ترجمة أيمن أبو جبل

(*) الآراء الواردة في هذه المادة لا تمثل بالضرورة آراء المركز ولا مواقفه من القضايا المطروحة

لا يختلف المشهد الإسرائيلي في الجولان المحتل -من حيث الهدف والإستراتيجية- عن ذاك المشهد الذي صعق العالم والسوريين خصوصًا بعد عام 2011، فهو استمرار له على نحو أوسع وأشرس، فإن اقتصرت عمليات الإجرام الإسرائيلية على تدمير المكان وطرد الإنسان وقتله واعتقاله، وطمس الذاكرة، وتغير الوقائع وإزالة التاريخ، في سبيل إقامة الوطن والدولة اليهودية الغاصبة وتوسيعها.

الإجرام الذي شهده الوطن والشعب السوري تجاوز كل المنهجية الجرائمية الإسرائيلية بتفاصيلها كلها، ولم يقتصر على تشريد نصف الشعب السوري، وتدمير المدن والبلدات الرئيسية والأرياف، وخسارة نحو مليون سوري بين شهيد ومفقود وسجين، وإنما ساهم في انهيار الدولة السورية، وتحويلها إلى مزرعة عائلية وطائفية بربرية حُكمت بالحديد والنار، وسقطت فيها الأخلاق البشرية واللاعقلانية السياسية كلها، وسادت فيها الفوضى القاتلة التي ترعاها وتشجعها احتلالات أجنبية عدة، تحمل أحقادًا تاريخية سوداء، وتتوحش على المقدرات والثروات والمصير السوري، في ظل تواطئ دولي لم يشهد له التاريخ مثيلًا، والسكوت عن الجرائم السياسية التي ترتكبها الطغمة الحاكمة في سورية ضد ثورة الشعب السوري اليتيمة.

بين المشهدين السوري والإسرائيلي هناك توافقات دولية بإسقاط الأخلاقيات الإنسانية في مستنقع النظام السوري الذي يسير بلا بصيرة ولا رحمة ولا قانون ولا أخلاق منذ أكثر من نصف قرن، ليشكل مع المشهد الإسرائيلي سجلًا ممتلئًا بالكوارث والجرائم، رسمته طبقات متنفذة في صناعة القرار الإقليمي والعالمي، لم تكن بداياته في احتلال فلسطين وإقامة الدولة اليهودية بوصفها مشروعًا استعماريًا، ولم ينتهِ في حدود احتلال ما تبقى من الأرض الفلسطينية بوصفها عهدة توراتية مزعومة، واقتطاع الجولان السوري، بوصفه ثروة طبيعة كبيرة من الخيرات، ومصادر المياه والطاقة، لتبدأ مرحلة التسليم بالأمر الواقع، والاستسلام له بوصفه منهجًا للسيطرة والاحتلال والاستبداد والفساد والظلامية السياسية والدينية.

لم يكن الجولان وحده ضحية الهزيمة النكراء في حرب حزيران/ يونيو 1967، وإنما سورية كلها وقعت ضحية نتائج هذه الهزيمة بانقلاب الحركة التصحيحية التي قادها وزير الدفاع آنذاك حافظ الأسد الذي شهدت قيادته العسكرية للجيش السوري احتلال 70% من أراضي الجولان، وسقوط أكبر التحصينات العسكرية من دون قتال، كما أكد نائب رئيس الأركان الإسرائيلي آنذاك الجنرال حاييم بار ليف، إذ وصفها بأنها أقوى من التحصينات العسكرية الألمانية في أوروبا وأضخم، وأضاف: “من قاتل هنا من السوريين، في تل الفخار والعزيزات قاتلوا بشراسة غير معهودة، خسرنا 34 قتيلًا ومئات الجرحى، لكن هذا الثمن الباهظ كان من الممكن أن يكون قاتلًا بالنسبة إلينا، في حال لم تنسحب قوات الجيش السوري، ولم يصدر بلاغ عسكري سوري بسقوط الجولان قبل وصول قواتنا، ليترك السوريون قواعدهم ومواقعهم من دون مواجهتنا.”

المدينة السورية التي أسقطها البلاغ الكاذب من راديو دمشق

عاصمة الجولان مدينة القنيطرة التي دخلها الإسرائيليون من دون قتال ومن دون مواجهة، بقيادة العقيد ألبرت ماندلر عند الساعة الثانية والنصف بعد الظهر، كانت تُعد أكبر البلدات السورية في الجولان، بلغ عدد سكانها قبل الاحتلال الإسرائيلي نحو 27 ألف نسمة، تقع على ارتفاع 941 م عن سطح البحر، في أرض خصبة على بعد 15 كم جنوب مجدل شمس و60 كم عن العاصمة دمشق، ترتفع غربها تلال بركانية (تل أبو الندى وارتفاعه 1200م، وتل العرام وارتفاعه 1167م)، وبعض التلال الأقل ارتفاعًا إلى الشمال من المدينة. يطل عليها جبل الشيخ (الحرمون). حين دخلها الإسرائيليون كان كل شيء كما هو، محركات الدبابات، أجهزة الاتصال ما زالت تعمل، المعدات العسكرية كانت متناثرة، ومؤسسات الدولة والحزب كانت مهجورة تمامًا، وحدهم السكان المدنيون بقوا في بيوتهم مرعوبين من الخيانة الكبرى التي أعلن راديو دمشق عنها، بسقوط المدينة قبل دخول القوات الأجنبية إليها.

القنيطرة 11/ 6/ 1967 تصوير petr skink li UPI

يقول الصحافي الإسرائيلي “موشيه مين”، مدير موقع نعموش المختص بقضايا حرب حزيران/ يونيو 1967 وأسرارها وتفاصيلها حول مدينة القنيطرة في تحقيق صحافي أجراه بناء على وثائق إسرائيلية حصل عليها من شهادات ضباط وجنود في الجيش الإسرائيلي، ومن الأرشيف العسكري للجيش الإسرائيلي: “ ( 1)

“في السادس من حزيران/ يونيو اليوم الثاني من حرب حزيران، تقدم عدد من ضباط قيادة الجبهة الشمالية في جيش الدفاع الإسرائيلي، بطلب إلى وزير الدفاع وهيئة الأركان العامة، بانتهاز الفرصة العسكرية، والتقدم باتجاه هضبة الجولان السورية، والسيطرة على التلال المطلة على الجليل وسهل الحولة، في تل العزيزات وبانياس والجلبينية وبيت الجمرك وتل القصير، بعد الانتصارات التي حققها الجيش الإسرائيلي على الجبهة المصرية والجبهة الأردنية. ويضيف” بعد ظهر يوم السبت 10/6/1967، دخلت دبابات اللواء الثامن إلى المدينة، واكتشفت شوارع صامتة، وعددًا من السكان الشجعان، لكنهم كانوا خائفين اختبؤوا في الأقبية وخلف متاريس عالية. كان سقوط القنيطرة رمزًا لهزيمة السوريين في الحرب القصيرة جدًا على هضبة الجولان عام 1967. لإلقاء الضوء على ما جرى في هذه المدينة يقول:” لقد بحثت في الأرشيف للتعرف إلى المدينة التي دمرت تمامًا، واستبدلت بشكلها القديم المزدهر جديدًا أصبح كخرائب منتشرة هنا وهناك، يقول السوريون إنها مدينة أشباح، وبعد اتفاقية فصل القوات عام 1974 أطلقوا عليها هيروشيما الشرق الأوسط.

بدأت المدينة في الازدهار منذ عام 1948 بعد وصول آلاف العرب الذين طردوا من الجليل الأعلى لكنها ازدهرت وتطورت بعد أن أصبحت مقرًا للمحافظة عام 1964، بسبب موقعها وهجرة التجار وأصحاب المهن إليها من دمشق والمحافظات السورية الأخرى طلبًا للرزق. وقد ضمت المدينة قبل احتلالها عددًا من الأحياء العامرة الجميلة، والبيوت ذات الحدائق المزروعة بالأشجار وأنواع الورود، واشتهرت بأسواقها المزدحمة بأنواع شتى من المنتجات الزراعية والحيوانية.

تعود مدينة القنيطرة تاريخيًا إلى عهود قديمة، ومما يدل على ذلك وجود عين ماء أثرية، ما زالت حجارتها المنقوشة تبرز وجود العهد الروماني، وتتناثر في أراضيها أنقاض كثيرة من الحجارة البازلتية وعليها كتابات يونانية. كانت مدينة القنيطرة مركزًا للقوافل في العهد العربي الإسلامي في 1840، عاش في القنيطرة عدد قليل من الأسر توافدت عليها، تنفيذًا لأمر الوالي العثماني إبراهيم باشا بالاستيطان فيها. وفي المدة بين عاميْ 1873 و1890، بدأ توافد أعداد من الشركس القادمين من القوقاز إلى القنيطرة، أسسوا عددًا من المستوطنات الزراعية في الأراضي المحيطة بالمنطقة. وفي 1885 عاشت الأسر الشركسية في 12 قرية زراعية كبيرة محيطة بالقنيطرة التي لم يكن بها سوى 260 منزلًا يسكن فيها 1300 شخص. وفي مطلع القرن العشرين نمت القنيطرة وأصبحت المركز الإداري لمرتفعات الجولان.

عام 1964 أُعلنت عاصمة مرتفعات الجولان، بلغ عدد سكانها في عز ازدهارها نحو 35000 نسمة، حوالى ثلث سكان الجولان في ذلك الوقت، ما يقارب نصف السكان في القنيطرة هم من ضباط الجيش وعائلاتهم.سكنوا في الأحياء الجنوبية، فيما ضباط الشرطة والأمن العام سكنوا في الأحياء الشمالية، وسكنها الدروز والمسلمون والمسيحيون والشركس والتركمان، اعتمدوا في معيشتهم على الزراعة والرعي والصناعات الخفيفة كالنسيج والفراء والخياطة والأدوات الزراعية وصناعة الخناجر، وتصنيع الجلود، وطحن الحبوب، وصناعة الطوب والبلاط، وصناعة الألبان والحلويات، وانتشرت فيها أسواق شعبية لبيع المنتوجات المختلفة، حتى الحرب كانت المدينة المقر الرئيس للجيش السوري في هضبة الجولان، إلى جانب المعسكرات والقواعد. وتعمل فيها الإدارات والوزارات الحكومية المختلفة وغيرها. وفيها مستشفى وبنكان وعدد من المقاهي والفنادق ودور السينما (سينما الأندلس وسينما ديانا)، إضافة إلى 30 مقرًا عسكريًا أساسيًا تتبع لقيادة الجيش السوري في محيط المدينة، وعدد من الملاجئ العسكرية التي كانت تحت تصرف القوات المسلحة السورية.

القنيطرة 11/ 6/ 1967 تصوير-02- petr skink li UPI

 في العاشر من حزيران/ يونيو أعلن راديو دمشق سقوط القنيطرة في البلاغ العسكري رقم 66، لم تكن القوات الإسرائيلية قد دخلت الهضبة السورية بعد.

التفسير السوري الرسمي لهذا الإعلان الكاذب أنه كان لإجبار مجلس الأمن الدولي على الإعلان السريع عن وقف إطلاق النار ووقف العمليات الحربية، ومنع القوات الإسرائيلية من التوجه إلى الجولان، لكن هذ الإعلان كان العامل الأول والرئيس في هرب القوات السورية والسكان المدنيين، قبل الإعلان كان وزير الدفاع موشيه ديان قد أصدر قرارًا لرئيس هيئة الأركان إسحاق رابين بالاستعداد لاحتلال التلال السورية المحاذية للحدود فقط، لكنه تراجع عن قراره بعد إعلان راديو دمشق سقوط القنيطرة. في كتابه “الخدمة” كتب رابين لاحقًا “كانت هذه غلطة سورية، غيرت سير الحرب كلها، وسمح ذلك لنا بالتقدم السريع داخل العمق السوري، ومواصلة الهجوم بوتيرة أسرع. حتى يومنا هذا يرى كثير من السوريين أن الإعلان الإذاعي نفسه خيانة وأن الأسد قد باع الجولان لإسرائيل عبر صفقة مشبوهة”، في النهاية بعد ساعات عدة لم تستغرق 30 ساعة احتُلت المدينة، واحتُلت الهضبة السورية، من دون معركة في الساعة 15:30 يوم 10 حزيران/ يونيو 1967، من دبابات الكتيبة 377 التابعة للواء الثامن.

 المقدم في كتيبة شيرمان 377 يهودا ارزي قائد إحدى الدبابات التابعة للواء الثامن، يقول عن احتلال القنيطرة” في صباح 10 حزيران/ يونيو: “كنت دبابة رائدة في الكتيبة، تقدمنا سريعًا جدًا وصلت تقاطع واسط، واستدرت يسارًا إلى القنيطرة، وفق الإحداثيات التي تلقيتها. سافرنا حتى وصلنا إلى التلال التي تطل على القنيطرة. خففنا السير، لأننا أمام مجهول، وبدأنا بتسديد القذائف باتجاه المدينة، لنعلن عن وصولنا، ثم دخلنا الشارع؛ كنت أول دبابة يهودية تدخل القنيطرة. أطلقت النار بكثافة على محيط المدينة، وكل دبابة في الخلف أطلقت النار يمينًا ويسارًا. لم نكن حينها نعلم أن المدينة مهجورة ” كنا نعتقد أننا سنواجه مقاومة شرسة.

مراسل إذاعة جيش الدفاع الإسرائيلي، يوناديف نافون، وصف حال المدينة بعد أيام قليلة من احتلالها: “تحتوي المدينة على قاعدة عسكرية، وفيها مستودعات أسلحة ضخمة، ومصنع للخرسانة وصناديق الدواء. المدينة نفسها هي مدينة عربية نموذجية بمتاجرها الصغيرة المظلمة والأزقة القذرة. هنا وهناك، ينظر إلى السكان وهم يحاولون معرفة طبيعة هذا الجيش الذي جاء من الوادي؛ وادي الحولة في أسفل الجولان”.

إديث زيرتيل مراسلة صحيفة “دافار” التي قامت بجولة في هضبة الجولان في الأسبوع الأول من احتلالها، وهي على الطريق وصفت المدينة: “البلدة شبه خالية، على الرغم من أن الحرب مرت عليها من دون أن تترك آثارًا وخرابًا كبيرًا، اللافتة التي تحمل اسم القنيطرة أصابها بعض الضرر، قذيفة كبيرة تركت ضررًا آخر على سطح مبنى القيادة العسكرية السورية الحديث والمتطور، وهو أكبر مبنى حديث في المدينة يرفرف فوقه العلم الإسرائيلي، الدرج المؤدي إلى المبنى يذكرنا قليلًا بالدرج المؤدي إلى بلدية مدينة تل أبيب”.

تسفي لافي من صحيفة معاريف كتب في جريدته: “عثر على مخازن كبيرة من المعدات والأسلحة والذخيرة والوثائق، في الغرف الأمامية الواسعة والمفروشة في مبنى القيادة تمركز عدد من الجنود وقالوا بسخرية “هذا احتلال “دي لوكس”، وفوق المغاسل علقت لافتات كتب عليها “مياه سورية غير صالحة للشرب” في غرفة اللواء أحمد المير قائد الجبهة السورية، التقى المراسل بمقدم في لواء غولاني الإسرائيلي، وقال له : “هذا المبنى كله بحد ذاته دولة عسكرية، غرفة القائد مفروشة بأسلوب دمشقي بامتياز، ممتلئة بالكراسي الحمراء المخملية، وعلى الحائط خريطة حُددت عليها عمليات الهجوم بأسهم صغيرة، وخريطة أخرى، بترتيب وحدات الجيش الإسرائيلي وحجمها، وإلى جانبها أسماء الوحدات السورية التي ستهاجم مناطق إسرائيل كلها.

بعد الحرب أقام جيش الدفاع مقراته ومقرًا للحاكمية العسكرية في المباني السورية التي بقيت كما هي، وفيها مئات الخرائط والوثائق والسجلات السرية السورية التي حوِّلت إلى جهاز الاستخبارات لتحليلها ومعرفة تفاصيل عمل السوريين خلال حكمهم في الهضبة السورية. عُقد أول اجتماع للأركان الإسرائيلية يوم الأحد في11.6.1967 بمشاركة وزير الدفاع، ورئيس هيئة الأركان وقائد الجبهة الشمالية دافيد اليعزر وقائد سلاح الجو، تعبيرًا عن الانتصار الإسرائيلي في استعادة الهضبة السورية وتحريرها. وناقشوا في الاجتماع خط الحدود الجديد والسيطرة على جبل الحرمون، وبدء سريان الحكم العسكري لمتابعة شؤون السكان المدنيين، وإعادة انتشار القوات الإسرائيلية في البلاد الجديدة.

أول ردة فعل سورية جاءت بعد الحرب في 18.06.1967 بعد محاولة اقتراب قوة عسكرية سورية من موقع إسرائيلي على الحدود الجديدة شرق القنيطرة، لكنهم تراجعوا عند إطلاق النار عليهم، وفي خلال الأيام الأولى من سيطرتنا على المدينة وصل أوائل المستوطنين الإسرائيليين إلى المدينة وخططوا لبناء أول مستوطنة في الجولان “مروم غولان” واحتلوا بيوتًا ومباني سورية عدة وسكنوا فيها حتى عام 1972 وانتقلوا بعدها إلى المستوطنة التي تبعد 3 كم غرب القنيطرة.

القنيطرة 1967 تصوير الجيش الاسرائيلي

في أيار/ مايو 1969 أقامت الحكومة الإسرائيلية لجنة وزارية لشؤون الأراضي المحتلة ناقشت فيها إمكانية سكن المستوطنين الإسرائيليين في القنيطرة، في الاجتماع جرى الحديث عن نقل 8000 مستوطن إلى الجولان، في المرحلة الأولى وبحلول عام 1990 وضعت تصورات لوصول العدد إلى 20000 نسمة. وناقش الاجتماع اقتراحًا بهدم 40 في المئة من المباني بسبب حالتها، والباقي سيجري ترميمه وتأهيله. في حينه قالت غولدا مائير “إذا لم يُوطَّن الإسرائيليون في القنيطرة يجب تدميرها بالكامل”، كما حدث في القرى العربية عام 1948. وقال نائب رئيس الوزراء إيغال ألون إنه لا يرى في القنيطرة منطقة مثالية للاستيطان الإسرائيلي، فهي تبعد نحو 5كم عن خط وقف إطلاق النار، وتقع في نطاق قذائف الهاون. واعترض على تدميرها لأن ذلك سيؤدي إلى إدانة إسرائيل عالميًا، أما الوزير موشيه كول: “فقد اقترح توطين الجنود الدروز المسرحين من الجيش وعائلاتهم في القنيطرة”. وفي النهاية رفض اقتراح بناء مدينة إسرائيلية على أراضي القنيطرة، وتقرر في ذلك الاجتماع هدم المباني التي لا يمكن ترميمها والاستفادة منها.

شهادة بهية أبو جبل زوجة المرحوم سامي يوسف أبو جبل

العمر : 73 سنة .

مكان الإقامة الحالي: الجولان المحتل/ مجدل شمس

 اشترك في اللقاء: ندى متى، ياسمين ظاهر، أيمن أبو جبل

 بيتنا في مدينة القنيطرة كان بالقرب من شعبة التجنيد، اضطر زوجي إلى بيع أرض كانت ملكًا لنا من أجل شراء بيت كبير مع حديقة واسعة أمامه. كان زوجي يملك محلًا للأدوات والأدوية الزراعية، والمحل مفتوح للجميع الحمد لله كان وضعنا الاقتصادي ممتازًا قياسًا بتلك الأيام، فنحن عائلة مكونة من خمس بنات وثلاثة شبان. حين اندلعت الحرب في سنة 1967 كان في ضيافتنا أصدقاء من جبل العرب، وكانت ابنتي المولودة حديثًا ما تزال في يومها الأربعين. وابني مع ابن عمه كانوا يدرسون في الغرفة؛ فجأة سمعنا أصوات هدير، وحين خرجنا لنرى ماذا يحدث رأينا الطائرات الإسرائيلية، وأصابنا خوف كبير منها لأنها كانت منخفضة جدًا، وسمعنا من الناس أن الحرب قد اندلعت بين سورية وإسرائيل، كنا نرى كيف حمل الرجال معظمهم بنادقهم، وآخرون ركضوا لا حول ولا قوة لهم، وصراخ النسوة وبكاء الأطفال، كان يعلو صوت الطائرات وأصوات القصف. ونحن مثل كل الناس خرجنا إلى الشارع، لم نحمل شيئًا معنا من البيت، حتى إننا نسينا الطفلة الصغيرة داخل سريرها إلى أن اكتشفت أنها غير موجودة معنا فعاد زوجي مسرعًا ليأخذها، حتى الطعام بقى على النار لأننا كنا سنعود قريبا إلى منزلنا، إلا أن الرعب كان شديدًا جدًا، ومكبرات الصوت تطلب من الناس الرحيل، وعلى الرغم من وجود الملاجئ بكثرة في المدينة وداخل الأحياء كلها لم يطلب أحد من السكان الاحتماء فيها، والأصوات التي علت من مكبرات الصوت لم تكن سورية بكل تأكيد، ولم نعرف مصدرها. تركنا بيتنا بكل ما فيه وهربنا إلى مجدل شمس، ومشينا مسافة 15 كلم. في الطريق كنا نرى الدبابات السورية تسير جنبًا إلى جنب، والطائرات تملأ الجو ذهابًا وإيابًا.

 في مجدل شمس سكنا في الأيام الأولى في بيت شقيق زوجي، وبعدها سكنا في بيت صديق للعائلة اسمه محمد الأطرش وهو مسؤول في قيادة الأركان السورية. وبعدها سكنا في مخفر تابع للشرطة السورية، كان مهجورًا في مجدل شمس حتى تهدأ الأمور وتتضح أكثر، سكنا فيه سنوات عدة.

 بعد أن هدأت الأحوال بأيام عدة جاء الحاكم العسكري إلينا وكان اسمه “شموليك” وقال بالعربية إن هذه الأرض تابعة للحكومة الإسرائيلية، فقلت له إننا أتينا من القنيطرة، فسألني لماذا هربتم من القنيطرة؟ فقلت له: خفنا قال هذا كذب، لم يكن هناك سبب للخوف، فقلت له أنت من يكذب، فسخروا مني جميعهم ثم قال إنه يريد الأوراق والأدوات والأرشيف الذي كان في المخفر كله، لم نسمح له بالدخول والتفتيش وقلت له: إنني لا أملك الحطب وكل ما كان في المخفر حرقته طلبًا للدفء والطعام فجن جنونه، وبدأ بتفتيش البيت (المخفر). ولم يجد شيئا على الإطلاق، إلا أنه نظر إلى صورة على الحائط وقال إنه يريد مصادرتها لأنها لأحد المسؤولين في الأركان السورية وهي صورة محمد الأطرش (صديق العائلة)، قلت له: اليد التي تمتد إلى الصورة سوف تكسر، ولم نسمح له بأخذها أبدًا. بعد الحرب كنا على أمل العودة إلى بيتنا في القنيطرة، إلا أن ذلك الأمل طال انتظاره، وما زلت حتى اليوم أتضرع وأتمنى أن أعود إلى بيتنا في المدينة، على الرغم من أنه لم يتبق منه ومن المدينة أي شيء اليوم، سوى مستشفى مدمر وجامعيين وكنيسة واحدة كلها تعرضت للتخريب

 في الأشهر التي تلت الحرب سمحت إسرائيل للنازحين عن المدينة الذين سكنوا مجدل شمس وبقعاثا ومسعدة بالذهاب إلى القنيطرة، بتصريح خاص ليستطيع الناس استعادة ممتلكاتهم وأغراضهم التي بقيت في المدينة، واستطعنا أن نجلب قسمًا منها، لأن البيوت والمنازل التي تركناها كانت قد نهبت وسلبت، وفقدنا أغراضًا ثمينة كانت بحوزتنا في البيت، كان لدينا ثلاثة مخازن ممتلئة بالبضائع والأقمشة والأدوات الزراعية كلها نهبت وسرقت من جانب الصهاينة. أما من تبقى من سكان القنيطرة، ولم يغادروها فكانوا نحو 3 آلاف شخص، أجبرتهم إسرائيل على التجمع في حي سكني واحد حتى منتصف عام 1968 وبعدها طردوهم من المدينة إلى دمشق والمخيمات التي أقيمت لهم في محيطها. وقام الجيش بعملية تجريف واسعة للأحياء الأخرى من المدينة بهدف تخريبها وتدميرها المتعمد، رأينا ذلك بأم أعيننا كيف كانت الجرافات تدمر المنازل، ويقتحمون الأبواب ويسرقون المحال التجارية ويحملونها على متن الشاحنات.

 حياة المدينة في القنيطرة كانت عامرة وممتلئة بالحياة، كان سكانها شركسًا وتركمانًا ومسيحيين، شوارعها كانت جميلة جدًا، لقد زرت مدن حيفا والناصرة، إلا إنني لم أرَ في حياتي مثيلًا للقنيطرة، وسكن في المدينة أيضًا فلسطينيون هجروا عام 1948 من وطنهم، كانوا يعملون ويسكنون في كل مكان، كانت النساء تعملن أيضًا في التدريس والتمريض، وكان هناك معارض التفاحيات والكرمة، ما زلت أذكرها جيدًا، وكانت هناك مستشفى الجولان حيث العلاج مجاني، والدراسة كانت أيضًا مجانية والتعليم أيضًا مجاني، وكان هناك مركز تجاري كبير وسوق للحبوب وسوق للحيوانات، ومعامل البلوك والبلاط والحلويات. وهناك أندية رياضية مثل الطليعة والحرية، ومعمل للنسيج والسجاد والخياطة والصوف، ولا أنسى طبعًا العروض العسكرية الدائمة التي كانت تجري في المناسبات الوطنية، مثل عيد ثورة الجزائر، وعيد الوحدة المصرية السورية، وعيد الجلاء، والثامن من آذار، مدينة القنيطرة كانت متقدمة ومتطورة، قياسًا بباقي المدن والقرى السورية الأخرى، كان نصف سكان المدينة تقريبًا من أبناء المحافظات السورية الذين أتوا طلبا للعمل في المدينة. إضافة إلى وجود بيت لعائلة الملك حسين حيث كان يأتي والده الملك طلال للاستراحة فيه.

 بعد خمس سنوات من النزوح عن المدينة، قررنا أن نبني بيتًا في مجدل شمس، وما زالت الذكريات والأوجاع تلاحقنا، فهناك كبرت وعشت أجمل سنوات عمري، بنينا بيتنا هناك بأرواحنا، أود لو أعود إلى القنيطرة، أحلم بأن أعود إلى هناك.

عندما طلبت السلطات السورية لاحقًا أوراقًا ثبوتية من نازحي القنيطرة رسم ابني بسام الذي كان عمره ستة سنوات في ذلك الحين، بيتنا بالتفصيل، مخطط البيت وتفاصيله وكل زاوية من زواياه وكل غرفة وحديقته الواسعة اليوم لم يتبقَّ سوى الأمل بالعودة والذكريات الأليمة التي لا تفارقنا أبدًا.

اسم المقال الاصليזרקור על בירת מחוז הגולן הסורית
الكاتبNaamous שלמה מן
مكان النشر وتاريخه22 בנובמבר 2020 נעמוש / הרמה הסורית / מלחמת ששת הימים
رابط المقالhttps://naamoush.wordpress.com/2020/11/22  
عدد الكلمات2965
قسم الترجمة من العبرية أيمن أبو جبل