
هذا المرض مصدر قلق يومي في الهول، وهو معسكر اعتقال في شمال شرق سورية لعائلات مقاتلي داعش، وإن كل حالة وفاة تثير القلق حاليًا بشأن كورونا. مع تعليق عمليات الإعادة إلى الوطن، يجب على الأمم المتحدة والهيئات الدولية الأخرى زيادة المساعدة الطبية والإنسانية.
عندما يموت شخص في الهول، وهو معسكر اعتقال في شمال شرق سورية يضمّ معظم النساء والأطفال المرتبطين بمقاتلي داعش؛ يتحول اللوم بسرعة إلى كورونا. تتزايد المخاوف بشأن المرض، على الرغم من عدم وجود حالات مؤكدة، وعلى الرغم من أن الوفاة المفاجئة شائعة بالفعل، بسبب الظروف المعيشية القاسية والأمراض المعدية الأخرى التي تقتل العشرات من الأشخاص، وسطيًا، كل شهر.
بدأت شائعات مخيفة تنتشر في الهول، في أوائل آذار/ مارس، عندما توفي طفل في الثالثة من عمره، وامرأة تبلغ من العمر خمسة وسبعين عامًا، وكلاهما مواطنان روسيان. وأكدت بعض النساء أن الوفاة كانت بسبب كورونا، بينما قال آخرون إن الطفل توفي بمرض السلّ، والمرأة أُصيبت بأزمة قلبية. عندما أمرت سلطات المخيم السكان بالبقاء في خيامهم، وأغلقت المحال التجارية في سوق المخيم؛ بدأت النساء بتخزين الطعام والمياه. عندما حفر الحراس خندقًا بجوار السور، صرخت امرأة خائفة من أنهم كانوا يجهزون مقابر جماعية. نشأ قلق عميق كذلك في روج Roj، وهو معسكر اعتقال أصغر، بالقرب من الحدود العراقية. بدأت النساء في كلا المعسكرين الاتصال بالأقارب، وإرسال الرسائل النصية إليهم في الخارج، بشأن احتمال إصابتهم بالمرض، وهم يسردون أعراضهم بشكل محموم. وكتبت إحداهن: “نجري محادثات حول كيف نتوقع الموت هنا”.
لم تتمكن مجموعة الأزمات Crisis Group من زيارة المخيمات، في ظل الظروف الحالية. ولكن من خلال المكالمات الهاتفية ورسائل (واتسآب) و(تيليغرام) WhatsApp وTelegram مع سكان المخيم وأقاربهم، وكذلك مع مسؤولي الأمم المتحدة وموظفي المنظمات الإنسانية، يظهر شعور قوي بالذعر.
كما هي الحال في جميع مخيمات المهجرين في العراق وسورية، يعيش الناس من دون مياه نظيفة أو غذاء كاف أو خدمات طبية موثوقة، حيث لا يوجد هناك سوى القليل من الصابون أو مطهرات اليد أو معدات الحماية. ويوجد في مخيمي الهول وروج 66,000 و4,000 امرأة وطفل، على التوالي، ومعظمهم من أقارب مقاتلي داعش، مع بعض المنتسبين السابقين إلى الجماعة. معظمهم سوريون أو عراقيون، وحوالي 13,500 من دول أخرى. إن وضعهم القانوني الضبابي، من حيث إنهم ليسوا مقاتلين ولا مدنيين، والوسم المرتبط بهم، يثني بعض هيئات المساعدة التابعة للأمم المتحدة عن تقديم أي خدمة على الإطلاق. فضلًا على أنه يُلزم الأطباء والحرّاس بمهام العناية بالنساء اللواتي يُعتبرن مقاتلات داعشيات غير تائبات.
حتى الآن، لا توجد حالات مؤكدة من كورونا، في أي من المخيمين، على الرغم من عدم وجود مجموعات اختبار. ولكن مع إغلاق فيش خابور، المعبر الحدودي الرئيس مع العراق، بسبب كورونا، وقطع إمدادات المساعدات، ومحدودية القدرات الطبية في المنطقة، فإن التوقعات قاتمة. وقال فابريزيو كاربوني، المدير الإقليمي للشرق الأدنى والأوسط في اللجنة الدولية للصليب الأحمر، لمجموعة الأزمات Crisis Group: “إنهم يواجهون بالفعل صعوبة في عزل حالات السلّ، لذا انسوا التباعد الاجتماعي. إذا أصاب هذا الفيروس أماكن مثل الهول، أو الكثير من شمال شرق سورية، فإننا نخاطر بأن نكون في وضع حيث نراقب فيه الناس، الأكثر ضعفًا، وهم يموتون”.

منذ أن سقطت آخر معاقل داعش في سورية، في أوائل عام 2019، تُرك أمرُ التعامل مع عشرات الآلاف من معتقلي داعش، والعائلات التابعة لهم، لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وهي ميليشيا بقيادة كردية دخلت في شراكة مع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. وترفض العديد من البلدان الأصلية للمحتجزين إعادتهم. بالإضافة إلى الهول وروج، اللذين يأويان في الغالب النساء والأطفال، تكافح قوات سوريا الديمقراطية من أجل حراسة ورعاية وإطعام الآلاف من الرجال والفتيان المحاصرين في السجون المؤقتة. تتلقى بعض التمويل الأميركي، لكن مواردها تتناقص بشدة. كان التحالف المناهض لداعش بطيئًا في تقديم دعم إضافي (المزيد من التدريب للحراس والمعدات الجديدة) وُعد به للإشراف على المعتقلين. ويصف العاملون في المجال الإنساني هذه المواقع بأنها مليئة بالسل ومزدحمة بشكل خطير، حيث يتحدث أحدهم عن “معدلات وفيات دراماتيكية”.
في 30 آذار/ مارس، قام محتجزو داعش بأعمال شغب، واجتاحوا سجنًا في مدينة الحسكة، وقاموا بتكسير الأبواب والسيطرة على طابق واحد من المنشأة. استغرق الأمر ما يقرب من يوم، حتى قامت قوات سوريا الديمقراطية بقمع الانتفاضة، من دون أن يهرب أحد. وقالت سلطات قوات سوريا الديمقراطية في وقت لاحق، إن المقاتلين اضطروا إلى الهروب، جزئيًا، بسبب الخوف من الإصابة بالفيروس في مثل هذه الأماكن الضيقة. إن احتمال حدوث شيء مشابه في الهول، حيث تشتعل التوترات بانتظام بين النساء المتشددات وحراس المعسكرات حتى في أوقات ما قبل الوباء، تقلق المسؤولين الغربيين، فضلًا على الإدارة الذاتية في شمال شرق سورية، الكيان السياسي الذي يحكم المنطقة المحمية من قوات سوريا الديمقراطية.
إن إرهاق حراسة هذا العدد الكبير من المعتقلين يفوق الإدارة الذاتية. قال بدران تشيا كرد، أحد كبار مسؤولي الإدارة هذه، لمجموعة الأزمات: “علينا أن نعتني ليس فقط بالمخيمات مثل الهول، ولكن أيضًا بالسكان الأصليين الذين يزيد عددهم عن خمسة ملايين (تقديرات الأمم المتحدة الأخيرة تشير إلى ثلاثة ملايين)، بالإضافة إلى مليون من المهجرين السوريين. بعد هزيمة داعش”، على حد قوله، ورثت السلطات نظامًا صحيًا هشًا وبنية تحتية مدمرة، يتطلب إصلاحها دعمًا دوليًا ضخمًا لمجرد تلبية الاحتياجات الأساسية للسكان، فضلًا على درء أي وباء. وتابع أن المخيمات ستكون الأكثر تضررًا بسبب الاكتظاظ ونقص المرافق والجهوزية: “أي انتشار للفيروس سيؤدي إلى كارثة غير مسبوقة”. يعتمد كثير من سكان شمال شرق البلاد على الوظائف اليومية للمعيشة، ويُجبر العمال على الاختيار بين تدابير العزل الذاتي والبقاء. كما عانت المنطقة من قطع تركيا لإمدادات المياه التي تسيطر عليها من محطة العلوك، وهي خطوة ناتجة من الخلافات بين أنقرة وقوات سوريا الديمقراطية، بشأن تبادل المياه والكهرباء بين المنطقتين اللتين تسيطران عليهما. تتدفق المياه الآن مرة أخرى، لكنها لم تصل بعد إلى المدنيين في عدد من المناطق. وقال تشيا كرد: إن فقدان معبر اليعربية الحدودي مع العراق في وقت سابق من العام (فشل قرار الأمم المتحدة الصادر في كانون الثاني/ يناير في إعادة السماح باستخدامه)، يسبب الآن صعوبات شديدة، ويحد من حركة المساعدات الإنسانية إلى المنطقة، بطريقة تضاعف من تأثيره الآن، مع إغلاق فيش الخابور نتيجة كورونا.
بينما كافح مديرو المخيم، في أواخر آذار/ مارس، لإحضار طبيب إلى روج، منوهين بالطلب المتزايد على الأطباء في المنطقة، بدأت النساء تبيع البضائع فيما بينهن بأسعار متضخمة، مع تزايد القلق في كلا المعسكرين. امرأة فرنسية تبلغ من العمر 31 عامًا، ملقاة على التراب في خيمتها التي تبلغ مساحتها ستة أمتار مربعة، مع أطفالها الأربعة، وهي ترسل رسالة نصية من الهول إلى والدتها في وطنها، تخشى من أن يحصلوا على آخر وجبة كاملة لفترة من الوقت. كما كتبت امرأة سورية أنها شعرت بالمرض، ولم يكن لديها خيمة للمأوى، وكانت قلقة بشأن من سيعتني بابنها إذا ماتت. وقالت امرأة سورية أخرى إن منظمة غير حكومية محلية جاءت لتعليم النساء كيفية غسل أيديهن بشكل صحيح. لكنها أضافت أنه عادة لا توجد مياه كافية في الهول لغسل اليدين بانتظام. وقالت: “نحن لا نفهم ما يحدث، لذلك الناس خائفون”. وقالت امرأة أخرى في روج، عبر رسالة نصية إلى ألكسندرا باين، مديرة منظمة (أسر ضد التطرف العنيف) التي تتخذ من كندا مقرًا لها: “لدينا صعوبة في التنفس”. في الرسائل المتبادلة التي عرضتها باين لمجموعة الأزمات، وأشارت النساء في المخيمات، باستخدام الهواتف المشتركة، إلى “السعال الذي لا ينتهي”، والحمى وأيام متتالية من دون الوصول إلى طبيب أو مسكنات الألم الأساسية.
ترسم الرسائل صورة لمنطقة تفتقر بالفعل إلى العاملين الطبيين والإمدادات، حيث تكون الحاجة أكبر في المشافي والمخيمات تتراجع من حيث الأولوية، وحيث يوبخ الأطباء العصبيون النساء لسؤالهن عن الفيروس. في بعض الأحيان، تتخلل الرسائل كلمات جانبية: “آه، ابنتي تقيأت للتو”، وفي بعض الأحيان من اليأس: “بعض الناس هنا يريدون أن يقتلوا أنفسهم”، وأحيانًا عن طريق الاستسلام: “إذا ضربت كورونا هنا، فسنهلك”.
على الرغم من أن غالبية سكان هذه المخيمات هم من الأطفال والنساء دون سن الخمسين، فإن كثيرًا منهم قد يعانون بالفعل من الالتهاب الرئوي والتهابات الصدر والسلّ. يقول ويل تيرنر، مدير عمليات الطوارئ في منظمة أطباء بلا حدود: إن هذه “الأمراض المتصاحبة” تضع سكان المخيم في خطر مرتفع، بسبب فيروس كورونا. الخطر هو الأعلى في مناطق مثل “ملحق الأجانب”، حيث يقيم غير السوريين وغير العراقيين. نظرًا لصعوبة المفاوضات بين مجموعات الإغاثة وسلطات المخيم، لم يتلق الملحق أي خدمات طبية مباشرة منذ شهور. حتى محاولة تمرير المشورة الصحية بخصوص كورونا إلى الملحق يمثل تحديًا، إذ لا يسمح المخيم رسميًا للنساء المحتجزات بالحصول على هواتف محمولة، ولن يسمح بتوزيع المنشورات في الداخل.

حتى منتصف آذار/ مارس، كان لدى دولتين على الأقل خطط جارية نشطة لإعادة الأجانب في المخيمات، إحداهما لعدد صغير من المعتقلين، والأخرى لعدد كبير شملت -في حالات نادرة- الرجال. يلازم الوصول إلى هذه المرحلة عادة مشاحنات سياسية متواصلة ومتعددة الطبقات، داخل الحكومات المحلية، وبين تلك الحكومات والسلطات الحاكمة في شمال شرق سورية. ولكن انتشار فيروس كورونا عطّل، في الوقت الحالي، هذه الخطط. وقال مسؤول غربي لمجموعة الأزمات: “هذا يعني بالتأكيد وقف عمليات الترحيل. [لا أحد] يمكنه تخصيص موارد للعودة إلى الوطن الآن، أو في المستقبل المنظور”.
من المحتمل أن يصيب فيروس كورونا كامل شمال شرق البلاد، وفي الواقع كل سورية، حتى المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة، ومحافظة إدلب التي تسيطر عليها المعارضة. لا يمكن توقع أن تتحمل السلطات في الشمال الشرقي العبء الكامل عن هذه الأزمة الإنسانية المتصاعدة والمرهقة بشكل هائل. غالبية سكان الهول وروج هم من الأطفال، وسواء كانوا عراقيين أو سوريين أو من جنسيات أخرى، فإن حياتهم وحياة من يعتني بهم بحاجة إلى الحماية.
يجب على الولايات المتحدة تشجيع كل من السلطات العراقية والإدارة الذاتية في الشمال الشرقي للموافقة على إعفاء إنساني منتظم ثنائي الاتجاه، للإغلاق المؤقت للحدود في فيش خابور، حتى تتمكن مجموعات الإغاثة العاملة عبر الحدود العراقية من الحفاظ على أنشطتها وعلى خطوط الإمداد في كلا الاتجاهين. من أجل إقناع السلطات العراقية وقوات سوريا الديمقراطية، على حد سواء، يجب أن يرافق هذا الطلب تسليم المساعدات الإنسانية ومجموعات متعلقة بمعدات كورونا للسكان في شمال شرق سورية والعراق، ومخيمات النازحين الأخرى. يجب على الهيئات الدولية، ولا سيما الأمم المتحدة، أن تقوم بخطوة كبيرة لتوفير التثقيف الصحي ومعدات الاختبار. كما يجب على قوات سوريا الديمقراطية، من جانبها، أن تواصل إطلاق سراح أكبر عدد ممكن من السوريين من الهول، لخفض الازدحام في المخيم. لكن معبرًا حدوديًا واحدًا لا يكفي: يجب على مجلس الأمن أن ينظر على الفور في إعادة السماح باستخدام اليعربية، كنقطة وصول إنسانية إلى الشمال الشرقي. إن انتظار القرار التالي بشأن لوجستيات إيصال المساعدات إلى سورية، على الأرجح هذا الصيف، سيؤدي إلى تأخير مدمر. يجب على موسكو التخلي عن موقفها السابق والامتناع عن معارضة إعادة فتح معبر اليعربية، لأن دمشق لم تسمح بإيصال الإمدادات الصحية عبر أراضيها بطريقة تعوّض إغلاقه.
في الأشهر الأخيرة، بدا مستقبل الرجال والنساء والأطفال المحتجزين في هذه المخيمات أكثر غموضًا. بينما تسعى الإدارة الذاتية إلى تكثيف عملية الإفراج عن المعتقلين السوريين في الهول، فإن فرص المغادرة للعراقيين وغير السوريين لا تبدو جيدة. لقد تجمدت الآن عملية العودة البطيئة المؤلمة من قبل الحكومات المحلية، المشحونة بالفعل بالسياسات الداخلية للدول، وسيستغرق الأمر جهودًا هائلة لجعله أولوية من جديد، في أي وقت في المستقبل القريب. وهذا هو السبب في أن قلق النساء من الفيروس، إلى جانب الأعراض التي يعانين منها حاليًا، يندمج مع ذعر أكثر عمومية حول المستقبل.
اسم المقالة الأصلي | Virus Fears Spread at Camps for ISIS Families in Syria’s North East |
الكاتب | مجموعة الأزمات الدولية |
مكان النشر وتاريخه | مجموعة الأزمات/Crisis Group، 7 نيسان/ أبريل 2020 |
رابط المقالة | https://www.crisisgroup.org/middle-east-north-africa/eastern-mediterranean/syria/virus-fears-spread-camps-isis-families-syrias-north-east |
عدد الكلمات | 1793 |
ترجمة | وحدة الترجمة والتعريب/ أحمد عيشة |