عنوان المادة الأصلي باللغة الروسية: | Чего хотят друг от друга Россия и монархии Залива |
اسم الكاتب | ديمتري فرولوفسكي |
مصدر المادة الأصلي | مركز كارنغي في موسكو |
رابط المادة | http://carnegie.ru/commentary/72897 |
تاريخ النشر | 28 آب/ أغسطس 2017 |
المترجم | سمير رمان |
المحتويات
1. مقدّمة
بعد عداوةٍ استمرّت سنواتٍ طويلة عاشتها العلاقات الروسيّة – الخليجية، فإنَّها تشهد اليوم نهوضًا واضحًا. إلا أنّ تحقيق انجازاتٍ حقيقيّة طويلة الأمد، يتطلَّب من روسيا إجراء محادثاتٍ مع شيوخ دول الخليج من موقع القوّة، يكون فيها هؤلاء مستعدّون للدخول في مساومةٍ للحصول حتى على تنازلاتٍ ضئيلة. ويمكن أن يؤدي أقلّ مظهر من مظاهر الضعف تبديه موسكو، أو أيّ خطأ في الحسابات من جانبها إلى تخريب إنجازات السنوات الماضية، والعودة بالعلاقات إلى مستواها المتدني السابق.
كان من الصعب، طوال مدةٍ طويلة، وصف علاقة موسكو بدول الخليج (الفارسي) بعلاقة الشراكة. وكان الشيوخ العرب، منذ التسعينيات وحتى نهاية العقد الأخير من الألفية الثانية، يقدَّمون دعمًا جديًّا للمقاتلين في شمال القوقاز. وكان الدعم واسعًا، لدرجة كان معه الإخوة “في جنوب روسيا يحصلون ليس على المرتزقة من المملكة العربية السعوديّة فحسب، بل حتى على ألعاب من الأطفال العرب دعمًا (للحرب المقدَّسة). وقدمت دول الخليج العربية بطيبة خاطرٍ الملاذ للإرهابيين الهاربين، في حين كان رجال الدين النافذون المحليون يدعون إلى الاستفادة من لحظة الضّعف التاريخية التي تعانيها روسيا، وانفصال المناطق المسلمة عنها إلى الأبد.
إلا أنَّه بعد مرور عشرات السنوات، دبّ الدفء في علاقات موسكو مع إمارات الخليج. وتمكّن هذا الفريق وذاك تعزيز نفوذه في منطقة الشرق الأوسط. من الآن وصاعدًا، لم يعدْ مستقبل المنطقة يقرّر على أرض المعارك في سورية والعراق، إنّما في دهاليز القصور في الرياض والدوحة. في موسكو يدركون أنَّه من غير الممكن بناء سياسةٍ إقليميّةٍ من دون التعاون مع دول الخليج، وأنَّ الشراكة مفيدةٌ ليس من وجهة نظرٍ جيو- سياسيّة فحسب، ولكن بجذب الاستثمارات أيضًا. الشيوخ العرب، بدورهم، يعترفون بدور موسكو الجديد، التي أخذ تأثيرها يزداد ازديادًا مطرّدًا في منطقة الشرق الأوسط، بعد الحملة العسكريّة الروسية على سورية.
2. خليجٌ متناقض
على الرغم من التقارب العرقي والديني بين دول الخليج، فإنّها تحبّ مناقشة موضوع التكامل في إطار مجلس تعاون دول الخليج العربية، ولكنّها في الواقع أبعد ما تكون عن الوقوف جبهةً واحدةً في علاقاتها الخارجية، بما في ذلك الروسية، وفي غيرها من المسائل. وتبقى التناقضات بين بعض الملوك والأمراء حتى ضمن العائلة الحاكمة تتصارع العائلات التي تتحيّن الفرصة الملائمة للقيام بانقلاب داخل القصر.
تنقسم دول المجلس العشر إلى ثلاث مجموعاتٍ رئيسة؛ المجموعة الأكثر نفوذًا هي المملكة العربية السعودية، والبحرين والإمارات العربيّة المتّحدة التي بادرت في الآونة الأخيرة بمقاطعة قطر. ترتبط مملكة البحرين بشدة بالرياض، ويعدّ كثيرون إمارةَ الجزيرة جزءًا غير رسميٍّ من العربيّة السعوديّة. تتميَّز دولة الإمارات العربيّة المتحدة بموقفها البنّاء، فهي لا ترحِّب بدعم مجموعات الإسلام الراديكاليّ، وتتطلَّع إلى المحافظة على وحدة الدول ذات الحكم الملكي.
من جانبِ آخر، تمثّل إمارة قطر متراسًا، فهي دولةً صغيرة، أصبحت بفضل احتياطاتها الهائلة من الغاز وبفضل سياستها الخارجيّة واحدةً من الدول المؤثّرة في الشرق الأوسط. تسعى الدوحة لمنافسة المملكة العربية السعوديّة والإمارات العربية المتحدة للفوز بموقع القيادة، محدثةً الارتباك في وحدة دول المجلس.
وأخيرًا، تحاول الكويت وسلطنة عُمان اتخاذ مواقف متميّزة بالمحافظة على علاقاتٍ مع مراكز القوّة كلّها. فقد سبق أنها لم توافق على الخطط التي اقترحتها الرياض لتوحيد القوات المسلَّحة للدول -الأعضاء في مجلس التعاون- تحت قيادةٍ واحدة. أمَّا الكويت، فغالبًا ما تؤدي دور الوسيط الرئيس للتواصل بين قطر المحاصرة وتحالف السعوديّة. الدولتان كلتاهما لم تدعما الحملة العسكريّة ضدّ تحالف صالح – الحوثيّ في اليمن ونأتا بنفسيهما عن المشاركة في العملية العسكريّة. وتعمل مسقط والكويت على تطوير علاقاتٍ وثيقة مع طهران، وقد زار الرئيس الإيراني حسن روحاني الدولتين في شباط/ فبراير من العام الحالي.
تتميّز السياسة الخارجيّة لدول الخليج جميعها بكونها ظرفيّةً للغاية، فهم مستعدون بسهولة لتغيير تحالفاتهم وتوافقاتهم الحاليّة بسهولة، للتأقلم مع الحقائق المستجدَّة. كانت هذه الدول لا تصدِّق حتى اللحظة الأخيرة، أنّ روسيا قد تنجرّ إلى (المستنقع السوري)، غير أنَّهم تعايشوا مع حقيقة فشل مشروعاتهم لإقامة أنظمةٍ مواليةٍ لهم في سورية والعراق، ومستعدّون لتنسيق خطواتهم مع موسكو. في الكرملين يدركون الإمكانات التي فُتحت أمام روسيا ويحاولون الاستفادة منها، خصوصًا بعد أن أصبحت التناقضات الخليجية واضحةً للعيان بعد حصار قطر.
3. الاتجاه السعوديّ
تشكّل العلاقات مع الرياض والدوحة أمرًا مهمًّا بالنسبة إلى الاستراتيجيّة الروسية الجيو- سياسيّة في المنطقة. فالبلدان كلاهما يرعيان بقوّةٍ المجموعات الإسلاميّة والمعارضة كلها في الشرق الأوسط وشمال القوقاز. تفتت سورية، العراق وليبيا الفعليّ، المترافق بظهور آلاف المجموعات الإسلاميّة المتقاتلة في ما بينها، ناجم بدرجةٍ كبيرة عن هذه الرعاية التي تقدّمها للمجموعات المسلّحة صناديق غير ربحية وراعون كرماء للغاية في دول الخليج. ولهذا، فإنَّ الكرملين كان يأمل أن تنتهي هذه العداوة أو أن تتراجع على أقلّ تقدير.
يدرك شيوخ الخليج، أنَّ العلاقات بالإسلام السرّي تعطيهم أذرع تأثيرٍ قويّة في موسكو، ويحاولون خلال التفاوضات، بحسب التقاليد العربية، المساومة لانتزاع أفضل الشروط. يمكن أن يكون هذا النوع من المساومة بلا حدود. فعلى سبيل المثال، وبحسب معلوماتٍ غير رسميّة، اقترح سكرتير مجلس الأمن السعوديّ بندر بن سلطان، في أثناء لقائه بفلاديمير بوتين في عام 2013، منح روسيا عقودًا سخيّة في المجال العسكري وفي مجال الطاقة، وكذلك ضمانات أمنيّة للألعاب الأولمبيّة في مدينة سوتشي الروسيّة مقابل التخلي عن نظام بشار الأسد. انطلاقًا من الحوادث اللاحقة، يتبيّن أنّ ردّ الكرملين على المقترحات السعودية في وقتها جاء سلبيًّا. ويرى أنصار نظريّة المؤامرة، أنّ العمل الإرهابي المزدوج الذي وقع في مدينة فولغاغراد في عقب اللقاء، يشير إلى تورّط أجهزة الاستخبارات السعوديّة في الحادث.
تبقى الحرب في سورية حتى اليوم مصدر الخلافات الرئيس في العلاقات بين موسكو والرياض. فطالما كان السعوديون واثقين، أنَّ المجموعات التي خلقوها في سورية (جيش الإسلام، مثلًا) ستتمكَّن مع الوقت من تحطيم القوات الحكوميّة، إلا أنَّ نجاح موسكو أجبرت العربيّة السعوديّة على تليين موقفها.
والآن، تواجه الرياض صعوباتٌ جديَّة في مواجهتها مع إيران أيضًا، إذ أدّى سقوط الموصل إلى تعزيز نفوذ طهران في العراق أكثر من ذي قبل. وفي الداخل، إذ يهدّد ارتفاع معدلات البطالة وعجز الميزانيّة بسبب انخفاض أسعار البترول، بانفجار السخط الاجتماعي. وقد أدرك السعوديون صعوبة وضعهم، ما اضطرَّهم إلى السعي وراء التقارب مع الكرملين.
من المنتظر أن يزور العاهل السعوديّ، الملك سلمان بن عبد العزيز روسيا في القريب العاجل. وستكون هذه الزيارة هي الأولى في تاريخ العلاقات بين الدولتين. ومن المتعارف عليه، أنَّ كبار المسؤولين السعوديين لا يتوجّهون إلى البلدان التي لا تمثّل حلفاء وشركاء موثوقين للمملكة.
وقد سبق لوليّ العهد، الأمير محمد بن سلمان أن زار موسكو، حيث صرَّح بأنٌ علاقات البلدين تمرّ (بأحد أفضل عهودها) في التاريخ. وفي مقابلةٍ مع صحيفة Washington Post إصدار شهر نيسان/ أبريل، حدّد الأمير أهداف الرياض من علاقاتها مع موسكو بصراحةٍ: «تتلخّص المهمّة الرئيسة في إقناع موسكو ألا تضع الرهانات كلها في المنطقة على إيران».
في الكرملين، يشعرون بحساسيّة الموقف، ولكنَّهم يفضّلون اتّخاذ وضعية الانتظار. موسكو تحتاج بالدرجة الأولى إلى التوصّل إلى اتفاقاتٍ حول سورية ومن ثمَّ استقرار الأوضاع في المنطقة، وإلى وقف تمويل المجموعات السريّة في شمال القوقاز. أمَّا بالنسبة إلى الحدّ الأقصى للتوقعات الروسية، فتعزيز النتائج باتفاقاتٍ ثنائيّة، وتوقيع عقود عملٍ تجلب المنفعة المتبادلة للبلدين. في الوقت الراهن، يبدو أنّ السعوديين ليسوا جاهزين بعد، ولكن قد يتغيّر كلُّ شيءٍ بسرعة، في حال استمرار تنامي النفوذ الروسي في المنطقة، وتزايد الصعوبات التي تواجهها الرياض.
الاتفاق بين البلدين معقّدٌ، ولكنّه ممكن، ولديهما تجربة ٌ في عقد الصفقات الجيوسياسيّة الكبرى. موسكو والرياض دعمتا بقوّةٍ تغيير السلطة في مصر عام 2013، على الرغم من الجهد القطريّ، وأصبحت صفقات السلاح الروسيّة الكبرى لمصر ممكنةً بفضل الدعم المالي من العربيّة السعوديّة بالتحديد. وأخيرًا، يعد اتفاق خفض إنتاج النفط النجاح الأكبر في مسيرة العلاقات الثنائيّة بين البلدين. فالكرملين يريد أن يساعد هذا القرار في تحفيز الاقتصاد الروسي قبل الانتخابات الرئاسيّة، بينما يريد وليّ العهد الجديد الأمير محمد بن سلمان من القرار رفع قيمة شركة آرامكو السعوديّة Saudi Aramco قبل طرح أسهمها في السوق للمرّة الأولى.
من ناحيةٍ أُخرى، لم ينس الكرملين أموال الصناديق السعوديّة. فأموال الصناديق الاحتياطيّة الروسيّة تواصل تناقصها بسرعة، في حين تستثمر المملكة العربيّة السعوديّة احتياطاتها المكدّسة خلال سنوات الخير النفطيّة. في شهر حزيران/ يونيو، أعلن ممثل مجلس مديري Saudi Aramco ووزير النفط في المملكة العربية السعوديّة خالد آل فليح ومسؤولون في الصندوق الروسيّ للاستثمارات المباشرة إنشاءَ صندوقٍ استثماريٍّ بقيمة 1 مليار $. وبهذا، يرسل السعوديون رسالة جديدة إلى الكرملين، أنَّ لديهم ما يقدمونه في المجال الاقتصادي، وأنَّ حجم الاستثمارات سيتغيَّر تغيرًا يتلاءم وحالة العلاقات الثنائيّة.
4. الاتجاه القطري
خلال الأشهر الماضية، بدأ الحامل القطريّ يؤثِّر بدرجةٍ ليست قليلة في نتائج المساومة بين الرياض وموسكو. للتناقضات بين الدوحة والرياض جذورٌ عميقة، ومن ضمنها التاريخيّة. فالسعوديّة تنظر (باستعلاء) إلى السلالة الملكيّة الحاكمة في قطر- آل ثاني، بينما يُنظر إلى الإمارة نفسها وإلى تاريخ نشوئها نتيجة رسم حدود المملكة السعوديّة من المستعمرين البريطانيين. أمَّا حصول قطر على استقلالها في عام 1971 واستلام آل ثاني مقاليد السلطة فيها، فيُعدّ في العربيّة السعوديّة أمرًا غير منطقيّ. بالنسبة إلى سياسة قطر الخارجيّة المستقلَّة، فيعدّها السعوديون سياسةً مهينةً لهم.
قطر، بدورها، لا تستطيع التصرف بصورة أخرى، فهذه الدولة الصغيرة تقبع على بحيرة هائلة من الغاز الطبيعي، وتحتلّ المركز الثالث عالميًّا من حيث الاحتياطات المؤكّدة (أكثر من 25 تريليون متر مكعب)، والمركز الرابع في الإنتاج بعد الولايات المتحدة الأميركيّة، روسيا وإيران. الدوحة غنيّةٌ للغاية، ويسمح لها وجود القاعدة العسكرية الأميركيّة والقوات التركيّة بتجنّب مصير البحرين التي اجتاحها الجيش السعودي في عام 2011، لتصبح منذ ذلك الوقت تحت وصاية الرياض عمليًّا.
من بين ممالك الخليج جميعها، تتصف العلاقات بين الدوحة وموسكو بتاريخٍ متقلِّب. فروسيا الدولة الوحيدة التي قامت -بحسب رأي القطريين- بعملٍ إرهابيٍّ على أراضي تلك الإمارة، عندما قامت بتفجير الرئيس إيشكيريا يانداربييفا. بعد هذا الحادث، اعتقلت السلطات في الدوحة أفرادًا من الاستخبارات الروسيّة.
حينها، هدّدت قطر بعزل روسيا في العالم العربي، إذا استمرَّت بدعم بشار الأسد، الأمر الذي ردّ عليه سفير روسيا الاتحاديّة لمجلس الأمن فيتالي تشوركين بالقول: «إذا تحدثتم معي مرةً ثانية بهذه الطريقة، فإنَّ أشياءً من مثل قطر، لن تكون موجودةً بعد اليوم». لاحقًا، جرى تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي بعد تعرّض السفير الروسي للدوحة فلاديمير توتارينكو للضرب في أوضاع غريبة. في ذلك الوقت، سرت إشاعاتٌ في الدوحة، تقول إنَّ الدبلوماسي الروسي الرفيع كان منتشيًا بسبب المخدّرات.
تواصل الدوحة تخصيص مبالغ طائلة لدعم المتطرفين والمجموعات المعارضة في الشرق الأوسط، الأمر الذي يستفزّ موسكو بشدّة. إضافة إلى ذلك، تقوم قناة الجزيرة القطريّة بانتقاد، ليس الدكتاتوريّات العربية فحسب، لكن أيضًا سياسة الرئيس بوتين الداخليّة بالنسبة إلى المسلمين الروس. ولهذا المهمّ قبل كلّ شيءٍ بالنسبة إلى موسكو في علاقاتها مع الدوحة والرياض؛ خفض تمويل تنظيمات الإرهاب السرية، وكذلك تعزيز الاستثمارات المربحة قدر الإمكان. إضافة إلى ذلك، كان الكرملين ليرغب بأن توعز الدوحة لوسائل الإعلام التابعة لها التوقف عن تصوير روسيا عدوًا للمسلمين.
الصداقة مع موسكو أمرٌ مهمّ بالنسبة إلى الدوحة، كي تحافظ على الأقلّ، على بعضٍ من نفوذها في الشرق الأوسط. وظَّفت هذه الإمارة الصغيرة مبالغ ضخمة لزرع الإسلاميين من الأجناس كافَّة، ويهدّد التدخل الروسيّ بشطب جهد عشرات السنين وضياع أصولٍ بمليارات الدولارات. كانت قطر لترغب أيضًا بتنسيق أكثر فاعليّةٍ مع موسكو في مجال السياسات المتعلِّقة بالغاز، وهي مستعدّةٌ أيضًا للتعاون في مجال الدفاع. وقّع البلدان في العام الماضي على اتفاق ثنائيّ للتعاون العسكري. من ناحيةٍ أُخرى، صرَّح وزير الدفاع القطري خالد بن محمد العطية قبل مدةٍ وجيزة، على هامش معرض الدفاع (الجيش- 2017) عن رغبة قطر في شراء تكنولوجيا إنتاج أنظمة الدفاع الجوّي من روسيا.
لا يمكن لعودة الدفء إلى العلاقات بين الدوحة وموسكو إلّا أن تُشعر الرياض بالقلق، لأنَّها تحاول بإصرار إعادة الإمارة إلى معسكر دول مجلس التعاون الخليجي الموحّد. في الكرملين يدركون أنَّ الحصار الحالي والنتائج المؤلمة التي يتركها على قطر، سينتهي بالمصالحة عاجلًا أم آجلًا، خلال أسابيع عدة تقلَّصَّت لائحة المطالب المقدّمة لقطر من 13 إلى ستة فقط. ولهذا، تحاول موسكو استغلال الفرصة السانحة. فإذا كان في السابق، يصعب التعويل على تليين موقف قطر من الأزمة السوريّة، فإنَّ حالة الحصار يمكن أن تغيِّر كثيرًا من الأمور. إنَّ الدعم الذي حظيت به الدوحة من طهران وأنقرة يعني، وجود إمكان التوصّل إلى تغيير المواقف من الأسد، وخفض دعم قطر للمجموعات الإسلاميّة.
تسعى الدوحة أيضًا للتقارب مع موسكو، مستفيدةً بأكبر قدرٍ من الوضع الحالي، الموقّت على الأرجح. إنَّ النشاط غير العادي، الذي يبديه السفير القطري الجديد في موسكو فهد محمد العطيّة، وكذلك تعيين هذه الشخصيَة المميّزة في هذا المنصب، تعني أنَّ قطر تفكِّر جديًا في تغيير وجهة العلاقات الثنائيّة، وتحاول الظهور بمظهر المبادِر لبث الدفء في علاقات البلدين. سبق للسفير القطريّ الحالي أن شغل منصب البرنامج الوطني للأمن الغذائي، وكان مقرّبًا جدّا من أمير البلاد. وكان خبر تعيين العطيَّة سفيرًا لدى موسكو قد عُرف منذ العام الماضي، إذ بدأ آنذاك التحضير لمشروع استحواذ قطر على أسهمٍ في شركة (روس- نفط) العملاقة. صيف هذا العام، خففت الدوحة تخفيفًا مفاجئًا نظام منح التأشيرات للمواطنين الروسيين، ثم إنّ قائدي البلدين يتبادلان الاتصالات الهاتفية بصورة منتظمة حاليًّا.
5. خاتمة
بعد عداوةٍ استمرّت سنواتٍ طويلة عاشتها العلاقات الروسيّة – الخليجية، فإنَّها تشهد اليوم نهوضًا واضحًا- ونشاط أكبر مواقفها من مشكلات الشرق الأوسط، وتناقش إمكانات التعاون في مجالي الدفاع والطاقة. إلا أنَّ تحقيق إنجازاتٍ حقيقيّة طويلة الأمد، يتطلَّب من روسيا إجراء محادثاتٍ مع شيوخ دول الخليج من موقع القوّة، يكون معها هؤلاء مستعدّون للدخول في مساومةٍ للحصول حتى على تنازلاتٍ ضئيلة. ويمكن أن يؤدي أقلّ مظهر من مظاهر الضعف تبديه موسكو، أو أيّ خطأ في الحسابات من جانبها إلى تخريب إنجازات السنوات الماضية، والعودة بالعلاقات إلى مستواها المتدني السابق.