ترجمة أحمد عيشة
(*) الآراء الواردة في هذه المادة لا تمثل بالضرورة آراء المركز ولا مواقفه من القضايا المطروحة
مع اقتراب ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، من نهايتها، تظهر أسئلة عدة بخصوص سورية: ما الذي تنويه الإدارة الجديدة تجاه الحرب الطويلة في سورية، وتجاه سكانها المحاصرين؟ وعلى الرغم من أن ترامب أمرَ رسميًا بإجراء سحب شامل لقوات الولايات المتحدة من سورية، على مدى الأعوام الأربع الماضية، فإن الحرب الأهلية ما تزال قضية مهمة للإدارة الأميركية، ويتضح ذلك من مهامها على مستوى مكافحة الإرهاب، على مدى الأشهر القليلة الماضية.
من المحتمل أن يُدخل جو بايدن (الرئيس الأميركي المنتخب) حسابات جديدة في موقف الولايات المتحدة، بشأن الصراع، من دون فرض تغييرات كبرى على الأرض. ففي مقابلة الشهر الماضي مع مجلة (Defense One)، استبعد جيم جيفري (مستشار الدفاع الأميركي السابق حول سورية) احتمال حدوث “انسحاب أميركي كامل” من سورية، حيث قال: “على الرغم من أوامر ترامب، كنّا دائمًا نخدع بعضنا، كي لا نوضح لقيادتنا ما هو عدد القوات التي كانت لدينا هناك”. ووفقًا لجيفري، لم يتضاءل النشاط الأميركي في سورية قطّ، في ظل إدارة ترامب، وبقي مهمًا، على الرغم من الدعوات الأخيرة لخفض القوات على الأرض.
في الواقع، وسّعت القوات الأميركية نطاق عملها، ونفذت مهام منتظمة لمكافحة الإرهاب، من القواعد العراقية، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من واشنطن. ورسميًا، سمح البنتاغون بوجود 200 جندي أميركي فقط على الأرض. ومع ذلك، وفقًا لتقرير (نيويورك تايمز) في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، يمكن أن يصل عدد القوات الأميركية حاليًا إلى 900 جندي في سورية وحدها. وسط السياسات الأخيرة التي تهدف إلى تأمين السيطرة على الأراضي ومكافحة الإرهاب، من المرجح أن يتم تعزيز القوات الأميركية على الأرض.
ومن الأمثلة على مثل هذه العمليات، تدمير معسكر لتنظيم (داعش) في صحراء البادية، الشهر الماضي، بطائرة تابعة للتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، بينما توغلت بعض المركبات العسكرية الأميركية الإضافية في شرق سورية. وفي الأسبوع الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر، تم تنفيذ 14 عملية، استهدفت الجماعات الإرهابية في المنطقة، بينما توضح التقارير الأخيرة من عملية “العزم الصلب” ضرورة الحفاظ على وجود منتظم في ساحة المعركة، لمحاربة ما يوصف بـ “جيوب داعش” التي لا تزال نشطة في المنطقة على الأرض. وقد أُبلغ في الآونة الأخيرة عن قتال واسع النطاق، بين قوات (داعش) ومقاتلين موالين للنظام، بالقرب من دير الزور أكبر مدينة في شرق سورية.
ربّما يضيف إفصاحُ كلٍّ من السناتور الأميركي ليندسي غراهام، ومايك بومبيو (وزير الخارجية)، في الشهر الماضي، عن عقد اتفاق نفط بين قوات سوريا الديمقراطية وشركة نفط أميركية، مزيدًا من الدعم لعمليات انتشار أميركية أوسع في سورية. إضافة إلى قيادة العمليات ضد التهديدات الإرهابية لمصالحها وحلفائها الإقليميين، فإن أهمية الحرب السورية للإدارة الأميركية تنبع من رغبة واشنطن الملحة في تقليص التوسع الإقليمي الروسي في المنطقة، لأن موسكو لا تزال الداعم الرئيس للنظام السوري. ولهذا السبب، تستمر واشنطن في دعم القوات الكردية ضد المواجهات العسكرية المباشرة التي يشارك فيها مرتزقة روس.
لم يطرح الرئيس الأميركي المقبل جو بايدن بعدُ سياسته المستقبلية في الشرق الأوسط، كحجة في حملته الانتخابية، لذلك ما تزال سياسته العسكرية في سورية غير واضحة، لكنه أشار، الشهر الماضي، إلى أنه سيحتفظ بما يصل إلى 2000 جندي أميركي، في المناطق المضطربة من الشرق الأوسط، مع التركيز على “القوات الخاصة”، وإلى أن هذه القوات “يجب ألا تتدخل في الديناميكيات السياسية للبلدان التي تعمل فيها”. وعمومًا، قال بايدن إنه سيبني السياسة الخارجية على أساس “المصالح الأميركية”.
يبدو أن بايدن متوافق مع إدارة ترامب، بخصوص العقوبات على سورية. في بعض المقابلات التي أجراها قبل الحملة الانتخابية، قال بايدن إنه لا يخطط لتعديل أو إلغاء قانون قيصر، وهو مجموعة من العقوبات المفروضة على سورية التي وافق عليها الكونغرس الأميركي أخيرًا، وسيُبقي العقوبات الأميركية على النظام السوري، و”على الكيانات التي تتعامل معه”. ومع ذلك، أثار مستشارو بايدن أخيرًا إمكانية حدوث استثناءات، لأسباب إنسانية، لضمان المساعدة “للسوريين المحتاجين”.
من المحتمل أن الاختلاف الرئيس بين إدارة ترامب وبايدن، بخصوص سورية، يكمن في مجال حقوق الإنسان. كامالا هاريس، نائبة الرئيس المنتخب، وقفت ضد قرار ترامب في 2019 بالانسحاب من سورية، بعد عملية (نبع السلام) التركية. ويشاركها هذا الرأيَ أنتوني بلينكين، وزير الخارجية المستقبلي في إدارة بايدن، إذ إنه وصف، في مقال لمعهد بروكينغ في الرابع من كانون الثاني/ يناير 2019، السياسة العسكرية الأميركية في سورية بأنها “خاطئة، لأنها لم تفعل سوى القليل”. وحذّر: “إذا استمر الانسحاب من سورية الذي أعلنه ترامب، فمن المحتمل أن نشهد عودة الدولة الإسلامية أيضًا”.
في مقابلة مع شبكة (سي بي إس)، في أيار/ مايو الماضي، قال بلينكين (الذي شغل منصب نائب وزير الخارجية ونائب مستشار الأمن القومي السابق): إن إدارة أوباما قد “خيّبت” السوريين، ومنذ ذلك الحين، ساءت سياسة الولايات المتحدة تجاه الحرب، خاصة من قبل واشنطن. وخصوصًا من خلال التخلي عن حلفائها الأكراد. وبحسب نصّ المقابلة، قال: “لقد فشلنا في منع خسارة مروعة في الأرواح. وفشلنا في منع التهجير الجماعي للأشخاص في داخل سورية، وبالطبع إلى خارجها كلاجئين، مضيفًا أن إدارة بايدن “ستحاول استعادة الزخم، من خلال التركيز على المنظور الإنساني”.
يمكن للإدارة الأميركية الجديدة أن تولي اهتمامًا أكبر بكثير للوضع في المناطق الخاضعة للسيطرة الكردية، مقارنةً بسياسة ترامب التي اعتمدت “عدم التدخل” تجاه القوات التركية في المنطقة. وقد أعربت هاريس عن تأييدها للتدخل الأميركي في سورية، لا سيّما في أعقاب هجمات الأسلحة الكيمياوية التي شنها النظام السوري عام 2017. ويشير روبرت فورد (سفير الولايات المتحدة السابق في سورية) إلى أن إدارة بايدن ستوفر للمجتمع الكردي دعمًا أساسيًا، لـ “الاعتراف العالمي بدولة كردية”. وقالت سينام محمد (الممثل السياسي لقوات سوريا الديمقراطية لدى الولايات المتحدة) أخيرًا لإذاعة صوت أميركا: “نأمل أن تجلب إدارة بايدن المزيد من الدعم السياسي لنا، لإدراجنا في المحادثات التي ستحدد مستقبلنا ومستقبل سورية ككل”.
على هذا النحو، من المتوقع أن تتعارض مقاربة بايدن مع الصراع السوري مع تركيا، وهي لاعب رئيس آخر في الحرب السورية. في حين أن إدارة بايدن حليف لقوات سوريا الديمقراطية، فإن سياسة أنقرة الحالية المكثفة هي ضد هذا التحالف الكردي العربي في شمال سورية الذي تعده “جماعة إرهابية”. وعلى العكس من ذلك، كان ترامب قد وصف الأكراد، العام الماضي، بأنهم “أعداء طبيعيون”. وأكد جيمس جيفري (مستشار الدفاع الأميركي السابق بخصوص سورية) في مقابلته في تشرين الثاني/ نوفمبر مع مجلة (Defense One)، أن واشنطن لم تقدّم أي ضمان للأكراد ضد تركيا، الأمر الذي حدَّ من هذا التعاون.
بعد انتخاب بايدن، يتوقع المعلقون المتنوعون علاقات أميركية-تركية مليئة بالمصاعب، بخصوص ما يتوقعون من دعم أميركي لفرض الأراضي الكردية في المنطقة.
في السياق الإنساني، تخطط إدارة بايدن أيضًا لتنفيذ سياسة اللاجئين الأميركية الحالية. في حين خفضت الإدارة المنتهية ولايتها الحد الأقصى إلى 15,000 لاجئ للعام المالي 2021، وهو أدنى مستوى على الإطلاق، وعد بايدن “برفع الحد الأقصى السنوي لقبول اللاجئين العالمي إلى (125,000)، والسعي إلى زيادته بمرور الوقت”.
اسم المقالة الأصلي | US in Syria: What to expect of the new administration? |
الكاتب | سيلفيان كيللر،Sylvian Keller |
مكان النشر وتاريخه | آراء عالمية،Global Voices |
رابط المقالة | https://bit.ly/37cIGBQ |
عدد الكلمالت | 1054 |
ترجمة | قسم الترجمة/ أحمد عيشة |