لم يكن هناك تعبير أكثر سخرية من العبارة التي انتشرت في سورية: “يا مخالف يا مخلوف”، أي إما أنك من جماعة “مخلوف” أو أنك تعمل بشكل غير قانوني. وبينما ظلت العبارة دقيقة على مدى العشرين سنة الماضية، انقلبت الطاولة، وأصبح مخلوف الآن هو المخالف.
رامي مخلوف، الذي كان عرّاب إمبراطورية مالية يُقدر أنها تسيطر على 60 في المئة من اقتصاد سورية قبل الحرب، بات غير نافع، بات منبوذًا، وعلى ما يبدو فقد بلغ نقطة اللاعودة. ولكنه ما يزال شخصية قوية، على الرغم من سقوط حظوته.
مخلوف هو أكثر من مجرد اسم، إنه حاكم الظل للأسواق السوداء في البلاد، وهو عمود مالي مفتاحي لاقتصادها المتدهور، يقع تحت ضغط هائل من حملة الحكومة على الفساد (المدعومة بسكاكين أعدائه الداخليين الحادة) منذ نحو عام تقريبًا.
بعد تحقيق، على غرار محاكم التفتيش الإسبانية، أجرته وزارة الاتصالات السورية حول أصول مخلوف الثمينة، مخدّم شبكة الخليوي (سيرياتل Syriatel)، وحساباتها منذ عام 2015 إلى 2019، أصبح مخلوف وحيدًا منعزلًا. لكن الأمور أخذت منعطفًا دراماتيكيًا في الأسبوع الماضي، عندما أعلن رجلُ الأعمال البالغ من العمر 50 عامًا القصةَ من وجهة نظره، في سلسلة من مقاطع الفيديو المنشورة على (فيسبوك Facebook)، التي تتناول فيها كثيرًا من الأسئلة والشائعات المحيطة به ومصير شركاته.
ظهر مخلوف في مقطعَي فيديو، حتى الآن، يخاطب نخبة المؤسسة السياسية السورية، التي كان جزءًا لا يتجزأ منها طوال أكثر من عقدين. ومع استمرار الوضع وتزايد الإجراءات الصارمة ضده، من المتوقع أن يستمر في الظهور للدفاع عن نفسه. من خلال نقل خصومته إلى العلن، خلق مخلوف صدعًا غير مسبوق بين صفوف الموالين، وحوّل نزاعه مع النخبة الحاكمة في سورية، من نزاع كان يمكن ضبطه خلف الأبواب المغلقة، إلى نزاع مفتوح على الصعيد الوطني، لم يُشهد مثله من قبل منذ مواجهة حافظ الأسد مع أخيه رفعت عام 1984.
مقاطع فيديو مخلوف تهديد مباشر لسلطة الأسد
عندما ترددت عبارة “إلى الرئيس أقول، لن أحرجك، لن أثقل عليك، تمامًا مثل عام 2011″، عبر الإنترنت؛ تفاجأ السوريون وهم يشاهدون مخلوف يرتكب الخطيئة الأساسية في نشر غسيل النخبة القذرة في الأماكن العامة. ظهر الملياردير الحوت في مقطع فيديو مدته 15 دقيقة على (فيسبوك) في 30 نيسان/ أبريل، بعنوان مشبوه: “كن مع الله ولا تبالِ”، وقد وضّح مجموعة واسعة من المظالم والمخاوف بشأن التحقيقات الضريبية المتعددة بحق شركاته.
مرهقًا، يجلس على أرضية قصره (الذي يُعتقد أنه في سورية) يبدو مخلوف أن خياراته صارت قليلة. جاءت كلماته كتهديدات مبطنة: “إذا واصلنا السير في هذا الطريق، فإن الوضع في البلاد سيصبح صعبًا للغاية”. كانت هذه رسالة واضحة مفادها أنه لن يتراجع، كان مقطع الفيديو الأول في صميم الموضوع، ومحاولة أخيرة لنيل إعفاء من الضرائب، وحث الرئيس السوري بشار الأسد على التدخل.
زعم مخلوف أن شركة (Syriatel) تُخدّم 11 مليون مستخدم، وتدفع حوالي 12 مليار ليرة سورية من الرسوم الجمركية، وتعطي نصف أرباحها الإجمالية للدولة على الأقل. وقد طُلب منه أن يسدد ما يقدر بنحو 130 مليار ليرة سورية، وهو مبلغ -بحسب قوله- سيؤدي إلى “انهيار الشركة”. يقول أيمن الدسوقي، الباحث في مركز عمران للدراسات الإستراتيجية، إن الفيديو الأول له عدة أهداف “أعتقد أنه أرسل العديد من الرسائل. فهو يحاول التوصل إلى صفقة مع الأسد من خلال الوصول إلى آلية لدفع المال وإنقاذ شركاته وأصوله. يحاول جعل الأسد … جزءًا من الخلاف المستمر وزيادة الضغط الشعبي على الرئيس السوري.
من الواضح أن مقطع الفيديو الثاني الذي يحمل عنوان تحدّي “كان حقًا علينا نصر المؤمنين”، كان تصعيدًا ومحاولة يائسة أخرى للاستفادة من “النيّات الحسنة” التي جلبتها أموال فساده في سورية. كانت اللهجة الحادة دليلًا على أن الأمور لم تسر كما هو مخطط لها بعد مقطع الفيديو الأول. وبالفعل، أكدت لي مصادر خاصة في (Syriatel) اعتقال ثلاثة موظفين على مستوى المديرين. وأشار مخلوف إلى نيته عدم دفع الغرامات، وربما يرى أن الاعتقالات كانت حيلة أخرى لتهميشه.
لم يتراجع مخلوف، وكان غضبه يظهر بوضوح في مقطع الفيديو الثاني: “لقد وصلت الأمور إلى مستويات مقرفة وخطيرة من الظلم والهجوم على الممتلكات الخاصة، لذا أرجو منكم جميعًا، أيها الذين تشاهدوني، أرجوكم سامحوني. لا يمكنني أن أعطي ما ليس لي، هذا امتحان إلهي”. وتابع قائلًا: “هذا ليس عدلًا، الدولة تستخدم السلطة والقوة بطرق لا يجوز استخدامها”. هذه رسالة مباشرة للأسد، تسعى لتقويض شعبية الرئيس السوري. يحاول حوت المال خلخلة القاعدة الموالية للأسد. وأضاف مخلوف: “لم تُمنَح السلطة لإجبار الناس على تقديم تنازلات، بل أعطيت لمساعدة المحتاجين”.
يبدو أن المركز الرفيع الذي تمتع به مخلوف لسنوات قد انتهى الآن. توم رولينز، الصحفي الذي يغطي الوضع في سورية، يردد صدى هذه النقطة: “السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل انقطع الاتصال المباشر بين مخلوف وبشار الأسد اليوم؟ يبدو أن مقطع الفيديو هذا يشير إلى أن الحالة لم تعد كذلك. وفي حين يوجه مخلوف خطابه إلى جهتين -بشار والسوريين- لست متأكدًا أن لخطابه التأثير المطلوب الذي يبدو أنه كان يسعى إليه”.
في سورية، نادرًا ما يوجّه شخصٌ عادي الانتقادَ المباشر لإدارات المخابرات المخيفة، فكيف إذا كان ذلك الشخص بحجم رامي مخلوف! كان مخلوف يلعب بالنار عندما قال: “أريد توجيه رسالتي إلى الرئيس. لقد بدأت أجهزة الاستخبارات في التعدي على حريات شعبنا. هؤلاء هم شعبك، وهم مؤيدوك، ولا يمكنك السماح للآخرين بمهاجمتهم”. أوضح آرون لوند، وهو باحث في مؤسسة القرن، أن “مخلوف لا يساعد نفسه كثيرًا في هذه التصريحات البعيدة عن الناس، على غرار عبارات ماري أنطوانيت. لا أحد في سورية يعتقد بأنه حقق ثروته من خلال تجارة عادلة ونزيهة”. بعد ظهور مخلوف، حذف أولاده جميع الصور من (إنستغرام Instagram) التي تشير إلى نمط حياتهم المترفة، ومنها صور الرئيس السوري.
تجري الآن حملة قمع بوضوح، مع تقارير عن اعتقالات واقتحام قوات الأمن (فيلا) مخلوف في يعفور، إضافة إلى انتشار أمني كثيف في اللاذقية، حيث لمخلوف كثير من الموالين. وبحسب ما ورد بلغ عدد موظفي (سيرياتل) المعتقلين الآن 28 شخصًا. كان رد الأسد الفوري واضحًا، وإن كان غير مباشر: أكد بيان صادر عن هيئة الاتصالات السلكية واللاسلكية والبريد أنها ستطلب من (سيرياتل) تقديم إجابة نهائية، بحلول 5 أيار/ مايو، يمكن أن تكون أرضية للتفاوض بخصوص آلية دفع المبلغ المقدر بـ 233,8 مليار ليرة سورية، وهي إشارة وحشية تدل على أن مخلوف سيُجبر على دفع ما هو مستحق عليه بكل هدوء.
شركة الاتصالات المتنافسة MTN (التي تعرضت أيضًا لغرامة مماثلة) سارعت إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة، كي لا تكون شريكًا محتملًا مع مخلوف للاحتجاج على عدم المساواة القضائية. أبلغ مستثمرها الرئيس، شركة (TeleInvest)، هيئة الاتصالات السلكية واللاسلكية والبريد، سريعًا، بأن الشركة مستعدة لدفع ضرائبها المطلوبة، وفق جدول زمني يُناقش لاحقًا.

المواجهة خلقت عاصفة رأي عام في سورية
كانت ردة الفعل داخل المناطق التي تسيطر عليها الحكومة سريعةً وقاسية. وبينما لم يكن هناك رد مباشر من الأسد أو دائرته الداخلية، كانت وسائل التواصل الاجتماعي غير الرسمية الخاصة بهم غزيرة، وتعمل بفاعلية كمقياس لكيفية نظر أصحاب الخط المتشدد في الحكومة إلى مخلوف. أكرم عمران، وهو صحفي موالٍ للحكومة ومحرر مجموعة وسائل التواصل الاجتماعي “سورية: فساد في زمن الإصلاح”، كتب ردًا واضحًا، كان مضمون الكتابة “إلى السيد رامي: التزم بأوامر الحكومة، لأنه لن يقف أحد بجانبك ضد دولتهم”.
في غضون ذلك، أشارت صفحة “ماهر الأسد” غير الرسمية على (فيسبوك) إلى أن مقطع فيديو مخلوف كان محاولة لإخافة الرئيس، ولم ينجح، نقلًا عن إحدى مقولات الأسد: “يريدوننا أن نخاف، وهذا لن يحدث”. كانت ردة الفعل على الخصومة مختلطة بشكل عام، مع اختلاف وجهات النظر والعوامل التي تحتل مركز الصدارة. دافعت شبكة أنباء اللاذقية الشعبية عن مخلوف: “إنه يوفر رواتب لأطفال الشهداء، [ويقدم] سلال طعام شهرية للعائلات الفقيرة. لقد قدم الكثير، وهو أفضل من 99 في المئة من التجار والمسؤولين في هذا البلد”. أما مازن مصطفى، الصحفي السوري، فقال: “لو كان لدينا دولة قانون، لكان المدعي العام قد استدعى رامي مخلوف، مع كل الوثائق التي تحدث عنها، لإظهار الحقيقة وعرضها على الرأي العام. لو كان لدينا فقط دولة القانون”. وأضاف: “رامي مخلوف يشعر أنه معرض لخطر الاغتيال، لذلك أراد فقط أن يحمي نفسه”.
كان فراس الأسد، ابن عم الرئيس، صريحًا في رأيه إذ قال: “كلنا نعرف من يسيطر على (سيرياتل) الآن”، مشيرًا إلى قبضة الأسد المتزايدة على بعض حيتان الحرب. وعلى الرغم من أن القضية المرفوعة ضد مخلوف قد تكون دامغة، فإن الأساليب التي استخدمتها السلطات المالية كانت مفرطة، بحسب الصحفية السورية علا الباكير، التي جادلت بالقول: “يمكنك أن تنظر إلى ما حدث له على أنه ظلم أو خطأ، ولكن طُلب منه مبالغ مخيفة، وأُعطيّ مهلة محددة للدفع مع العلم أن إجراءات تحصيل الضرائب أعيد تنشيطها على نطاق واسع منذ عامين تقريبًا. المبالغ لا تتناسب بأي شكل مع حجم إيرادات الشركة”.
حملة ضغط شديدة
بدأت الجهود المخطط لها بعناية للضغط على مخلوف، باستخدام أجهزة مختلفة للسلطات المالية السورية في كانون الأول/ ديسمبر 2019، عندما صادرت المديرية العامة للجمارك بعض أصوله، وأصدرت غرامات كبيرة تصل إلى 11 مليار ليرة سورية عن منتجات مستوردة، ومنها النفط والغاز، من دون دفع الضرائب. وتحملت آبار بتروليوم، وهي شركة مخلوف لنقل الغاز والنفط ومقرها بيروت، العبء الأكبر من هذه الغرامات.
كما بدأت الرئاسة السورية في السيطرة بشكل مباشر أكثر على جمعية البستان، وهي كيان هجين تحت سيطرة مخلوف يمتلك قوة شبه عسكرية قوامها 20,000 رجل، ومؤسسة خيرية ممولة تمويلًا جيدًا تخدم الآلاف، وهذا ما أثار القلق تجاه المصادرة التي أزعجت مخلوف بلا شك. وبحسب صحيفة الأخبار اللبنانية الموالية للحكومة، فإن “الجمعية أصبحت تحت إشراف القصر”.
مع بدء الضغط في التصاعد، استمر هجوم الدائرة الداخلية على جبهات متعددة. في منتصف نيسان/ أبريل، أعلنت السلطات المصرية القبض على شحنة من الحشيش تزن أربعة أطنان مخبأة في منتجات الألبان من شركة (ميلك مان Milkman) السورية، وهي شركة يملكها مخلوف وحده.
على الرغم من أن الحوت الملياردير المحاصر نفى مسؤوليته، في بيان شديد اللهجة، بعد مدة وجيزة من مصادرة الشحنة، فإن الإنذارات انطلقت بوضوح بخصوص أنشطة شبكة أعماله. وردّ مخلوف مدعيًا براءته: “من شوه عمل هذه الشركة، بإفراغ هذه المنتجات وتعبئتها بمواد مخدرة، هو رجل جبان”، لكن الضرر حدث، وبدأ مخلوف يبدو كرجل في مرمى الهدف.
كانت رصاصة الرحمة التي أطلقها الأسد على إمبراطورية مخلوف تحقيقًا مفصلًا أجرته هيئة الاتصالات السلكية واللاسلكية والبريد في سورية، أجبر شركتي الاتصالات الرئيستين في سورية، (Syriatel وMTN)، على دفع 233,8 مليار ليرة سورية من الغرامات غير المدفوعة والضرائب المتأخرة بحلول 5 أيار/ مايو، مع تحذير صارم من أن هناك عواقب وخيمة إذا لم يتم الدفع. دفع هذا بمخلوف إلى اتخاذ إجراءات شديدة، لأنه على ما يبدو لم يكن قادرًا على الوصول إلى الرئيس لمناقشة إيقاف تنفيذ القرار.
كان الأسد يواجه صداعًا متزايدًا حيث يلوح قانون قيصر الأميركي في الأفق، ويرزح اقتصاد سورية في ضائقة شديدة، لم يكن بوسعه السماح لمخلوف بمواصلة سيطرته المالية. مع إجبار كورونا على إغلاق غير مرغوب فيه في سورية، قدرت الخسائر الاقتصادية اليومية بسبب توقف الخدمات والتجارة بحوالي 33,3 مليار ليرة سورية، وفقًا للدكتور علي كنعان، عميد كلية الاقتصاد في جامعة دمشق.
وكذلك كان النقد يصدر من روسيا، حيث ازدادت همسات الاستياء عن المشاكل الاقتصادية في سورية وتفشي الفساد. ألكسندر أكسينينوك، وهو دبلوماسي روسي بارز، كتب: “دمشق ليست مهتمة بشكل خاص بإظهار مقاربة بعيدة النظر ومرنة، بل تستمر في البحث عن حل عسكري بدعم من حلفائها، وعن مساعدات مالية واقتصادية غير مشروطة مثل التي كانت في الأيام الخوالي في عهد المواجهة السوفيتية-الأميركية في الشرق الأوسط”. الضغط مستمر على الرئيس الأسد في الوقت الذي يواجه فيه أوقاتًا صعبة على الصعيدين الاقتصادي والمحلي، ومع ذلك فمن غير المحتمل أن تكون الخطة لملاحقة مخلوف قد أتت من موسكو، لأن النتائج المحتملة -مواجهة أكبر وتأثير سلبي على ما تبقى من الاقتصاد السوري- لن تكون لمصلحة روسيا. فضّل الروس دائمًا عدم التدخل في القضايا الداخلية الحساسة، خاصة أن مخلوف يحتفظ بدعم كبير في المناطق الساحلية، حيث توجد القواعد الروسية.

ما هو دور السيدة الأولى أسماء الأسد؟
نُسبت العديد من تحركات السياسات المناهضة لمخلوف، إلى أسماء الأسد، وربّما ساعدت السيدة الأولى في هندسة استيلاء القصر على جمعيات مخلوف الخيرية وضمان استمرار عملياتها، لكن من غير المحتمل أن تكون القوة الدافعة وراء ذلك الجهد.
على الرغم من أن الأمانة السورية للتنمية -وهي منظمة إنسانية ترأسها السيدة الأولى- كانت منافسًا رئيسًا لأنشطة مخلوف الإنسانية، فإن الأمانة السورية لديها موارد ونفوذ يفوقان بكثير موارد جمعية البستان، لذا فإن استيعابها في شبكة الأمانة السورية للتنمية سيكون إنجازًا محدودًا.
وفقًا لـ توم رولينز، “هناك شائعات ونظريات مختلفة حول سبب حدوث ذلك. يعتقد بعض المراقبين أن سيدة سورية الأولى أسماء الأسد تقود هذه الحملة ضد مخلوف؛ ويقول آخرون إن حملة “مكافحة الفساد” المفترضة هذه أتت بناء على طلب من روسيا. في كلتا الحالتين، هناك شيء واحد واضح جدًا، وهو أن مخلوف يبدو أنه في مشكلة خطيرة”.
ومع ذلك، لم يضيّع أنصار مخلوف وقتًا في إلقاء اللوم على السيدة الأولى. فالدكتور سميع روبة، قريب مخلوف، كتب في منشور على مواقع التواصل الاجتماعي موجه إلى الرئيس السوري، ثم حذفه لاحقًا: “انتخبناكم وقدمنا عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى لكم لتبقوا في السلطة”. ويواصل تسمية عائلة السيدة الأولى بـ “العثمانيين الجدد” في إشارة طائفية واضحة إلى هويتها السنية.
لكن أعداء مخلوف لا يأبهون للسيدة الأولى. كان معروفًا أن مخلوف بمواجهة مع ماهر الأسد، شقيق الرئيس، بشأن علاقاته الوثيقة مع الإيرانيين ودعمهم وتدريبهم لميليشيات البستان، التي عملت كقوة قتالية شبه مستقلة خلال الحرب.
وفقًا لـ روان رجولة، المحللة السياسية المقيمة في واشنطن، هناك عدد من العوامل الكامنة وراء هذه الأزمة، أكثر من عامل واحد مرتبط بشخص معين. “من غير المحتمل أن يكون الصدع بسبب نزاع عائلي، بل سياسة خروج لتخفيف الضغط على العديد من الجبهات”، مضيفًا أن مخلوف ربما كان منافسًا، لأن جمعية البستان ليست جزءًا من مظلة الأمانة السورية للتنمية برئاسة السيدة الأولى”.
على الرغم من الاختلافات الشخصية المتضمنة في الموضوع، فإن الرئيس الأسد لا يزال صاحب القول الفصل، وقرار عزل مخلوف وإبعاده الآن قرار مدروس جيدًا. يرى فراس الأسد، نجل رفعت الأسد وابن عم الرئيس السوري، أن الصراع لا يتعلق بالدرجة الأولى بالدائرة الداخلية، بقدر ما يتعلق بالرئيس مباشرة. وكتب على وسائل التواصل الاجتماعي “رامي مخلوف يعرف جيدًا أن مشكلته ليست مع السيدة الأولى، ولكن مع الرئيس نفسه”.
هل أصبح مخلوف شخصية قوية جدًا؟
كانت المشكلة مع مخلوف تتخمر منذ عام 2018، وبدأت فعليًا في اللحظة التي انتهى فيها القتال حول دمشق والمحافظات الأخرى. لقد جمع هذا الممول الثري جيشًا، وثروة هائلة تقدر بـ 5 مليارات دولار قبل عام 2011، ونفوذ إعلامي، وشبكة كبيرة من العلاقات التجارية والعسكرية المعقدة التي بناها في مدة زمنية قصيرة، وقد جعله ذلك تهديدًا يلوح في الأفق وهدفًا مربحًا ومفيدًا.
خلال أعوام الحرب العجاف، كان الأسد يعتمد اعتمادًا قويًا على القوة المالية لمخلوف ومنظماته، إما للعمل كقوات رديفة للجيش أو للعب دور إنساني عندما كان النظام في أضعف حالاته. كانت البستان بطاقة النجاة لمخلوف مع السوريين، وعلق آماله على الدعم الشعبي من أولئك الذين استفادوا من مساعدتها الإنسانية، التي راوحت بين دفع تكاليف عمليات إنقاذ الحياة إلى توفير الرواتب لعائلات الذين ماتوا. ونظرًا لدورها الواسع النطاق، فإن أفضل وقت لمواجهة مخلوف سيكون عندما ينتهي التهديد العسكري لبقاء النخبة الحاكمة والبلاد.
أصبح مخلوف لاعبًا خطيرًا، له كثير من النفوذ والقوة، اللتين تزايدتا تزايدًا لا يمكن السيطرة عليه خلال الحرب. كانت دمشق غير راغبة أو غير قادرة على قص جناحيه، طالما كان الصراع العسكري لا يزال محتدمًا في المناطق الاستراتيجية. عندما تحدثت مع علي العك، قائد “القوات الجبلاوية شبه العسكرية” في حمص، وهي فرع لجمعية البستان، عام 2017، كشف أنه في محافظة حمص وحدها، كان لديهم ما يقرب من 5,000 مقاتل على الورق، بينما كان العدد الفعلي يراوح بين 3,000 و3,500 في أوقات الذروة. مع مثل هذه القوة، من السهل أن ترى لماذا تصبح الخطوة ضد مخلوف حتمية.
على الرغم من أن مخلوف ربما كانت لديه مظالم مشروعة من المحاولات المنهجية لإضعافه، فإن صورته وصورة أطفاله كانت سببًا لبعض الذعر في سورية. بينما يعاني الكثير من المعركة اليومية من أجل العيش وسط تكاليف المعيشة المذهلة والفقر والتضخم والبطالة، كان أبناؤه يظهرون على (إنستغرام Instagram) نمط حياتهم المترفة في دبي، ويستعرضون ثرواتهم الهائلة وسياراتهم الرياضية وطائراتهم الخاصة.
أوضح آرون لوند، الباحث في مؤسسة القرن، هذه النقطة: “لقد تسبب أطفال مخلوف الكبار عدة مرات، في العامين الماضيين، في إثارة ضجة من خلال التباهي بأسلوب حياتهم المسرف، يتباهون طوال الوقت بالفيراري والطائرات الخاصة وقصور دبي على (إنستغرام Instagram). معظم الرجال السوريين الذين بلغوا سنهم هم في الجيش منذ أعوام، يعيشون حياة بائسة ويخاطرون بحياتهم لإنقاذ الحكومة”. أدى هذا إلى استياء بين السوريين، وشُوهت صورة مخلوف، وقد عدّت الدائرة الداخلية للأسد هذا الأمر سلوكًا غير مبرر، في وقت كان فيه المعارضة والغضب في الداخل على نوعية الحياة في سورية تتصاعد في المناطق الموالية. وتابع لوند: “الأسد لا يستمر أو يسقط، بسبب الرأي العام، ولكن قد تكون هناك لحظة يحتاج فيها إلى إظهار من هو المسؤول. وربما تم الوصول إلى هذه اللحظة”.
ما هو القادم؟
مع تعرض مكانة مخلوف للتهديد الآن، لا يوجد نقص في الأشخاص الذين يمكنهم سد الفجوة، إذا استُولي على إمبراطوريته. يبدو أن الرئاسة ستكمل استيلائها على الجانب الإنساني من عملياته، في حين أن شخصيات جديدة مثل الحوت الغامض طارق خضر “أبو علي” أو الشخصيات الأكثر رسوخًا، مثل محمد حمشو وسامر الفوز، ستكون بلا شك مستعدة للانقضاض وتوسيع نفوذها على حساب مخلوف في قطاعات مثل الاتصالات والإعلام والعقارات.
لا يزال مخلوف يحتفظ بدعم كبير داخل سورية التي تسيطر عليها الحكومة. لديه مجموعة من الشركات التي وفرت فرص عمل لعشرات الآلاف من السوريين وولدت الولاء. من خلال مشاريع إنسانية معينة، تمكن من خلق متابعين أقوياء ومتعاطفين داخل الأجزاء الفقيرة من البلاد أيضًا، خاصة في المناطق الساحلية. وهنا تكمن أكبر معضلة للأسد: إن اقتلاع مخلوف بعنف يخاطر بفقدان دعم أتباعه، وإذا لم تسر الأمور كما هو مخطط لها، فقد يؤدي ذلك إلى زيادة زعزعة استقرار البلاد.
التحدي الآخر الذي يواجه الأسد هو أنه إذا انخرط مخلوف في المعركة، فقد يؤدي ذلك إلى مزيد من تمزيق نسيج المجتمع السوري. حتى اعتقال مخلوف -إن كان لا يزال في سورية- لن يحل المشكلة أيضًا؛ لأنه سيبقى رمزًا لشخص يمكنه الدفاع عن نفسه والوقوف ضد الرئيس السوري. وإذا أوذي أو قُتل في هذه العملية، فقد يصبح مخلوف شهيدًا، وقد يؤدي ذلك إلى حدوث صدوع لا يمكن إصلاحها. يأتي كل هذا في وقت يعيش فيه 80 في المئة من السوريين تحت خط الفقر، وتؤدي جائحة كورونا إلى توقف الاقتصاد. باختصار: نسبة الخطر عالية جدًا، بسبب صراع مفتوح على السلطة بين الدوائر الداخلية للنظام.
اسم المقالة الأصلي | The Rami Makhlouf saga poses a dangerous challenge for Assad |
الكاتب | داني مكي، Danny Makki |
مكان النشر وتاريخه | معهد الشرق الأوسط، Middle East Institute، 6 أيار/ مايو 2020 |
رابط المقالة | https://www.mei.edu/publications/rami-makhlouf-saga-poses-dangerous-challenge-assad |
عدد الكلمات | 2893 |
ترجمة | قسم الترجمة/ أحمد عيشة |