(*) الآراء الواردة في هذه المادة لا تمثل بالضرورة آراء المركز ولا مواقفه من القضايا المطروحة

على الرغم من مرور سنوات عديدة على نهاية الحرب الباردة، فإن القوى العالمية تتنافس فيما بينها على الهيمنة وكسب الحلفاء في الشرق الأوسط. ولعل نقطة التحول في هذا المجال هي الربيع العربي الذي انطلق عام 2011، والذي زحزح ميزان القوى في المنطقة بين القوى العالمية والإقليمية، ثم خلق قواعد وجهاتٍ فاعلة جديدة. في هذه الأثناء، سعت إيران وروسيا، بوصفهما فاعلين إقليميين وعالميين مهمين، إلى إعادة النظر في سياستهما في الشرق الأوسط والعثور على شركاء جدد. الآن وبعد مرور حوالي 10 أعوام على الأزمة العربية، يستمر وجود هؤلاء الفاعلين في سورية، لكن الوضع الحالي في الأزمة السورية خلق اختلافات بين إيران وروسيا، تشير إلى أننا نشهد تغييرات في بعض سياسات هذين البلدين. والسؤال الآن هو: أما تزال إيران وروسيا تتعاونان أم أن عصر التنافس والتباعد بينهما قد بدأ؟ سؤال قد يتعلق بزيارة جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، لروسيا وتركيا الأسبوع الماضي. وقد تزامنت الزيارة مع بدء تنفيذ ما يسمى بعقوبات “قيصر” الأميركية ضد حكومة بشار الأسد في سورية. وإضافة إلى الضغط على الحكومة السورية، يبدو أن عقوبات قيصر تضغط على إيران وروسيا، داعمي النظام الأساسيين، وتزيد من كلفة وجودهما في سورية.

التعاون بين إيران وروسيا في سورية

يعود بدء التعاون الجاد بين إيران وروسيا في سورية إلى عام 2015، عندما غدت هزيمة الجيش السوري في الحرب الأهلية السورية، وسقوط بشار الأسد، أمرًا محتملًا، حيث طلبت إيران، نتيجة تلك الظروف، المساعدةَ من روسيا. وعقب زيارة قاسم سليماني، القائد السابق لقوة القدس للحرس الثوري، بدأت مشاركة روسيا الجادة في الحرب السورية في عام 2015. وفي الوقت نفسه، دعت إيران روسيا إلى التدخل في الأزمة السورية، للحفاظ على سلطة بشار الأسد. التدخل العسكري الروسي في سورية في الواقع هو جزء من محاولة موسكو للعودة إلى رقعة الشطرنج الجيوسياسية العالمية، كقوة عظمى (ومحاولة لتشكيل تحالفات متعددة الأطراف وتوازنات بين معظم القوى في المنطقة)، تلك الميزات قامت بشكل أساسي على البراغماتية والواقعية السياسية. ومن ناحية أخرى، كان وجود إيران في سورية مترافقًا في البداية بتقديم المساعدة الاستشارية، ثم أعقبه وجود قوات برية لدعم الحكومة السورية. وشملت هذه القوات قوات عسكرية وجماعات شبه عسكرية مدعومة من إيران. لكن منع هزيمة قوات الأسد التي كانت وشيكة استدعى اللجوء إلى شنّ غارات جوية واسعة النطاق من قبل القوات الروسية. بدأ الوجود الجدي لروسيا في سورية، في أواخر أيلول/ سبتمبر 2015، بقصد القضاء على كثير من التهديدات، مثل الهيمنة الأميركية والنزعات الانفصالية، والإسلام السياسي المتطرف. ومن أجل هذا، بدأ فلاديمير بوتين مسارًا من الدبلوماسية متعددة الأوجه، وبدأت روسيا مرحلة جديدة من التعاون مع إيران والقوات السورية، بشن غارات جوية على خصوم الأسد في سورية. تزامنت الهجمات مع صعود قوات تنظيم (داعش) في سورية. وأدى الدعم البري لإيران والميليشيات للجيش السوري، وكذلك الدعم الجوي للجيش الروسي، إلى الهزائم المتتالية لمعارضي الأسد، وإلى توطيد سلطته. في ظل هذه الظروف، كانت إيران وروسيا تتحركان في نفس الاتجاه بسبب المصالح المشتركة، لدرجة أن القوات الجوية الروسية استخدمت قاعدة نوجه (Nojeh) الجوية في همدان لعملياتها في سورية.

نزاعات روسيا مع إيران في سورية

على الرغم من العلاقات الطيبة الجديدة بين إيران وروسيا في الشرق الأوسط، لا تزال إيران تعتمد على الدعم الأمني ​​الروسي ضد التهديد الأميركي الملحوظ لتغيير النظام. وبالنظر إلى عوامل مثل التطور النووي وتعزيز الجيش، نرى أن العلاقات بين البلدين حاسمة لمستقبل الشرق الأوسط. ومع ذلك، يمكن القول إن وجود نوع من التقارب الأيديولوجي هو فهم جيد للسياق، يعتمد على الظروف أكثر من المشاركة في مشروع سياسي مشترك أو خطة استراتيجية مشتركة. فكلا البلدين يرفض السياسات الغربية لتغيير النظام، ويرفض استخدام قضايا حقوق الإنسان لتحقيق الأهداف الجيوسياسية. وينطبق هذا التقارب النظري خصوصًا في الحالة السورية، حيث ترفض الدولتان إمكانية ظهور نظام جديد؛ يخشى الروس أن يكون مؤيدًا للغرب، ويخشى الإيرانيون أن يكون مؤيدًا للسعودية. ولذلك، يقدم البلدان أنفسهم كمؤيدين للوضع الراهن، ويعلنان أن المصلحة الوحيدة لخصومهم هي زعزعة استقرار سورية.

إحدى قضايا الخلاف بين إيران وروسيا في سورية هي وجهات نظرهما المختلفة، بخصوص مخاوف إسرائيل الأمنية، بما يتعلق باستمرار وجود إيران في سورية، حيث أعلنت إسرائيل مرارًا أنها لن تسمح بوجود إيران العسكري في سورية، وقد قصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية مرات عديدة مواقع للقوات الإيرانية وميليشياتها في سورية. وقامت روسيا بتطوير أنظمة مضادة للطائرات في سورية، لكنها لم تستخدمها للدفاع عن مواقع القوات الإيرانية. حول هذه النقطة، نشأ الاختلاف بينهما -حيث ترى إيران أن إسرائيل هي منافسها الرئيس في المنطقة، بينما تقيم روسيا علاقات دبلوماسية مع الدولة اليهودية- وأصبح عامل اختلاف في مشاركتهما. وعلى الرغم من قول روسيا “إن إيران أتت إلى سورية بدعوة من الحكومة السورية ولن تغادرها إلا بطلب من دمشق”؛ فقد دعت إلى الانسحاب الكامل للقوات الأجنبية من سورية.

كان “التشيّع Shiaization” في سورية أيضًا أحد منابع الخلاف/ الاختلاف بين موسكو وطهران، فروسيا تفضل عودة للسنّة، بينما تفضّل إيران نقل/ تصدير الشيعة. ومع ذلك، فإن مصالح إيران الطائفية ليست المحدد الأكثر أهمية لعلاقاتها مع روسيا، فمشاركتهما المتبادلة تنبع بشكل عام من التنافس بين الولايات المتحدة وروسيا، وكذلك من التوترات بين إيران والولايات المتحدة. تدعم إيران التحالف مع حزب الله اللبناني والميليشيات الشيعية، التي تتكون بشكل أساسي من مقاتلين باكستانيين وأفغان وعراقيين. ومن ناحية أخرى، تريد روسيا الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية، ولا تدعم تشيّع بعض هذه الجماعات العسكرية، مثل حزب الله وبعض الميليشيات الشيعية. ويبدو أن روسيا ليس لديها مصلحة في أن تكون حليفًا تافهًا للولايات المتحدة في الحرب ضد داعش، كما ليس لديها أي مصلحة في الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب الأهلية في سورية.

الخاتمة

السؤال الآن: ما طبيعة اللعبة التي تلعبها روسيا مع إيران، التعاون أم المنافسة؟! يسعى بوتين للحفاظ على المصالح الاقتصادية والعسكرية لروسيا في سورية، لذلك يبدو أن بوتين والأسد سيمنعان إيران من الاستمرار في البقاء في سورية (الحقيقة هي أن الأسد أكثرُ ميلًا إلى تعزيز التعاون مع موسكو) وسيستخدمان إيران لمصالحهما الخاصة، ولمصالح نتنياهو وترامب؛ فالهجمات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية في سورية، وبالقرب من الحدود الإسرائيلية في مرتفعات الجولان، تتم فعليًا بأضواء خضراء روسية. والجيش الروسي أوقف نظام الدفاع الجوي إس -300 أثناء الهجمات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية في سورية، ولو أن ذلك النظام عمل جيدًا، لما تمكنت إسرائيل من شن غارات جوية على الأراضي السورية بسهولة. فمن ناحية، أنفقت إيران كثيرًا من الأموال في سورية، ولا يمكن استرداد هذه التكاليف، ومن ناحية أخرى، بسبب العقوبات والضغوط الأميركية القصوى على إيران، لم يعد بمقدورها إنفاق الكثير في سورية.

مع الاقتراب التدريجي لنهاية الحرب الأهلية السورية؛ يخلق الوجود الإيراني المستمر في البلاد -على المدى الطويل- حساسيات من جانب العالم الغربي ودول الخليج. ويبدو أن الولايات المتحدة وإسرائيل وروسيا تسعى لتشكيل تحالف سري لتحديد مستقبل سورية، ومن غير المحتمل أن تمانع أو تتردد الحكومة السورية، تجاه استمرار وجود إيران ونفوذها في البلاد على المدى الطويل، وفي الوقت نفسه، سورية أكثر ميلًا إلى استمرار الوجود الروسي. وأخيرًا، يبقى أن نراقب ما سيحدث: هل سيؤدي الوجود العسكري الروسي في سورية إلى إخراج إيران من سورية؟ وهل سيتوسع تعاون روسيا مع الولايات المتحدة وإسرائيل؟

اسم المقالة الأصليThe end of the honeymoon between Iran and Russia in Syria
الكاتبعارف بيجان، Aref Bijan
مكتن النشر وتاريخهمودرن دبلوماسي، Modern Diplomacy، 23حزيران/ يونيو 2020
رابط المقالhttps://bit.ly/2Vkfcvt
عدد الكلمات1086
ترجمةقسم الترجمة/ أحمد عيشة