تاريخ النشر الأصلي: 27 أيار/ مايو 2016
المصدر: BROOKINGS
دانييل ل. بيمان: مدير الأبحاث في مركز سياسات الشرق الأوسط
شهد يوم الإثنين الماضي مقتل أكثر من ثمانين شخصًا، والرقم مرشحٌ للارتفاع إلى 120، في هجمات لداعش على المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام، بالقرب من القواعد الروسية في سورية، وتظهر تقارير حديثة أنّ داعش دمرت، في وقت سابق من هذا الشهر، طائرات مروحيّة روسيّة، تعمل في قاعدة عسكرية وسط سورية. بيد أنّ النظام السوري وروسيا ليسا أعداء داعش الوحيدين، حيث إن الأخيرة تخوض صراعًا مميتًا مع تنظيم القاعدة في سورية، وفي أماكن أخرى من العالم الإسلامي، وفي الوقت ذاته، يرى تنظيمُ القاعدة في الدولة الإسلامية الصاعدة تهديدًا خطيرًا؛ فموقف القاعدة، في مقرّها الرئيس في باكستان، ضعيف، وقد وردت تقارير تفيد بأنّها نقلت كبار قادتها إلى سورية، وتسعى إلى منافسة الدولة الإسلاميّة، وإقامة إمارتها الخاصّة هناك.
من هذا المنظور، يشكّل فهم أهمية، ومدى ومدة، هذا التنافس شرطًا لازمًا لمكافحة الإرهاب في المستقبل. فعلى الرغم من خطورة هاتين الجماعتين، كل على حدة؛ فإن مجرّد التفكير في ما يمكنهما فعله إذا ما اتّحدتا، أمرٌ مثيرٌ للرعب، وإمكانيّة حدوث ذلك لا تبدو مستحيلة.
صحيحٌ أن لكل جماعة أهدافًا مختلفة؛ حيث يركّز تنظيم القاعدة -بشكلٍ أكبر- على الهجوم ضد الولايات المتحدة، في حين تسعى داعش إلى تعزيز الدولة الإسلامية، وتوسيع رقعتها، إلّا أن كلتيهما مرتبطة بالعديد من الروابط الشخصية، المبنيّة على أساس أن أفرادهما قاتلوا معًا، في أفغانستان والعراق، وعلى جبهاتٍ أخرى. إنّ أفرادًا كثرٌ من هاتين المجموعتين، لاسيما المتواجدين منهم خارج العراق وسورية، يعدّونَ أنفسهم إخوة في السلاح، ولا يعنيهم أمر الانحياز إلى جماعةٍ ضدّ الثانية، فضلًا عن أن لدى الجانبين كليهما مصادر التمويل والتجنيد ذاتها؛ ما يدفعهما لاتّخاذ مساراتٍ متماثلة.
يزعم بعض أهمّ الباحثين في شأن الإرهاب في العالم، من أمثال زميلي بروس هوفمان، أنّ الاندماج بين الجماعتين قد يحدث فعلًا. ويحذّر هوفمان من أنّه لم يكن من الصواب أن يتمّ استبعاد القاعدة، كما حدث مرارًا في الفترة الماضية، ويؤكّد أن أوجه التشابه العقائدية بين القاعدة وداعش تفوق الاختلاف بكثير، وكأنّهما وجهان لعملةٍ واحدة، لكننّي، وعلى الرغم من أنّني أوافق على فكرة أن الحركتين قد تندمجان معًا، في مرحلة ما، أرى أن أوجه الاختلاف بينهما عميقةٌ؛ إلى درجة أنها تشكّل تحديًا أمام أيّ وحدة بينهما.
لطالما ابتليت الحركات الجهادية الحديثة بالانقسامات، وقد يكون الجهاديون المتنافسون وراء اغتيال عبد الله عزام، زعيم الحركة العربية الأفغانية عام 1989، كما حاول جهاديّون آخرون قتل أسامة بن لادن نفسه، خلال الفترة التي قضاها في السودان، وفي الأصل نشأ تنظيم القاعدة كحركة منشقة عن القضية العربية-الأفغانية الأعمّ، وغالبًا ما واجه صعوبةً في التعامل مع الجهاديين، علاوةً على السيطرة عليهم.
لقد تمكّن تنظيم القاعدة في أواخر التسعينيات، وفي أعقاب أحداث 11 سبتمبر، من توحيد فروع كثيرة للحركة الجهادية الحديثة، وكثيرًا ما استطاع الحصول على تمويلات كبيرة، وتمكّن من الوصول إلى معسكرات التدريب في باكستان وأفغانستان، وحتى الجماعات التي لم تشارك التنظيم رؤيته أرادت الحصول على التمويل المالي، وتحسين كفاءة أفرادها؛ فمكّنت هذه السيطرة تنظيمَ القاعدة من توجيه المجندين نحو العملاء بحسب رغبته، ما مكّن مجموعة متماثلة في الفكر، في بلد ما، من أن تصبح أقوى، عندما يتواجد التنظيم في البلد نفسه، جامعًا بذلك المجموعات حول رؤية مشتركة، أضف إلى ذلك أنّ فلسفة ابن لادن، وشخصيته، كانتا غير عاديتين؛ إذ كان رجلًا يتمتع بالكاريزما والتواضع في الوقت نفسه، ولم يكن يسعى وراء التملق؛ الأمر الذي كان يلهم أتباعه؛ وبالتالي كان تركيبةً مثاليّة لتوحيد حركة مليئة بشخصيات قوية ومتعصبة، وبطبيعة الحال، فإن الهجمات على الولايات المتحدة منحت الجماعة هيبة كبيرة؛ ما جلب للتنظيم المزيد من المجندين والتمويل، وأخيرًا، وبعد حوادث أيلول/ سبتمبر، وحّدت الولايات المتحدة وحلفاؤها الجهود لمكافحة الإرهاب؛ ما أدى إلى انصهار فصائل مختلفة من الحركة الجهادية في بوتقةٍ واحدة، بناءً على أهدافها وتدريبها المشترك، وتحرك أجهزتها الموجودة في الخارج، وخاصة تلك الواقعة في أفغانستان وباكستان؛ وذلك من أجل الحفاظ على الذات.
أما موقف تنظيم القاعدة، في الوقت الراهن، فموقف دفاعي؛ نتيجة اضمحلال العديد من العوامل السابقة؛ ففي الوقت الذي لا يزال فيه التنظيم يمتلك معسكرات تدريب في باكستان وأفغانستان، فإنّ الجهد العسكري الباكستانيي، وحملة الطائرات بدون طيار، لم يكن إلا طيفًا لما كان عليه التنظيم قبل أحداث أيلول/ سبتمبر، وكذلك ما يتعلّق بقدرة التنظيم على الوصول إلى التمويل والمجندين، التي تقلصت بدورها؛ فأيمن الظواهري ليس شخصية توافقية، ولا يتمتع بالكاريزما مثل أسامة بن لادن، وبالتالي؛ تراجعت هيبة التنظيم تحت إمرته، وتكاد تكون الإنجازات العملية للجماعة، في السنوات الخمس الماضية، معدومة.
وبعيدًا من هذا التراجع، فإن الانقسام، بين القاعدة والدولة الإسلامية، يكمن في الاختلاف الأساسي الأيديولوجي والاستراتيجي؛ فعلى الرغم من أن كلًّا من القاعدة والدولة الإسلامية يشترك في الرؤية الأساسية، طويلة الأمد، لعالم تحكمه الشريعة الإسلامية، إلا أنهما تختلفان اختلافًا كبيرًا حول الأولويات؛ ففي الوقت الذي لا تعلو فيه أولوية على بناء الدولة عند أبي بكر البغدادي والدولة الإسلامية، يعطي الظواهري الأولوية لمحاربة “العدو البعيد”، وهو غير مهتم بإقامة دولة قبل نضج الأوضاع، لكن شعبية داعش تدفع تنظيم القاعدة إلى إعادة النظر في أولوياته؛ لذا، يوجه تنظيم القاعدة الجماعات التابعة له، والواقعة في مناطق حكمه، مثل: تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية (القاعدة في جزيرة العرب)، وجبهة النصرة، نحو معاملة الأقليات معاملة حسنة، مقارنة مع داعش، وأن تكون -بشكل عام- صديقة للشعب؛ في حين تؤكد الدولة الإسلامية النقاء الديني، وتستخدم الإرهاب لفرض إرادتها، كما يختلف تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية في مسألة الحرب على الشيعة، ومدى التعاون مع الجماعات غير الجهادية، ويعتمد بعض من في الدولة الإسلامية مبدأ الترويع؛ الأمر الذي يزدريه تنظيم القاعدة.
على المدى القصير، فإنّ العديد من الجهاديين، ولاسيما أولئك الذين لا يتبعونجماعات أعلنت ولاءها لجانبٍ دون آخر، إما يعملون معًا، أو يتنقلون من طرف إلى آخر، بحسب الجهة الأكثر هيبة ونفوذًا؛ فعلى سبيل المثال، ارتبطت اعتداءات “تشارلي إبدو” في باريس، في المقام الأول، بمسلحين مرتبطين بتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، ولكن “أميدي كوليبالي”، الذي تعهد بالولاء للدولة الإسلامية، قام بهجمات متزامنة مع أحداث باريس، وكان على اتصال مع مجموعة أساسية من الرماة، وكذلك هي الحال في أحداث تشرين الثاني/ نوفمبر في سان برناردينو بولاية كاليفورنيا؛ فقد كان المتطرفان اللذان ارتكبا الجرائم من أتباع أنور العولقي، منظّر تنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب، ولكنْ تحول ولاؤهم – بمرور الوقت – إلى الدولة الإسلامية.
أما في الوقت الراهن، فإن الدولة الإسلامية تبدو مزدهرة؛على الرغم من الانتكاسات التي حدثت مؤخرًا فيما يخص تجنيد الأفراد الجدد، وقد يؤدي استمرار التقاعس في تنظيم القاعدة، إلى جانب التقدم المحتمل للدولة الإسلامية، إلى تعزيز الإنشقاقات التي ستشلّ التنظيم، بالإضافة إلى خسارته التمويل المالي، فضلاً عن أن وفاة الظواهري، بدون تحديد خليفة حتى الآن، قد تعزّز فرص حدوث ذلك، ومن جهة أخرى، فإن نجاح فصائل، مثل القاعدة في جزيرة العرب، أو جبهة النصرة، قد يعيد التوازن بين القاعدة والدولة الإسلامية، وسواء اتّحدت الجماعتان أم بقيت الحال في المستقبل كما هي عليه الآن، فإن الحركة -بمجملها- لا تزال قوية وخطرة.