عنوان المادة الأصلي باللغة الإنكليزية: | The End of the Beginning in Syria |
اسم الكاتب | Dominic Tierney دومينيك تايرني |
مصدر المادة الأصلي | The Atlantic |
رابط المادة | http://www.theatlantic.com/international/archive/2016/03/syria-geneva-peace-talks/476034/ |
تاريخ النشر | Mar 30, 2016 |
المترجم | وحدة الترجمة في مركز حرمون – علا تلمساني |
في مثل هذا الأسبوع قبل خمس سنوات، ألقى الرئيس السوري، بشار الأسد، كلمة تلفزيونية حول الاحتجاجات السلمية التي عمّت البلاد ضد حكمه، قال فيها: “دعونا نعمل معًا بأسرع ما يمكننا؛ لتضميد جراحنا، وإعادة الوئام الى عائلتنا الكبيرة، وتمكين المحبة التي تُعدّ الرابط الذي يجمعنا معًا”. ولكنه أضاف كلمة لاذعة، في نهاية خطابه، عندما قال: “إن وأد الفتنة واجب وطني وأخلاقي وديني”. إن قمع الحكومة المتظاهرين، وتطرّف المعارضة، حوّل حملة المقاومة السياسية إلى حرب طائفية وحشية، قُتل فيها 300,000 من السوريين على الأقل، وشُرِّد الملايين، وسُمِح للقوى الإقليمية والعالمية أن تشرع بلعبة الحرب بالوكالة في سورية. ولكن، هل تلوح، في الأفق، نهاية الحرب مع محادثات السلام الجارية في جنيف، ووقف إطلاق النار الجزئي في البلاد؟
في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1942، وبعد انتصار الحلفاء في شمال أفريقيا، خلال الحرب العالمية الثانية، أعلن رئيس الوزراء البريطاني -آنذاك- ونستون تشرشل: “إنها ليست النهاية؛ إنها حتى ليست بداية النهاية، وإنما يمكن أن تكون مجرد نهاية البداية”. إن عبارة تشرشل -هذه- ملائمة جدًا للوضع في سورية؛ حيث يُحتمل أن يتحوّل الصراع فيها إلى حقبة جديدة، قائمة على تسوية سلمية محدودة. بيد أن العقبات التي تحول دون التوصل الى اتفاق لا تزال كثيرة، واحتمالات عودة البلاد إلى حرب ضروس مرتفعة جدًا؛ فقد استمر الاقتتال في أوروبا عامين ونصف، بعد أن ألقى تشرشل خطابه عام 1942، ولا يزال أمام الحرب الأهلية في سورية الوقت نفسه، على الأقل، قبل أن تنتهي.
لقد تلاعبت الدول الأجنبية، وغذّت القتال في سورية لسنوات؛ بيد أن مفتاح الحل، في الوقت الراهن، يكمن في أيدي القوى العظمى. وفي الوقت الذي أوشك فيه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أن يفقد حليفه السوري، عندما تراجعت قوات الأسد العام الماضي، قامت روسيا في أيلول/ سبتمبر بنشر الطائرات، وغيرها من القطع الحربية في سورية، وشنّت حملة قصف مستمرة ضامنة بذلك استقرار موقف الأسد القوي في المنطقة. وقد استطاع بوتين أن يقلب دوره أمام العالم، من منقذٍ للأسد إلى صانعٍ للسلام؛ وذلك بأن يلوّح بالسلاح في يد، وبغصن زيتون في يده الأخرى؛ وبذلك تصبح روسيا دولة لا يستهان بها، ويمكن أن تنهي الجفاء الدولي تجاهها، على خلفية تدخلها السابق في أوكرانيا.
وقد وافق مجلس الأمن، في كانون الثاني / ديسمبر الماضي، على خطة السلام التي تدعمها روسيا والولايات المتحدة، والتي تصوّر “حكمًا حقيقيًا وشاملاً وغير طائفي” في سورية، في غضون ستة أشهر، تليها “انتخابات حرة ونزيهة” خلال 18 شهرًا، كما وافقت الحكومة السورية، وعدد من المجموعات الثورية، (باستثناء الدولة الإسلامية، وجبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة)، في شباط / فبراير، على وقف الأعمال العدائية، وبدء محادثات السلام الأولية في جنيف. وعلى الرغم من بعض الانتهاكات، فقد صمدت الهدنة على عكس التوقعات، كما أعلن وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، منتصف آذار / مارس، أن “مستوى العنف قد انخفض بنسبة 80 الى 90 في المئة، وهي نسبة مرتفعة جدًا”.
في الوقت نفسه، قامت قوات الحكومة السورية بإخراج قوات الدولة الإسلامية من مدينة تدمر الأثرية، وشكّل هذا الانسحاب جزءًا من عملية التراجع الأوسع لهذه الجماعة المتطرفة، التي فقدت، بحسب أحد التقديرات، ما يقرب من ربع الأراضي التي كانت قد سيطرت عليها في سورية والعراق، بدءًا من كانون الثاني / يناير 2015، كما قامت قوات العمليات الخاصة الأميركية -مؤخرًا- بالقضاء على “حاجي إمام”، وهو أحد كبار القادة في الدولة الإسلامية، والخليفة المحتمل لأبي بكر البغدادي، وفي إعلانه عن مقتل حاجي إمام، قال وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر: “إننا نقوم بالقضاء على حكومة الدولة الإسلامية بشكل ممنهج”.
وفي منتصف شهر آذار / مارس، أعلن بوتين عن سحبه جزءًا مهمًا من قوة التدخل السريع الروسية في سورية، على الرغم من أن أعدادًا كبيرة، من القوات والطائرات والمستشارين، ستبقى في أماكنها، وفي الوقت الذي رأى فيه بوتين أنه بصدد التزام لا محدود، قد يتحول إلى مستنقع يغرق فيه، قرر الانسحاب، وهو لا يزال منتصرًا، وذلك في حين تبدو الأفلاك موائمةً للتوصل إلى تسوية في المنطقة.
إن السلام في سورية ليس بالأمر الهيّن، وعلى الرغم من أن دعم القوى العظمى قد يكون ضروريًا؛ من أجل وضع حدٍّ للأعمال العدائية، إلا أن ذلك ليس كافيًا؛ فإنهاء حرب أهلية، ولا سيما حربٌ ضروس كالتي تشهدها سورية، قد يكون التحدي الأصعب في تاريخ الدبلوماسية الدولية؛ فمعظم الصراعات الداخلية في البلاد تنتهي بانتصار حاسم لجانب واحد، وليس بحلٍ وسط، والسبب -في ذلك- ليس صعب التخمين؛ إذ لا يمكن لجماعاتٍ، كانت تذبح بعضها -لسنوات- أن تلقي أسلحتها جانبًا ببساطة، وتتعلم أن تحكم البلاد معًا.
قد تبدو المفاوضات في جنيف غير مجدية، وتسعى جميع الأطراف إلى أهداف تبدو مستحيلة؛ فالحكومة السورية ترفض التحدث -بشكل مباشر- إلى المعارضة؛ لذا يُجري المبعوث الخاص للأمم المتحدة في سورية، ستيفان دي ميستورا، لقاءات مكوكية؛ للاستماع إلى جميع الأطراف، وحمل الرسائل المهمة إليهم؛ وهي مَهمّة تتطلب صبر القديسين، وبدورها، تطالب لجنة المفاوضات العليا، وهي المظلة التي تجتمع تحتها كل مجموعات المعارضة، بتنحي القيادة الحالية بكاملها عن حكم سورية، بما في ذلك الأسد، وتشكيل حكومة انتقالية جديدة، وفي الوقت نفسه، وبعد أن زاد النجاح على أرض المعركة من بأس دمشق، يرفض النظام مجرّد مناقشة فكرة دور الأسد، أو حتى إمكانية القيام بانتخابات رئاسية، وطالما تمكّن الأسد من البقاء بعد خمس سنوات من الحرب، حتى بعد أن تم التخلي عنه من قبل الأميركيين وغيرهم؛ فإن بإمكانه أن يصمد في بضع جولات، ومراوغات دبلوماسية في جنيف.
إن هذه المفاوضات ليست مفاوضات سلام فحسب، وإنما هي مفاوضات تحالف أيضًا؛ بمعنى أنه من المفترض أن يتوقف النظام والمعارضة عن الاقتتال، وتوجيه أسلحتهم نحو تنظيم الدولة الإسلامية، ولكن حتى لو توصّل الطرفان إلى اتفاق، فإن ذلك لا يعني نهاية الحرب، وإنما يعني -ببساطة- أن التحالفات ستتغير، وفي حال تم دحر تنظيم الدولة الإسلامية، ودفعه إلى خارج سورية، بطريقة ما؛ فإنه لن يوقّع على اتفاقية استسلام، بل على العكس من ذلك، سيقوم بشن حملة إرهاب شرسة، في محاولة لاستعادة الخلافة المفقودة.
يبدو التوصّلُ إلى تسوية في جنيف أمرًا عسيرًا، على الرغم من استبعاد الجماعات “المتطرفة”، ودعوة المعارضة “المعتدلة” فحسب، وهما مصطلحان مرتبطان بالوضع السوري بشكل كبير، ولا يسعنا أن ننسى مجموعتي المتمردين، اللتين أثبتتا وجهتي نظرهما: جيش الإسلام، وأحرار الشام؛ فقد تحدث القائد الأسبق لجيش الإسلام عن نيّته “تنظيفَ” سورية من الشيعة، وأفرادٍ من الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد، وفي هذا الصدد أصدرت المجموعة تسجيلًا، تُظهِر فيه إعدام سجناء من أفراد الدولة الإسلامية، وفي حين تسعى جماعة أحرار الشام إلى تطبيق الشريعة داخل سورية، ونددت بستيفان دي ميستورا، بوصفه تابعًا للأسد، إلا أنها وافقت، في نهاية المطاف، على الذهاب إلى جنيف. الجماعتان كلتاهما تعاونتا مع جبهة النصرة؛ وبعبارة أخرى، فإن الجماعتين كلتيهما “تنتميان إلى جماعة تابعة لتنظيم القاعدة”، وفي أي صراع آخر، غير الصراع في سورية، فإن هذه الميليشيات ستُعتبر من أكثر الجماعات تطرّفًا.
هذا فيما يخص المتمردين، أما النظام السوري؛ فهو نظام وحشي إلى أبعد الحدود؛ حيث قام باستخدام الأسلحة الكيماوية، والبراميل المتفجرة، والتعذيب الممنهج ضد الشعب السوري. وما يزيد الطين بلّة أن روسيا، التي تلعب دور صانع السلام، قصفت -عمدًا- المستشفيات في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.
على الرغم من كل هذا، فإن التقدم في التسوية أمر ممكن؛ فكل الحروب الأهلية تنتهي، حتى وإنِ استحالت مقارنتها مع الأهوال التي تحدث في سورية؛ فالصراعات في بلدان، كالسلفادور وجنوب إفريقيا وكمبوديا وغواتيمالا وإيرلندا، والتي بدت مستعصية، حُلّت عبر المفاوضات.
وإذا كان الطرفان المتحاربان، في جنيف، صعبي المراس، فإن المفاوضين يجب ألا يستسلموا لليأس، ففي محادثات السلام، من الطبيعي أن يحدد كل طرف موقفه النهائي بدايةَ المفاوضات، مطالبًا الطرف الآخر بالاستسلام، والسبب أنهم -عادة- لا يكونون على ثقة بالنصر، ولا بأهداف خصومهم، كما أنهم يكونون قلقين من مسألة تقديم التنازلات، دون الحصول على شيء بالمقابل، أو ما هو أسوأ من ذلك، كأن يبدو ذلك مؤشرًا على ضعفهم، وبالتالي تقوى شوكة الطرف الآخر.
ولكن ذلك يتغيّر مع مرور الوقت، حيث تتحرك المفاوضات، وتقترب الأطراف من بعضها، وتبدأ برؤية الحقائق نفسها على أرض المعركة، وبالتالي يقومون بالتخلي عن مواقفهم المتطرفة تجاه بعضهم. وتحت وطأة الضغط، يمكن أن تجد الأطراف المتنازعة بعض المصالح المشتركة، كإنهاء العنف مثلًا، والاتحاد في وجه عدو مشترك، وهو الدولة الإسلامية في هذه الحالة. وفي واقع الأمر، وعلى الرغم من الأهوال والمجازر المروعة، فإن النظام قد توصل إلى تسويات داخلية مع جماعات الثوار من قبل؛ كرفع الحصار عن الثوار، مقابل إخلاء المدنيين في بعض المناطق.
بيد أن الآمال المؤقتة، بالتوصل إلى اتفاق تفاوضي، قد تذهب أدراج الرياح، إذ قد يستخدم النظام وقف إطلاق النار الجزئي؛ ليرتاح ويعيد نشر قواته، في سعيه إلى تحقيق النصر العسكري. ولكن الحاجة الملحّة إلى تدخل القوى العظمى في هذه العملية، وحقيقة أن العديد من اللاعبين الأساسيين موجودون في جنيف، حقيقةٌ تجعل التغيير أمرًا ممكنًا.
قد نكون اليوم بصدد الانتقال من مرحلة الحرب الأولى، حيث سعت جميع الأطراف إلى تحقيق النصر الحاسم، إلى المرحلة الثانية، حيث يتوصّل النظام، والفصائل المتمردة الرئيسة، إلى اتفاق. ويمكن أن يكون هذا تفاهمًا غير رسمي؛ لتوحيد قواهم ضد الدولة الإسلامية وجبهة النصرة، أو قد ينطوي على بداية اتفاق رسمي؛ لنقل السلطة السياسية إلى مستوى إقليمي أو محلي، وربما إزاحة الأسد من منصبه. وفي نهاية المطاف، إذا تم التخلص من الدولة الإسلامية وجبهة النصرة؛ فقد نكون بصدد الدخول في المرحلة الثالثة، وهي مرحلة استقرار سورية في وجه حملة الإرهاب المستمرة، ومن المؤكد أن هذا سيكون الجزء الأصعب، وسيتطلب التزامًا دوليًّا كبيرًا.
إن النهاية لا تلوح في الأفق على الإطلاق، وإنما هي نهاية البداية لا غير.