عنوان المادة الأصلي باللغة الانكليزية: | What Syrians Want |
اسم الكاتب | Daniel Corstange |
مصدر المادة الأصلي | Foreign Affairs |
رابط المادة | https://www.foreignaffairs.com/articles/syria/2016-09-14/what-syrians-want |
تاريخ النشر | September 14, 2016 |
المترجم | محمد شمدين |
دانيل كورستانج: أستاذ مساعد في قسم العلوم السياسية، المدرسة الدولية، والشؤون العامة في جامعة كولومبيا، له أبحاث في السياسات الإثنية، التدخلات الدولية، التعقيدات السياسية في الشرق الأوسط، إضافة إلى أجرائه مسوحًا متنوعة.
خمس سنوات مرت من الحرب في سورية، كانت أغلبية التقارير عنها تدور حول سير العمليات القتالية، وعن القوى الأجنبية المتورطة في الصراع، وعن وحشية الجماعات المتطرفة مثل “تنظيم الدولة الإسلامية- داعش”. – وبصرف النظر عن تسليط بعضها الضوء على الجانب الإنساني في سرد محنة اللاجئين، إلا أن السوريين البسطاء قد ضاعوا في لعبة خلط الأوراق. ماذا يقول الناس العاديون عن الحرب؟ وعن تلك المجموعات التي تدعي القتال نيابة عنهم؟ وعن اتجاه مصالح صانعي السياسة؟ عن المنظمات الإنسانية وعن مفاوضات السلام؟ يتحقق التأييد الشعبي عند النجاح في كيفية استقطاب المقاتلين، والحصول على الدعم المادي، والمعلومات، والمأوى. ولكن من الصعب أن تفسر تمامًا ماذا يريد الناس. ونتيجة لعقود من الاستبداد وخمس السنوات الأخيرة، تحول الرأي العام للشعب السوري إلى أرض مجهولة.
للصحفيين والباحثين الآن فرصة غير مسبوقة لمعرفة الآراء السياسية السورية، إلا أنه توجد صعوبات. سواء أكانت بسبب المخاوف الأمنية، أم الشعور الشخصي، ومنهم من يستطيع الوصول بسهولة، فكثير من المراسلين يفضلون مقابلة التيار السائد من المعارضة، وغالبًا، ما يكونون من النخبة. وفي النتيجة؛ فإنّ المراقبين يشاهدون تغطيات كثيرة معبرة عن وجهات النظر السوريين، فيمن يدعم النظام أو من يدعم الفصائل الجهادية المعارضة.
ولكن التكلم عن طرف واحد من الجسم السياسي السوري، أيًّا كانت وجهة نظره مقبولة، لا يعطي فهمًا دقيقًا للمشهد برمّته، فالحصول على بيانات منتظمة عن الرأي العام السوري هو، بالطبع، أمر صعب، وإن لم يكن كذلك، فقد تم بالفعل، وقد نُفّذ.
في المسح الحالي الذي شمل 2000 من اللاجئين السوريين المقيمين في لبنان، يحاول ملء جزء من الفراغ الكبير الموجود. ولكنه لا يمثل جميع السوريين، إلا أنه استطاع تسليط الضوء على أمور مغيبة.
تُظهر النتائج بعضًا من القصص الأولية التي نرويها حول الحرب الأهلية السورية، ولكنها تقترح أيضًا، أنّ علينا إعادة النظر في بعض الأمور التي كنا نعتقد أننا على معرفة مسبقة بها. فهي (النتائج) تظهر أن النسبة العظمى من اللاجئين تدعم المعارضة “المتمردين”، ولكن توجد أقلية لا بأس بها متعاطفة مع النظام؛ فالفقر والدين عاملان في تحديد من يدعم من، ولكن الدين ليس العامل الحاسم -تقريبًا- كما تصوره تصريحات الجماعات المسلحة. فضلًا عن انقسام المعارضة بين القوميين والإسلاميين، ومع ذلك لم يكن خيار المقاتلين الأجانب الخيار الأول لأي منهم. بعيدًا عن الصورة النمطية القلقة التي تقول إنّ فئة الشباب عازمة على فرض الشريعة الإسلامية، إلا أن الأخيرة (المقاتلون الأجانب) تلقى تأييدها بين كبار السن، وهؤلاء ليسوا أقل اهتمامًا بالسياسة أو أقل تدينًا من أقرانهم.
عينة السوريين
تسببت الحرب الأهلية في سورية منذ بداية الصراع في 2011، في نزوح جماعي كبير للسكان. وتراوح التقديرات عدد الضحايا بين ربع مليون ونصف مليون شخص، -توقّفت الأمم المتحدة عن إحصاء الضحايا منذ 2014- وأكثر من نصف السكان نزحوا داخل البلد أو خارجه؛ ولهذا فإن هذه الكارثة الإنسانية جعلت من المستحيل جمع عينة تمثل تمامًا الشعب السوري كلّه. بناء على ما سبق، فإنّ التركيز هنا على هدف متواضع، هو 1.5 مليون لاجئ سوري في الجارة لبنان، والتي تستضيف السوريين مسجّلة أعلى نسبة استيعاب للاجئين في العالم، مقارنة بعدد السكان؛ حيث يوجد لاجئ واحد مقابل أربعة مواطنين.
وقد بات اختيار عينية تمثيلية للسوريين في لبنان يشكل تحديًا؛ فثلثا اللاجئين فقط (في لبنان) سجلوا أنفسهم لدى المفوضية العليا للاجئين، إلا أن اللاجئين يتمركزون في أماكن شعبية -قسم منها لأسباب عائلية، والقسم الآخر لتوفير تكاليف السكني- ما سهل تنفيذ المسح، من دون الحاجة إلى الصفة الرسمية.
وقد تعاونّا مع منظمة المعلومات الدولية، مكتب بيروت، واستخدمنا كذلك بيانات المفوضية العليا للّاجئين، في تحديد مناطق تمركز اللاجئين، وقد اتبعنا طريقة الاختيار العشوائي لتحديد أماكن السكن ضمن تلك المناطق التي أردنا منها مقابلة 2000 سوري من البالغين، وكان ذلك في أواخر ربيع 2015.
أسفرت هذه الإجراءات عن عينة تمثيلية معقولة عن النازحين السوريين، ولكنها ليست مثالية؛ فالقيود الأمنية، على سبيل المثال، منعتنا من دخول بلدة عرسال الحدودية. أخذت العينة 40 في المئة من النساء فقط، لأن 10في المئة من العائلات رفضت مشاركة المرأة في المسح، والرجل البديل لها كان كبيرا في السن وأقل تعليمًا، ولكن المفاجأة أنهم لم يختلفوا كثيرًا عن باقي المشاركين. أخيرًا، اعتمادًا على بيانات المفوضية العليا للّاجئين، أهملنا تمامًا الناس ذوي الثراء الكبير، كما أننا واجهنا صعوبة في تحديد أماكن وجود السوريين الفقراء، كما ان الأغنياء ليسوا في حاجة إلى المعونات من المفوضية العليا للاجئين، ولا يعيشون في المناطق ذات الدخل المنخفض التي يتركز معظم اللاجئين فيها.
مقياس الدعم
الجدول رقم 1
نسبة المؤيدين | |
الحكومة | 36.4 |
القوميون | 23.9 |
الإسلاميون المحليون | 9.7 |
الإسلاميون الاجنبيون | 19.1 |
لا أحد منهم | 8 |
إذًا، من يدعمُ اللاجئون في الحرب الأهلية؟ سؤال ليس من السهولة الإجابة عليه؛ فنحن نتّفق على مقولة ” الحكومة/ النظام” ولكن عندما نقول ما ” المعارضة”؟ هل “تنظيم الدولة لإسلامية/ داعش” جزء من هذه المعارضة أم لا؟ الكرد في صالح من؟ مساءلة الناس في جانب من يصطفون؟ خلف النظام أم خلف المعارضة؟ فيه غموض كبير، في صراع لم يعد بين طرفين اثنين في حرب أهلية عصفت بالبلاد، ولا هو (السؤال) بغرض الحصول على إجابات حول تغيير الفصائل والكتائب.
ولتحقيق هذا التوازن بين هذا الكم الكبير من المعلومات من ناحية، والقليلة جدا من جانب آخر، قمنا بالطلب إلى المشاركين في المسح بتصنيف خياراتهم الثلاثة الأولى، وهذه الخيارات تتضمن كل من؛ الجيش السوري الحر، المجموعات الإسلامية السورية، الجماعات الإسلامية الأجنبية، النظام السوري، المجموعات الكردية، وحزب الله. وقد وجد من لم يختر أيًّا منها، ولكن امتناع أحدهم من الاختيار هو في حد ذاته جواب، شكل نموذج الاستبانة لم يساعدنا في التركيز على نسبة تأييد النظام والمعارضة فحسب، بل أظهر الفوارق الدقيقة لاختيارات الناس ايضًا، خاصة ضمن مؤيدي المعارضة.
أقل من 10 في المئة من اللاجئين فضّلوا عدم اختيار أي منها؛ ليس من المستغرب، فالأشخاص غير المهتمين بالسياسة هم أيضا غير مهتمين بالأطراف. ثانيًا، نحو 40 بالمئة عبروا عن تعاطفهم مع الحكومة- ربما الرقم يفوق توقعات ما يعتقده الغربيون، ولكنه أقل مما يدعيه النظام وحلفائه الأجانب.
والعدد المتبقي من العينة- أكثر بقليل من 50 في المئة- اختاروا واحدة من فصائل المعارضة. المشاركون اختاروا على الدوام ” الجيش السوري الحر” خيارًا أول لهم، كتعبير عام عن تأييدهم للمعارضة، وفي الخيارين الثاني والثالث عبروا من خلالها عن تعاطفهم مع الفصائل الإسلامية المحلية والأجنبية منها. أقل من نصف هؤلاء في المعارضة دعموا ” الجيش السوري الحر” ولكن لم يدعموا الإسلاميين. نسمي هؤلاء الأشخاص بـ “القوميين” في غياب تعبير أفضل. في حين، تنوعت الفصائل الإسلامية السورية في الخيار الثاني، وبعضهم، فقط، منهم حدد الفصائل الأجنبية كخيار أخير.
بيانات المسح تفترض أن أكثر من 50 في المئة بقليل من اللاجئين يدعمون المعارضة، وأن أقل من 40 في المئة بقليل متعاطفون مع النظام. إلا أنه من يدعم من؟ المراقبون يخرجون بعدة روايات: الأقليات والعلمانيون يقفون في صف الحكومة، والناس الفقراء والمتدينون يدعمون المعارضة. هناك بعض الحقيقة في هذه الروايات، إلا أن كثيرًا منها يحتاج إلى إعادة النظر فيها.
واحدة من أشهر الصفات التي توسم بها الحرب الأهلية هذه، بأن هناك أقلية دكتاتورية مهيمنة، تحرض ضد أغلبية عربية سنية. هذه الرواية صحيحة بالفعل، ولكنها مضللة أيضًا. لا توجد أرقام دقيقة عن التركيبة الطائفية والعرقية في سورية، إلا أن التقديرات تشير إلى أن العرب السنة يشكلون نحو 70 في المئة من مجموع السكان، فيما النسبة الباقية تتوزع على الكرد، والأقليات المسلمة مثل العلويين والدروز، مع طوائف متنوعة للمسيحيين.
النازحون السوريون في لبنان أتوا بشكل غير متكافئ من مجتمعات الأغلبية: حوالي 90 بالمئة من العينة هم من العرب السنة. فيما جميع الأقليات في هذا الجانب اختارت الحكومة. واحد من الأقلية، فقط، في العينة- ليس واحدًا في المئة، بل شخص واحد- وقف مع المعارضة. هذه الفجوة تعطي صدقية لرواية طائفية هذه الحرب. ومع ذلك، فهذا المشهد مازال يستحق التمعن فيه.
نسبة المتعاطفين مع النظام تقدر بـ 40 في المئة من العينة، تشكل الأقليات منها حوالي ال 10 في المئة، الفارق بين هذه الأرقام؟ العرب السنة الموالون. وهنا العرب السنة ينقسمون بنسبة اثنين إلى واحد ينحازون لصالح المعارضة. مع ذلك فهؤلاء (العرب السنة الموالون) يشكلون نسبة 75 في المئة من قاعدة داعمي الحكومة. إذًا، هل هي حرب طائفية؟ البيانات متناقضة، بموافقتين مقابل لا واحدة. أغلبية اللاجئين من العرب السنة، وأغلب الأقليات يقفون في صف النظام، ولكن مجتمع الأغلبية نفسه ينقسم بين الحكومة والمعارضة.
الانحياز الديني
الجدول رقم 2
نسبة الحياة الخصوصية | نسبة الحياة العامة | |
الحكومة | 38.1 | 22.5 |
القوميون | 58.5 | 47.2 |
الاسلاميون المحليون | 54.1 | 56.3 |
الإسلاميون الاجانب | 59.1 | 47.3 |
التفسير الآخر لهذا الصراع يركز على الادعاءات الدينية التي تنادي بها الأطراف المتقاتلة. وفي هذا التصور، فإنّ المتعصبين الدينيين -بعضهم مجلوب من الخارج، وبعضهم الآخر ابن البلد- يحاولون بشكل متزمت فرض الشريعة على المجتمع. وقد حرضت الأغلبية العظمى من المعارضة ضدهم فضلا عن مؤيدي النظام، فهؤلاء لا يحترمون القوانين المدنية، على الأقل من وجهة نظر معارضي التطرف الديني.
هناك على الأقل جزء من الحقيقة في هذه الرواية، ولكن هذا التصور للأحداث هو أيضًا مضلّل. مثل نظرائهم من المجتمعات العربية الأخرى، اللاجئون السوريون يعبرون عن قدر كبير من التدين الشخصي؛ فأكثر من ثلاثة أرباعهم ادّعوا أنهم يصلون يوميا، ونصفهم قال إنه يقرأ القرآن أو الإنجيل، على الأقل، مرة أسبوعيًا. مع ذلك؛ فالدعوة بأن يلعب الدين دورًا في الحياة العامة لم يكن ذا نسبة عالية. ثلث اللاجئين فقط، وافق أن الدين، إلى حدٍّ ما، أهم من الاقتصاد أو الشؤون السياسية.
هذا يعني، أنه هناك اختلافًا بين مؤيدي المعارضة والحكومة. كما أنّ 60 في المئة من فريق المعارضة، و40 في المئة فقط من فريق الموالاة، ملتزمون، شخصيًا، مبادئ القرآن الكريم. وفي صورة أكثر جلاءً، يظهر المسح أنّ مؤيدي المعارضة يفوقون مرتين نظراءهم في جانب النظام- نحو 50 مقابل 25 في المئة- يرون أهمية دور الدين في السياسة. وهذا الاختلاف المذهبي لا تنكره تعبيرات الحكومة ضد المعارضة. وقد ظهر أنّ الأقليات، في الحقيقة، أقل تدينًا؛ ولكنّ هناك من مؤيدي العرب السنة يشبهون حلفاءهم من الأقلية في هذا المجال، أكثر من إخوانهم في الدين في المعارضة.
وعلى الرغم من ذلك؛ فماذا عن الاختلاف ضمن المعارضة؟ أأكيد أن الإسلاميين أكثر تدينًا من القوميين، والمؤيدين للجماعات الإسلامية الأجنبية أكثر تدينًا من الجميع؟ على الرغم من الاختلاف ضمن المعارضة، من المؤكد أن الإسلاميّين أكثر تدينًا من القوميين، ومؤيدي الجماعات الإسلامية الأجنبية أكثرهم تدينًا؟ بكلمة: لا. لا تلاحظ أيّ اختلاف بين فصائل المعارضة؛ فمن الممكن أنّ أي شيء عن التقوى الشخصية، يجعلنا نشعر بتمييز بسيط بين الإسلاميين المحليين والبقية. بمعنى آخر، فمؤيدو القومية ليسوا أكثر علمانيةً من أقرانهم الإسلاميين، وهؤلاء، في المقابل، بعيدون، كثيرًا، في دعوتهم لأسلمة المجال العام، عن خطابات الفصائل المسلحة التي تحملنا على تبنّي معتقدهم.
الاقتصاد؟
كان الفقر والفساد المظالم الأساسية للانتفاضة السورية، إلا أنها غيبت كثيرًا في الروايات التي وصلت إلى المتابع الغربي. الحرمان يأخذ أوجهًا عدة، الواضح منها مثلًا: انخفاض الدخل الأسري، تدهور الصحة والتغذية. في هذا الوضع الحالي، فإن الأسئلة حول الدخل غير مجدية بالنسبة إلينا، حيث كثير منهم لم يعد لديه دخل ثابت. عوضًا عن ذلك، يمكنُنا مراقبة الازدحام في المساكن العائلية: عدد أفراد الأسرة في الغرفة.
في مقارنة معدل الازدحام للعائلة النموذجية قبل الحرب، ومع الإقامة الحالية في لبنان؛ يظهر انخفاض حاد في مستوى المعيشة؛ فثلاثة أرباع اللاجئين يملكون الآن سكنًا أفقر مما كانوا يملكونه قبل الحرب، مع مساكن أكثر ازدحاما بنسبة 50 في المئة لأسرة متوسطة. ثانيًا، إنها تظهر أن مؤيدي المعارضة أكثر فقرًا من المتعاطفين مع الحكومة؛ فالأسرة النموذجية الداعمة للنظام انخفضت كثافة الساكنين إلى شخصين في الغرفة الواحدة، بينما كانت النسبة قبل الحرب تراوح بين شخص واحدٍ، وشخص ونصف، فيما الأسرة المتوسطة في المعارضة تحشر ثلاثة أفراد في غرفة واحدة، مقارنةً بشخصين قبل الحرب.
الفوارق في الرفاهية المادية تظهر بين الناس في الأسهم، وكذلك في الرصيد البشري. فأكثر من نصف العينة لم يتجاوز ممثلوها سقف التعليم الابتدائي، وواحد، فقط، من خمسة لاجئين أكمل التعليم الثانوي. واعتمادًا على مقياس الإحصاء العربي؛ فإنّ معدلات التحصيل الدراسي هذه تتساوى مع مثيلاتها في المغرب واليمن، تعرف بالمناطق النامية، ولكنها متسقة تمامًا مع تلك المستويات المنخفضة للتعليم التي سادت سورية قبل الانتفاضة. أيضًا هناك اختلافات حادة بين الحكومة والمعارضة في العينة، فإضافة إلى معدلات كثافة غرف السكن، فإنّ عدد الحاصلين على التعليم الثانوي من فريق النظام يبلغ ضعفيه عند موالي المعارضة.
في اختصار، فإنّ مؤيدي المعارضة، كما هو واضح، أفقر ماديًا وتعليميًا من المتعاطفين مع النظام. وهذا يتوافق مع ما كنا نعرفه مسبقًا، لذا، لا مفاجآت هنا. إلا أن البيانات لا تنفي بعض الأمل الذي نريده من المعارضة. واحدة من ادعاءاتنا القديمة حول الإرهاب أنها تنشأ نتيجة الفقر والأمية. بصرف النظر عن الفروق الدقيقة، فعديد المقاتلين الأجانب المتدفقين إلى سورية مناسبون تمامًا للمشاريع الإرهابية، إلا أن المتعاطفين معهم قد خالفوا توقعاتنا. بالنسبة إلى التدين، لا يوجد اختلاف متنوع بين فصائل المعارضة من ناحية الدخل المادي أو التعليم. كثير من مؤيدي الفصائل الإسلامية الأجنبية قد يكونون فقراء أو أميّيين، ولكنهم ليسوا أشدّ فقرًا أو أقل تعليمًا من نظرائهم القوميّين.
من يكون من؟
الجدول رقم 3
20-24 | 25-29 | 30-34 | 35-39 | 40-44 | 45-49 | 50-54 | 55+ | |
الحكومة | 43 | 47 | 44 | 42 | 39 | 40 | 38 | 40 |
القوميون | 32 | 30 | 24 | 26 | 24 | 24 | 20 | 17 |
الإسلاميون المحليون | 13 | 13 | 12 | 7 | 10 | 8 | 11 | 9 |
الإسلاميون الاجانب | 12 | 10 | 21 | 25 | 27 | 27 | 30 | 33 |
في المجمل، بيانات المسح تؤكد معلوماتنا التي كنا نتوقعها عن الفصائل المتحاربة في الحرب الأهلية؛ فالأقليات والعلمانيون، نسبيًا، يصطفون نحو دعم النظام، فيما الفقراء والأقل تعليمًا يؤيدون المعارضة.، كما يمكننا توقع بعض الفوارق الجوهرية بين مختلف فصائل المعارضة التي فشلت في تشكيل جسم موحد؛ فالقوميون ليسوا أقل تدينًا من الإسلاميين، ومؤيدو المقاتلين الأجانب ليسوا أفقر أو أقل تعليمًا من الأخرين. في حين هناك اختلاف بين قاعدة داعمي المعارضة، فبعضها عادي جدًّا ولكن بعضها الآخر مثير للاهتمام كثيرًا.
الفارق الأول هو الديموغرافية. البنية العمرية والجنسية تختلف بين الفصائل. على الرغم من الصور الأولى للشباب والشابات يتظاهرون معًا ضد الدكتاتورية، ففي حين يشمل مؤيدو الحكومة جميع الفئات العمرية من الرجال والنساء، فكذلك المثال نفسه ينطبق على مؤيدي الإسلامين المحليين، لكنها تختلف ضمن مناصري القوميين والمقاتلين الأجانب، والذين هم صورة عكس الآخر. مؤيدو القومين يتركزون ضمن فئة الشباب، فيما شريحة كبار السن تدعم الإسلاميين. وأيضًا، التأييد الرجالي للفصائل يملك معدلات متماثلة، في حين ينقسم تأييد النساء إلى اتجاهين: خط يتجه نحو القوميين وبعيد عن الإسلاميين الأجانب الذين يتبنون وجهة نظر رجعية عن حقوق المرأة.
الجدول رقم 4
ذكر | أنثى | |
الحكومة | 43.1 | 42.4 |
القوميون | 23.6 | 29.6 |
الإسلاميون المحليون | 10.3 | 11 |
الإسلاميون الاجانب | 23 | 17 |
الأكثر أهمية من الاختلافات الديموغرافية، أيًّا كانت، هو الاختلافات في الانخراط السياسي؛ فهل يهتمّ الناس بالشؤون السياسية، أم لا؟ هناك عدة طرائق لقياس المشاركة، ومن ضمنها الاهتمام والفهم والمعرفة بالسياسات. كل طرف يروي القصة الأساسية: مناصرو القومية بشكل واضح، أكثر المنخرطين في العمل السياسي من اللاجئين- أكثر بـ 50 في المئة من نظرائهم في الحكومة، من نظراهم وأربعة أضعاف من المتعاطفين مع الفصائل الإسلامية الأجنبية، الذين ظهروا مؤخرًا.
ماذا إذًا؟
هذا المسح -صورة سريعة، ويتضمن فقط السوريون في لبنان- يظهر تأييدًا شعبيًّا للنظام أكثر مما تعتقد المعارضة، ويظهر عدد مؤيدين أكبر للمعارضة أكثر مما تقره الحكومة. إن دقة الأرقام تكون أقلّ أهمية في الجوهر، على كل حال: فالسوريون ينقسمون في ولاءاتهم، وهذه الانقسامات مفهومة.
هناك بعض الحقائق في كل الروايات الواقعية حول الصراع، ولكنها سطحية حتمًا، الأقليات والناس الذين يفضلون استقلالية أكثر من الذين يتعاطفون مع الحكومة، هذه الفئة الذين أثر عليهم ذلك الجهد الذي بُذِل لتصوير المعارضين كخطر ديني. مع ذلك، فالمؤيدون للنظام لا يؤيدون، بالضرورة، الانتهاكات الجسيمة في حقوق الانسان، أو يدعمون الدكتاتورية؛ كما يتصورها بعضهم، إلا انه يمكن أن نكون أكثر دقة بوصف هذه الفئة معادين للثورة “الثورة المضادّة” أكثر من دعمهم للحكومة.
مؤيدو المعارضة أكدوا بعض المقولات القديمة، وليس جميعها؛ فهم أكثر فقرًا، وأكثر تدينًا من نظرائهم من مؤيدي النظام، ولكنهم لا يبدون مطالب لإنشاء دولة دينية. في الواقع، المقاتلون الأجانب هم أكثر إصرارًا في إقامة دولة إسلامية في سورية، والذين لم يكونوا الخيار الأول ولا حتى الخيار الثاني.
من المفارقات، أنّ الفئة الداعمة لهذا الطرح هم من كبار السن، وهم ليسوا أكثر تدينًا من أقرانهم، ولكنهم أقلّ اهتمامًا بالشأن السياسي. على العكس، المعارضة الثورية، مع كل سلبياتها، مازالت تتلقى تعاطف من الشباب، النشطاء المدنيين منذ الأيام الأولى للثورة. وهو ما يبعث الأمل على أن تكون هذه الفئة، مع وقف القتال، نواة المجتمع المدني التي ستساعد سورية في النهوض مجددًا.