عنوان المادة الأصلي باللغة بالفرنسيّة: | La Russie soutient-elle le régime Assad ou bien mène-t-elle sa propre guerre en Syrie ? |
اسم الكاتب | Jean-Pierre Filiu جان بيير فيليو |
مصدر المادة الأصلي | Le monde blog مدونة جريدة اللوموند |
رابط المادة | http://filiu.blog.lemonde.fr/2016/09/25/la-russie-soutient-elle-le-regime-assad-ou-bien-mene-t-elle-sa-propre-guerre-en-syrie |
تاريخ النشر | 25 أيلول/ سبتمبر 2016 |
المترجم | أنس عيسى |
*جان بيير فيليو هو أستاذ جامعي لتاريخ الشرق الأوسط في العلوم السياسيّة في باريس. كما عمل أيضًا كأستاذ ضيف في جامعات كولومبيا (نيو يورك)، وجورج تاون (واشنطن). نُشرت أعماله عن العالم العربي-الإسلامي بعشرات اللغات. كما أنّه قام وبالتعاون مع دافيد ب أو سيريل بويم، بكتابة وتأليف قصص رسوم متحرّكة، كما أنّه قام بتأليف كلمات أغاني لفرقة زيبدا أو كاترين فانسان. أخيرًا، قام بكتابة سيرة حياة كلٍّ من الفنّان جيمي هندركس، والفنان كامرون ديلا اسلا.
يبدو، وعلى نحو متزايد، أنّ الكرملين يلاحق تحقيق أهدافه الخاصّة من الحرب في سورية، والتي تذهب فيما وراء الدّعم البسيط لنظام الأسد؛ يجب، حتمًا، أخذ ذلك الواقع الجديد في الحسبان للخروج من المأزق الشامل الذي يسود في هيئة الأمم المتّحدة.
تستند الرؤية الحاليّة للنزاع السوري على الفرضيّة، المبالغ فيها، في رأيي، القائلة بأنّ روسيا تقدّم دعمًا، أكيدًا غير مشروط، لكنّه دعمٌ لنظام الأسد. لكنّ الأمر الذي يبدو واضحًا، أكثر فأكثر، أنّ الطاغية السوري لم يعد سيّد العمليّات التي تُقاد باسمه على الأرض التي يدّعي حكمها، بل إنّهم العسكريّون الروس، بالتنسيق مع “المستشارين” الإيرانيّين الذين يقرّرون في المقام الأوّل.
الرهان على حلب
يحمل القصف الجوّي الذي تعرّضت له قافلة المساعدات الإنسانيّة التابعة للأمم المتّحدة، والصليب الأحمر الدولي، خلال ليلة 19 أيلول/ سبتمبر 2016، في شمال مدينة حلب، جميع العلامات التي تشير إلى أنّه من مبادرة الكرملين، استمرّ القصف لمدّة ساعتين طويلتين، على الرّغم من أنّ نظام الأسد كان قد أعطى موافقته على إيصال تلك المساعدات. كان جزءٌ من القتلى العشرين، والذين قضوا حينها، متطوّعين في الهلال الأحمر السوري، والذي يترأسه عبد الرحمن عطّار، أحد أقارب بشار الأسد. الصورة التي في الأعلى أُخذت من الدفاع المدني السوري في مدينة حلب.
لنتذكّر معًا عدم امتلاك المعارضة -ولا الجهاديّين_ أيّ قوّة جويّة، بينما لا يمتلك سلاح الطيران الجوّي الموالي للأسد القدرة على تنفيذ ضربات ليليّة. علاوةً على ذلك، فقد تمّت مواصلة غارة التاسع عشر من أيلول/ سبتمبر في الليلة التالية، وذلك عن طريق ضرباتٍ جويّة استهدفت منشآتٍ طبيّة، في جنوب حلب هذه المرّة. لقد كنتُ قد وصفت، في هذه المدوّنة، في نيسان/ أبريل الماضي، الطابع الممنهج لتدمير جميع البنى التحتيّة الصحيّة الموجودة في المناطق التي يسيطر الثوّار عليها في حلب؛ وترمي تلك السياسة إلى تحطيم كلّ أمل بالنجاة للسكّان المدنيّين، المحرومين من الغذاء كما من خدمات الرعاية، وذلك بهدف إخضاع المقاومة المحلّية للاستسلام.
قاد تطبيق مثل هذا السيناريو الوحشي، وإن كان بدرجةٍ أكثر تقييدًا، إلى إخلاء المقاتلين وكذلك السكّان المدنيّين، أيضًا، من بلدة داريّا، الحصن الثوري، والواقعة قرب دمشق بتاريخ 26 آب/ أغسطس 2016. تحاول روسيا فرض ذلك الخيار، بكلّ ما يحمله من قسوة، بين الموت أو الاستسلام على سكّان القطّاعات الثائرة من مدينة حلب. شعر الكرملين، في الواقع، بالإهانة إبّان كسر حصار الأحياء الثائرة في حلب، منتصف الصيف؛ وقام بفعل كل ما يستطيع لإعادة فرض حصار عديم الرحمة، في بداية شهر أيلول/ سبتمبر.
تظهر الخريطة في الأسفل، الصادرة عن معهد دراسة الحرب، عمليّات القصف الروسيّة على شمالي سورية، من 20 إلى 22 أيلول/ سبتمبر، وتبرهن على تجنّب استهداف المناطق التي تسيطر عليها داعش (اللون الرمادي)، بينما تتركّز الضربات على الأراضي التي تسيطر عليه المعارضة (اللون الأصفر).
أهداف حرب موسكو
لا نقوم بمنح الاهتمام الكاف لنظرة فلاديمير بوتين العالميّة من تدخّله في سورية؛ فلقد فهم الرئيس الروسي، وبشكلٍ ممتاز، أنّ انسحاب الولايات المتّحدة الجليّ خارج منطقة الشرق الأوسط قد منحه الامتياز، وانطلاقًا من تلك المنطقة، لاستعادة مرتبة القوّة العظمى التي فُقِدت منذ انهيار الاتّحاد السوفييتي؛ لذلك فإنّ المصالح القديمة لموسكو في سورية، ونقاط الانجذاب المشتركة بين بوتين والأسد تُعدّ، منذ لحظة ذلك الانسحاب، ذات شأنٍ أقلّ أهميّة من ذلك الهدف الروسي الكبير والذي بدأ يتشكّل ابتداءً من منطقة الشرق الأوسط ليمتدّ إلى بقيّة العالم.
يستند التدخّل العسكري الروسي، الضخم والمباشر، منذ أيلول/ سبتمبر 2015، إلى الكلمة التي ألقاها بوتين من على منبر منظّمة الأمم المتّحدة قبل بضعة أيّام من بدئه، حيث نصّب الرئيس الروسي نفسه مدافعًا وبشراسة عن سيادة “الدول”، في الواقع كان يعني الأنظمة الحاكمة، ضدّ تطلّعات شعوبها، وأطلق، بتلك الطريقة، حملة أيديولوجيّة، والتي لا يمكن إلّا أن تقارن بـ “الحرب العالميّة ضدّ الإرهاب” لجورج دبليو بوش، والتي كانت قد صِيغت، هي أيضًا، من على منبر منظّمة الأمم المتّحدة في عام 2002؛ فاستنادًا إلى الرؤية نفسها، والتي رمى بها المحافظون الجدد الأميركيّون كلّ معارضة لهم بنار “الإرهاب”، قارنين إيّاها منذ ذلك الحين بالقاعدة، تقوم الدعاية (البروباغندا) الموالية لبوتين بوسم كلّ احتجاجٍ منظّم ضدّ الوضع الراهن بـ «الإرهاب»، رابطةً إيّاها فوريًّا بداعش. ولكن بالطريقة ذاتها التي صُدم فيها بوش بالواقع العراقي وأغرق قوّاته في مستنقع ذلك البلد «المحرّر»، يخوض بوتين الآن تجربة عدم قدرة الأسد على استعادة مكانته إلّا على حقولٍ من الدمار.
مقاتلو الميليشيّات الموالون لإيران والمقاتلون السوريّون غير المنظّمين
حملت الميليشيّات الموالية لإيران على عاتقها، منذ عام 2013، مكافحة الثورة في الأوساط المدينيّة، الأمر الذي لم يكن الديكتاتور الأسد قادرًا على فعله، وقد بدأ ذلك مع حزب الله اللبناني، ومن ثمّ مع عدّة مجموعاتٍ عراقيّة وأفغانيّة. أعطى “حرّاس الثورة”، القادمون من إيران، التناسق العمليّاتي لذلك التشكيل غير المنسجم، وفي المناسبة، فإنّ الجنرال قاسم سليماني، قائد قوّات التصادم في الحرس الثوري الإيراني، هو الذي كان قد ذهب إلى موسكو، في تمّوز/ يوليو 2015، ليُخطر حلفاءه الروس بتداعي نظام الأسد، والذي كان يشهد تراجعًا على جميع الجبهات.
حاول بوتين، عبثًا ومن دون جدوى، أن يكون التدخّل الروسي في سورية، في أيلول/ سبتمبر 2015، مؤطّرًا تحت مظلّة منظّمة الأمم المتّحدة، لذلك كان الدافع من ورائه الضعف الجوهري لنظام الأسد؛ فلم يعد الجيش الحكوميّ -الذي كان منهكًا نتيجة نزيف الانشقاقات في صفوفه، إضافة إلى خمس سنوات من النزاع- يشكّل إلّا ظلّه، أمّا الفرق العسكريّة الجديرة بحمل اسمها فقد تُرِكت لحماية النّظام نفسه، وكانت الوحدة الوحيدة والتي أُعيد تكوينها بهدف شن الهجمات، تُقاد من قِبل سهيل الحسن، الملقّب بالنّمر، العقيد الركن في إدارة المخابرات الجويّة، أقوى أجهزة الاستخبارات السوريّة.
قاد تقليص مساحة فعل الجيش الموالي إلى ظهور مجموعاتٍ من الميليشيّات، تحمل أسماء ذات ضجيجٍ أعلى من قيمتها العسكريّة الفعليّة، المشكوك في أمرها، كما كان على العسكريّين الروس الموجودين على الأرض، منذ أكثر من عام، ومن بعد المستشارين الإيرانيّين، أن يجدوا لأنفسهم طريقًا في ظلّ تعقيدات الجماعات المسلّحة الموالية للأسد. لا يوجد ما يؤكد -على العكس من ادّعاءات بعض المصادر الأخرى- قيام الجنود الروس بالقتال إلى جانب المقاتلين “غير المنظّمين” السوريّين. في المقابل، فإنّه من المؤكّد قيام الكرملين، وباستياءٍ متصاعدٍ في كلّ مرة، باتّخاذ التدابير اللازمة، المتعلّقة بدرجة الفساد وعدم الانضباط المتفشّية في صفوف الموالين للأسد، وكان ذلك وراء استدعاء الرئيس السوري إلى موسكو، في شهر تشرين الأوّل/ أكتوبر 2015، على متن طائرةٍ حربيّة روسيّة، وقد مثّل ذلك التنقّل الوحيد لبشار الأسد خارج البلاد منذ بدء الثورة السوريّة في عام 2011، هذا ولم يتم الإعلان عنه إلّا بعد عودة الديكتاتور إلى دمشق، إذ ارتأى بوتين ضرورة أن يحدّد أنّه كان، شخصيّا، صاحب مبادرة تلك القمّة الروسيّة السوريّة، وبشكلٍ أعمّ، أخذ الضبّاط الروس في سورية زمام الأمور، بشكلٍ مباشر، فيما يتعلّق بقيادة العمليّات، وبشكلٍ خاص عند لحظة طرد داعش خارج واحة تدمر.
يقودنا هذا التدّخل الروسي، ذو الوزن المتزايد تدريجيًّا، إلى الاستفسار عن مدى إصرار الكرملين في المحافظة على الأسد في السلطة: لربّما كان ممكنًا أن يكون الديكتاتور السوري، المكبّل اليدين والقدمين من جانب موسكو، الرئيس الوحيد القادر على قبول تلك الدرجة من التدخّل متعدّد الأشكال من جهة “حاميه” الروسيّ.
التفاوض في حلب بدلًا من نيويورك
بصرف النظر عن السياق، فإنّ مستقبل سورية ورئيسها يقلّان أهميّة، بالنسبة إلى بوتين، عن صعود روسيا كقوّة عالميّة، الأمر الذي يعتمد على نجاح المغامرة السوريّة؛ لذلك فإنّه من غير المجدي، في ظل هذه الظروف، الأمل بإيجاد حل لمصير سورية بين واشنطن وموسكو؛ لأنّه في تلك اللعبة التي تكون فيها إمّا خاسرًا أو رابحًا، لا تستطيع روسيا إلّا أن تقبل بانتصار شامل، وقد أظهرت سلسلة الاجتماعات الأخيرة في منظمة الأمم المتّحدة تلك الحقيقة بشكلٍ صريح جدّا، لدرجة أنّه تلاها، ومنذ 23 أيلول/ سبتمبر 2013، طوفانٌ من القنابل الروسيّة على حلب، مع تدمير متعمّد لثلاثة من أصل أربعة من مراكز للدفاع المدني.
للخروج من ذلك المأزق المدمّر للنظام الدولي، من الضروري والملحّ تحمّل المسؤوليّة للوصول، أخيرًا، إلى اتّفاق وقف إطلاق نار بين الأطراف المتحاربة السوريّة في حلب، ويجب أن يمرّ تحقيق تلك المقاربة “المحليّة” -والتي أنصح بها منذ شهر كانون الثاني/ يناير 2014، على العكس من الاجتماعات الدبلوماسيّة التي تقام على ضفاف بحيرة ليمان- عن طريق تحييد كلّ القوى الأجنبيّة، سواء أكانت روسيّة أو موالية لإيران أو جهاديّة، كما لتلك المقاربة ميزة أنّها لن تطرح قضيّة الحكم في دمشق، وستستطيع تجنّب الانسداد المؤكّد حدوثه في مجلس الأمن في الأمم المتّحدة.
على ستيفان دي مستورا، المبعوث الخاص للأمم المتّحدة في سورية، أن يتوقّف عن النحيب في أروقة نيويورك أو جنيف، وأن يذهب، فورًا، إلى حلب للعمل على “سلام الشجعان” بين السوريّين في الجزء الشرقي وفي الجزء الغربي للمدينة، نعم إنّ ذلك لتحدٍّ كبير؛ لكن، إذا كان مصير الأمم المتّحدة، وكما قال بان كي مون، في خطر، إذًا يجب أن يتم استكشاف ذلك الطريق حتّى النهاية.
إنّ روسيا في حالة حربٍ في سورية، وهذا هو الوقت الملائم لاستخلاص كلّ العواقب من ذلك، على الأقل الدبلوماسيّة منها.