لا يمكن للولايات المتحدة تجنب أو تجاهل الصراع في سورية. منذ بداية الأعمال القتالية، ثبت أن التقليل من التورط الأميركي في الحرب، وحماية مصالح الأمن القومي الأميركي، هدفان غير متوافقين، وستبقى الحال كذلك في المستقبل المنظور. السؤال الأساسي المطروح أمام صانعي السياسة الأميركيين ليس هل كان ينبغي على الولايات المتحدة أن تبقي قواتها في سورية أو أن تسحبها، ولكن ما هي الإستراتيجية ومجموعة الأدوات التي ستحمي الولايات المتحدة بشكل أفضل من ارتدادات الصراع، وتدفع بالمصالح الأميركية إلى الأمام؟ هذا التقرير يحدد تلك الاستراتيجية.
كلف الكونغرس معهد الولايات المتحدة للسلام بتسهيل مجموعة دراسة سورية، بناءً على خبرة المعهد المذكور المثبتة في عقد مجموعات دراسة موجهة من الكونغرس. يرجى ملاحظة أن محتوى التقرير خاص بمجموعة دراسة سورية، ولا يمثل آراء المعهد.
ملخص تنفيذي
الصراع السوري والمصالح الأميركية
منذ بداية الصراع في عام 2011 كانتفاضة محلية سلمية، حذر الخبراء من أن الرد الوحشي لـ بشار الأسد من المرجح أن يكون له آثار سلبية خطيرة على المصالح الأميركية. بالنظر إلى موقع سورية المركزي في الشرق الأوسط، وعلاقات نظامها الحاكم بالجماعات الإرهابية وإيران، وعدم توافق حكم الأسد الاستبدادي مع تطلعات الشعب السوري، فإن كثيرين قلقون من انتشار الصراع إلى خارج الحدود السورية. هذه المخاوف هي الآن واقع. أفرز الصراع السوري أزمة لاجئين أثقلت كاهل جيران سورية وعكرت السياسة الأوروبية، وأدت إلى توتر العلاقات الأميركية التركية إلى حد الأزمة، وأدت إلى أعمال عدائية مباشرة بين إيران وإسرائيل، ووفرت عاملًا لعودة روسيا إلى الشرق الأوسط، وتحدت المعايير الدولية حول أسلحة الدمار الشامل وحماية المدنيين. أصبحت مناطق سورية ملاذًا آمنًا للقاعدة وزملائها المتنقلين، وموطنًا لأكبر تجمع للمقاتلين الإرهابيين الأجانب، منذ أفغانستان في التسعينيات. كما غذى الصراع صعود داعش، مما دفع إلى تدخل عسكري مستمر بقيادة الولايات المتحدة. بعد مرور ثماني أعوام، لم يتم احتواء الصراع بشكل مفيد، كما لم يتم حماية الولايات المتحدة من آثاره.
الأحداث على الأرض تدحض الرواية التي مفادها أن نظام الأسد فاز في الصراع. تدخل الحرب السورية، البعيدة كل البعد عن الانتهاء، مرحلة جديدة. حتى تاريخ كتابة هذه السطور، يضغط نظام الأسد وراعيته روسيا على هجوم ضد إدلب، يمكن أن يخلق كارثة إنسانية جديدة ويؤدي إلى تدفق اللاجئين. تندلع التوترات بين العنصر (المكون) الكردي الذي يهيمن على قوات سوريا الديمقراطية، التي دربتها الولايات المتحدة في شمال شرق سورية، والسكان العرب في بعض المناطق الخاضعة لسيطرة (قسد). تقوم تركيا بموضعة قوات لغزو شمال شرق سورية، الأمر الذي سيحوّل (قسد) عن المهمة الأساسية المتمثلة في منع عودة داعش. إن داعش اندحرت/ خسرت، ولكنها لم تُهزم نهائيًا، وبدأت في الظهور بالفعل، واستعادت أراضي في كل من سورية والعراق. قد يتصاعد الصراع بين إيران وإسرائيل، اللتين تخوضان بالفعل صراعًا منخفض المستوى في سورية، نحو صراع مفتوح، خاصة في مرتفعات الجولان. وقد يسعى نظام الأسد وشركاؤه إلى عبور نهر الفرات، الأمر الذي بدوره يمكن أن يبعث الحياة في تمرد داعش، ويسمح لإيران بتعزيز طرقها البرية من العراق إلى لبنان. كل هذه السيناريوهات تصبح أكثر ترجيحًا، من دون وجود قوات أميركية في سورية، ومن دون وجود قيادة أميركية ملتزمة لتجنب هذه السيناريوهات.
كشفت مجموعة دراسة سورية عن عدم وجود حلول سهلة في سورية، حيث انقضى وقت النتائج المثلى منذ مدة طويلة. ومع ذلك، حددت المجموعة أن التهديدات التي يمثلها الصراع في سورية -وهي الإرهاب الموجّه ضد الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها، من إيران المخولة، وروسيا المتضخمة، والأعداد الكبيرة من اللاجئين والمهجرين وغيرها من أشكال الكوارث الإنسانية، وتآكل القواعد الدولية للحرب والالتزام الغربي بها- هي تهديدات جادة وخطرة بما فيه الكفاية، لتستحق استجابة حازمة من الولايات المتحدة.
تحتفظ الولايات المتحدة وحلفاؤها بأدوات للتصدي لتلك التهديدات، وبالنفوذ لتعزيز النتائج التي هي أفضل للمصالح الأميركية من تلك التي قد نراها في غياب مشاركة الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن استخدام هذه الأدوات بفاعلية، سوف يتطلب مواءمة أفضل للغايات والوسائل -يجب أن تكون الأولى (الغايات) أكثر واقعية وزيادة الاستثمار في وسائل الولايات المتحدة- إضافة إلى قيادة سياسية واضحة ومتسقة وعالية المستوى. أدت التحولات الحادة وانتكاسات السياسة الأميركية، وفشل كبار المسؤولين الحكوميين في الولايات المتحدة في إعطاء الأولوية للقضية مع نظرائهم، إلى تقويض المصداقية الأميركية وفاعلية السياسة الأميركية.
تقييم الوضع الحالي في سورية
بينما يوصف الصراع في سورية غالبًا بأنه يتخامد، فإن تقييم مجموعة دراسة سورية يؤكد أن هذا غير صحيح. في الواقع، لا يزال الصراع ديناميكيًا وخطيرًا. وخصوصًا:
- لم يلغِ تحرير الأراضي التي كانت تسيطر عليها داعش تهديد الجماعة للولايات المتحدة. لم تعد داعش تحتفظ بأراض مهمة في سورية أو العراق، لكنها لم تُهزم. تحولت الجماعة نحو تمرد بإرادة وقدرة وموارد لتنفيذ هجمات ضد الولايات المتحدة. سيسعى تنظيم الدولة الإسلامية إلى الاستفادة من أي انفتاح، سواء كان تخفيض الضغط الأميركي على مكافحة الإرهاب، أو السخط بين السكان العرب في شرق سورية، لتجنيد مقاتلين جدد وشن هجمات. ما زالت أيديولوجية داعش الإرهابية، أو “علامتها”، تحظى بقبول عالمي.
- يمثل محتجَزو داعش تحديًا طويل الأمد، لا يتم التعامل معه على نحو كافٍ ومقبول. على الرغم من تكبد داعش خسائر كبيرة، فإن العديد من مقاتليها -بما في ذلك الآلاف من المقاتلين الأجانب- ما زالوا رهن الاحتجاز تحت إدارة (قسد). إذا أُطلق سراحهم، سيشكلون جوهر تكرار جديد لـ داعش، أو أي مجموعة مماثلة. إضافة إلى ذلك، يقيم عشرات الآلاف من أفراد أسر مقاتلي داعش، في معسكرات/ مخيمات في شرق سورية. لدى (قسد) وصاية على كلتا الجماعتين، ولكنها تفتقر إلى الموارد والدعم الخارجي للاحتفاظ بهما إلى أجل غير مسمى. وقد عانت الجهود الأميركية والحليفة لمعالجة هذه المشكلة من نقص الإرادة السياسية.
- لا تزال القاعدة وغيرها من الجماعات الإرهابية نشطة في سورية، وتهدد الولايات المتحدة. على الرغم من أن داعش قد حظي باهتمام كبير، فإن الجماعات الإرهابية الأخرى تنشط وتسيطر على الأراضي، وخاصة في إدلب. شكلت هيئة تحرير الشام، فرع تنظيم القاعدة، حكومةً في إدلب، تضم العديد من الجماعات الأخرى، بما في ذلك فرع سورية التابع لتنظيم القاعدة، وحرّاس الدين، وعدد كبير من المقاتلين الإرهابيين الأجانب. تفتقر الولايات المتحدة إلى حرية التصرف للقيام بحملة شاملة لمكافحة الإرهاب في هذه المناطق.
- على الرغم من الضربات الجوية الإسرائيلية والعقوبات الأميركية، تواصل إيران ترسيخ وجودها في سورية، تظهر بعض علامات الاختلاف الخطيرة بين روسيا وإيران. ويبدو أن إيران تتبع سياسة مزدوجة تتمثل في الترسيخ العسكري والنشاط السياسي والاقتصادي، تهدف إلى تعزيز قوتها ونفوذها في سورية على المدى الطويل. وبحسب ما ورد، تسببت أنشطة إيران في استياء السكان السوريين، لكن نظام الأسد يعتمد اعتمادًا كبيرًا على الدعم الإيراني. يعتقد المسؤولون الإسرائيليون أن الغارات الجوية الإسرائيلية عطلّت محاولات إيران لنقل أنظمة أسلحة متطورة إلى سورية، لكن الأهداف الإيرانية الشاملة تبدو كما هي، وخطر الصراع الإيراني الإسرائيلي الأوسع ما يزال عاليًا. وعلى الرغم من قبول روسيا بالحملة الإسرائيلية ضد إيران، فإن هناك بعض الدلائل على وجود خلاف أوسع بين موسكو وطهران، في ما يتعلق بالأهداف أو التكتيكات في سورية.
- لم يربح الأسد الصراع في سورية. استعاد النظام مساحات شاسعة من الأراضي، ويمتلك الآن 60 في المئة من مساحة البلاد. ومع ذلك، فإن سيطرته خارج دمشق ضعيفة، ويعزى ذلك جزئيًا إلى افتقاره إلى القوات لتأمين المناطق التي يستعيدها، ولكن أيضًا لأنه يتبع سياسات عقابية ضد السكان المحليين. في معظم المناطق التي يسيطر عليها النظام، يخضع المدنيون للتجنيد، وكذلك للاعتقال التعسفي والتعذيب والإعدام على أيدي النظام. الجريمة وأمراء الحرب متفشيان. نظام الأسد مصمم على استعادة إدلب، ويتلقى مساعدة روسية للقيام بذلك، لكنه كافح حتى الآن من أجل استعادة الأراضي، من دون مساعدة القوات البرية الإيرانية.
- توقف التقدم نحو تسوية سياسية للصراع السوري، ولم يبدِ الأسد أي استعداد لتقديم تنازلات مع خصومه. ولم تسفر “عملية جنيف”، التي تقودها الأمم المتحدة بناءً على قرار مجلس الأمن رقم 2254، أو “عملية أستانا” المخصصة لذات الغرض ad hoc التي تضم روسيا وإيران وتركيا، عن تقدم نحو تسوية سياسية للصراع. بينما تقود الولايات المتحدة جهدًا جديدًا لكسر الجمود، تظل العقبة الأساسية تتمثل في عدم رغبة نظام الأسد في دعم أي إصلاح ذي معنى. من غير المرجح أن تسفر الانتخابات الرئاسية في عام 2021 عن نتيجة انتخابية شرعية، لأن هناك فرصة ضئيلة لأن يسمح النظام بإجراء انتخابات حرة ونزيهة أو بمشاركة موثوقة من الشتات السوري.
- قللت الولايات المتحدة من قدرة روسيا على استخدام سورية، كمنطقة للنفوذ الإقليمي. لقد حقق تدخل روسيا، ابتداءً من عام 2015، هدفه القريب (الحفاظ على النظام في تحد لدعوة الولايات المتحدة الأسد إلى الرحيل) بتكلفة منخفضة نسبيًا. وعززت روسيا مكانتها وسمعتها، على نطاق أوسع في الشرق الأوسط. إن مدى نجاح روسيا في سورية أمر قابل للنقاش، لم تترجم بعد مكاسب الأسد العسكرية إلى النصر السياسي الذي تسعى إليه موسكو على ما يبدو، لكن روسيا أعادت تأسيس نفسها كلاعب أساس في سياسة المنطقة لأول مرة منذ عقود.
- توترت العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا في سورية، بسبب وجهات النظر المتباينة بخاصة حول قوات سوريا الديمقراطية. سيمثل التوغل التركي في شمال شرق سورية انتكاسة كبيرة لأهداف الولايات المتحدة في سورية، وأزمة جديدة للعلاقة الأميركية التركية. تعتبر الولايات المتحدة قرارها بالشراكة مع قوات سوريا الديمقراطية لمحاربة داعش أمرًا ضروريًا، بسبب عدم وجود بديل تركي موثوق به في الوقت المناسب، وتعُدّ تركيا قوات سوريا الديمقراطية تهديدًا أمنيًا خطرًا، بسبب صلات تلك القوات بحزب العمال الكردستاني، وهو تهديد أصبح أكثر خطورة من قبل.
- تدريب وتجهيز الولايات المتحدة لقوات سوريا الديمقراطية. حيث لعب هذا الصراع دورًا مهمًا في تآكل العلاقات الأميركية التركية، وقد يؤدي إلى توغل تركي ثالث في سورية، الأمر الذي من شأنه أن يعوق الحملة العسكرية الأميركية بشدة ضد داعش. لا يوجد ما يشير إلى أن تركيا تنوي التخلي عن السيطرة على المنطقتين السوريتين اللتين تسيطر عليهما حاليًا: عفرين ومنطقة “درع الفرات”.
- على الرغم من أن قوات سوريا الديمقراطية كانت شريكًا فعالًا للغاية في الحرب ضد داعش، فإنها يجب أن تكابد مرحلة انتقالية لضمان الاستقرار في شمال شرق سورية. يعتبر الجيش الأميركي قوات سوريا الديمقراطية كشريك فعال للغاية في الحملة العسكرية التقليدية ضد داعش. وتواجه تلك الشراكة تحديات جديدة، مع التحول من القتال إلى الحكم. لا يزال الأكراد السوريون يسيطرون على قوات سوريا الديمقراطية -وتحديداً من قبل وحدات حماية الشعب- بالرغم من سيطرتها على مساحات شاسعة من الأراضي ذات الأغلبية العربية. وقد أدى هذا التباين، ونهج وحدات حماية الشعب القاسي في الحكم وتخصيص الموارد، إلى اضطرابات في المناطق القبلية العربية. أدى الحد الأدنى من المشاركة المدنية للولايات المتحدة، ووقف تمويل الاستقرار الأميركي في شمال شرق سورية، إلى تقليص النفوذ الأميركي.
- إن استهداف نظام الأسد للمدنيين والبنية التحتية المدنية يشكّل جرائم حرب، ويوجب المساءلة، فضلًا عن تعزيز الجهود لحماية المدنيين. استهدف نظام الأسد ورعاته، ومنهم روسيا، المدنيين والبنية التحتية المدنية استهدافًا منهجيًا، وقد وجدت لجنة تابعة للأمم المتحدة أن النظام متورط في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. تعرض السوريون للاعتقال التعسفي والتعذيب والإعدام على أيدي النظام. وعلى الرغم من أن احتمالات المساءلة باهتة على المدى القريب، فإن الجهود المبذولة لتوثيق فظائع النظام جارية.
- الأزمة الإنسانية في سورية، والتحديات التي يطرحها المهجرون داخليًا واللاجئون، سيتردد صداها لعقود. ومن غير المرجح أن يعود معظم اللاجئين طوعًا، في ظل الظروف الحالية في سورية. أثار الصراع السوري أخطر تهجير بشري منذ الحرب العالمية الثانية، فهناك 6 ملايين سوري مهجرين داخليًا، وحوالي 6 ملايين آخرين مسجلون كلاجئين خارج البلاد. وضع اللاجئون عبئًا اقتصاديًا ثقيلًا على البلدان المضيفة، وبخاصة جيران سورية، يتزايد الضغط، خاصة داخل لبنان وتركيا، من أجل العودة غير الطوعية. وداخل سورية، تعتمد نسبة كبيرة من السكان على المساعدات الإنسانية، ويسعى النظام إلى السيطرة عليها من أجل تعزيز سلطته.
- على الرغم من هذه التحديات، تحافظ الولايات المتحدة على النفوذ لتشكيل نتيجة في سورية، تحمي المصالح الأساسية للأمن القومي للولايات المتحدة. حددت المجموعة العديد من نقاط النفوذ الرئيسة التي تحتفظ بها الولايات المتحدة، خاصةً إذا استخدمت بالتنسيق مع الحلفاء والشركاء: النفوذ في شمال شرق سورية، وفرض عقوبات على نظام الأسد ومؤيديه، وحجب مساعدات إعادة الإعمار التي يريدها الأسد وروسيا، والعزلة الدبلوماسية المستمرة لنظام الأسد.
توصيات لسياسة الولايات المتحدة
على الرغم من تقييمها الرهيب للوضع في سورية، تعتقد المجموعة أن الولايات المتحدة ما تزال قادرة على ممارسة نفوذها على مسار الصراع، وأن عليها أن تفعل ذلك بالنظر إلى التهديدات التي يشكلها الصراع على المصالح الأميركية. تعتقد المجموعة أن أفضل نهاية لدولة في سورية هي تلك التي ينظر فيها إلى الحكومة السورية على أنها شرعية من قبل سكانها، ولديها الإرادة والقدرة على إنهاء اعتماد سورية على القوات الأجنبية، ومنع الجماعات الإرهابية من الازدهار على الأراضي السورية. وهذا بدوره يتطلب ظروفًا يعيش فيها المواطنون السوريون متحررين من الخوف من نظام الأسد والوحشية الروسية والإيرانية وداعش، وفي إطار ميثاق سياسي واجتماعي محدث قائم على الحكم اللامركزي وتخصيص الموارد بشكل عادل.
مع إدراك أن مثل هذه النتيجة هي احتمال بعيد، توصي المجموعة باستراتيجية تجعل التوصل إلى تسوية سياسية يُتفاوض عليها في سورية أكثر احتمالًا، لكنها تسمح أيضًا للولايات المتحدة بالدفاع عن مصالحها، وإن لم يتم التوصل إلى حل سياسي. لا يعتقد أي من المستشارين من قبل المجموعة أن سحب القوات الأميركية سيجعل داعش أقلّ عرضة لإعادة التجمع، أو إيران أقل عرضة لتوطيد نفسها، أو التوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض.
على الرغم من أن المهمة العسكرية الأميركية في سورية غالبًا ما تُصنّف مع مهمتي العراق وأفغانستان، ضمن فئة “الحرب إلى الأبد”، فإن حالة سورية تقدّم نموذجًا مختلفًا، وأقلّ تكلفة بكثير، لكونها جمعت مجموعات عسكرية أميركية صغيرة، مدعومة بالقوة الجوية وغيرها من القدرات المتطورة، ومعززة بتحالف عالمي من الشركاء المتشابهين في التفكير، مع قوة شريكة محلية صغيرة لتحرير الأراضي من جماعة إرهابية. إن ما اكتسبته القوات الأميركية وشركاؤها في سورية لا ينبغي رميه بالانسحاب المبكر.
ولتحقيق هذه الغاية، توصي المجموعة بأن تواصل الولايات المتحدة، بالتعاون مع الحلفاء والشركاء، مهمتها العسكرية من أجل الحفاظ على الضغط على داعش والجماعات الإرهابية الأخرى، مع الحفاظ على الضغط على نظام الأسد ومؤيديه وتعزيزه، حتى يتم تهيئة الظروف التي تفضي إلى تسوية سياسية تنهي الحرب السورية. على وجه الخصوص، توصي المجموعة الولايات المتحدة بما يلي:
- إيقاف الانسحاب العسكري الأميركي، وتعزيز المكاسب في أعقاب الهزيمة الإقليمية لداعش، ودعم المجتمعات المحررة من داعش في تشكيل نموذج بديل للحكم وتخصيص الموارد والأمن في سورية. توصي المجموعة بأن تقوم الولايات المتحدة بـ: (1) تحديث مهمتها العسكرية لتفادي تمرّد داعش، (2) الاستعداد الجيد لمختلف الحالات الطارئة وسيناريوهات التصعيد، (3) إعادة وجود مدني أميركي وتمويل الاستقرار إلى شمال شرق سورية، (4) الضغط على قوات سوريا الديمقراطية لتحكم بتشاركية أكبر، (5) رفع مستوى مشكلة محتجزي الدولة الإسلامية (داعش)، و(6) إعطاء الأولوية للمشاركة الدبلوماسية والعسكرية في العراق.
- إلى أن تتحسن الظروف داخل سورية، يجب حرمان نظام الأسد ومؤيديه من جميع سبل التطبيع، من خلال فرض العزلة الدبلوماسية على النظام، وفرض بنية عقوبات صارمة. من بين الخطوات الأخرى، يجب على الولايات المتحدة مواصلة الضغط على الحلفاء والشركاء، من أجل الامتناع عن إعادة إقامة العلاقات الدبلوماسية مع نظام الأسد، وحجب مساعدات إعادة الإعمار، وفرض العقوبات بصرامة والسعي إلى توسيعها. وإضافة إلى ذلك، يجب على المجتمع الدولي البدء في تمهيد الطريق الآن للمحاسبة النهائية للمسؤولين عن جرائم الحرب في سورية، من دون فرض المساءلة كشرط مسبق للتسوية السياسية.
- التحقق من استعداد روسيا لدعم التسويات السياسية المقبولة من قبل الولايات المتحدة، مع مواصلة الأنشطة التي تزيد من التكاليف التي تتحملها روسيا عن أعمالها في سورية. يعتقد العديد من المراقبين أن الاتفاق بين الولايات المتحدة وروسيا هو شرط أساس للتقدم نحو تسوية سياسية، ومع ذلك فشلت روسيا باستمرار في الوفاء بالتزاماتها في سورية. يجب على الولايات المتحدة أن تطلب إجراءات ملموسة من روسيا، وفقًا لأي مناقشة حول التسوية السياسية، وفي حالة عدم وجود مثل هذه الإجراءات، يجب عليها تجنب تقديم تنازلات لموسكو أو إضفاء الشرعية على مواقفها. وفي الوقت نفسه، يجب على الولايات المتحدة الضغط على موسكو، جزئيًا، من خلال تسليط الضوء على التواطؤ الروسي في جرائم الحرب.
- إبقاء التركيز على طرد القوات الإيرانية ووكلائها من سورية، مع معرفة أن هذا أفضل ما يتم على مراحل. يجب أن يكون الهدف الرئيس على المدى القريب هو منع إيران والعديد من شركائها ووكلائها من ترسيخ نفوذهما، مع رفع التكلفة على إيران بسبب تصرفاتها في سورية. وتحقيقًا لهذه الغاية، على الولايات المتحدة مواصلة دعمها للغارات الجوية الإسرائيلية، وفرض عقوبات تهدف إلى تقويض قدرة إيران على تمويل وكلائها وشركائها في سورية ولبنان والعراق، والحفاظ على الوجود العسكري الأميركي في قاعدة التنف العسكرية، ودعم جهود فضح النفوذ الإيراني في سورية. يجب على الولايات المتحدة أن تصر على أن أي تسوية سياسية توجب انسحاب القوات الإيرانية ووكلائها من سورية.
- البحث عن مجالات للتعاون مع تركيا، ومعالجة المخاوف الأمنية التركية المشروعة، مع الضغط على تركيا لتجنب أي توغل في شمال شرق سورية، وتحسين الظروف في منطقتي عفرين ودرع الفرات. يجب أن تستمر جهود الولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق بشأن منطقة أمنية أو آلية أمنية على طول الحدود التركية مع شمال شرق سورية، ويجب بذل كل محاولة لعزل سورية عن المشاكل الأخرى في العلاقة بين الولايات المتحدة وتركيا. ينبغي على الولايات المتحدة أن تشجع استئناف محادثات السلام، بين تركيا وحزب العمال الكردستاني، التي تتمتع بأفضل إمكانات تؤدي إلى انفراج بين تركيا وقوات سوريا الديمقراطية. كما يجب على الولايات المتحدة الضغط على تركيا، لتحسين الظروف والوصول إلى المناطق التي تسيطر عليها في سورية.
- السعي لتفادي وقوع كارثة إنسانية في إدلب، في أثناء التعامل مع وجود الجماعات الإرهابية هناك. يتعين على الولايات المتحدة استكشاف سبل لزيادة الضغط على الجماعات الإرهابية في إدلب التي قد تكون تخطط لشن هجمات خارجية. في الوقت نفسه، يجب على الولايات المتحدة أن تسعى لردع نظام الأسد وشركائه، عن مواصلة استهداف المدنيين في المحافظة. استعدادًا لتجدد الأزمة الإنسانية واللاجئين في إدلب، يجب على الولايات المتحدة الضغط على تركيا لتسهيل عمل المنظمات غير الحكومية التي تخدم السكان.
- تنشيط الجهود لمعالجة الأزمة الإنسانية داخل سورية، مع اتخاذ خطوات لدعم البلدان المضيفة للاجئين السوريين. يجب على الولايات المتحدة العمل لضمان استمرار تقديم المساعدات الإنسانية إلى السكان المستضعفين داخل سورية وخارجها. يجب على الولايات المتحدة الضغط من أجل تجديد “قرار الأمم المتحدة عبر الحدود” [وهو القرار 2449، للعام 2018 الخاص بتقديم المساعدات الدولية عبر الحدود]، وحشد الدول الأخرى لتمويل النداءات الإنسانية لسورية، والعمل مع المؤسسات المالية الدولية لدعم الدول المضيفة للاجئين. يجب على الولايات المتحدة الوقوف بحزم ضد الجهود المبذولة لإعادة اللاجئين السوريين قسرًا إلى وطنهم، وأن تستأنف قبول اللاجئين السوريين في الولايات المتحدة.
اسم المقالة الأصلي | Syria Study Group Final Report |
الكاتب | معهد السلام في الولايات المتحدة،USIP |
مكان النشر وتاريخه | موقع المعهد، 24/9 |
رابط المقالة | https://www.usip.org/syria-study-group-final-report |
عدد الكلمات | 2840 |
ترجمة | وحدة الترجمة والتعريب/ أحمد عيشة |