آرون لاند
تاريخ النشر الأصلي: 23 أيار/ مايو 2016
المصدر:For International Peace Carnegie Endowment
الفهرس
الحضور الإيراني المتزايد في سورية
التدخل الروسي-الإيراني عام 2015
مقدمة
عندما تدخّلت القوات الجويّة الروسيّة في سورية، في الثلاثين من أيلول/ سبتمبر 2015، غيّرت مسار المعركة؛ فبفضل ذلك استعادت حكومة الرئيس السوري بشار الأسد توازنها، بعد عام من الهزائم المؤلمة في مناطق عدّة، كإدلب وجسر الشغور وتدمر وحوران، وبحلول نهاية العام كانت قوّات الأسد تتقدّم شمالًا باتجاه منطقتيّ اللاذقية وشرق حلب، بالإضافة إلى جبهات عديدة أخرى، وفي شباط/ فبراير 2016، قامت قوّات الأسد بقطع طريق إمدادات رئيس للثوّار بين حلب والحدود التركيّة، كما قامت قوّات دعم الأسد الروسيّة، في أواخر آذار/ مارس، باستعادة تدمر من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، وهاهم يتجهون الآن نحو منطقة الغوطة شرقيّ دمشق، مستغلّين أسابيع من اقتتال الثوار البيني الكارثيّ لتحقيق ذلك.
تراجع تقدّمُ الأسد في الآونة الأخيرة؛ ويرجع ذلك -جزئيًّا- إلى الاتفاقيّة الهشّة لوقف الأعمال العدائيّة التي تراقبها الولايات المتحدة وروسيا؛ ما أدّى -بالحكومة السوريّة- إلى فقدان السيطرة على بعض المناطق في حلب واللاذقية وشرقيّ حمص، والأهم من ذلك، أنّ الاقتصاد السوري في حالٍ مزرية، وهذا من شأنه أن يقوّض التقدم العسكري للأسد، وفي الوقت نفسه، ليس ثمّة شكٌّ في أنّ موقف الأسد قد تحسّن كثيرًا؛ نتيجة التدخل الروسي، وأنّ نفوذ موسكو قد أثّر -بشكل ملحوظ- على سير الحرب في سورية.
هذا هو السرد التقليديّ للأحداث، ولكنْ ثمّة شيء ناقص في هذه الرواية!
فما حدث، في خريف 2015، لم يحدث لأنّ روسيا بدأت عملياتها في المجال الجوّي السوري فحسب، بل زاد على نجاحه -حقيقةً- أنّه ترافق مع التدخل الإيراني على الأرض. وسنلقي عن قرب -في ما يلي- نظرة على كيفيّة حصول ذلك.
الحضور الإيراني المتزايد في سورية
لطالما تحالفت إيران مع عائلة الأسد في سورية منذ عام 1979، في علاقةٍ غريبةٍ ووطيدة في آنٍ واحد، بل تطوّرت بمرور الزمن؛ إذ كانت العلاقة -في بادئ الأمر- تميل للصالح السوري، لكنّ الأمر تغيّر بعد العام 2000؛ حيث لم يخفِ علي خامنئي، المرشد الأعلى للثورة، رأيه في أنّ سورية تُعتبر حليفًا إقليميًّا لا يُستغنى عنه؛ ويعود ذلك -جزئيًّا- إلى أنّ نظام الأسد قد سهّل النفوذ الإيراني في لبنان؛ حيث مقر الحركة الإسلامية الشيعية الموالية لإيران(حزب الله)، وهذا من شأنه أن يساعد إيران على التوازن، واحتواء عدوّها اللدود المتفوّق عسكريًّا، ألا وهو إسرائيل؛ وفي هذا الصدد، قال مستشار خامنئي للسياسة الخارجية، علي أكبر ولايتي، عام 2012: “إنّ سورية هي الحلقة الذهبية في عقد المقاومة ضد اسرائيل”.
وعندما اندلع النزاع الحالي في سورية عام 2011، تدخّلت إيران -بقوّة- لدعم الأسد، لكنها فضّلت -في البداية- العمل وراء الكواليس، وكان هذا التدخّل المبكر قد شمل تقديم المساعدة التقنية والمعدات المتخصصة، والتدريب العسكري. وفي وقت لاحق، نظّمت إيران شريانًا حيويًّا من الدعم الاقتصادي، بما في ذلك شحنات النفط العراقية، ومليارات الدولارات على صورة قروض وحسابات ائتمانية، ومنذ بداية عام 2012، ساعدت طهران في إنشاء الميليشيات الموالية للحكومة، والمعروفة باسم “قوّات الدفاع الوطني”.
في الوقت ذاته، بدأ حزب الله، بتشجيعٍ ودعمٍ إيرانيين، تدريب الجيش السوري، وتقديم أشكالٍ أخرى من المساعدة المتخصصة، وذلك في أوائل عام 2011، ثمّ بدأ يلعب دورًا قتاليًّا علنيًّا في ربيع عام 2013.
من جانبهم، لم يشارك المواطنون الإيرانيون -بشكل كبير- في القتال آنذاك، على الرغم من أنّه كان هناك وجود، وإن كان على نطاقٍ ضيّق، لضبّاطٍ من فيلق الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس، ويختلف الحرس الثوري، بفروعه البريّة والجويّة والبحريّة، تنظيميًّا عن الجيش الإيراني الرسمي، المعروف باسمArtesh (وتعني: الجيش بالفارسية)؛ إذ يتبع -مباشرةً- سلطة آية الله خامنئي، في حين أن فيلق القدس، والذي هو عبارة عن فرعٍ للمخابرات وقوّات النخبة الخاصة، يُعَدّ -رسميًّا- جزءًا من الحرس الثوري، ولكنّه يتجاوز سلسلة القيادة العسكريّة؛ ليخضع -بدوره أيضاً- لخامنئي بشكلٍ مباشر. كان دور ضباط الحرس الثوري وفيلق القدس في سورية دورًا استشاريًّا في المقام الأول؛ وذلك للمساعدة في تدريب ودعم الميليشيات الشيعية، وإلى حدٍّ ما تدريبِ الجيش السوري، وعلى الرغم من ذلك؛ فقد سُجّلت حالاتُ وفيّاتٍ في صفوف الإيرانيين خلال السنوات الأولى للحرب؛ ولا سيما بعد أن شرَع الحرس الثوري يلعب دورًا أكبرَ عامَ 2014، بيد أنّ أعداد المصابين لم ترتفع -بشكل فعليّ- حتى خريف 2015.
التدخل الروسي-الإيراني عام 2015
بدأت الغارات الجوية الروسية في سورية في 30 أيلول/ سبتمبر 2015،حينئذٍ كانت إيران قد بدأت -فعلًا- بنقل المقاتلين الشيعة من العراق إلى سورية جوًّا، وفي الوقت نفسه نقلت معهم ، وللمرّة الأولى، أعدادًا كبيرةً من المواطنين الإيرانيين؛ وبحسب أحد التقارير، بات يُعتَقد أن إيران عزّزت وحدة الحرس الثوري في سورية آنذاك، ورفعتها من نحو 700 من المستشارين العسكريين إلى ما يقرب من 3000، تزامن ذلك مع حملة دعائية، أطلقتها وسائل الإعلام الإيرانية، تهدف إلى إقناع المواطنين بأنّ التدخل الإيراني في سورية سيكون معنويًّا فحسب، وبما يتماشى مع المصالح الوطنية الإيرانية. (وهو السيناريو نفسه الذي حدث في روسيا، حيث تحوّل تركيز الصحفيين، و مصادر وسائل الدعاية المملوكة للدولة -فجأة- من أوكرانيا إلى سورية.)
وفي غضون الأسبوعين الأولين من الغارات الجوية الروسية، بدأت إيران هجومًا بريًّا جنوبَ حلب؛ حيث نفذت الهجمات ميليشيات شيعية غير سوريّة، تعمل بالتنسيق، وبإمرة، ودعم مجموعات صغيرةٍ من أفراد الحرس الثوري الإيراني، وبحلول ربيع 2016، تمكّن المقاتلون الشيعة السوريون، والأجانب، تدعمهم القوات الجويّة الروسية، من اختراق خطوط الثوّار شمالَ حلب؛ ما خفف من الحصار الذي يطوّق المناطق الشيعية المعزولة في بلدتي نبّل والزهراء، وقطع خطوط الإمداد التركيّة عن الثوّار، ونتج عنه تقدّم كبير، وهو -بالطبع- نتيجة مباشرة لوجود القوّة الروسيّة-الإيرانيّة في سورية.
ويمكن توثيق ازدياد مستوى التدخل الإيراني؛ عن طريق دراسة معدلات الإصابة في الصفوف الإيرانية، منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2015؛ فقد قام باحثون من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، ومعهد أميركان إنتربرايز بهذه الدراسة، وكلا المؤسستين تعتبران من مؤسسات الفكر والرأي الأميركي (المرتبطة بالسياسات المتشددة حيال إيران)؛ ووفقًا للإحصاءات التي تم جمعها من مصادر مفتوحة؛ فإن عدد القتلى من المواطنين الإيرانيين في سورية قد ارتفع بشكل كبير في أوائل خريف 2015؛ إذ بلغت حصيلة القتلى نحو 160، والإصابات نحو 300، في الفترة ما بين تشرين الأول/ أكتوبر 2015، وشباط/ فبراير 2016، وهو -تقريبًا- ضعف عدد الإيرانيين الذين قتلوا في سورية منذ عام 2011، كما شملت قوائم الضحايا عددًا أكبر من الضباط برتبٍ منخفضة ومتوسطة، بالإضافة إلى كبار الضباط، مثل أولئك الذين قتلوا في أوائل الحرب؛ ومن المفترض أن يكون الضباط، من رتبتي: عقيد ولواء، يشغلون الأدوار القيادية، أو تنظيم البرامج التدريبية، وأنّ صغار الضباط، من رتبتي: ملازم ونقيب، أكثر عرضة لملاقاة مصرعهم أثناء قيادتهم العمليات العسكرية على الأرض.
باقون لأمدٍ طويل
مع نتائج الهجمات البريّة في فصل الشتاء، وتقدم مباحثات الهدنة الروسية-الأميركية نحو التنفيذ، بدا وكأنّ إيران قد سحبت بعضًا من قواتها، في حين قد يكون هذا جزءًا من التناوب العادي للقوّات؛ لكنّه صُوِّرَ كما لو أنه انسحابٌ دائم للقوّات، ترافق مع إشارات إيرانية سريّة إلى احترام وقف إرسال القوات.
وقد فسّرت -بالفعل- العديدُ من الحكومات الغربية نقلَ القوّات -هذا- على أنّه عودة إيران إلى موقفها السابق لتدخّلها في الحرب؛ والدليل -على ذلك- ما ذكرته وكالة “الأسوشييتد برس” على لسان وزير الخارجية الأميركي جون كيري، في جلسة استماع في الكونغرس الأميركي، في 26 شباط/ فبراير، حيث قال: “إنّ الحرس الثوري الإيراني قد سحب بالفعل قواته من سوريا”؛ وما ذُكر على لسان آية الله خامنئي -كذلك- من أن “الحرس الثوري الإيراني سحب عددًا كبيرًا من قواته، وقد تم تقليل وجوده فعليًّا في سورية”.
بالمقابل، نفى أحد قادة الحرس الثوري الإيراني في التاسع من آذار/ مارس أيّ تعليقٍ لنشر قواته في سورية، وأعلن الجيش الإيراني بعد أسبوعين أنه -هو أيضًا- يقوم بتدريب وحدات الكوماندوز؛ لدعم تدخل طهران في سورية، وبعد ذلك بوقت قصير، انتشرت وحداتٌ من الجيش في المنطقة، وسقطت أولى ضحاياها في الحادي عشر من نيسان/ أبريل، ثم التقى “ولايتي” مع الأسد في دمشق، أوائل أيّار/ مايو؛ ليصرّح بعد اللقاء قائلًا: “إن إيران ستقوم بتعبئة كل مواردها؛ لمحاربة الإرهابيين الذين يرتكبون جرائم ضد الأمم المضطَّهدة في المنطقة، بصرف النظر عن التصنيف المثير للسخرية لهؤلاء الإرهابيين، على أنّهم معتدلون أومتطرفون “.
وفيما يبدو أن الكرملين قد استخدم وقف الأعمال العدائية؛ لمساعدة الأسد على التقدّم شرقًا، وحثّه للتركيز على محاربة الدولة الإسلامية؛ فإن إيران وحزب الله استمرّا في تركيزهما على حلب، ومناطق أخرى أكثر أهمية لبقاء الأسد.
إذن، ازدادت حدّة الاقتتال في وقت تعثّرت فيه الهدنة المدعومة من الولايات المتحدة وروسيا، وبينما كانت وحداتٌ شيعية، بقيادة إيرانية، تشارك في دورٍ دفاعي، إلا أنها كانت -بطبيعة الحال- ضالعةً في تجدد أعمال العنف؛ فمن غير المرجّح أن يستطيع الجيش السوري -بمفرده- الصمود دون الدعم الإيراني، والمساندة من الميليشيات الشيعية في الخطوط الأمامية، والتي اُختِرقت في ربيع 2016، حتى مع الدعم الذي تقدّمه القوة الجوية الروسية.
حقًّا، إذا كانت تقارير الضحايا تشير إلى حجم استثمار إيران بما يخدم بقاء الأسد؛ فيبدو أن طهران قد زادت من التزامها بذلك ؛ إذ رصد أحد المصادر المفتوحة 75 قتيلاً بين شهريّ آذار/ مارس، ونيسان/ أبريل 2016، بينما أعلنت وسائل الإعلام الإيرانية مقتل 13 مستشارًا عسكريًّا إيرانيًّا، وجرح 21،جنوبَ حلب، في السابع من أيار/ مايو وحده. إن دلّ ذلك على شيء؛ فإنّه يدلّ على ازدياد التدخل الإيراني.
إنّ التزام طهران العميق بإنقاذ حكومة الأسد، يجب أن يُؤخَذ بعين الاعتبار عند تحليل الاستراتيجيّات الغربية والعربية والروسية في سورية، فعلى الرغم من اختلاف روسيا وإيران حول محادثات جنيف 3؛ فإنّ إيران – كما يبدو بوضوح- تلعب في الوقت الراهن دورًا رئيسًا على الأرض في سورية، وإنّ كلًّا من دمشق وموسكو يعوّل على استمرار وجود المقاتلين الإيرانيين؛ لضمان نجاح استراتيجيتيهما في سورية.