تتزايد الإصابات في بلد غير مستعد لفيروس كورونا
ترجمة: محمد شمدين
(*) الآراء الواردة في هذه المادة لا تمثل بالضرورة آراء المركز ولا مواقفه من القضايا المطروحة
بحسب البيانات الصادرة عن وزارة الصحة، فإن فيروس كورونا (كوفيد 19) يكاد أن ينتشر في سورية. حيث أكدت الاختبارات عن وجود 1،255 إصابة[1]، من بينها 52 حالة وفاة، حتى تاريخ كتابة التقرير. مستويات الدخل العام ودخل الفرد في البلاد تتأرجح في قاع الترتيب العالمي[2]. حتى منتصف تموز/ يوليو الماضي، أبلغت سورية عن أقل عدد من الحالات المؤكدة، مقارنة بدولة تايوان التي تعدّ المعيار العالمي في الإدارة الفعالة للوباء.
هناك سبب وجيه[3] لعدم الثقة في الأرقام التي ينشرها نظام بشار الأسد، لكن السلطات الصحية في المناطق الخارجة عن سيطرة الأسد أبلغت عن أرقام منخفضة مماثلة. في شمال شرق سورية، حيث تحكم القوات الكردية المتحالفة مع الولايات المتحدة نحو 3 ملايين نسمة، كانت هناك 34 حالة إصابة فقط، وحالة وفاة واحدة[4]. في الشمال الغربي، حيث يعيش حوالي 4 ملايين سوري تحت سيطرة قوات المعارضة المدعومة من تركيا، وتحت سيطرة فصائل أصولية، لم تكن هناك حالات مؤكدة حتى 9 تموز/ يوليو، الرقم الحالي هو 40[5].
من الممكن أن تكون كل هذه الأرقام أقل من الواقع، في عددها أو في أي أمر أخر، ولكن من الواضح أنه لم يكن هناك انتشار كبير، في سورية خلال الأشهر الأولى من الوباء. ومع ذلك، وقد يكون فتيل انفجار كورونا في البلاد قد اشتعل بالفعل.
ومع أن انتشار الوباء قد يكون منخفضًا، فقد تضاعف عدد الحالات في المناطق الرئيسة، ثلاث مرات، منذ بداية تموز/ يوليو. على وسائل التواصل الاجتماعي، ينشر سوريون نعي أقارب وأصدقاء فقدوا بسبب الفيروس. قال عامل طبي لوكالة (NPR)[6]: “إن المستشفيات غارقة بالمصابين، في حين أن الموظفين يفتقرون إلى معدات الحماية الشخصية”. وقال إن “النظام يحذر الأطباء من تبادل المعلومات، وضباط المخابرات يراقبون المستشفيات”، وأضاف: “نشعر جميعًا بالخوف طوال الوقت”، في إشارة إلى العاملين بالمستشفى.
ولكن بدأ الأطباء السوريون البارزون وأطباء الخط الأمامي في الحديث. قال نبوغ العوا، عميد كلية الطب بجامعة دمشق: إن 100 مريض بفيروس كورونا يصلون إلى المستشفيات يوميًا[7]، لكن عدد الإصابات الجديدة أعلى بكثير، حيث يذهب المرضى فقط إلى المستشفيات. وأفاد مسؤول المشرحة أن 40 مريضًا يموتون يوميًا، بسبب فيروس كورونا في دمشق وحدها[8].
نشر أحمد حبس، وهو طبيب يعمل نائبًا لمدير صحة دمشق، أرقامًا على صفحته في (فيسبوك) تشير إلى وجود 112،500 إصابة في العاصمة والمناطق المحيطة بها[9]، لكنه أزال المنشور في وقت لاحق[10]، موضحًا أنه لا يريد بث الخوف أو إثارة النقد لوزارة الصحة.
نشرت شغف فاعور، وهي طبيبة تعمل في جناح كورونا فيروس في مستشفى المجتهد العام في دمشق، مقطع فيديو على موقع يوتيوب[11]، تصف فيه الأطباء الذين يعملون لمدة 24 ساعة متتالية، مرتدين عباءة واحدة وقناع، وتقول: “نتوسل في المستشفيات للحصول على أجهزة التنفس الصناعي للمرضى، حتى إنني لم أجد مكانًا لأحد أقاربي”. وأضافت: “إن الوضع مروع”.
زاهر سحلول، الطبيب السوري الأميركي المختص بأمراض الرئة، ورئيس منظمة MedGlobal الخيرية ومقرها الولايات المتحدة، يتتبع تأثير الوباء على العاملين في مجال الرعاية الصحية السوريين. وتشمل جهوده حصر الوفيات لأطباء دمشق الذين توفي 29 منهم على الأقل، بسبب فيروس كورونا، حتى الآن. أفاد سحلول عبر الهاتف أن “الوفيات بين العاملين في مجال الرعاية الصحية هي مؤشر رئيس لانتشار العدوى المجتمعية”.
في آذار/ مارس، قدرت دراسة من كلية لندن للاقتصاد[12] أن سورية لديها القدرة على علاج 6500 حالة نشطة فقط من كورونا فيروس؛ لأن البلاد لديها عدد قليل جدًا من أسرّة العناية المركزة المزودة بأجهزة التنفس الصناعي. في نيسان/ أبريل، قيمت الباحثة إليزابيث تسوركوف أن نقص الكوادر الطبية المؤهلة قد يكون العائق الكبير[13]. منذ اندلاع الحرب في عام 2011، فرّ ما يقدر بنحو 70بالمئة من العاملين في مجال الرعاية الصحية من البلاد[14]، في حين نفذت روسيا ونظام الأسد 537 هجومًا تم التحقق منه على مرافق الرعاية الصحية، وفقًا لأطباء من أجل حقوق الإنسان.
وقد أظهرت منظمة الصحة العالمية أنها غير مستعدة لتحدي جهود النظام لإخفاء المعلومات. وثقت آني سبارو[15]، الطبيبة وأستاذة الطب، مدى احترام منظمة الصحة العالمية للنظام، إذ تراوح المساعدات بين شراء الإمدادات الطبية لوزارة دفاع الأسد، والتزام الصمت بشأن تجريد شحنات المساعدات للمدنيين في المناطق التي يسيطر عليها المعارضة من الإمدادات الحيوية، إلى الشراكة مع المنظمات الخاضعة لسيطرة رامي مخلوف، ابن خال الأسد، الذي فرضت عليه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات لفساده ودعمه للنظام[16].
أثناء الوباء، قام مكتب منظمة الصحة العالمية في سورية بإعادة تغريد الإشعارات على النحو الواجب، مع أحدث الأرقام الرسمية لعدد الحالات والوفيات. تعمل منظمة الصحة العالمية كواحد من اثنين من المؤلفين التنظيميين المشاركين لتحديثات الأمم المتحدة الأسبوعية عن كورونا فيروس في سورية، ومع ذلك فإن هذه الوثائق الطويلة لا تنقل تقارير مباشرة من الأطباء المحليين.
تضخم منظمة الصحة العالمية أخطار الصحة العامة، من خلال إهمال المناطق الخارجة عن سيطرة الأسد، على الرغم من أن عدد سكانها يبلغ 7 ملايين نسمة، مقارنة بـ 10 ملايين أو نحو ذلك يحكمها النظام. بدأت منظمة الصحة العالمية في تسليم الإمدادات المتعلقة بفيروس كورونا إلى دمشق في شباط/ فبراير[17]، بما في ذلك خمس آلات تفاعل البوليميراز المتسلسل (PCR) اللازمة لاختبارات فيروس كورونا. لم تتلق السلطات في شمال غرب وشمال شرق سوريا أي آلات PCR من منظمة الصحة العالمية، لكنها اشترتها في النهاية من مصادر أخرى[18].
بررت منظمة الصحة العالمية معاملتها المتباينة من الناحية السياسية، غير الإنسانية. حيث قال متحدث باسمها[19]: “إن الشمال الغربي ليس دولة”. يتمتع الشمال الغربي بقدرة اختبار أقل بكثير من النظام، بسبب هذا النقص في الدعم. وأجرت وزارة الصحة 12416 فحصًا حتى 24 تموز/ يوليو[20] مقارنة بـ 3704 في الشمال الغربي حتى يوم 7 آب/ أغسطس[21].
هذا النقص مثير للقلق، عندما نعلم أن الشمال الغربي هو موطن لـ 2.7 مليون نازح داخلي -نصفهم من الأطفال- يعيش العديد منهم مخيمات مكتظة. “هل تريد منا أن نغسل أيدينا؟” سأل أحد عمال الإغاثة مراسل نيويورك تايمز[22]: “بعض الناس لا يستطيعون غسل أطفالهم مرة في الأسبوع”.
في آذار/ مارس، عندما بدأ فيروس كورونا الانتشار بسرعة في الشرق الأوسط، استعدت منظمات الإغاثة في شمال غرب سوريا لكارثة[23]. حذر المدير المحلي لميرسي كوربس[24] من أن “المسافة الاجتماعية هي ضرب من الخيال في المخيم”. “المرض يمكن أن ينتشر كالنار في الهشيم”. لم يحدث ذلك لأسبابٍ، ما تزال تخمينية في أحسن الأحوال، مثل أن السكان شباب نسبيًا في البلاد.
لكن، في 9 تموز/ يوليو، ثبتت إصابة طبيب في الشمال الغربي بالفيروس، تلاه اثنان آخران في 11 تموز/ يوليو. ومن الواضح أن تفشي المرض قد تسلل إلى مستشفيات المنطقة المدمرة. يوجد مختبر واحد في المنطقة يجري اختبارات كورونا فيروس، لبضع عشرات فقط في اليوم. لقد أكدت الآن 40 حالة، ومع ذلك يمكن أن ينتشر الفيروس دون أن يتم اكتشافه، أو يمكن أن يتوقف بشكل غير مفهوم، كما حدث في آذار/ مارس.
في حين أن تسوية المنحنى قد تكون أمرًا شبه مستحيل في الشمال الغربي، تختار حكومة الأسد الحفاظ على وضعية مريحة. ففي أيار/ مايو[25]، رفعت إجراءات إغلاق المؤسسات حتى المدارس، وفرضت قيود السفر وحظر التجول، وعلقت السلطات صلاة الجمعة في مساجد دمشق[26]، لكنها ظلت مترددة في فرض قيود وسط تراجع اقتصادي حاد، حيث تضاعف سعر المواد الغذائية خلال الأشهر الستة الماضية[27]، فيما فقدت الليرة السورية ثلثي قيمتها[28].
إذا تصاعدت أزمة الصحة العامة، فستكون المساعدة الخارجية ضرورية لأي جهود من تخفيفها. ستكون زيادة المساعدات للمناطق الخارجة عن سيطرة الأسد أمرًا صعبًا، حيث استخدمت روسيا حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لفرض إغلاق المعابر الحدودية التي كانت ذات يوم قنوات رئيسية للمساعدة[29]. من خلال وكالات الأمم المتحدة، يمكن للولايات المتحدة والمانحين الآخرين إرسال المزيد من المساعدات إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الأسد، ومع ذلك فإن تلاعب النظام بالمساعدات واسع جدًا لدرجة أنه قد يخدم غرضًا ضئيلًا، بخلاف حماية المجتمعات المفضلة مع تخفيف الضائقة المالية للأسد[30]. تدعو موسكو ودمشق بشكل روتيني إلى رفع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للعقوبات المفروضة. ومع ذلك، فإن العقوبات تشمل بالفعل إعفاءات شاملة للتجارة الإنسانية والمساعدات[31].
في نهاية المطاف، قد لا يضطر ملايين السوريين إلى الاعتماد على شيء أكثر من العزيمة للنجاة من كارثة أخرى.
العنوان الأصلي للمادة | The pandemic hasn’t hit Syria hard yet. When it does, it’ll be a disaster. |
الكاتب | David Adesnik |
المصدر | مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية 11 آب/ أغسطس 2020 |
الرابط | https://bit.ly/3hcD4tV |
المترجم | محمد شمدين |