عنوان المادة الأصلي باللغة الإنكليزية: | Russia… Inside the bear |
اسم الكاتب | The Economist. مجلة الإيكونومست |
مصدر المادة الأصلي | The Economist. مجلة الإيكونومست |
رابط المادة | https://goo.gl/jb6Eqo |
تاريخ النشر | 22 تشرين الأول/ أكتوبر 2016 |
المترجم | أنس عيسى |
جدول المحتويات
روسيا داخل الدب
ليس الاتحاد السوفياتي
خداع وتضليل
الاقتصاد حليب من دون بقرة
الملكية والسلطة
الأوليغارشية (حكم الأقلية) وما وراءها
التصريح بالإساءة
بنى السلطة عجلات داخل عجلات
كيف يستطيع السيد بوتين أن يبقي البلاد تحت السيطرة؟
تخطّى الأمر
السياسة الخارجية ضباب الحروب
الضعف في القوة
النداء للحرية
الخيار النووي
الحياة الحديثة أخبرني عن جان دارك
يجد الشباب طرقًا جديدة للتعبير عن معارضتهم
انتبه من الكتابة على الجدر
قلها بالثقافة
الماضي والمستقبل اعتن بروسيا
ولكنّ السيد بوتين لا يفعل ذلك بالطريقة المثلى
إصابات قديمة
روسيا داخل الدب
بدت روسيا، عند انهيار الاتحاد السوفياتي قبل 25 عامًا، وكأنّها ستصبح دولة ديمقراطية ذات سوق حرة. يشرح أركادي أوستروفسكي سبب عدم حدوث ذلك، وإلى أيّ حد يُعد الأمر ذَنْب بوتين.
في اليوم العشرين من شهر آب/ أغسطس، كانت غوزيل سيمينوفا، وهي امرأة من موسكو تبلغ من العمر 25 عامًا، تتنزه في أراضي حديقة موزيزن، وهي إحدى حدائق المدينة، ثمّ توقّفت بجانب عربة ترام كهربائي محترقة وصدئة. كانت شاشة فيديو صغيرة بداخل العربة المحطمة تعرض لقطات بالأبيض والأسود، لأحداث كُشف عن حدوثها في السنة التي ولدت فيها. وشرحت متطوّعة أن تلك العربة الكهربائية كانت جزءًا من الحاجز المضاد للدبابات خلال الانقلاب الذي حدث منذ 25 عامًا، و مثّل انتصار الشعب. بدت الآنسة سيمينوفا مرتبكة، بينما لم تكن المتطوّعة ذات 22 عامًا، متأكّدة _هي نفسها_ مما حصل في تلك الأيام الثلاثة من شهر آب/ أغسطس 1991، وقالت عنها إنها اللحظة التي ((أصبحت فيها روسيا حرة)). أصغت الآنسة سيمينوفا بأدب، ثم تابعت سيرها.
لا تعد المعرفة غير الكاملة بتلك الحوادث أمرًا غير مألوف في روسيا، حيث تظهر دراسة استطلاعية أجراها مركز ليفادا (المركز الرائد والمستقل في مجال استطلاعات الرأي) أن نصف العدد الإجمالي للسكان، أي ما يشكّل نسبة 90 في المئة من شباب روسيا، لا يعرفون شيئًا عن الدراما التي حدثت في الساعات القليلة من يوم 19 آب/ أغسطس 1991.
أفاق الناس صبيحة ذلك اليوم على أخبار الانقلاب، حيث كان ميخائيل غورباتشوف، آخر الزعماء السوفيات، محتجزًا في شبه جزيرة القرم، ((غير قادر _لأسباب صحيّة_ على تنفيذ مهماته)). لقد تمّ الاستيلاء على السلطة من جانب مجموعة متشددة من الشيوعيين، مكوّنة من رئيس جهاز الاستخبارات السوفياتية (KGB)، وكبار جنرالات الجيش، وأعلنت حال الطوارئ. كان ضجيج الدبابات يهدر في مركز موسكو، أمّا التلفاز الذي كان أدارت عمله القوات الخاصة لجهاز الاستخبارات (KGB)، فكان يعرض موسيقى ((بحيرة البجع)) لتشايكوفسكي من دون انقطاع. كانت تلك محاولة أخيرة ويائسة لإنقاذ الإمبراطورية المتفككة.
لم يأت أحد في يوم الانقلاب لدعم النظام السوفياتي، بل تجمّع عوضًا من ذلك آلاف من أهل موسكو في الشوارع لبناء المتاريس والدفاع عن حرياتهم الجديدة. وكان بوريس يلتسن، أول رئيس منتخب ديمقراطيًّا لروسيا _أحد أجزاء الاتحاد السوفياتي_ قد دعا إلى المقاومة. أُمرَت القوات الخاصة لجهاز الاستخبارات (KGB) بمهاجمة البرلمان الروسي، مركز المعارضة، لكن لم يكن أحد مستعدًّا لإعطاء أمر مكتوب. وبعد يومين مات ثلاثة شبّان ذكور تحت دبابة، وبعد ساعات قليلة، سحب القوات، وعاد غورباتشوف إلى موسكو. سارت الحشود المبتهجة إلى المقر الرئيس لجهاز الاستخبارات (KGB)، وأسقطت تمثال مؤسسه فيليكس دزرزنسكاي.
كانت تلك الأيام الثلاثة شاهدة على نهاية الاتحاد السوفياتي، لكنها لم تصبح أسطورة تأسيس لروسيا الجديدة؛ حيث أرهقت الأساطير تلك البلاد، ولا تكاد تذكرها الكتب المدرسية. اعتاد المسؤولون الروس وضع الزهور على نصب تذكاري صغير للشبان الثلاثة الذين قُتلوا بوساطة الدبابة، لكن تلك البادرة توقفت في عام 2004، وتمّ في ذلك العام منع الليبراليين من السير إلى مكان انتصارهم قبل 25 عامًا، وجذب المهرجان الصغير في موزيزن مئات عدة من المتفرجين الذين شاهدوا عرضًا نمطيًّا لـ ((بحيرة البجع))، وفيلمًا وثائقيًّا عن تلك الأيّام. صُوِّر ذلك الفيلم في سان بطرسبرغ، مهد الثورة البلشفية، وأظهر جمهورًا مسالمًا في الساحة الرئيسة يشاهد احتضار الإمبراطورية السوفياتية، كما أظهرت الكاميرا لقطة لشاب يُدعى فلاديمير بوتين يقف بجانب رئيسه أناتولي سوبشاك، الذي كان -آنذاك- عمدة سان بطرسبرغ، وكان رافضًا الانقلاب. سُمع متظاهر يصرخ قائِلًا: ((عندما نتخلص من الطاعون الشيوعي، سنصبح أحرارًا من جديد، ولن يكون علينا القتال (في حرب) مجددًا)).
لقد قلبت ثورة عام 1991 نظام الاتحاد السوفياتي السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ووضعت خمس عشرة دولة على الخريطة في المكان الذي كانت تشغله دولة واحدة من قبل. لكن مثل كثير من الثورات في التاريخ، تلت تلك الثورة عملية ترميم.
إنّ أكثر القياصرة تقديرًا من الكريملين هو ألكسندر الثالث، الذي قام عند استلام منصبه في عام 1881 بعكس عملية (اللبرلة) التي أشرف عليها والده، وتعرّض هذا الأخير للاغتيال بهدف فرض أيديولوجية رسمية يشكلها خليط من الأرثوذوكسية والقومية وحكم الفرد المطلق.
تحيّي صورة ذلك القيصر ومقولته الشهيرة: ((لروسيا حليفان اثنان فقط: جيشها وبحريّتها))؛ زوّار متحف التاريخ الروسي بعد تجديده، في مركز معارض روسيا (VDKNH)، ويعد هذا المتحف مثالًا رئيسًا على فنّ العمارة الستاليني في موسكو. وكان ستالين نفسه قد قام بعمليّة تحويل شاملة حيث تجانب صوره الضخمة الطرق في شبه جزيرة القرم، مدّعيةً: ((إنّه انتصارنا)).
لقد تمّت استعادة ركنين أساسين من أركان الدولة السوفياتية، البروباغاندا والتهديد بالقمع، وأُعيد بناء جهاز الاستخبارات السوفياتي (KGB) _الذي كان أُهين وتعرّض للهدم في عقب الانقلاب_ ليصبح المحرك الأساس للسلطة السياسية والاقتصادية. وها هو جهاز الشرطة السرية من جديد يقوم باعتقال المتظاهرين ومضايقة الناشطين المدنيّين. وقد وسم الكريملين، في شهر أيلول/ سبتمبر 2016، مركز ليفادا بكونه ((عميلًا أجنبيًا))، ما قد يعني نهايته. أمّا محطات التلفزة، فقد تحوّلت إلى آلة لضخ السم الإعلامي تشجّع محاربة ((الخونة))، و((الفيلق الخامس)). وقتل بوريس نيمتسوف الذي مثّل في ما مضى آمال روسيا في أن تصبح بلادًا ((طبيعية))؛ خارج الكريملين العام الماضي.
بعد حوالى عقد من زمن النمو الاقتصادي الذي سببه إصلاح الأسواق في التسعينيّات من القرن الماضي، إضافةً إلى ارتفاع أسعار النفط، عاد الاقتصاد الروسي إلى الهبوط بسبب ركود المرحلة السوفياتية؛ حيث تمّ خنق التنافس، وتضاعفت حصّة الدولة في الاقتصاد، وعاد المجمع الصناعي العسكري _الذي كان عِماد الاقتصاد السوفياتي_ ليكون مرّة أخرى محرّك النمو، وتمّت إزالة مراكز الطاقة البديلة، كما تمّ إضعاف فدرالية ما بعد المرحلة السوفياتية، لتتحوّل روسيا إلى دولة وحدويّة.
قادت عمليات الترميم رجعية الأثر في الداخل إلى أعمال عدوانية في الخارج؛ حيث غزت روسيا كلًا من جورجيا وأوكرانيا (اثنتين من أكثر الجمهوريات السوفياتية السابقة ديمقراطيّةً).
كما تدخّلت في الصراع السوري لتدعم نظام الرئيس بشار الأسد، وحاولت تقويض المؤسسات الأورو-أطلسية، فدعمت الأحزاب اليمينية في أوروبا، وحاولت التدخل في انتخابات أميركا الرئاسية، وها هي روسيا تحاول ابتزاز الغرب من جديد باستعمالها تهديد الأسلحة النوويّة.
بعد هزيمة انقلاب 1991، كان التوقع السائد أن تتحول روسيا إلى دولة غربية وديمقراطية ذات سوق حرة. سيشرح هذا التقرير الخاص لماذا لم يحدث ذلك، وسيطرح السؤال في ما إذا كان الغرب يعاني مشكلة ((بوتين))، أو بصورة أعمق مشكلة ((روسيا)) المزمنة.
تم اختيار السيد بوتين لمنصبه من قبل يلتسن، أوّل رؤساء روسيا، ويعود ذلك بصورة خاصة إلى كونه في الجانب الديمقراطي عام 1991، وعندما أتى إلى السلطة في عام 2000، كان من المتوقع أن يقوم بدعم تماسك البلاد، وعوضًا من ذلك قام باستحضار نموذج قديم وميت للدولة.
كان من الساذج توقّع _بعد 74 عامًا من الحكم السوفياتي وقرون عدة من نظام أبوي قبلها_ أن تبرز روسيا بسرعة، كدولة ديمقراطية بنمط غربي، ولكن سيُظهر هذا التقرير أنّ انتكاس روسيا إلى دولة مستبدة لم يكن أمرًا محتمًا، بل كان نتيجة للخيارات التي اتخذتها نخبة البلاد عند كل مفترق طرق. وعلى الرغم من حقيقة عدم القدرة على تغيير تلك الخيارات، إلّا إنّها لا تحدّد سلفًا المستقبل.