا. ولذلك فإن مشروعات خطوط الأنابيب التي تمر من سورية تبقى خيالية جميعها.
ممر العبور بين الشمال والجنوب
بنقيض غيره، إن ممر العبور بين الشمال والجنوب حقيقة بالفعل. وسوف تُربط خطوط السكك الحديد الروسية والإيرانية عبر أذربيجان، الدولة الوحيدة المتاخمة للدولتين. وسوف ينافس الطريق البري، وربما يحول التجارة بعيدًا عن طريق التجارة البحرية عبر قناة السويس، مع تداعيات اقتصادية وسياسية وعسكرية في أنحاء العالم كلها.
ويعود مفهوم الممر العابر البري هذا إلى عام 2002 على الأقل. وقد حصل تقدم لم يكن ملحوظًا من المجتمع الدولي، حينما وسعت إيران خط السكة الحديد الداخلية شمالًا وجنوبًا، فامتد من ميناء بندر عباس، ميناء رئيس على الخليج الفارسي جنوبًا، ليصل إلى مدينة قزوين شمالًا. تلقى المشروع دعمًا علنيًا كبيرًا من الرئيس بوتين وعلاييف والرئيس الإيراني حسن روحاني في اجتماع باكو في آب/ أغسطس. وبحلول كانون الثاني/ يناير عام 2017، كان تمديد خط السكك الحديد المتجه شمالًا من مدينة قوزين إلى مدينة رشت قرب الحدود الأذربيجانية قد اكتمل بنسبة 90 في المئة.
تجدر الإشارة إلى أن أذربيجان وإيران وروسيا هي دول منتجة للنفط والغاز، وقد تأثرت بسبب انخفاض أسعار النفط. وتتعرض الدولتان الأكبر إلى عقوبات غربية، ومن المحتمل أن تكون أذربيجان عرضة لقانون ماغنيتسكي العالمي. وتتعرض الدول الثلاث للنقد من منظمات ودول غربية لانتهاكاتها لحقوق الإنسان وإخفاقاتها في العملية الديمقراطية في الانتخابات والتشريع والقضاء. وتربط هذه الصفقة السياسية والمالية العلنية من أجل التجارة و(الأمن) الرؤساء الثلاثة، وتعد غطاء لقمع الاضطرابات الداخلية وصد النقاد الأجانب. ومن الأهداف الأخرى التعاون العسكري والاستخباراتي على الأرجح.
وقد تعهدت روسيا وأذربيجان، في العام الماضي، بالتمويل بكمية غير محددة من الأموال([9]) لاستكمال خط سكة الحديد الأخير الواصل بين أسترا وأذربيجان ورشت وإيران. ومن المقرر إنهاء بناء هذا الخط، الذي يصل طوله إلى 140 كم، عام 2017، ومن المحتمل أن ينقل ملايين الأطنان من البضائع بعيدًا عن الطرق البحرية. فالبضائع، ومنها العسكرية، يُتوقع أن تصل إلى 6 ملايين طن في العام عند الافتتاح وتزيد إلى 15-20 مليون طن في المستقبل([10]). ويصبح التهريب أسهل أيضًا. وتثير حركة الركاب تحديات أمنية نظرًا إلى قربها من مجموعات إرهابية من مثل تنظيم الدولة الإسلامية.
الصفقة المربحة للدول الثلاث
صفقة خط السكة الحديد مربحة للدول الثلاث. وهي تساعد إيران في الخروج من العزلة الدولية التي تفرضها عليها الولايات المتحدة بصورة رئيسة منذ عملية احتجاز الرهائن في الثورة الإسلامية عام 1979. ستتمكن إيران إيصال خط سكتها الحديدية المحلية إلى روسيا وتوصيل ميناء بندر عباس، الذي يتلقى كمية كبيرة من البضائع من الهند. ومع اتصال خط السكك الحديد الجديد، فإن إيران ستستحوذ على حصة أكبر من التجارة من الهند التي تمر حاليًا إلى أوروبا عبر طرق مائية. إن توسيع حجم التجارة، إضافة إلى متطلبات صيانة نظام السكة الحديد، سينتج عائدًا إلى إيران وقد يساهم في تعهد روحاني بإنشاء وظائف غير نفطية للشباب الإيراني.
ستمكن هذه الخطوات طهران تقديم صورة أقوى في الاقتصاد والعلاقات الدولية للشعوب من شرق المتوسط إلى وسط وجنوب آسيا. وعلاوة على ذلك، فإن هذا المشروع ينعكس في مشروع إنشاء خطوط السكك الحديد في شرق إيران من ميناء شابهار (وجهة أخرى لسلع جنوب آسيا) شمالًا إلى مدينة زهدان الحدودية مع كل من باكستان وأفغانستان. وقد تكون الخطوة المقبلة شمالًا إلى تركمنستان. وفي الوقت نفسه، تطوّر الصين ميناء غوادار الباكستاني بوصفه جزءًا من الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني، الذي يهدف إلى تجنب شحن النفط من الشرق الأوسط إلى آسيا عبر مضيق مالاكا([11]). وتكسب إيران من أحد هذين المشروعين، بل ستكسب أكثر في حال اكتمال المشروعين. عندئذ، قد تصبح العقوبات الأميركية محض إزعاج بسيط.
أما أذربيجان، فقد كانت تعتزم أن تصبح مركزًا للعبور منذ التسعينيات. وركزت المناقشات في هذه الفكرة على تجارة العبور بين الشرق والغرب التي تصل إلى وسط آسيا، وربما الصين، إلى الشرق الأوسط وأوروبا عبر تركيا. وتلك الفكرة، بطبيعة الحال، لا تعوق الممر بين الشمال والجنوب الذي يقترب من الانتهاء. فقد تعرضت أذربيجان لخسارات فادحة في المدخول من جراء هبوط أسعار النفط عام 2014، على الرغم من المزاعم التي تشير إلى نقيض ذلك (تعرضت قيمة العملة الأذربيجانية “المانات” إلى ثلاثة تخفيضات منذ أوائل عام 2015، وكان آخرها شهر كانون الثاني/ يناير الماضي). لن يدر مشروع سكة الحديد الملايين فحسب، بل سوف يعزز المدخول الحكومي، بعكس تنوع الاقتصاد في الصناعات المحلية، ويعود بالفائدة على قلة من التجار الكبار المنغمسين في قطاعات البناء والنقل. وهذا بدوره يعزز سيطرة عائلة علييف على سدة الحكم([12]).
وقد توصلت أذربيجان إلى شركاء محتملين آخرين لممر العبور بين الجنوب والشمال. في كانون الثاني/ يناير، وقعت حكومة علييف اتفاقًا مع البنك الإسلامي للتنمية في المملكة السعودية العربية لتوسيع ممارسة الإقراض الإسلامي في أذربيجان([13]). إن الحكومة السعودية مهتمة بالممر. وفي ما يبدو، فهي مستعدة لقبول التجارة مع إيران أو بوساطتها عبر ميناء بندر عباس.
روسيا: الرابح الأكبر
لن تكسب روسيا من الممر فحسب، بل من علاقاتها التجارية والعسكرية مع شركائها في المثلث وفي منطقة القوقاز أيضًا. أولًا، الممر: صرح بوتين أن الممر الأرضي سيكون طريقًا تجاريًا بديلًا (أقصر وأرخص) لنقل البضائع من آسيا إلى أوروبا. ومن ثَمَّ، يمكن لروسيا فرض ضرائب على السلع التي تذهب غربًا وقد تعقد صفقات إضافية بإرسال بضائع شرقًا، ما يؤدي إلى ازدهار التجارة، ومن ثَمَّ زيادة العلاقات السياسية مع دول وسط آسيا والصين. وعلاوة على ذلك، فإن سيطرة روسيا على مجرى فريد للتجارة إلى أوروبا، كخط الغاز، قد يمنح موسكو نفوذًا، وإن كان هامشيًا، على البلدان الغربية.
ولقد كانت إيران شريكًا رئيسًا في إسقاطات روسيا للسلطة على الشرق الأوسط، بالسماح لها باستخدام قواعدها والعبور في مجالها الجوي. وبعد حل أزمة إسقاط الطائرة الروسية في المجال الجوي التركي السنة الفائتة، تصالحت أنقرة مع الوجود العسكري الروسي ومع عبور السفن الحربية الروسية قبالة سواحلها للوصول إلى قاعدتها السورية. ومنحت هذه المشاركات والاتفاق بشأن سورية روسيا فرصة أكبر للوصول إلى الجهاديين الشيشان العائدين، الذين يمكن أن يهدد تأثيرهم السيطرة الروسية في منطقة القوقاز.
هل تُعدّ روسيا حقًا الرابح الأكبر في سورية، بعد أن حولت مقاتلاتها الجوية البنية التحتية إضافة إلى قسم كامل من مدينة رئيسة، مثل مدينة حلب، إلى أنقاض؟ إذا كانت روسيا بقيادة بوتين تريد (المحافظة) على سورية وعلى نظام الأسد كذلك، وجعلها قابلة للسكن وعميلة ممتنة لها، عندئذ يكون هذا التدمير ضد هذا الهدف. ولكن إن كان بوتين يريد أن يظهر أنه يسيطر على مفاتيح منطقة استراتيجية كهذه، وأن روسيا، وليس الولايات المتحدة، هي القوة الفاعلة في شرق المتوسط، عندئذ يكون التدمير معززًا لموقعه وصورته. فإن استخدام القوة الساحقة هو جزء من العقيدة العسكرية الروسية، كما ظهرت ضد (الراديكاليين) في غروزني والجمهورية الشيشانية. وعلاوة على ذلك، يمكن للانتصار الروسي في سورية أن يكون انتصارًا (للقيم) الروسية في الاستقرار، وهزيمة للقيم الغربية في الديمقراطية وحقوق الإنسان التي يعدّها السلطويون أمورًا مزعزعة للاستقرار وتطفلية. وقد اعترفت القيادة الأميركية الجديدة بالأخيرة. فمع تقويض التأثير الغربي والمبادئ التقليدية، يكون الخاسر الأكبر هو من يعيش في منطقة النزاع ويأمل في إنهاء القمع.
([1]) يعود الفضل إلى هنري باركي، وسارة شاييس، وراجان مينون، لتعليقاتهم على مسودة سابقة من هذه الدراسة.
([2]) وردت في النص الأصلي (طرسوس)، ويبدو أن المقصود هو مدينة السورية (طرطوس) حيث القاعدة الروسية {المدقق).
([3]) Rod Nordland, “Russia Signs Deal for Syria Bases’ Turkey Appears to Accept Assad,” NYT Jan 20, 2017, https://www.nytimes.com/2017/01/20/ world/middleeast/russia-turkey-syria deal. html?action=click&contentCollection=Middle%20
([4]) Michael Peck, “How Russia Is Turning Syria into a Major Naval Base for Nuclear Warships (and Israel Is Worried),” The National Interest, March 18, 2017; http://nationalinterest.org/blog/the-buzz/how-russia-turning-syriamajor-naval-base-nuclear-warships-19813
([5]) سيكون خط Trans-Anatolian pipeline المعروف بـ TANAP امتدادًا لخط القوقاز الجنوبي (SCP) الموجود حاليًا الذي ينقل الغاز من باكو إلى إرزروم؛ ومن المتوقع أن يكتمل العمل مع نهايات عام 2018 لينقل الغاز من غرب تركيا إلى أوروبا ابتداء من عام 2020.
See http://www.bp.com/en_ge/bpgeorgia/about-bp/bp-in-georgia/south-caucasus-pipeline– scp-.html for details.
([6]) Baraa Sabri, “Saudi and Iranian Rapprochement in the Face of Russia and Turkey,” Feb 15 2017, http://www.washingtoninstitute.org/fikraforum/view/saudi-and-iranianrapprochement-in-the-face-of-the-russia-and-turkey
([7]) Charis Chang, “Is the fight over a gas pipelines fueling the
world’s bloodiest Conflict,” Dec 2, 2015; http://www.news.com.au/world/middle-east/is-the-fight-over-a-gas-pipelinefuelling-the-worlds-bloodiest-conflict/news story/74efcba9554c10bd35e280b63a9afb74
7 The terms are similar to the 1939 Molotov-Ribbentrop Pact
that protected Estonia as long as it remained neutral but
left the definition of that neutrality up to Moscow.
([8]) الشروط مشابهة لاتفاقية مولوتوف-ريبينتروب 1939، التي حمت إستونيا طالما ظلت محايدة، لكن الاتفاقية تركت تحديد معنى تلك “الحيادية” بيد موسكو.
([9]) Azertac January 7, 2017; “Russia ready to finance RashtAstara
railway construction,” 26, November 2016, http://realiran.org/russia-ready-to-finance-rasht-astara-railwayconstruction/
9 In 2007, 7,700 container ships carried over 318,000 tons of cargo through the Suez Canal noted a World Shipping Council Report
([10]) في عام 2007، حملت 7700 سفينة أكثر من 318 ألف طن من الشحنات عبر قناة السويس بحسب تقرير لمجلس الشحن العالمي.
http://www.worldshipping.org/pdf/suez-canal-presentation.pdf
A 2017 report (Luke Graham, “Cargo ships could save thousands by skipping the Suez Canal,”
وفي تقرير عام 2017؛ لوك غراهام، بعنوان: “يمكن لسفن الشحن توفير الآلاف بتجنب المرور بقناة السويس”.
CNBA 26 Feb 2017; http://www.cnbc.com/2016/02/26/cargo-ships-could-save-thousands-byskipping-the-suez-canal.html
أشار إلى أنه مع انخفاض أسعار النفط، تفضل بعض الفن تجنب رسوم القناة الباهظة، وتسلك الطريق الأطول حول القارة الأفريقية.
([11]) عن مشروع ميناء كاباهار، وزيارة مودي إلى إيران في أيار/ مايو
2016 – Diplomat article (July 11, 2016, by Kabir Taneja)
([12]) Amina Nazali, “Iran minister says joint transport projects to bring multiple benefits,” January 18, 2017, http://today.az/news/business/157826.html
([13]) Nigar Abbasova (Today.az), “Azerbaijan, IDB signed grant agreement…” January 18,
2017, http://today.az/news/business/157828.