عنوان المادة الأصلي باللغة الروسية: | Что означает референдум о независимости Иракского Курдистана |
اسم الكاتب | ماريانا بيلينكايا |
مصدر المادة الأصلي | مركز كارنغي في موسكو |
رابط المادة | http://carnegie.ru/commentary/71408 |
تاريخ النشر | 04 تموز /يوليو 2017 |
المترجم | سمير رمان |
المحتويات
لم يعدْ هناك مناطق متنازعٌ عليها
ليست الأمور كلها هادئة في أربيل
مقدمة
استُقبلت فكرة الاستفتاء على استقلال كردستان العراق بصورةٍ سلبية، ولكن لا يضع أحدٌ إشارة (x) على فكرة استقلال الإقليم. وبسبب الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية والمصالح الاقتصادية، لا يمكن للدول الخارجية أن تحسم خيارها بين بغداد وأربيل. وهذا يعني أنَّ الاستفتاء هو محض بداية مساومةٍ طويلة حول وضع كردستان العراقي.
كلَّما اقترب النصر على تنظيم الدولة الإسلامية، تسارع بروز تساؤلات حول صيغة العلاقة التي ستقوم بين المنتصرين. أعلن الأكراد العراقيين أنَّ استفتاءً على استقلال الإقليم سينظِّم يوم 25 من أيلول/ سبتمبر القادم. والحديث لا يدور عن المناطق التي تقع رسميًّا ضمن سلطة أربيل القانونية بل أيضًا تلك الواقعة خارجها، أي ما يعرف بـ (المناطق الخلافيّة) في كركوك ومحيطها، وكذلك الموصل وسنجار التي سيطر عليها الأكراد، وهم يقاتلون في صفوف التحالف المعادي للإرهاب ضدَّ داعش.
الخلاف حول مستقبل هذا الجزء من العراق هو قبل كلِّ شيءٍ آخر خلافٌ يتعلَّق بمصير إحدى أغنى مناطق العراق بالثروة النفطية، إذ تُقدَّر الاحتياطات النفطية في المناطق، التي حدَّدها الأكراد، بنحو 45 مليار برميل، أي ثلث إجمالي المخزون العراقي. وإضافة إلى ذلك، تمتلك المنطقة أهميَّةً استراتيجيَّةً بالغة، لأنَّها تكون عقدةً بين العراق، وسورية، وتركيا وإيران.
أثار قرار الأكراد العراقيين ردودًا سلبية في المنطقة، وبخاصَّةً بين الجيران الأقرب؛ تركيا، إيران وسورية الذين يتخوفون من أن تحاول الأقليَّة الكردية في بلدانهم أن تحذو حذو إخوتها في العراق. وبمثل ما هو متوقَّع، سارعت بغداد إلى الوقوف ضدَّ أيِّ خطواتٍ أُحادية من جانب أربيل. ووجد حلفاء الأكراد الغربيين أنفسهم في وضعٍ محرجٍ، وكذلك الأمر بالنسبة إلى روسيا.
من المعروف أنَّ أغلبية الدول المذكورة آنفًا، بذلت في وقت سابق جهدًا ليس بالقليل في مساعدة كردستان العراق ليصبح كيانًا مستقلًا من الناحيتين السياسيّة والاقتصاديّة. وكان اللاعبون الخارجيون جميعهم راضين تمامًا عن وضع الأكراد العراقيين خلال السنوات الـ 14 الماضيات، أي بعد سقوط نظام صدّام حسين. الكلُّ كان راضيًا، باستثناء الأكراد أنفسهم. والآن، يضعون المجتمع الدولي أمام استحقاق الاختيار.
اليوم، تطفو من جديد إلى السطح التناقضات كلها التي كانت موجودةً بين بغداد وأربيل في مدى سنواتٍ طويلة، واشتدّت قبل أعوام 2013-2014. في حينه، اتَّهم الأكراد الحكومة المركزية العراقية بتخصيص مستحقاتٍ أقلِّ ممَّا يستحقونه من العائدات النفطية. أمَّا بغداد، فعدّت أنَّ الأكراد يتصرفون باستقلاليةٍ زائدة، بما في ذلك التعاون مع الشركات الأجنبية، التي حصلت على شروط عملٍ في إقليم كردستان، أفضل ممَّا تحصل عليه في بقية المحافظات العراقية. وأصبحت الاتفاقات التي أبرمها كردستان العراقي مع تركيا لتصدير النفط (من دون مصادقة بغداد)، هي الخطوة الأكثر جدلًا.
وما كان ليُعرف، كيف يمكن أن تنتهي المواجهة بين بغداد وأربيل، لولا استيلاء تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” الإرهابي في صيف عام 2014 على المناطق المحيطة بالموصل وكركوك، واستيلاء التنظيم الإرهابي على حقول النفط والقواعد العسكرية هناك.
في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية، أظهرت الفصائل الكردية قدراتٍ أكبر من الجيش العراقي نفسه. وما تزال فصائل الأكراد العراقيين، والأكراد السوريين والأتراك الذين هبّوا لنجدتهم يقاتلون ضدَّ هذا التنظيم. ونتيجةً لذلك، نالوا تعاطف المجتمع الدولي، للمرّة الأولى منذ أمدٍ طويل. وأصبح الوقت ملائمًا للدفاع عن مصالحهم، فالوضعُ لم يعد مزعزعًا، وتنظيم الدولة يخسر مواقعه في الجبهات كافة. ولا يريد الأكراد الانتظار حتى تنتفي حاجة الآخرين إليهم وحتى يشار إليهم بالخروج من الباب، بمثل ما حدث في الماضي.
خيبة الآمال
نصَّت معاهدة «سيفرسك»([1]) التي وُقِّعت في عام 1920 في عقب الحرب العالمية الأولى، بين الدول المنتصرة والإمبراطورية العثمانية على إقامة دولةٍ كرديّةٍ مستقلَّة. إلا أنَّ المنطقة التي كان من المفترض إقامة الكيان الكردي فيها، جرى تقاسمها فورًا بين تركيا، والعراق وسورية، بموجب معاهدة لوزان لعام 1923، التي ألغت اتفاق سيفرسك. منذ نهاية القرن التاسع عشر، والأكراد يخوضون من دون جدوى صراعًا مع الأتراك في سبيل الحصول على استقلالهم.
في ما بعد، استخدمت الدول الكبرى والإقليمية العامل الكردي، طوال عشرات السنين، ورقةً لتحقيق مصالحهم، مغدقين على الأكراد وعودًا بالحصول، إن لم يكن على الاستقلال، فعلى الحكم الذاتي الواسع على الأقلّ.
منذ عام 1970، أقيمت منطقة حكمٍ ذاتيّ في كردستان العراق على أرض ثلاثٍ من المحافظات العراقية: دهوك، السليمانية وكركوك، بما يعادل نصف أراضي كردستان العراق التاريخية. لم تدخل كركوك ضمن منطقة الحكم الذاتي هذه، مَا كان سببًا يضاف إلى التضييق على الحقوق الكردية، في اندلاع واحدةٍ من أعنف الانتفاضات الكردية الشعبية. وبأوامر من صدام حسين، انتهجت الحكومة العراقية في المرحلة بين 1975 ولغاية الثمانينات من القرن الماضي، سياسة التعريب في المناطق الكرديّة، واستُخدمت الأسلحة الكيماوية ضدَّ الأكراد، وأُعدم آلاف الأشخاص، ودُمِّرت كثير من القرى والبلدات الكردية. وبما أنَّه لم تكن هناك فائدة تُجنى، فإنّ أحدًا لم يهبّ لتقديم المساعدة للأكراد.
في عقب فشل الانتفاضة الشعبية، تغيَّر الوضع جذريًّا في نيسان/ أبريل عام 1991، عندما أعلن مجلس الأمن المناطق شمال خط عرض 36 منطقةً آمنة. وجاء هذا القرار بعد أشهر عدَّة من انطلاق عملية (عاصفة الصحراء) التي أطلقها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية ضدَّ بغداد، بعد غزو العراق لدولة الكويت. أرادت الولايات المتحدة معاقبة صدام حسين على محاولته احتلال الكويت. وبحلول تشرين أول/ أكتوبر عام 1991، أجبر التحالف الدولي والوحدات العسكرية الكردية (البشمركة) القوات العراقية على مغادرة محافظات دهوك، والسليمانية وأربيل.
في 12 عامًا كان كردستان العراق منسلخًا بالكامل -تقريبًا- عن العراق، ومارس حياته السياسية والاقتصادية المنفصلة. نشأ جيلٌ كامل لا يعرف اللغة العربية، ولا يربطه ببغداد أيُّ رابط، باستثناء تجارة التهريب، ما جعل عملية إعادة التوحيد أمرًا لا يمكن تصوره. ومع ذلك، على الرغم من إسقاط نظام صدّام حسين، لم يحظ الأكراد بإمكان الانفصال عن العراق، إذ لم يكن المجتمع الدولي في وضعٍ يمكّنه السماح بتقسيم البلاد. إضافةً إلى ذلك، راح الأكراد يطالبون بمساحاتٍ أكبر من تلك التي كانت تحت سيطرتهم قبل عام 2003.
يدور الحديث عن أراضٍ كردية تقليدية، وفي مقدمتها منطقة كركوك الغنيَّة بالنفط التي أعلنها البرلمان الكردي سابقًا عاصمةً في عام 1992، على الرغم من تبعية المدينة لاختصاص بغداد القضائي. وبعد مناقشاتٍ طويلة ومحاولاتٍ لأخذ المصالح جميعها بالحسبان، جرت المصادقة على الدستور العراقي في عام 2005، ما عزَّز حقَّ الأكراد في العراق بإدارة العائدات النفطية المتاحة، وأتاح لهم امتلاك قواتٍ مسلَّحة خاصة بهم (البشمركة). وأقرَّت المادة 140 من الدستور بوجود مناطق متنازع عليها، وحدَّدت موعدًا قبل 31 كانون أول/ أكتوبر 2007 لإجراء استفتاءٍ لتقرير مصير هذه المناطق. ولكنَّ ذلك لم يحدث. ولهذا، قامت الجمعية العموميَّة في كردستان -من جانبٍ واحد- بالمصادقة على مشروع دستورٍ جديد للحكم الذاتي، عدّ كركوك واقعةً ضمن كردستان. كان ذلك بمنزلة إعلان نيات، ولم يبق سوى انتظار قيام الأكراد بتنفيذ هذه النيات.
أسهمت الحرب في تنظيم الدولة الإسلامية بدعم موقف الأكراد. ففي شهر آذار/ مارس، وبمبادرةٍ من محافظ المحافظة نجم الدين كريك، رُفع العلم الكردي فوق كركوك. عندها، وفي الوقت نفسه تقريبا، أُعلن من أربيل عزم الأكراد على إجراء استفتاءٍ على الاستقلال في تاريخٍ ما قبل نهاية العام.
لم يعدْ هناك مناطق متنازعٌ عليها
أعرب رئيس وزراء كردستان العراقي نيجروان برزاني عن الأمل في اختفاء مصطلح «مناطق متنازعٌ عليها» من قاموس بغداد وأربيل السياسي. وصرَح: «لم يعد لدينا مناطق متنازعٌ عليها…. على كلِّ حال، لم تكن تلك المناطق في يومٍ من الأيام موضع تنازُع. إنَّها جزءٌ من المنطقة الكردية وحرِّرت بدماء المعذَّبين والبيشمركة. يجب ألا يكون أيُّ حديثٍ حول هذا الموضوع، مماثلًا لتلك الأحاديث التي كانت تدور قبل عدَّة سنوات».
يؤكِّد عمُ رئيس الوزراء، رئيس كردستان العراق مسعود برزاني (رسميًّا- رئيس حكومة منطقة كردستان)، أنّ الاستفتاء على الاستقلال يحول دون إراقة دماء العراقيين من جديد. وهو محقٍّ لدرجة كبيرة. ففي الوضع الراهن، من المهمِّ الاتفاق مع السلطات العراقية وتحديد المناطق مرَّةً وإلى الأبد، وإلا ستكون المواجهة أمرًا لا مفرَّ منه. ولكن هل ستتنازل بغداد بسهولة؟ هذا هو السؤال الكبير. من الواضح أنَّ الأمر يحتاج إلى خوض مفاوضاتٍ طويلة، تشارك فيها دولٌ إقليمية وعالمية، بما فيها الولايات المتحدة الأميركية وروسيا.
وبالمناسبة، الاستفتاء لا يعني أنْ يقوم الأكراد، بعده مباشرةً، بإعلان الاستقلال من جانبٍ واحد. فهم يأملون في الحصول على سندٍ قانوني فحسب (في حقيقة الأمر مساومة) للمفاوضات اللاحقة مع بغداد.
وعدَ برزاني باستمرار التواصل مع الحكومة العراقية في القضايا المتعلِّقة بمحاربة الإرهاب كلها، وبأنَّ البيشمركة ستواصل تعاونها مع الجيش العراقي. وقال في مقابلةً له مع Foreign Policy، «نحن نريد حلّ المسألة في إطار الحوار»، وأضاف أنَّ رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي كان إيجابيًّا في اتصاله معه.
يختلف هذا التقويم عن ردَّة الفعل الرسمية الصادرة من بغداد، ولكنَّ رئيس الوزراء العبادي قد يكون راضيًا تمامًا عن وعود البرزاني له بأنه لن يقوم بأيّ خطواتٍ حادَّة من جانبٍ واحد.
ليست الأمور كلها هادئة في أربيل
هناك مصدرٌ محتملٌ آخر للخطر. فالبرزاني يستطيع تقديم الوعود بقدر ما يشاء، ولكن لا توجد ضماناتٍ لبقائه في السلطة بعد 6 كانون أول/ ديسمبر، عندما ستجري الانتخابات البرلمانية والرئاسيَّة في كردستان العراق. صرَح مسعود البر زاني ذو السبعين عامًا، الذي انتهت ولايته الرئاسية في عام 2015، أنَّه لن يقدِّم ترشيحه إلى منصب الرئيس. فهل يلتزم بكلامه؟ إنْ فعل، فمن سيتولَّى مكانه؟ ألن يندلع نزاعٌ داخليٌّ جديد؟ فللأكراد العراقيين تجربةٌ سابقة مع الحرب الأهليّة.
على الرغم من موافقة الأغلبية، فإنَّ الاستفتاءٍ على الاستقلال، لم يحظ بدعم القوى السياسية كلها في كردستان العراق. وقد وقف حزبان ضدّ إجرائه؛ الحركة من أجل التغيير (غورَّان)، ومجموعة كردستان الإسلاميَّة. يرى الحزبان أنّ البرلمان وحده من يملك صلاحية اتّخاذ مثل هذه القرارات، ولكنّ البرلمان معطَّلٌ منذ عام 2015 بسبب الخلافات بين حزب (غورَّان) وحزب كردستان الديمقراطي الذي يترأّسّه البرزاني. ويخشى معارضو الاستفتاء، من أنَّ الاستفتاء سيرفع من رصيد البرزاني في الانتخابات البرلمانية والرئاسيّة المقبلة.
ويجب أيضًا الأخذ بالحسبان وجود مجموعاتٍ كرديةٍ مسلحة في المناطق المتنازع عليها، لا تخضع لسلطة أربيل. فعلى سبيل المثال، فصائل حزب العمَّال الكردستاني التركي والإيراني- الأعداء القدامى لأنقرة، وللبرزاني. بالطبع، لم يجر التنسيق مع هذه الفصائل بشأن الاستفتاء.
ولهذا يبرز سؤالٌ آخر: من سيتولَّى إدارة تلك المناطق، التي يريد البرزاني إلحاقها بكردستان العراق.؟ بالنظر إلى أنَّ لكلِّ فصيلٍ كرديٍّ راعٍ أجنبي، فالحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة البرزاني يميل دومًا إلى أنقرة. أمَّا منافسه الرئيس في كردستان العراق- الاتحاد الوطني الكردستاني، المتمركز في السليمانية، فكان يميل على الدوام إلى مصلحة طهران. الأمر نفسه ينطبق على حزب (غورَّان). طهران تقيم اتصالاتٍ مع حزب العمل الكردستاني التركي. وحتّى في أوج الحرب مع تنظيم الدولة الإسلاميّة، كانت تقع صداماتٌ بين فصائل البرزاني وقوات حزب العمل الكردستاني (التركي).
مصالح متشابكة
طالما كان جيران الأكراد يغضّون النظر عن علاقات أربيل المتعدّدة. ولكنّ الاستفتاء على الاستقلال سيزعزع حالة الوضع الراهن هذه، وقد يؤدّي إلى إعادة تقاسم مناطق النفوذ، وهذه المرَّة ليس في كردستان العراق وحده.
في طهران وموسكو، يخشون أنْ يصبح تقسيم العراق سابقةً، قد تمتدُّ إلى سورية. أمَّا الوضع في بلدانٍ أُخَر فيها أقليَّة كردية؛ تركيا وإيران- فهو أكثر استقرارًا نسبيًّا، والحديث عن تقسيم سورية أصبح يظهر باستمرارٍ في الأجندات السياسيَّة. إضافة إلى ذلك، ترتبط السلطات الإيرانية بعلاقاتٍ وثيقةٍ للغاية مع بغداد، ولهذا ليس لها مصلحةٌ في الوقوف مع التقسيم، ثم إنَّها لا تستطيع دعم البرزاني علنًا.
لا تخفي أنقرة قلقها من نشاط فصائل حزب العمَّال الكردستاني التركي في الأراضي العراقيّة والسوريَّة. ويقلقها عامل العدوى المحتمل. ومع ذلك، تنشط كلٌّ من إيران وتركيا بقوّة في اقتصاد كردستان العراق، بما في ذلك المشروعات النفطية، ولهذا لن يكون من مصلحتهما الدخول في نزاعاتٍ مع أربيل.
ليس بمقدور واشنطن أيضًا، إعطاء موافقتها علنًا على تقسيم العراق. فقد تعهّدت الولايات المتحدة الأميركية بعد إسقاطها صدَّام حسين، بالمحافظة على وحدة الأراضي العراقية. ولكنَّها في الوقت نفسه، تهتمّ بعلاقاتها العسكريَّة مع الأكراد العراقيين. فالمواجهة ضدّ تنظيم الدولة الإسلاميّة ما زالت مستمرَّة، وليس من الواضح كيف سيكون اصطفاف قوى المنطقة مستقبلًا. ومن ناحية أُخرى، تعمل كثير من شركات النفط الغربية في كردستان العراق، مَّا يعد عاملًا إضافيًّا في المسألة.
بالنسبة إلى موسكو، فإنَّها تحتاج إلى دعم الأكراد في سورية. أمّا بخصوص كردستان العراق، فإنّها تعنى بالتعاون الاقتصادي في المقام الأول. في شباط/ فبراير، وقّعت شركة (روس نفط) عقدًا مع أربيل لشراء النفط خلال المدة 2017- 2019. وفي شهر تموز/ يوليو، في أثناء زيارة رئيس وزراء كردستان نيجروان برزاني جرى الاتفاق على تمويل مشروع تشغيل خط الأنابيب لتصدير النفط على أراضي الإقليم. وحصلت (روس نفط) على حقّ إدارة نظام نقل إقليميِّ ضخم، بطاقة 700 ألف برميل في اليوم، مع إمكان رفع الطاقة المخططة إلى مليون برميل في نهاية عام 2017. وهناك مشروعات أُخريات في مجال الطاقة. ولأنَّها مشروعات تعاونٍ طويل الأمد، فإنَّها بحاجةٍ إلى وضعٍ مستقرٍّ في الإقليم.
وفي النتيجة، لا تستطيع الدول الخارجية المفاضلة بين بغداد وأربيل. ولهذا لم يكن من قبيل المصادفة صدور تصريحاتٌ عائمة من وزارتي الخارجية الأميركية والروسية.
«نحن ندعم دولة عراقيّة موحدة وفدرالية. ونقدِّر تطلعات الشعب الكردي في العراق ونتفهّمها، صرّح مسؤولون في وزارة الخارجية الأميركية: – نحن نشجِّع السلطات في المناطق على التعاون مع الحكومة العراقية حول كثير من المسائل المهمَّة، ومن ضمنها مستقبل العلاقة بين بغداد وأربيل».
من جانبها، حدَّدت ماريا زاخاروفا الموقف الروسي بهذا النحو: «نحن ننطلق من أنّ مشكلات العلاقات المعروفة بين السلطات الكردية والمركز الفدرالي في بغداد، ومن ضمنها مسألة إطار وجودهم، يجب أن تحلَّ عن طريق المفاوضات البنَّاءة وأخذ القضايا ذات الأولية بعين الاعتبار، وفي مقدمتها الحرب على الإرهاب العالمي».
وهذا يعني رسميًّا، أنّه ينظر نظرة سلبيّة إلى فكرة الاستفتاء، ولكن من دون أن يضع أحدٌ إشارة × على مسألة استقلال كردستان العراق. وحتى الآن، لم يصدر ردّ فعلٍ رسميّ من رؤساء روسيا والولايات المتحدة الأميركية. وبحسب مسعود برزاني، فإنَّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب طلب منه تأجيل الاستفتاء، ووعده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنَّ روسيا ستحدد موقفها من المسألة الكرديَّة في إطار القانون الدولي.
أربيل -بالطبع- مهتمٌّةٌ بالحصول على الدعم الدوليّ، فعلى الرغم من التبجُّح، لا يرغب الساسة الأكراد في أن يكونوا في عزلة. ولهذا فإنَّ الاستفتاء هو بداية المساومة فحسب على وضع كردستان العراق. والاحتمالات هنا متعددة. ففي نهاية الأمر، حصلت فلسطين على صفة الدولة، فهي مراقب في الأمم المتحدة، ولكنَّها مرتبطةٌ كالسابق بإسرائيل، ووضع كثير من المناطق مازال معلّقًا في الهواء. لولا النفط ولولا التهديد الدائم من جانب الإرهابيين في المنطقة، لكان بالإمكان إجراء المفاوضات على وضع كردستان العراق في مدى سنين طويلات.