عنوان المادة الأصلي باللغة الإنكليزية: | Иран, саудиты и Россия. Каким будет новый раунд борьбы за Ирак |
اسم الكاتب | ماريانّا بيلينكايا |
مصدر المادة الأصلي | مركز كارنغي في موسكو |
رابط المادة | http://carnegie.ru/commentary/72809 |
تاريخ النشر | 15 آب/ أغسطس 2017 |
المترجم | سمير رمان |
المحتويات
مقدِّمة
بدأت المملكة العربية السعودية الصراع من أجل العراق، بهدف وضع نهايةٍ للنفوذ الإيراني في هذه الدولة، إلا أنَّ إيران لا تنوي التراجع، وتستمرّ في لعبتها، بما في ذلك جرّ روسيا إلى المواجهة في العراق.
الآن، هو الوقت الأكثر ملاءمة لتغيير المشهد السياسيّ العراقي. فمدينة الموصل قد تحرَّرت، وهزائم تنظيم الدولة الإسلاميّة الإرهابي تتوالى، وستجري، في نيسان عام 2018، الانتخابات البرلمانية والمحليّة. والسياسيّون العراقيين بحاجةٍ إلى الدعم السياسيّ من الخارج، وإلى التمويل المالي أيضًا.
يلزم بذل جهدٍ كبير لإعادة تأهيل المناطق التي بقيت على مدار ثلاث سنوات تحت سلطة تنظيم الدولة الإسلاميّة، ثم إنّ الأموال تلزم لإصلاح القوَّات المسلّحة والأجهزة الأمنية، للحيلولة دون تكرر حوادث السنوات الثلاث الأخيرات، عندما لم يستطع الجيش المحافظة على الموصل وغيرها من المناطق في شمال غرب العراق. إضافة إلى ذلك، ستبدأ المساومات مع كردستان العراقي الذي تعتزم سلطاته إعلان الاستقلال عن الحكومة المركزية.
بغداد تحتاج بشدّة إلى الحلفاء والأموال، فالانتخابات -بل الصراع على السلطة بمعنى أكر دقة- هي فرصةٌ للحصول على كليهما. غير أنَّ اقتسام السلطة قد يؤدّي إلى تأجيج الأوضاع في البلاد. والسؤال الكبير، هو كيف سيتعامل الساسة العراقيون مع التحديّات الجديدة؟.
من الطائفيّة إلى الأمَّة
تدور المناورة الرئيسّة حول الطائفة الشيعيَّة التي تتحكّم عمليًّا في البرلمان، ويشغل ممثّلها عادةً منصب رئيس وزراء العراق. غير أنَّ هذا التحالف غير متجانسِ البتَّة، فقادةُ الأحزاب الشيعيّة ليسوا متحالفين، بل هم متنافسون. وقد وضعوا هدف حملتهم الانتخابيّة الحاليَّة، إظهار من منهم يستحقّ أكثر من غيره أنْ يكون زعيم الأمَّة الذي لا يهتمّ بمصالح الشيعة وحدهم، بل يعنى بمصالح مواطني العراق كافّة، بغضّ النظر عن طائفتهم.
والشعارات الطائفيّة تستبدل بالأفكار الوطنية. هذه ليس المحاولة الأولى، فقد جرت في السابق محاولاتٌ مثلها، ولكنَّها باءت بالفشل، واستعرت النزاعات الطائفيّة في العراق بقوَّةٍ أكبر من السابق. والآن، السياسيّون الذين لا يمكن تخيُّلهم -عمليًّا- منفصلين عن الطائفة الشيعيّة، يتحدَّثون عن ضرورة وجود مصالح وأحزابٍ وطنيّة شاملة ليست طائفيّة.
أوَل هؤلاء كان مقتدى الصدر، زعيم ثاني أكبر مجموعةٍ في البرلمان العراقي. وقام الصدر منذ بداية العام بتنظيم اجتماعاتٍ جماهيريّةٍ، مطالبًا الحكومة بإجراء إصلاحاتٍ، وبمكافحة الفساد. والأمر الأكثر أهميَّةً- تسريح الحشد الشعبي، الذي أنشئ في عام 2014 بذريعة محاربة تنظيم الدولة الإسلاميَّة. ويؤكِّد الصدر، أنَّه يجب ألا يكون في العراق جيشان، وأنَّه يجب دمج الحشد الشعبيّ مع القوات المسلَّحة للبلاد دمجًا كاملًا.
بعد خسارة الجيش العراقي مدينة الموصل، تمكَّن الحشد الشعبي بالذات، بالتعاون مع الفصائل الكرديّة وقفَ زحف تنظيم الدولة الإسلاميّة في العراق. ومنذ ذلك الوقت، تعاظم دور الحشد الشعبي الذي يضمّ في صفوفه اليوم حوالى 122 عنصرًا، ويضمّ عشرات التشكيلات شبه العسكريّة. ومنذ البداية، كانت إيران تقدِّم التمويل والدعم العسكريّ للحشد. ثم إنّ حرس الثورة الإسلامية في إيران أخذ على عاتقه قيادة أغلبية فصائل الحشد الشعبي. وحتى من دون النفوذ الإيراني على الحشد الشعبي، أصبح تأثير طهران في سياسة بغداد كليًّا في السنوات الثلاث الأخيرات.
من اللّافت للنظر، أنَّ مقتدى الصدر بالتحديد، بعد سقوط نظام صدّام حسين، كان واحدًا من أوائل من شكَّل فصائل مسلَّحة للتصدّي لقوات التحالف في العراق بقيادة الولايات المتحدة الأميركية. وقد انخرطت هذه الفصائل في الصراع على السلطة داخل المجتمع الشيعي، وكان لها دورٌ في مجازر 2006-2008. مع بداية الحملة ضد تنظيم الدولة الإسلاميَّة، لم يعدْ تأثير الفصائل الصدريّة قويَّا كالسابق. انضمَّ بعض هذه الفصائل إلى الحشد الشعبي، وغاب الصدر نفسه عن الساحة مدةً من الوقت.
ظهر في الشارع الشيعيّ أبطالٌ جُدد، وأصبح كثير من قادة فصائل الحشد الشعبيّ يمثِّلون منافسين خطرين للصدر. عندما قرَّر الصدر العودة إلى الساحة السياسيَّة، حاول التشديد على الاحتجاجات في الشارع، واليوم يقدِّم نفسه سياسيًّا مدافعًا عن مصالح العراقيين. وهو ليس الوحيد في هذا.
العودة إلى الأسرة العربيّة
تقوم الرياض بكلِّ ما تقدر عليه لإعادة العراق إلى (الأسرة العربية). فمنذ عام 2003، وبعد إسقاط نظام صدَّام حسين، حذّرت المملكة العربية السعودية الولايات المتّحدة الأميركيّة من أنَّ سياستها في العراق ستؤدّي إلى تقوية النفوذ الإيراني في هذا البلد. وقد تحقَّقت التنبؤات بهذا الخصوص. حاولت الرياض التصدِّي لإيران عن طريق مساعدة التشكيلات السنيَّة في العراق، إلا أنّ هذه المحاولة لم تؤدِّ إلا إلى زيادة توتّر العلاقات السعوديّة – العراقيّة، وساعدت في تقوية (القاعدة) في العراق. والآن، يفضِّل السعوديون العمل بمبدأ (فرِّق تسُدْ)، محاولين استمالة قادة الجماعات الشيعيّة إلى جانبهم أو على الأقلِّ بثّ الفرقة بينهم.
في عام 2015، وللمرّة الأولى منذ 25 عامًا، توفد المملكة سفيرها إلى بغداد الذي اضطُّر سريعًا إلى مغادرة العراق، خشيةً على سلامته بعد التصريحات المحايدة التي خاطب بها التشكيلات الشيعيّة المسلّحة. ولكنّ الحادثة كان بمنزلة الخطوة الأولى إلى الأمام، فقد أفاق السعوديّون عندها، ليدركوا أنَّ الولايات المتحدة ليست وحدها من فقدت العراق بل كذلك هم أيضًا.
في شهر شباط/ فبراير من هذا العام، قام وزير الخارجيّة السعوديّة بزيارةٍ مفاجئة إلى بغداد. وكانت الزيارة هي الأولى منذ عام 1990 يقوم بها مسؤولٌ سعوديّ من هذا المستوى الرفيع. وفي شهر حزيران/ يونيو من العام الحالي، زار رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الرياض، إذ تقرَر نتيجة المباحثات فتح ممراتٍ عدَّة على الحدود السعودية- العراقية لتسهيل التبادل التجاري. ومنذ مدّةٍ قريبةٍ جدًا، أعلنت الحكومة العراقيّة عن خططٍ لتشكيل لجنةٍ لتعزيز العلاقات التجاريّة والاستثمارية مع العربية السعوديّة، إلا أنّ الرياض رأت أنّ تسوية العلاقات مع رئيس الوزراء العبادي غير كافية، وبخاصَّة أنّ الرجل بدا أكثر تحفّظًا، كونه ممثِّلًا للجيل القديم، ولم يكن ميّالًا إلى تغيير التحالفات، وهذا ما يؤكّده -مواربةَ- قراره بألا تُحلّ ميليشيات (الحشد الشعبي).
من وجهة نظرٍ رسميَّة، أصبح الحشد الشعبي منذ عامٍ تقريبًا جزءًا من الجيش العراقي. ففي شهر تموز/ يوليو عام 2016، أصدر العبادي أمرًا سوى فيه وضع الحشد بوحدات مكافحة الإرهاب، ومن ثَمَّ، أصبح تمويله عن طريق ميزانية الحكومة. ويجب على العبادي، بصفته القائد الأعلى للجيش العراقي، أنْ يتولّى قيادة الحشد. أمَّا في واقع الأمر، فإنَّ لكلّ ميليشيا من الحشد الشعبي قيادتها الخاصَّة، من دون الحديث عن ارتباط عدد من هذه المليشيات المباشر بقيادة حرس الثورة الإسلاميّة الإيراني. ومن ناحيةٍ أُخرى، فإنَّ رفض العبادي دعم الحشد الشعبي، قد يؤديّ به سريعًا إلى فقد أيّ أملٍ بتجديد ولايته رئيسًا للوزراء. وبخاصّة أنَّ خصمه نوري المالكي- كان على رأس المبادرين لتشكيل الحشد الشعبي منذ البداية، وما يزال يمتلك كثيرًا من النفوذ على عدد من ميليشياته.
وبحسب رأي العراقيين، فإنَّ استمرار وجود الحشد، يعني استمرار النفوذ الإيراني في العراق. بعد شهرٍ واحد على زيارة رئيس الوزراء العبادي للمملكة العربية السعوديَّة، وجّهت الرياض دعوةً إلى زعيم التيّار الصدري، مقتدى الصدر لزيارة المملكة، حيث التقى وليُّ العهد الأمير محمد بن سلمان. فارق السنِّ بين الرجلين لا يتجاوز 12 عامًا، وكلاهما ميّالٌ إلى الإدلاء بتصريحاتٍ صارخة، والقيام بتصرفاتٍ مندفعة.
في عقب زيارة الصدر مدينةَ جدَّة، نشر فريقه الإعلاميّ أخبارًا عن نيَّة السعودية، إضافة إلى افتتاح الممرات البرية على الحدود، تخصيص العراق بمبلغ 10 مليار $ إضافيّة مساعداتٍ إنسانيَّة، وإعادة سفيرها إلى بغداد، وكذلك تشييد قنصليَة عامَّة في معقل الشيعة، مدينة النجف. وبالأخذ في الحسبان، أنَّ الصدر لا يمثِّل الحكومة العراقيّة، فإنَّ الوعود التي حصل عليها بالذات تبدو غريبةً، ولكن لم ينفها أحدٌ حتى اليوم.
اللعبة العراقيّة
حاول مقتدى الصدر إظهار زيارته إلى جدَّة مهمّةَ وساطةٍ بين العربيّة السعوديَّة وإيران. إلا أنّه ليس من القول، أنَّه قد منح التفويض للقيام بهذه المهمّة، لأنَّه لا يمكن وصف علاقات الصدر الشخصيّة بطهران بالعلاقات البسيطة، خصوصًا بعد أن دعا الرئيس السوري بشار الأسد المدعوم إيرانيًّا، في شهر نيسان/ أبريل، دعوة مفاجئة إلى الاستقالة، إضافة إلى إطلاقه حملةً لحلِّ ميليشيات الحشد الشعبي. اعترض المحيطون برئيس الوزراء حيدر العبادي على دعوات الصدر، معلنين أنَّ السعوديين طلبوا من العبادي في أثناء زيارته للرياض فتح اتصالاتٍ مع طهران. أي إنّ السعوديين والإيرانيين ليسوا وحدهم من يحاول استخدام السياسيين العراقيين بل إنّ الأخيرين يسعون أيضًا للحصول لأنفسهم على ثمنٍ، وأن ينسبوا إلى أنفسهم لاحقًا مأثرة الوسيط، بغضّ النظر عمّا إذا كانت السعوديّة وإيران يحتاجان إلى الوساطة أم لا.
بحسب معلوماتٍ غير رسميّة، أمر الصدر العائد من العربيّة السعوديّة بإزالة الشعارات المعادية للسعودية من المناطق التي يسيطر عليها كافة، وبعد حوالى أسبوعين توجَّه إلى الإمارات العربيّة المتَّحدة التي تعارض مع المملكة العربية السعوديّة السياسةَ الإيرانيّة في المنطقة. ولكن، هل يعني هذا أنَّ الصدر أصبح يقف الآن في صفِّ السعوديّة، وأنَّه تخلَّى عن إيران؟ من الواضح أن الجواب هو كلا. فما زال على الرياض التمرُّس في التأثير في الساسة العراقيين، وما زالت إيران قويّةً كالسابق، ومن الواضح أنَّها لن تتخلَّى عن دعمه، وبخاصّة قبيل الانتخابات، فالتخلّي عن الصدر- انتحارٌ سياسيّ.
بغضّ النظر عن قدرة الصدر إخراج عشرات الآلاف من المؤيدين إلى الشوارع، فإنَّه ليس القائد الوحيد بين الشيعة. فبمقدور المالكي، الحكيم، العبادي، وكذلك بعض أبطال الحشد الشعبي أن يكونوا منافسين للصدر، إذا ضمنت دعم طهران، وكذلك تأييد المرجع الدينيّ الشيعيّ آية الله السيستاني الذي لا يستطيع الصدر التباهي بعلاقاته الدافئة معه.
تدرك إيران جيّدًا، أنَّ الساسة الشيعة مرتبطون بها، ولكنَّ لا يروق لكثيرين منهم لعب دور الدمية الإيرانية بصورة واضحة. فالعراقيّون شعبٌ يعتزّ بنفسه، وما زال يذكر أنَّ بلادهم كانت واحدةً من الدول الطليعيّة في المنطقة. وبهذا الخصوص، تؤكِّد جريدة (الشرق الأوسط)، أن طهران اعتمدت استراتيجيّةً جديدة بالنسبة إلى العراقَّ، تقوم على ثلاث مبادئ:
أولًا، باركت إيران تشكيل تحالفٍ شيعيٍّ أكثر (ليبراليَّةٍ)، تعتمد المبادئ الوطنيّة العامَّة، وليس الشعارات الطائفيَّة. ويفترض أنْ يحرم هذا التكتيك القوى السياسيّة السنيَّة والكرديَّة من بعض أوراقهم، وكذلك الأمر بالنسبة إلى السياسيين الشيعة الذين يقفون ضدّ إيران، على سبيل المثال، رئيس الوزراء العراقي السابق (2004-2005) إياد علّاوي الذي كوّن -من هذا المنطلق- حزبًا سياسيًّا جديدًا برئاسة الرئيس السابق للمجلس الإسلامي الأعلى في العراق عمَّار الحكيم، حركة الحكمة الوطنيّة التي تقول في نفسها إنَّها قوةٌ عراقيّة عامّة، مفتوحةٌ لممثلي الطوائف كافة.
والآن، علينا ترقُّب التحالفات السياسيَّة التي ستظهر قبل الانتخابات. في الحادي عشر من آب، أعلن الصدر في مقابلةٍ مع صحيفة (الشرق الأوسط)، أنَّه ليس ضدّ التحالف مع رئيس الوزراء العبادي ومع عمّار الحكيم، وأنّه يخطط معه لتشكيل كتلةٍ من التكنوقراط المستقلّين لضمان أمن العراق. وإذا أخذنا بالحسبان تحالفه القديم مع رئيس الوزراء السابق إياد علّاوي، فإنَّ التساؤل يكون: كيف يمكن أن يتعايش في كتلةٍ واحدة أربعة سياسيين مختلفين: المقرَّب من إيران عمّار الحكيم ومعارض إيران إياد علَّاوي، المدافع عن الحشد الشعبي العبادي والمعارض للحشد الصدر؟ وسؤالٌ آخر أيضًا: أين مصلحة إيران هنا، ومن يستميل الآخر إلى صفّه؟.
ثانيًا، العنصر الثاني في استراتيجيّة إيران يكمن في دفع القيادة الروحيّة في النجف العراقي، ولو بالقوَّة لتأييد القيادة السياسيّة الشيعيّة الموالية لإيران. ولتحقيق هذا، قامت طهران بتقديم جملة تنازلاتٍ لزعيم الشيعة الروحيّ آية الله على السيستاني، بما في ذلك تقديم وعودٍ بألا تتدخّل في مسألة تعيين خلفٍ له.
العامل الروسيّ
وأخيرًا، البند الثالث في استراتيجيّة طهران جرّ روسيا إلى العراق لتكون واجهةً للنفوذ الإيراني. يُفترض أنّه على موسكو منع واشنطن من استعادة تأثيرها في الحياة السياسيّة في العراق. على روسيا التوصّل إلى هذا الهدف بتوسيع التعاون العسكري- التقني، والاستثمار في الاقتصاد العراقي، وتمثيل مصالح هذه القوى السياسيّة العراقيّة أو تلك على الساحة العالميّة. ولكن، بما أنّه ليس لروسيا قاعدة دعمٍ خاصَّةٍ بها في العراق، فسيكون عليها الاعتماد على السياسيين الذين تقف طهران خلفهم.
كانت نيّة طهران في اللعب على الطموح الروسيّ واضحة في التصريحات التي أدلى بها نائب الرئيس العراقي نوري المالكي، خلال زيارته الأخيرة إلى موسكو، والمالكي- أحد أكثر السياسيين العراقيين قربًا من طهران. وصرّح عن رغبة بغداد في رؤية وجودٍ سياسيٍّ وعسكريٍّ روسيٍّ ذي وزنٍ في العراق لتحقيق التوازن الذي يخدم «مصلحة المنطقة، وشعوبها وبلدانها».
رأى بعض المحلِّلين السياسيين في كلام المالكي محاولةً للعب (الورقة الوطنيّة) وتحدّي النفوذ الإيراني. لو كان من قال هذا الكلام سياسيٌّ عراقيٌّ آخر، لكان ذلك ممكنًا، ولو كان في بغداد – عددٌ كافٍ من السياسيين الراغبين في التخلُّص من النفوذ الإيراني، لكانت هذه الحالة. ولكنَّ المالكي مرتبطٌ بإيران لدرجةٍ لا تؤهلِّه لهذا الأمر. لذا، فإنَّه -على الأرجح- يتحدَّث معبِّرًا عن الموقف الإيراني بالتحديد.
ثم إنّه من الواضح، أنَّ روسيا في العراق، وعلى العكس من سورية، لا تستطيع أنْ تكون منافسًا حقيقيًّا لإيران، ولكنّها تستطيع لفت انتباه واشنطن والرياض، وبذلك تتمكّن طهران -كما في السابق- التحكُّم بما يجري في العراق. فهل موسكو بحاجةٍ إلى هذا كله؟. حتى في سورية، إذ تتمتّع موسكو بقاعدةً سياسيّة، فإنّ طهران استطاعت وضع موسكو خلف ظهرها في هذه اللعبة. فماذا يمكن القول عن العراق؟
في الوقت نفسه، لا يجدر بروسيا التخلِّي تمامًا عن إمكان استغلال الحملات الانتخابيّة، لمدِّ جسور علاقاتٍ أوثق مع مختلف السياسيين العراقيين في لحظةٍ يقترب وقت المساومات بشأن كردستان العراق، وفي وقتٍ يعود فيه السعوديّون إلى العراق، بينما تعيد الولايات المتحدة الأميركيّة في الوقت نفسه النظر في استراتيجيّتها في الشرق الأوسط. لقد فقدت روسيا العراق ذات مرَّةٍ، بل الشرق الأوسط كلِّه.