كارّي نوتن/ ترجمة بدرالدين عرودكي
(*) الآراء الواردة في هذه المادة لا تمثل بالضرورة آراء المركز ولا مواقفه من القضايا المطروحة
صوَّتَ مجلس الأمن في الأمم المتحدة بالإجماع، يوم الجمعة 9 تموز/ يوليو، على تمديد فتح نقطة العبور، باب الهوى، لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد. وهو قرار نادر، لأنه اتخذ بالإجماع، وسمح به تفاهم جديد أميركي ــ روسي.
الأيادي الخمسة عشر ارتفعت، معًا، في قاعة مجلس الأمن: فقد جرى تمديد فتح نقطة العبور الواقعة على الحدود التركية، “باب الهوى”، التي تسمح بخدمة منطقة إدلب والشمال الشرقي في مجال المساعدات الإنسانية. من دون هذا التصويت، كان على هذا الممر الأخير بلا رقابة، الحيوي بالنسبة إلى السكان المقيمين في هذا الجيب، أن يغلق منذ اليوم التالي، السبت 10 تموز/ يوليو. لم يسبق في منظمة الأمم المتحدة أن شوهد شبيه هذا الإجماع في مجلس الأمن منذ عام 2016، حول الجزء الإنساني في الملف السوري.
السفيرة الأميركية ليندا توماس ـ غرينفيلد حيَّت على الفور “الكارثة التي جرى تفاديها“: كل شهر، ألف شاحنة يمكنها الاستمرار في تموين الملايين الأربعة من السوريين الذين لجؤوا إلى هذه المنطقة. أما زميلها الروسي فاسيلي نيبنزيا فقد هنَّأ نفسه على هذه “اللحظة ـ المحورية” في الصراع السوري، الذي ينظر إليه بعض الخبراء بوصفه انطلاقة جديدة لهذا الملف، بفضل هذا التوازن الأميركي الروسي.
انتظار قلق حتى النهاية
ركز المجلس على هذا “الانتصار”، لأنه يتناقض مع كل جلسات التصويت الأخيرة. كان المجلس، كل ستة أشهر، يتمزق في الواقع بين البلدان الغربية الحليفة من جهة، والروس وحلفائهم الصينيين من جهة أخرى. تذكِّرُ مراقبة في منظمة الأمم المتحدة: “لقد رأينا المساعدات الإنسانية التي كانت لا تزال تمرّ عبر خمس نقاط حدودية في عام 2019، تنخفض إلى أقل القليل“.
كان الخوف كبيرًا من فقدان آخر ممرّ إنساني نحو اللاجئين السوريين. وبوصفها الداعم الرئيس لدمشق، تناضل روسيا منذ زمن طويل من أجل وضع نهاية لهذه الآلية عبر الحدود، لصالح مساعدة تنقل عبر خطوط الجبهة انطلاقًا من دمشق، وذلك من أجل الاعتراف بالسيادة الكاملة للنظام على الأراضي السورية.
خصوصًا، وأن الانتظار القلق دام حتى النهاية: فعشية التصويت، كانت موسكو قد أودعت مشروع نصّ منافس لذلك الذي حرّرته إيرلندا والنرويج، منسقتا الملف في المجلس. كانت تلك إشارة انتقامية، للحمل على افتراض أنها لن تتردد في الذهاب حتى المواجهة. وعلى الرغم من ذلك، نجح أعضاء المجلس في التفاهم أخيرًا حول موقف مشترك.
كانت هناك علامات تحذير: فالديناميات تطوّرت خلال هذه الأسابيع الثلاثة الأخيرة. رأينا قبل كل شيء تغيرًا في النبرة لدى الدبلوماسيين النيويوركيين، الذين كانوا حتى ذلك الحين يرفضون الحديث عن توزيع للمساعدة تحت رقابة دمشق عبر خطوط الجبهة. إلا أن بعضهم أشار إليها، للمرة الأولى، بوصفها “خيارًا ممكنًا في المستقبل“. وهو ما أراح موسكو، حتى وإن لم تكن سوى تنازلات شفهية، “لأن من المعروف جيدًا أن ذلك ليس عمليًا على الإطلاق، بما أن نظام الأسد يرفض 50% من الطلبات من أجل هذا النوع من توزيع المساعدات“، كما أسرَّ دبلوماسي في منظمة الأمم المتحدة.
كانت تقنية المفاوضة قد تغيّرت كذلك جذريًا: لا مجال لمواجهة قاسية يمكن أن تؤدي إلى دفع روسيا إلى التشبث بمواقفها؛ لقد فعلت المفاوضات كل شيء من أجل “تلافي الطابع الدرامي والفيتو في كل الاتجاهات“، كما فسَّر مصدر اعتاد المفاوضات، معتمدًا على تصويت كانون الثاني/ يناير 2020، الذي مزَّقَ المجلس ودفع الروس إلى إلغاء نقطني عبور في أوج الشتاء. جرت المفاوضة إذن بصورة رئيسة بين أعضاء مجلس الأمن الخمسة الدائمين للحدِّ من التفاعلات، واستبعاد خطر أي صدام.
“رمز مهم”
ثمَّ إن المفاوضات كانت قد جرت، خصوصًا، بصورة مباشرة بين واشنطن وموسكو. “إن كان الجميع قد هنّؤوا إيرلندا والنروج على وساطتهما، فإن أحدًا لم يكن مخدوعًا، كما سجل آشيش برادهان (Ashish Pradhan) المحلل في فريق الأزمات الدولية. هذا التصويت هو في النهاية مفاوضة بين اثنين من الوزن الثقيل في المجلس. وهذا رمز مهم، أن نراهما يعملان في الاتجاه نفسه، للمرة الأولى منذ زمن بعيد”. فالممثل الروسي، فاسيلي نيبنزيا، قدَّمه من ناحيته بوصفه ثمرة اللقاء بجنيف بين جون بايدن وفلاديمير بوتين. إذ إن الرجليْن تهاتفا من ثمَّ يوم الجمعة 9 تموز/ يوليو كي “يتبادلا التهنئة” على تفاهم فريقيهما اللذين وصلا إلى “تجديد جماعي” لقرار السماح الأممي.
كان لا بد من القيام بتنازلات: فالبلدان الغربية بقيادة الولايات المتحدة، كانت تريد في الأصل زيادة نقاط المرور إلى ثلاث نقاط لنقل المساعدات، عن طريق إعادة فتح نقطتين -عبثًا. كما أن روسيا أيضًا طلبت من منظمة الأمم المتحدة تقديم تقرير خلال ستة أشهر، كي تبرهن على ضرورة هذه النقطة في باب الهوى. وطلبت أخيرًا من الأمم المتحدة تحرّي سبل تحسين المرور عبر خطوط الجبهة، أي تحت رقابة دمشق.
ومن الغرابة بمكان أن مدة التمديد فُسِّرَت بصورة متباينة من قبل الولايات المتحدة التي ترى أنها مدة سنة كاملة، وروسيا التي تعتبر أن المقصود ستة أشهر قابلة للتجديد ستة أشهر أخرى. أكَّدَ بعض الدبلوماسيين أن تصويتًا جديدًا بعد ستة أشهر لم يكن إلزاميًا، في حين قال بعض آخر أن التصويت لا بدَّ منه.
من أجل عدم فقدان ماء الوجه
يمكن لهذا التردد أن يُقرَأ بالنسبة إلى البلدان الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، بوصفه طريقة في ألا تفقد ماء الوجه، أو أن يكون عليها قبول أن تقوم موسكو مرة أخرى بقيادة مجلس الأمن في الاتجاه الذي تريده. “مرة أخرى، نجحت [روسيا] في ابتزاز المجموعة الدولية كي لا تجيز إلا نقطة عبور واحدة للمساعدات الأممية عبر الحدود في سورية“، كما ندَّدت المنظمة غير الحكومية للدفاع عن حقوق الإنسان (Human Rights Watch).
الموظفون الإنسانيون والمنظمات غير الحكومية، الذين يشيرون بصورة منظمة إلى ضروب التقصير والشروط الصعبة لتمرير المساعدات، يستمرون في اعتبار نقطة مرور واحدة عبر الحدود غير كافية. وكان السفير الفرنسي من ثمَّ أحد أعضاء مجلس الأمن الوحيدين الذين ذكروا بهذا الواقع. “النظام السوري يستمر في استخدام المساعدات الإنسانية لأهداف سياسية، كما صرح نقولا دو ريفيير (Nicolas de Rivière). لنكن واضحين: الآلية التي أتينا على تجديدها هي الآن غير كافية للاستجابة إلى الحاجات الإنسانية ولن تكون كافية. نأسف أن نقطتي العبور باب السلامة واليعربية لن تفتحا مجددًا، في حين أن الحاجات الإنسانية منذ العام الماضي زادت بأكثر من 20% في الشمال الغربي [لسورية]، و38% في الشمال الشرقي”.
على الرغم من كل ذلك، كان الأعضاء الخمسة عشر على حق بكل تأكيد، حين احتفلوا بالإجماع المستعاد في المجلس. “هذا الإجماع ليس كثير الأهمية الآن بقدر ما هو بالنسبة للمستقبل، في كانون الثاني/ يناير وتموز/ يوليو المقبلين، كما لاحظ آشيش برادهان (Ashish Pradhan). ذلك يثبت نغمة التعاون في المجلس من أجل المفاوضات القادمة“.
عنوان المادة: L’ONU prolonge le passage transfrontalier de l’aide humanitaire en Syrie
الكاتب: Carrie Nooten
المترجم: بدر الدين عرودكي
مكان وتاريخ النشر: Le Monde, Le 10 juillet 2021
رابط المقال: https://bit.ly/3xGMgil
عدد الكلمات: 1225