مذكرة تفاهم في موسكو بين PYD وحزب الإرادة الشعبية
(*) الآراء الواردة في هذه المادة لا تمثل بالضرورة آراء المركز ولا مواقفه من القضايا المطروحة
أويتون أورهان: كاتب وباحث في مركز الشرق الأوسط للدراسات (أورسام) منذ عام 2009. مختص في الشأنين السوري واللبناني. له عدد من الدراسات الميدانية في منطقة الشرق الأوسط في كل من سورية والعراق ولبنان والأردن.
سيبال دوندار: كاتبة وباحثة مساعدة في مركز الشرق الأوسط للدراسات (أورسام).
ترجمة: علي كمخ
المحتويات
مدخل
رؤى الجهات الفاعلة المتعلقة بشرق الفرات
محاولات روسيا تحقيق التفوق في شرق الفرات
مضمون الاتفاقية
الموقف التركي
النتيجة
مدخل
يرتبط حل الأزمة المستمرة في سورية منذ سنوات، بإنجاز حل سياسي تتفق عليه الجهات الفاعلة والقوى الداخلية والخارجية الموجودة على الأرض، بيد أن أهم المناقشات المثيرة للجدل في هذه المرحلة مسألة تحديد الجهات الفاعلة التي ستشارك في طاولة الحل السياسي السوري، فثمة خلافات في الرأي على مسألة مشروعية القوى والجهات التي تتقاتل في سورية، بين الدول الداخلة في الصراع، ومدى اتصافها بالإرهاب من عدمه. إذ إن تركيا تعد حزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب (PYD/YPG) ذراعًا لحزب العمال الكردستاني (PKK) في سورية، والجماعات المرتبطة بالقاعدة و(داعش) تنظيمات إرهابية، وتعارض معارضة قاطعة أن تكون هذه الجماعات جزءًا من عملية الحل السياسي. فالارتباط العضوي بين حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب معروفٌ عند الدول التي تدعم التنظيم وهي تعد حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية أيضًا. غير أن هذا الارتباط يجري التغاضي عنه وتجاهله لأسباب سياسية، ويدعى باستقلالية حزب العمال الكردستاني عن حزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب. وبناءً على ذلك أنشئت منطقة مستقلة لا مركزية -بحكم الأمر الواقع- في المناطق الواقعة شرق نهر الفرات في سورية، بإشراف حزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب، وبدعم وحماية عسكرية أميركية. وبات هذا الواقع الفعلي من أهم موضوعات النقاش في عملية الحل السياسي للأزمة السورية.
رؤى الجهات الفاعلة المتعلقة بشرق الفرات
تتلهف الولايات المتحدة الأميركية، والدول الأوروبية عمومًا، إلى منح الكيان الفعلي الذي أنشئ في شرق الفرات وضعًا سياسيًا فدراليًا في إطار وحدة أراضي سورية، مماثلًا للحال في شمال العراق. وعلى الرغم من عدم ورود هذا الادعاء في البيانات الرسمية للدول المذكورة أعلاه، فإنه يتجلى في الدعم السياسي والعسكري والمالي الذي يُقدَّم لحزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب، وهو الفاعل الوحيد الذي يعرب عن المطالب الفدرالية في سورية. وتعمل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة على دعم المنطقة المعنية وتطوير العلاقات معها، بتوجيه من الولايات المتحدة الأميركية، في إطار تحجيم الدور التركي في الشرق الأوسط.
ومهما تنافست روسيا مع الولايات المتحدة والغرب في سورية، فإنها تمتلك مواقف مماثلة لها من حيث تأكيد ضرورة تمتع سورية ببنية فدرالية يوجد فيها حزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب على طاولة الحل السياسي. فقد ورد في مسودة الدستور السوري التي أعدتها روسيا ووزعت في أحد لقاءات آستانة، مواد كـ “منح الاستقلال الثقافي للكرد السوريين، وإنشاء منظمات وتشكيلات مسلحة كردية مستقلة ذاتيًا تابعة للجيش السوري”. فمشكلة حزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب، من وجهة النظر الروسية، هي وقوع التنظيم تحت التأثير الكبير للولايات المتحدة وسيطرتها المفرطة. لذلك، هناك احتمال أن تسعى روسيا إلى إنقاذ حزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب من نفوذ الولايات المتحدة، وتساند التنظيم بالقدر الذي تستطيع فيه جذبه إلى دائرة نفوذها الخاص. وقد حاولت روسيا إظهار أن العنوان الذي يبحث عنه حزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب، حتى يتمكن من تحقيق أهدافه في سورية، هو روسيا نفسها وليس الولايات المتحدة الأميركية. وقد توسطت روسيا في هذا السياق في سلسلة من المفاوضات والمساومات التي جرت بين النظام السوري وحزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب. لكن على الرغم من فشل هذه المفاوضات لأسباب عدة، كإجبار الولايات المتحدة حزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب على الانسحاب من المحادثات واتساع الفجوة بين النظام وتطلعات حزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب، فإنه يمكن القول إن رؤية روسيا لا تختلف كثيرًا عن الرؤية الأميركية، في ما يخص دور حزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب في سورية. لكن العقبة الكبرى التي تقف أمام روسيا في هذه النقطة، هي تبنيها لمبدأ وحدة التراب السوري وسلامته التي خرجت بها مفاوضات آستانة، وتعاونها مع الجهات الفاعلة الأخرى كتركيا وإيران في إطار هذا المبدأ. والأهم من ذلك كله أن الفاعل الرئيسي المعارض لمقترحات الفدرالية في سورية هو نظام الأسد. الأمر الذي يدفع روسيا إلى مراجعة حساباتها تبعًا لمواقف دول المنطقة التي تعاونت معها بمرور الوقت.
وبالنتيجة، يُلاحظ أن الولايات المتحدة وروسيا تتخذان -على الرغم من بعض التباينات- موقفًا متقاربًا من مسألة دور حزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب، في ما يتعلق بمستقبل سورية، ولكن أكبر العقبات في طريق تحقيق تلك التطلعات هي تركيا التي تعد إحدى الدول التي تمتلك مفاتيح الحل الرئيسية في سورية. إذ إن المحافظة على وحدة أراضي سورية وحماية الوحدة السياسية في البلاد، وإنهاء سيطرة الذراع السوري لحزب العمال الكردستاني المتمثل في حزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب على الأرض، والقضاء على المكونات الإدارية والأمنية والسياسية التي شكلها التنظيم فعليًا، هي خطوط حمراء بالنسبة إلى تركيا. لذلك، يجب على الولايات المتحدة وروسيا التغلب على العقبة التركية، إذا أرادتا منح وضع سياسي لحزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة الأميركية وروسيا تستخدمان قنوات مختلفة، فإنهما تتبعان مسارًا مشابهًا في إيجاد حل لهذه المشكلة. لذلك طبقًا لهذه المقاربة “يجب أن يوجد أكراد سورية، وليس حزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب، على طاولة الحل السياسي”. ففي هذا الاتجاه، تدافع الولايات المتحدة عن فكرة إمكانية فصل “حزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب عن حزب العمال الكردستاني وعزله عنه، وأن يكون الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب فاعلًا محليًا يتشكل من مكونات سورية تقتصر أهدافها في سورية فقط”. لكن من ناحية أخرى، تقوم الولايات المتحدة بالوساطة في مفاوضات الوحدة بين حزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب والأحزاب المشكلة للمجلس الوطني الكردي السوري (SKUK)، وهو المظلة الشاملة للأحزاب الكردية السورية القريبة من أربيل. فالهدف، في حال نجاح هذه المفاوضات، هو إكساب الشرعية لـ حزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب، من خلال المجلس الوطني الكردي السوري، وتجاوز العقبة التركية، ومن ثم ضمان مكان للتنظيم على طاولة التسوية السياسية. فقد وفر الانتقال إلى المرحلة الثانية، في مفاوضات الوحدة الجارية بين حزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب والمجلس الوطني الكردي السوري، تفوقًا واضحًا للولايات المتحدة في الساحة السورية. إضافة إلى ذلك، فإن توقيع شركة النفط الأميركية Delta Cres-cent Energy LLC اتفاقية نفطية مع قوات سوريا الديمقراطية (SDG) التي يشكل حزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب العمود الفقري لها، من أجل استخراج النفط في شمال شرق سورية وتشغيله ومعالجته وتجارته، قد ساهم مساهمة كبيرة في تحقيق هذا التفوق. كان الهدف الأساسي من هذين التطورين هو دعوة حزب الاتحاد الديمقراطي إلى حضور مفاوضات اللجنة الدستورية التي جرت في سياق عملية آستانة، وأدرجت لاحقًا في منصة جنيف بإشراف الأمم المتحدة، بوصفه ممثلًا شرعيًا لأكراد سورية. فإذا نجح حزب الاتحاد الديمقراطي في أن يكون جزءًا من هذه العملية، فسيمتلك الحق في أن يكون له رأي في مستقبل سورية، وسيكتسب اعترافًا وطنيًا ودوليًا في المجال الذي أنشأه فعليًا. لكن بينما تواصل الولايات المتحدة جهدها لتوحيد الأكراد السوريين تحت سقف واحد، بمختلف الوسائل والطرائق، اتخذ لاعب رئيس آخر -وهو روسيا- خطوة من شأنها قلب الموازين في سورية لمصلحتها.
محاولات روسيا تحقيق التفوق في شرق الفرات
في الـ 29 من آب/ أغسطس عام 2020 جرت استضافة مجلس سورية الديمقراطية (SDM) الذي يشكل الجناح السياسي لـ حزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب وقوات سورية الديمقراطية في موسكو بدعوة من روسيا. ومن المعلوم أن مفاوضات وزيارات متبادلة جرت بين الطرفين من قبل أيضًا. لكن اللافت للنظر هو أنها المرة الأولى التي توجه فيها حكومة موسكو للمجلس دعوة رسمية. وكانت رئيسة اللجنة التنفيذية لمجلس سورية الديمقراطية إلهام أحمد، ونائب الرئيس حكمت حبيب، ورئيس حزب الاتحاد السرياني سنحاريب برصوم، وسيهانوك ديبو ممثل مجلس سوريا الديمقراطية في مصر، من بين أعضاء الوفد الذي ذهب إلى موسكو في 29 آب/ أغسطس. إذ حدث نتيجة المفاوضات التي شارك فيها حزب الإرادة الشعبية التي تتخذ من دمشق مقرًا لها وأسستها المعارضة السورية في موسكو، التوقيع على تفاهم بين الطرفين في الـ 31 من آب/ أغسطس، يتعلق بعملية الحل السياسي في سورية. وقد التقى الوفد في عقب الاتفاق بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي أبلغ المبعوث الأممي الخاص غير بيدرسن أنهم لم يكونوا على علم بهذا الاتفاق، وأنهم لم يلعبوا دورًا حاسمًا في المفاوضات. لكن سياق الزمان والمكان يشير إلى عكس ذلك. وقد تزامنت مباحثات موسكو مع موعد زيارة الممثل الأميركي الخاص بسورية جيمس جيفري إلى تركيا للقاء وفد المعارضة السورية، ما كان أمرًا لافتًا للانتباه. وكانت دمشق قد انتقدت اجتماع الوفد الأميركي مع المعارضة السورية في تركيا قبيل محادثات جنيف. وقد عقدت الجولة الثالثة من اجتماعات اللجنة الدستورية في المدة ما بين 25 و29 آب/ أغسطس، وعلى الرغم من عدم الانتقال إلى مرحلة كتابة الدستور بعد، إلا أن الأجواء التي سادت كانت أكثر إيجابية بين الطرفين مقارنة بالاجتماعين السابقين. ويكاد يكون من المؤكد أن هذا الاتفاق الذي جرى توقيعه في موسكو في موعد حرج من حيث التوقيت، قد أبرم قطعًا بمبادرة من روسيا.
على الرغم من الإشارة إلى حزب الإرادة الشعبية على أنه أحد أحزاب المعارضة السورية، لكنه ليس من أحزاب المعارضة التي شكلت في الخارج. غير أنه من المتوقع أن يؤدي هذا الحزب الذي يتحرك بتوجيه من موسكو، دورًا نشطًا في عملية جنيف مستقبلًا. ومن المعروف أن الأمين العام لحزب الإرادة الشعبية قدري جميل الذي تربطه علاقات وثيقة بنظام الأسد، كان ممثلًا للمعارضة السورية في موسكو، وكان عضوًا سابقًا في الحزب الشيوعي السوري. شغل جميل منصب وزير في حكومة الوفاق التي شُكلت عام 2012 في إطار جهد المصالحة الوطنية بهدف إحيائها، ثم ما لبث أن أقيل من منصبه بذريعة قيامه باتصالات خارجية من دون علم النظام. وقد طور جميل -الذي يتمتع بمرجعية بوصفه نائبًا لرئيس الوزراء- من علاقاته القائمة مع موسكو في هذه المرحلة، وبرز بوصفه شخصية طرحتها روسيا للمشاركة في تحديد مستقبل سورية.
مضمون الاتفاقية
تتضمن المذكرة التي وقعتها إلهام أحمد والأمين العام لحزب الإرادة الشعبية قدري جميل، خمس مواد أساسية. ويمكن تقييم محتويات المواد ومعانيها على النحو الآتي: فالمادة الأولى من الاتفاقية تؤكد وحدة أراضي سورية، وتحدد أن هذه الوحدة يجب أن تبنى على دستور ديمقراطي يقوم على أسس المساواة في المواطنة. وجرى اقتراح نموذج إدارة لامركزية تُفعَّل فيه آلية واحدة في قضايا البلاد السيادية كالسياسة الخارجية والاقتصاد والدفاع، بينما تُقّلص سلطة مركزية الدولة وتزيد سلطات الحكومات المحلية في المسائل الأخرى. وورد في المادة الرابعة من الاتفاقية حديث عن كيان إداري في إطار وحدة التراب السوري، تؤخذ فيه بالحسبان تجارب الحكم الذاتي السابقة. إذ تتضمن المادة المذكورة اقتراحًا بالاعتراف بما يسمى بـ “الإدارة الذاتية لشمال سورية وشرقها” من الأطراف جميعها، وإنشاء هيكلية فدرالية في شمال شرق البلاد، لها وجود فعلي غير أنها لا تتمتع بالأساس الشرعي. ومن هنا يتبادر إلى الأذهان النتيجة التي مفادها أن الهدف من هذه العملية التي تدعمها روسيا بوصفها ضامنة، هو تغيير شكل نظام الحكم في سورية. أما في المواد الأخرى من الاتفاقية، فقد نُصَّ على مسار يشترك فيه مجلس سورية الديمقراطية أيضًا من أجل التطبيق الكامل لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254. إذ إن قرار الأمم المتحدة المذكور يتضمن إقرار إدارة انتقالية في سورية من خلال التوافق بين السلطة في دمشق وجماعات المعارضة. وسيكون القبول بمجلس سورية الديمقراطية بوصفه جهة فاعلة في هذه العملية، وسيلة ستمكنه من اكتساب الأرضية الشرعية التي كان يسعى إليها لسنوات عدة، ويحاول اكتسابها بطرائق ووسائل مختلفة. فإلى هذا الوقت، لم يكن قد جرى إشراك حزب الاتحاد الديمقراطي بوصفه طرفًا من الأطراف في مسار جنيف، لكن جرى اللجوء إلى مختلف الوسائل لإدراجه في العملية. وبناءً على ذلك، يمكن القول إن روسيا ساهمت أيضًا في الاستراتيجية التي كانت الولايات المتحدة تنتهجها منذ سنوات عدة للغرض نفسه.
وجاء في المادة الثالثة من الاتفاقية أن “المشكلة الكردية في سورية سيتم حلها على أساس الاعتراف بالحقوق المكفولة في الاتفاقات والمواثيق الدولية”. لكن القضية الرئيسية التي تحتاج إلى الانتباه إليها هنا، هي محاولة تعريف هذه الحقوق من خلال كيان يفتقد إلى أساسه الشرعي، ويسعى لإعلان استقلاله من جانب واحد. وقد وصفت الأطراف أوضاع الأراضي الواقعة تحت احتلال وحدات حماية الشعب في شمال سورية وشرقها، بأنها “حاجة اجتماعية”. ونصت المادة الأخيرة من الاتفاق على “ضم مقاتلي وحدات حماية الشعب جميعهم إلى جيش النظام السوري ورفض باقي المكونات العسكرية الأخرى في البلاد”. روسيا التي لم ترغب في أن تكون وحدات حماية الشعب تحت حماية الولايات المتحدة، أجلست النظام السوري ووحدات حماية الشعب على طاولة المفاوضات بين حين وآخر، لكن كانت هناك خلافات بين الطرفين بسبب قضايا كالبوابات الحدودية ومسألة التنازل عن حقول النفط لمصلحة المركز على وجه الخصوص. لكن أقرب وجهات النظر بين الطرفين حول هذه المسألة تحقق في الـ 30 من تشرين الأول/ أكتوبر عام 2019، عندما أعلن الجيش السوري قبوله لمن يريد الانضمام إليه من قوات سوريا الديمقراطية التي تضم في بنيتها وحدات حماية الشعب أيضًا. ثم بعد ذلك دعت وزارة الداخلية السورية قوات الأمن الداخلي الكردية (أسايش) التابعة لوحدات حماية الشعب -التي تتحرك كأنها وحدة من وحدات إنفاذ القانون- إلى الانضمام إلى وحدات الأمن الداخلي. وكانت الغاية الرئيسة من هذه الخطوة التي أقدمت عليها الإدارة في دمشق، هي التحرك جنبًا إلى جنب مع وحدات حماية الشعب لمواجهة تركيا التي أطلقت عملية نبع السلام العسكرية في الـ 9 من تشرين الأول/ أكتوبر عام 2019. وقد استجابت وحدات حماية الشعب لهذه الدعوات بالإيجاب، لكنها ردت بأن “توحيد الصفوف مرهون باتفاق سياسي يعترف بالمنزلة والبنية الخاصة لقوات سوريا الديمقراطية، وهذه الخطوة تستوجب آلية متينة لإعادة هيكلة الجيش السوري”. ما يفهم من الإجابة المقدمة، فإن شرط قبول وحدات حماية الشعب/ قوات سوريا الديمقراطية سياسيًا وعسكريًا من دون الإخلال بهيكلها المستقل، كان من كبرى العقبات أمام الاندماج المحتمل بين الطرفين. أما في التصريحات الواردة من الإدارة في دمشق، فقد رُفضت فكرة الكيان المستقل رفضًا قاطعًا. وانطلاقًا من المبادرة الأخيرة للأطراف في موسكو، يمكن القول إن دمج عناصر وحدات حماية الشعب بالمجمل في جيش النظام السوري ما يزال خيارًا غير واقعي.
الموقف التركي
تركيا؛ من خلال الرد على المبادرة الروسية من وزارة الخارجية، أعربت عن قلقها من دعوة روسيا لمجموعة مؤلفة من بعض عناصر ما يسمى بـ مجلس سوريا الديمقراطية الذي يتبع توجيهات تنظيم حزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب الإرهابي، واستقبالهم من جهات روسية رسمية رفيعة المستوى. إذ أُعلِن في البيان المشترك -الذي صدر أخيرًا عن ضامني عملية آستانة في نهاية الاجتماع المنعقد في جنيف بتاريخ الـ 25 من آب/ أغسطس عام 2020- عن موقف مشترك تجاه الأجندات الانفصالية للتشكيلات والكيانات غير المشروعة. ومن حيث النتيجة أُبلِغت روسيا بوجوب العمل وفقًا لروح اتفاقات آستانة وصيغتها والالتزامات التي جرى التعهد بها في اجتماعاتها. لأنه من المحتمل أن تلحق هذه الخطوة التي اتخذتها روسيا الضرر بعملية البناء المشترك لمستقبل سورية. وعلى الرغم من وجود مقاربة ستشمل عموم سورية في الاتفاقية، لكن يجب أن يؤخذ في الحسبان أن أحد الطرفين لا يمتلك سلطة التمثيل المشروعة. فتركيا تقف موقفًا واضحًا في وجه محاولات كل من الولايات المتحدة وروسيا لإدماج حزب الاتحاد الديمقراطي في العملية السياسية. لذا يجب أن تستند الخطوات المتخذة بشأن مستقبل سورية في هذا الإطار إلى أرضية سليمة، يجري فيها ضمان وحدة أراضي البلاد وسلامتها، وتأخذ إرادة الشعب بالحسبان، مع عدم إفساح المجال للتنظيمات الإرهابية.
ومع أن الولايات المتحدة وروسيا وكما بُين آنفًا، يحملان مقاربات متشابهة من حيث الجوهر في ما يتعلق بوضع شرق الفرات وفي مسألة كيفية إدماج حزب الاتحاد الديمقراطي وإدراجه في عملية الحل السياسي. غير أن اللاعبين كليهما يتنافسان على الاستئثار بورقة وحدات حماية الشعب، ووضع الكيان الجديد الذي سيظهر تحت سيطرتهما. أما حزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب فهو يرى أنه بحاجة إلى كل من الولايات المتحدة وروسيا معًا، لتحقيق حلم وضعه السياسي. لذلك، يسعى إلى تقوية يده في المفاوضات مع روسيا والنظام، مع المحافظة على دعم الولايات المتحدة الذي يعد أهم مصادر قوته. فالاتفاقية الموقعة في موسكو، هي محاولة لامتلاك ورقة حزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب من وجهة النظر الروسية، وخطوة نحو الهدف إلى نيل الشرعية والجلوس على طاولة الحل السياسي لجهة حزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب. وبالنظر إلى تفاهم موسكو في سياق هذه الأهداف، يمكن عدّه محاولة ستزيد من الشعور التركي بالتهديد المتعلق بشرق الفرات. لذلك، فإن تركيا تتحرك تجاه مساعي الولايات المتحدة المتعلقة بتحقيق الوحدة بين حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي السوري، انطلاقًا من التصور نفسه. فتركيا ترى أن الخطوات المتخذة حيال حزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب لن تمنحه المشروعية، بل على العكس، فإن من شأنها القضاء على مشروعية الكيانات السياسية الشرعية المستخدمة لمنحه الشرعية، وإزالتها. إضافة إلى أن حلًا سياسيًا بالمعنى الحقيقي للكلمة في سورية، لن يتحقق مع معارضين تقودهم وتوجههم موسكو حليفة للنظام، بل عبر المعارضة السورية الموالية لتركيا التي تقاتل وتكافح على الارض في المجالين السياسي والعسكري. لكن مع ذلك ينبغي عدم إغفال أن القضية الوحيدة التي اتفقت عليها دمشق والمعارضة، هي المحافظة على وحدة أراضي سورية وسلامتها، ووحدتها السياسية.
أخيرًا، يمكن قراءة هذه الخطوة الروسية من خلال علاقات التعاون والتنافس المتداخلة بين تركيا وروسيا في مناطق كسورية وليبيا والبحر الأسود والقوقاز وأوكرانيا. فللبلدين كليهما تعريفات وتوصيفات مختلفة للمصالح والرؤى المستقبلية في المناطق المذكورة. ومع ذلك، فإن هذا الوضع لا يمثل عقبة أمام التعاون التركي- الروسي على أساس بعض المبادئ المشتركة. ففي الوقت الذي يجري فيه الطرفان مفاوضات دبلوماسية حول هذه القضايا، فهما لا يترددان أيضًا في اتخاذ خطوات من شأنها ممارسة الضغط على بعضهما على الارض. إذ إن هذا الموقف يجلب معه عملية تفاعل الملفات جميعها مع بعضها، وبخاصة مع الصعوبات والمشكلات التي تواجهها روسيا في عدد من الميادين. لذا، يمكن القول إن روسيا ترى في قضيتي إدلب وحزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب، مفاتيح لحل المشكلات التي تعترضها في مختلف الساحات. وربما تكون روسيا قد رغبت -عبر إظهار نفسها قادرة على اللعب بورقة حزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب في المفاوضات- في تقوية يدها في مواجهة تركيا في ملفات أخرى. لكن كون مسألة حزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب من الخطوط الحمراء بالنسبة إلى تركيا، فإن نتائج استغلال هذه الورقة تظهر بوضوح في ما آلت إليه العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة الأميركية.
النتيجة
قد يكون لكل خطوة تُتخذ في سياق الأزمة السورية نتائجها المختلفة عن الأخرى، وذلك بسبب العلاقات المعقدة والمتشابكة بين أطرافها. لكن يمكن القول إن الاتفاق الذي جرى التوصل إليه في موسكو سيجلب برفقته بعض النتائج. إذ تبرز إلى الواجهة، الاتفاقية الموقعة بين حزب الإرادة الشعبية القريب من دمشق ومجلس سورية الديمقراطية، الجناح السياسي لحزب الاتحاد الديمقراطي، من حيث احتوائها على مواد تتعلق بمستقبل سورية ووضعها العام. لأن مبادرات روسيا السابقة في ما يتعلق بالمصالحة، باءت بالفشل بسبب تباين مواقف الأحزاب بشأن “الهيكلية الفدرالية”. لذلك فإن انتظار أن يساهم الاتفاق بمفرده في تجاوز هذه العقبة، لن يكون نهجًا واقعيًا. لكن من المتوقع أن الولايات المتحدة وروسيا ستواصلان مساعيهما في ما يتعلق بمثل هذا النوع من المبادرات بغية تمكين حزب الاتحاد الديمقراطي من نيل الأساس الشرعي لوجوده. غير أن تركيا يمكنها أن تقدم على بعض الخطوات في مواجهة مثل هذه المبادرات دبلوماسيًا وعسكريًا وستنقل خلال مباحثاتها مع روسيا شعورها بالامتعاض من هذه الخطوة، وستبلغ روسيا أيضًا باستحالة جعل حزب الاتحاد الديمقراطي أحد شركاء طاولة الحل السياسي للأزمة السورية، وأن مثل هذه المحاولات قد تلحق الضرر بالجهد الدبلوماسي والسياسي المشترك الذي تقوم بها تركيا وروسيا لحل الأزمة، بل حتى يمكن أن تؤدي إلى تخريبها. ومن جانب آخر، إن كانت روسيا تسعى من خلال هذه الخطوات للحصول على تنازلات من تركيا في ميادين مختلفة، فإن تركيا تمتلك أوراقًا سياسية ودبلوماسية يمكن أن تزعج بها روسيا في حال إبرازها. فمن المعروف أن مسألة القرم وشرق أوكرانيا تحمل حساسية خاصة تجاه روسيا في هذا الصدد، لذلك قد تقوم تركيا بحملات مضادة في المجال العسكري أساسًا. فبموجب الاتفاق الذي أبرم بين روسيا وتركيا في عقب عملية نبع السلام، كان ينبغي على حزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب، الانسحاب حتى 32 كيلومترًا إلى الجنوب من الخط الحدودي بين تركيا وسورية في منطقة شرق الفرات. ومن الواضح أن روسيا على الرغم من مرور الوقت لم تفِ بهذا الالتزام. لكن تركيا ما زالت مستمرة في ارتباطاتها العسكرية في ليبيا وفي شرق البحر الأبيض المتوسط، وفي العراق وإدلب. لذلك، لا تُطرح هذه القضية على جدول الأعمال كثيرًا من أجل عدم فتح جبهة جديدة مع روسيا وعدم تعطيل علاقات التعاون القائمة معها في الوقت الحاضر. لكن من المحتم أن تركيا ستواجه وجود حزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب على حدودها وتكافحه سياسيًا وعسكريًا. غير أن هذا -في حال ساهمت المتغيرات في ذلك- يمكن أن يجلب معه عملية تصعيد أزمة بين تركيا وروسيا، تمامًا كما حدث في الماضي بين تركيا والولايات المتحدة الأميركية. ولكن إلى أن نبلغ تلك المرحلة، تستطيع تركيا إظهار عدم سماحها بوجود التنظيم الإرهابي على حدودها عبر العمليات العسكرية المكانية المركزة. وبطبيعة الحال، إن قراءة بسيطة للخريطة ستظهر استحالة أن يقوم كيان يُنشَأ على الحدود التركية- السورية، بإنتاج الاستقرار وتحقيقه في شمال شرق سورية من دون إقناع تركيا.
اسم المادة الأصلي | Rusya’nın Suriye’de Fırat’ın Doğusu için Yeni Girişimi: Moskova’da PYD-HİP Mutabakatı |
الكاتب | أويتون أورهان/ سيبال دوندار- Oytun Orhan- Sibel Dündar |
المصدر وتاريخ النشر | مركز الشرق الأوسط للدراسات (ORSAM) 21.09.2020 |
رابط المادة | https://bit.ly/33j8TfW |
المترجم | قسم الترجمة- علي كمخ |
عدد الكلمات | 3172-3309 |