الكاتب: زالماي خليل زاد، جيمز دوبنز
المصدر: واشنطن بوست في 16 حزيران/ يونيو 2016.
الرابط:
http://www.rand.org/blog/2016/06/before-obama-leaves-office-heres-what-he-should-do.html
تشكل علاقة أميركا بإيران معضلة جيوسياسية كلاسيكية، إذ تُعدّ إيران قوّة إقليمية مهمة، تمارس سياساتٍ تتسم بالخصومة مع جيرانها من الدول، في الوقت الذي تقمع فيه شعبها في الداخل، ومع ذلك، يمكن الولايات المتحدة معالجة المشكلات الأساسية التي قد تؤثر في مصالحها فحسب، حين يتعلق الأمر بطهران، ولكن كما فعلت في مواجهة الاتحاد السوفياتي إبّان الحرب الباردة، على الولايات المتحدة السعي لبناء سياسات تهدف إلى منع سيطرة إقليمية، وإلى خلق توازن قوىً في المنطقة، وفي الوقت نفسه أن تعبّر عن دعمها لحقوق الإنسان، وأن تُشرِك الديبلوماسية الإيرانية.
وفي سبيل تهدئة الفوضى في الشرق الأوسط، على الولايات المتحدة أن تعمل، لا مع شركائها التقليديين فحسب، وإنما مع منافسيها كذلك؛ ققد أسهمت إيران في تغذية الاستقطاب الطائفي في الشرق الأوسط، وفي تعميق الصراع الذي تعاني منه المنطقة، لكنها ليست السبب الوحيد؛ فبغضّ النظر عن وجود اختلاف، بين واشنطن وطهران، حول الشأن السوري، فهما تتفقان في دعم الحكومات، والقادة أنفسهم، في كل من أفغانستان والعراق.
ولإتاحة تفاعل مثمر، لا بدّ للولايات المتحدة من العمل مع شركائها في المنطقة، بحيث تميل كفة توازن القوى إلى صالحهم؛ الأمر الذي يعني الاستمرار في الدعم العسكري، وبيع الأسلحة الملائمة لتأمين سلامة الخليج العربي، والتأكيد على حقوق دوله في سياق الاتفاقية النووية الأخيرة، والتي تمنع إيران من محاولة التقدّم في صنع سلاح نووي، وفي الوقت نفسه، على الولايات المتحدة أن تبدأ التخطيط لانتهاج سياسةٍ تمنع إيران من استغلال ثغرة ما أو زلة في الاتفاقية، لتبدأ العمل على برامج نووية جديدة. وأخيراً، على الولايات المتحدة، وشركائها، أن يعملوا سويّة على التنافس مع إيران في العراق وسورية.
ومن الأفضل لجهد -كذلك- أن تضع الولايات المتحدة في موقع يتيح لها إشراك إيران في تسوية الصراعات الإقليمية، وهزيمة الدولة الإسلامية. لقد خاض كلّ منّا نقاشات مع إيران في ظل إدارة جورج بوش/ الابن، واستطعنا التوصّل إلى بعض التفاهمات المحدودة في بعض القضايا، وحتى إلى التعاون في بعضها الآخر، وكانت اتفاقية “بون” ذروة ذلك التعاون؛ إذ قضت بتشكيل الحكومة الانتقالية الموقتة، في أفغانستان ما بعد طالبان، ولم يكن من السهل، وربما كان من المستحيل، التوصّل إليها من دون الدعم الإيراني. ومن الملحوظ أن ذلك النجاح حدث في ظل الإصرار الأميركي العسكري القوي ضد طالبان، ويمكن للولايات المتحدة -الآن- أن تصوغ الأوضاع السياسية والعسكرية، على غرار ذلك، في العراق وسورية.
ركزت إدارة أوباما -في تواصلها مع إيران- على المسائل النووية بشكل خاص، لكن ذلك التواصل، غير المنظم، شمل دائرة صغيرة من الأفراد فحسب، ولم يُعنَ إلا بمعالجة القضايا العاجلة؛ فمثلًا، قد يقوم وزير الخارجية جون كيري بإجراء اتصال سريع مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، لكن ذلك لا يكفي لمعالجة كل القضايا المطروحة. على أي حال، من المرجّح أن ينتهي عمل جون كيري كوزير للخارجية، وربما يحدث المثل مع نظيره الإيراني في وقت قريب؛ وبالتالي لا ضمانة لاستمرارية نجاح ما حققاه، وعلى السياسة الأميركية ألا تعتمد على ذلك في المستقبل.
لذلك على أوباما القيام بتعزيز الاتصالات بين أميركا وإيران قبل انتهاء فترته الرئاسية، ومن أوضح الخطوات التي عليه تحقيقها هي إعادة بناء علاقات ديبلوماسية طبيعية بين البلدين؛ إذ ليس من الواضح أن النظام الإيراني جاهز للقيام بتلك الخطوة، وربما تواجه الخطوة صعوبات في أروقة اتخاذ القرار الأميركية كذلك.
ولتوضيح ذلك -بإيجاز- يمكن لإدارة أوباما، والحكومة الإيرانية، اعتماد تمثيل ديبلوماسي متوسط الدرجة، في أقسام السفارات التي تمثّل -الآن- الهيئتين الديبلوماسيتين في البلدين. ومن الجدير ذكره أنه كان لأميركا تمثيل ديبلوماسي قوي في كوبا؛ وذلك قبل استئناف العلاقات الديبلوماسية الكاملة العام الماضي، و بدرجة أقل من ذلك، يمكن للولايات المتحدة أن تبادر بالسماح للديبلوماسيين الإيرانيين الموجودين في نيويورك بالسفر من وقت لآخر إلى واشنطن؛ فمن شأن إجراء -كهذا- أن يشجّع الإيرانيين على التعامل بالمثل، والسماح للديبلوماسيين الأميركيين الموجودين في دبي، والمشرفين على العلاقات الأميركية – الإيرانية، بالسفر إلى طهران في بعض المناسبات.
لا شك في أن الأولوية للشراكة الإيرانية الأميركية، هي التركيز على المعركة ضد الدولة الإسلامية، لكن عليها -كذلك- التركيز على إيجاد السبل المستدامة؛ لتحقيق الاستقرار في المنطقة، وعلى الولايات المتحدة السعي إلى مساعدة السعودية، وتركيا، وإيران في التوصل إلى تفاهم حول ما يخص الأوضاع في العراق وسورية، والتوصل إلى اتفاق يشبه “ويستفاليا”، من شأنه احتواء الصراع الطائفي، والجيوسياسي، في المنطقة. ولن يتّم اتفاق -كهذا- بدون وساطة تأتي من الخارج، وفي الوقت الراهن، لا يمكن لأحد غير الولايات المتحدة أن يقوم بذلك الدور.
إضافة إلى ذلك، على أوباما ألّا يهمل تطلّعات الشعب الإيراني، الذي يضمّ الكثير من الآملين بالمزيد من الحريات والتواصل مع العالم؛ إذ يجب أن تكون قضايا حقوق الإنسان جزءًا من الأجندة الأميركية؛ لتعزيز أي شراكة مستقبلية مع إيران. وكذلك، على الولايات المتحدة أن تقوم بتسهيل السفر بين البلدين للطلاب، والعلماء، والمواطنين العاديين، وأفضل طريقة لتحقيق ذلك، هي استئناف الرحلات التجارية المباشرة بين البلدين؛ فمن شأن تلك الخطوة أن تخدم مئات الآلاف من الأميركيين، ذوي الأصل الإيراني، في التواصل مع أقربائهم في إيران.
لن تحلّ تلك الخطوات -وحدها- كلّ الاختلافات بين الولايات المتحدة وإيران، عادةً لا يسوّي تحسين العلاقات كل الخلافات، لكن تحسين العلاقات يؤدي -دومًا- إلى رفع مستوى المعلومات، وذلك من شأنه أن يؤدي إلى سياسة أفضل. إنّه من الصعوبة بمكان تصوّر إمكانية للحل، والتوصل إلى الاستقرار في الشرق الأوسط، دون الشراكة والتفاهم مع إيران.
عن كاتبي المقالة:
زالماي خليل زاد: مستشار في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأميركي، كان السفير الأميركي في أفغانستان، والعراق، والأمم المتحدة، في عهد الرئيس جورج بوش/ الابن.
جيمز دوبنز: زميل بارز في القضايا الديبلوماسية والأمنية، في مؤسسة راند، غير الربحية، وغير الحزبية، وكان المبعوث الديبلوماسي الخاص لبوش، وأوباما، إلى أفغانستان.