ترجمة أيمن أبو جبل
(*) الآراء الواردة في هذه المادة لا تمثل بالضرورة آراء المركز ولا مواقفه من القضايا المطروحة
نجاح طريق السلام المتأرجح في الشرق الأوسط يتعلق باتساع وتيرة اتفاقات السلام الموقعة بين إسرائيل والدول العربية، وقد بدأت أخيرًا مفاهيم معسكر السلام الليبرالي تأتي بثمار إيجابية، وتسود في صفوفه آمال كبيرة، فحالة العداء لإسرائيل بدأت تتلاشى، حيث وقّعت ثلاث دول عربية في الآونة الأخيرة اتفاقات سلام وتطبيع مع إسرائيل، ومن المتوقع أن تنضم دول عربية أخرى إلى قطار السلام. وبالرغم من ذلك، هناك من يسخر من هذه الاتفاقات، ويقلل من أهميتها، بدعوى أن الدول الثلاث لم تكن في حالة حرب مع إسرائيل، ولم تكن بحالة عداء، وأنها دول بعيدة جغرافيًا من إسرائيل، ولا تمتلك حدودًا معها. وفي العودة إلى الواقع، هناك بعض الحقائق التي يجب ألا تغيب عن الذاكرة: هل السودان، على سبيل المثال، لم تكن دولة معادية لإسرائيل؟ ألم تكن تدعم وتحمي المنظمات الارهابية؟ ألم يكن السودان ينقل الأسلحة من إيران، إلى منظمة (حماس) في قطاع غزة؟ ألم تقم الطائرات الإسرائيلية، بحسب الصحافة الأجنبية، بقصف مخازن الأسلحة وقواعد عسكرية إيرانية في الخرطوم، كان أبرزها “معسكر اليرموك” الذي ينتج أسلحة خطيرة شكلت تهديدًا على أمن إسرائيل؟ وفي ما يتعلق بدولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين، صحيح أنه لم تكن هناك مواجهة مباشرة بينها وبين إسرائيل، إلا أن فهم السلام معهم، بهذا الشكل، يعبّر عن ضيق أفق، وعدم رؤية الصورة بشكل صحيح، وإدراك الأهمية الكبيرة لهذه الاتفاقات التي تعدّ من أهم وأكبر الاتفاقات الموقعة حتى الآن على صعيد العلاقة الثنائية بين الدول، فبعد التوقيع على المعاهدات، بدأت تظهر نتائجها الاقتصادية، وأهمها صفقة شراء النبيذ الإسرائيلي، من مصانع نبيذ مرتفعات الجولان، حيث يتم تصديره مباشرة إلى الإمارات العربية المتحدة، وكان الجولان أولّ المستفيدين منها.
قرارات مؤتمر الخرطوم والمبادرة العربية للسلام تسقط أمام اتفاق التطبيع
هناك شيء رمزي في اتفاق السلام مع السودان؛ فالخرطوم هي عاصمة السودان، وفيها عقد الزعماء العرب القمة العربية في 29 آب/ أغسطس 1967، بعد شهرين ونصف من حرب الأيام الستة، وأعلنوا من هناك عدم الاعتراف بإسرائيل، من خلال قرارات “حازمة” مثل إعلان اللاءات الـثلاث: “لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف بإسرائيل”، قبل أن يعود الحقّ لأصحابه. وحضرت كلّ الدول العربية هذا المؤتمر، باستثناء سورية والجزائر، وقد أقرّ قرارات خطرة ضد إسرائيل، ومنها “توحيد جميع الجهود للقضاء على آثار العدوان الإسرائيلي، على أساس أن الأراضي المحتلة هي أراض عربية، وأن عبء استعادة هذه الأراضي يقع على عاتق جميع الدول العربية، ويجب العمل بشكل مشترك -سياسيًا ودبلوماسيًا- على صعيد الساحة الدولية، من أجل تحقيق انسحاب إسرائيلي من الأراضي المحتلة، من دون الاعتراف بإسرائيل، أو المساومة والتفاوض معها، مع الحفاظ على حق الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم”.
بتحليل نتائج مؤتمر الخرطوم؛ نجد أن القرارات تتحدث عن “إعادة الأراضي المحتلة” من دون عقد سلام مع إسرائيل، ودون الاعتراف بها، أي إعادة الوضع إلى ما قبل حرب الأيام الستة عام 1967، مع استمرار حالة العداء والحرب مع إسرائيل، وحرمانها من حقّها في الدفاع عن نفسها، ضمن حدود آمنة. والأهم من هذا كله ما جاء في قرارات المؤتمر: “أحقية الشعب الفلسطيني في وطنه وعودته إلى بلاده”، وهذه الحقوق ليست في الأراضي المحتلة عام 1967، بل في أراضي دولة إسرائيل عام 1948 كاملةً.
يصف البروفيسور يوآف جيلبر، في كتابه عن حرب الاستنزاف، القضايا التي كانت على جدول أعمال الدول العربية في مؤتمر الخرطوم وقراراته: “أبرزها كانت قضية فلسطين منذ العام 1948، ومسألة اللاجئين، وقضية الاحتلال عام 1967، وكيفية تحقيق انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها”. أي أن الانسحاب الإسرائيلي من أراضي 1967 لا يحلّ مشكلة 1948، وتبقى المشكلة الفلسطينية جوهر الصراع مع إسرائيل، إذ يعدّ العرب ذلك الانسحاب خطوةً أولى نحو حل مشكلة عام 1948. وتجدر الإشارة إلى أن قرارات الخرطوم لم تشارك فيها كل الدول العربية، حيث إن سورية والجزائر، لم تشاركا فيها، لأنها تحدثت عن حلول سياسية ودبلوماسية، ولم يكن على جدول أعمالها الكفاح المسلح والحرب لاستعادة الأراضي المحتلة، كما كانت تطالب.
اليوم، بعد كل هذه السنوات؛ تعترف السودان (صاحبة مؤتمر الخرطوم) بإسرائيل، وتتفاوض وتقيم السلام معها، من دون “إعادة الحقوق” التي تحدثوا عنها على مدار عقود طويلة، ولم تنسحب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في العام 1967، ولم يعد اللاجئون الفلسطينيون إلى داخل دولة إسرائيل. ومن ناحية ثانية، نرى أن عملية السلام المتجددة قوّضت المقاطعة العربية لإسرائيل، وسحقت مشروع “المبادرة العربية للسلام” عام 2002 في بيروت، وهي مبادرة أطلقها الملك عبد الله بن عبد العزيز (ملك السعودية) لعقد سلام في الشرق الأوسط، بين إسرائيل والفلسطينيين، وهدفها إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دوليًا على حدود 1967 وعودة اللاجئين إلى دولة إسرائيل، وانسحاب من هضبة الجولان المحتلة، مقابل اعتراف وتطبيع العلاقات بين الدول العربية مع إسرائيل، وقد نالت هذه المبادرة تأييدًا عربيًا كاملًا. هذه المبادرة حاولت فرض شروط انتحارية على إسرائيل، في “فخ عسل السلام”، مع كل الدول العربية. المتحمسون للمبادرة حاولوا الضغط على إسرائيل للقبول بها والتجاوب معها، لم يزعموا حينذاك أن الإمارات المتحدة والبحرين والسودان دولٌ غير مهمة وهامشية، لكونهم ليسوا على نزاع أو صراع معنا. وها هم اليوم يرون السلامَ طموحًا كبيرًا، يبرر دفع ثمن غير محدود، ويبرمون معنا اتفاقات سلام وتطبيع، من دون دفع أي ثمن انتحاري.
بدأت الدول العربية تدرك أن من مصلحتها في أن تتوقف عن أن تكون رهائن لدى الفلسطينيين. ذات يوم، صرّح عضو الكنيست أحمد الطيبي، وكان محقًا، بأن الحد الأقصى الذي يمكن أن تقدمه إسرائيل للفلسطينيين بعيدٌ جدًا من الحد الأدنى الذي يرغب الفلسطينيون في قبوله. بمعنى آخر: السلام معهم على الأرجح غير متوقع في المستقبل المنظور. ألهذا السبب يجب أن تتخلى إسرائيل عن السلام مع الدول العربية؟ لتعزيز العداوة وبقائها إلى الأبد؟ التغيّرات الجوهرية في مواقف الفلسطينيين وتغيّر عنادهم ربما لا يمكن أن يتحقق من دون أن يشعروا بأنهم معزولون، في ظل تنامي واتساع اتفاقات السلام بين الدول العربية وإسرائيل.
إن المتحفظين اليوم على اتفاقات السلام مع الدول العربية، ممن يعرفون أنفسهم بأنصار معسكر السلام في اليسار الإسرائيلي، تبنوا طوال سنوات طويلة المطالبَ والأحلام الفلسطينية، وما زالوا يتظاهرون ضد نتنياهو وترامب، ومعارضتهم لهذه الاتفاقات اليوم تنبع أساسًا من حقيقة أنهم يرون أمام أعينهم انهيار المفاهيم والشعارات التي رفعوها ودافعوا عنها سنوات طويلة، وبموجبها تمسّكوا بخِيار “أن طريق السلام في الشرق الأوسط يجب أن يمرّ باتفاق مع الفلسطينيين أولًا، ويجب أن يكون هذا الاتفاق خاضعًا لمطالبهم. وفجأة، عندما تحقق السلام بطريقة أخرى، صاروا يعارضونه ويقفون ضده، لم يعودوا متحمسين للسلام، حين أصبح واقعًا، مع الإشارة إلى أن المستوطنات لم تُفكك وأن اليهود لم يُجردوا من أراضيهم، ولم يكن هناك أي ثمن أليم مقابل هذا السلام، مع ثلاث دول عربية، ولدينا سلام مع دولتين عربيتين، منذ سنوات، أفلا تحتاج دولة إسرائيل إلى هذا النوع من السلام؟!
في السابق، كان شمعون بيريس يقدّم في كل فرصة أفكارًا خيالية حول السلام في الشرق الأوسط، وتخيّل مرارًا كثيرة، كيف سيقف في حديقة البيت الأبيض، إلى جانب أصحاب الجلابيات من القادة والزعماء العرب، الذين سيوقعون اتفاق سلام مع إسرائيل، في حال انسحابها من الأراضي في الضفة الغربية ومرتفعات الجولان، وكيف سيتحقق حينئذ السلام. اليوم، أصحاب الجلابيات مستمرون في توقيع اتفاقات السلام مع إسرائيل، من دون أي ثمن باهظ. لا شك في أن أصحاب هذه النظريات الخيالية مُحرجون اليوم من السلام الذي تحقق.
التحديات الأساسية أمام الرئيس الأميركي الجديد
زخم السلام في الشرق الأوسط اليوم هو نتيجة مباشرة لسياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المؤيدة لإسرائيل؛ بعد أن تسببت سياسة الرئيس السابق أوباما التصالحية، تجاه التعصب الإسلامي وإيران وتجاه الفلسطينيين، في إحداث فوضى في الشرق الأوسط، وأسهمت في خلق أنهار من الدم. إنه رئيسٌ جيد، وصاحب نيّات حسنة، وبالرغم من كل الاشمئزاز من شخصيته البغيضة، من المستحيل عدم الاعتراف بأنه صديق عظيم لإسرائيل، وأن سلسلة القرارات التاريخية التي اتخذها أحدثت ثورة في إسرائيل، وأدت سياسته إلى استقرار نسبي في الشرق الأوسط تسهم في تعزيز السلام في هذه المنطقة. الأمر الذي يضع الرئيس الأميركي الجديد أمام تحديات جديدة ومهمة جدًا، ماذا سيفعل؟ وكيف سيتعامل مع الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية وإسرائيل، والمعروف عنه أنه صديق قديم لإسرائيل، وأحد أعظم مؤيدي إسرائيل، على مدى أربعين عامًا من العمل السياسي، حتى إنه يعرّف نفسه بأنه صهيوني، وعلى الرغم من كونه نائبًا للرئيس السابق أوباما وشريكًا في سياساته الفاشلة، فإن هناك تساؤلات لا بد من الإجابة عليها: كيف سيتصرف كرئيس؟ هل سيتمكن من فهم الطريقة الصحيحة لاستمرار تعاطفه مع إسرائيل، ولتعزيز الأمن القومي للولايات المتحدة، والسلام في الشرق الأوسط والسلام العالمي؟ من هنا، على الرئيس الجديد فهمُ حقيقة السلام الذي يوجب قطع “العقدة الغوردية” بين الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والصراع العربي الإسرائيلي. ولتحقيق ذلك، يجب على بايدن تجنب الضغط على إسرائيل للتسوية مع الفلسطينيين، لا أن يعود إلى سياسة الضغط عليها لتجميد المستوطنات، لأن هذا الطريق يُبعد السلام. على بايدن أن يواصل مسار ترامب، في ما يتعلق بقضية الشرق الأوسط، وبالطبع سيفعل ذلك بأسلوبه، لكنه قد يحاول إعادة القضية الفلسطينية إلى العناوين الرئيسية. وهذه الحقيقة ستُلزم إسرائيل بصياغة واتخاذ موقف حازم من هذه القضية التي من الممكن أن تثير الجدل الداخلي العاصف داخلها، خاصة في ظل التوترات الحزبية والسياسية والداخلية الحالية. وعليها أن تضع خطة ترامب أمام الرئيس الجديد ضمن أولوياتها في العلاقة مع الإدارة الجديدة، والتمسك في أن قضية الصراع المركزية مع العرب ليست القضية الفلسطينية، وإنما حق الدولة اليهودية في الوجود والأمن، وحين يتحول الصراع، من صراع شرق أوسطي، إلى صراع محدد بين إسرائيل والفلسطينيين، ستكون هناك نتائج فعلية في تحقيق السلام، وكلّ محبي السلام سيرحبون بتحقيقه. الصراع على أرض إسرائيل هو أولًا، وقبل كل شيء، نزاعٌ على حق الدولة اليهودية في الوجود على أرض إسرائيل. الصراع الحقيقي في الشرق الأوسط ليس مع العرب، بقدر ما هو صراع مع الفلسطينيين وحدهم. وما دام الفلسطينيون يصرّون على انسحاب إسرائيلي إلى خطوط الرابع من حزيران، وعلى تهجير جميع اليهود من الأراضي التي يطالبون بها، وتحقيق “حق” العودة، وإغراق إسرائيل بملايين الفلسطينيين؛ فمن الواضح أن لن يكون هناك سلام أبدًا، ولن ينتهي الصراع معهم، ولا يوجد أي مؤشر على تغيير في مواقفهم في المستقبل المنظور. ومن الجيد أن الدول العربية بدأت تفهم أن السلام مع إسرائيل يصبّ في مصلحتها الواضحة، وأن عليها التحرر من القبضة الفلسطينية. وعلى الرغم من عدم وجود شريك فلسطيني للسلام، فإن هذا لا يحرر إسرائيل من السؤال عن الحل المناسب للصراع معهم، على أرض إسرائيل. ويضعها هذا الأمر أمام تحديات أساسية في طريق عملية السلام في الشرق الأوسط.
حقوق الشعب اليهودي
نقطة البداية لأيّ نقاش من هذا القبيل هي حقّ الشعب اليهودي في أرض إسرائيل. هذا هو جوهر الحركة الصهيونية، وجوهر إعلان وثيقة الاستقلال، وهو المبدأ الذي اعترفت به جميع دول العالم، منذ مؤتمر سان ريمو، قبل مئة عام، وقد تم إعلان الدولة اليهودية في أرض إسرائيل، بحكم حقها الطبيعي والتاريخي، في تقرير المصير في دولة قومية في الوطن اليهودي، وهذا الحق غير قابل للتجزئة، على كامل أرض إسرائيل، وهو نقطة البداية لأي مناقشة لحل النزاع. يجب ألا تقبل إسرائيل الادعاء بأنها دولة محتلة، حيث إن كل منطقة في أرض إسرائيل هي حق لها، ومن واجبها ممارسة السيادة عليها والاستيطان فيها، وأهمها القدس الموحدة عاصمة دولة إسرائيل، جميع أراضي فلسطين تم تحريرها في حرب دفاعية عادلة، في مواجهة عدوان العدو العربي، الذي كان يسيطر عليها، ولم يقبل بوجود إسرائيل، وعمل جاهدًا بعدوانية طوال سنوات على تدميرها. ولها الحق المطلق في عدم إعطاء مكافأة للمعتدين، ويقابل هذا الحق أيضًا مبدأ ضمان هوية وجوهر دولة إسرائيل، كدولة يهودية ديمقراطية. ولتحقيق هذه الغاية، يجب تحقيق أغلبية يهودية كبيرة، لضمان مستقبل الأجيال، ولا يمكن ضمان مثل هذه الأغلبية إذا لم تحمِ الدولة حقها الكامل على هذه الأرض. ولذلك هناك مجال لتسوية إقليمية تتخلى فيها إسرائيل عن مناطق فلسطينية مكتظة بالسكان، في يهودا والسامرة، وتعلن سيادتها على المناطق غير المكتظة بالفلسطينيين، وتعمل على تكثيف الاستيطان فيها.
التفوق الأمني
مبدأ آخر، يجب أن يكون منارة تهتدي بها الدولة اليهودية، ويجب ألا تتنازل عنه، وهو تفوّق إسرائيل الأمني، لأنها الدولة الوحيدة في العالم التي يتنكر لها محيطها، ويرفض وجودها، ويسعى إلى تدميرها. لذلك حتى في اتفاقات السلام، سواء مع الجيران المقربين أو مع جميع الدول العربية، يجب عدم المساومة على الاحتياجات الأمنية الإسرائيلية وقوتها العسكرية التقليدية وقدرتها على هزيمة أعدائها. يجب ألا تتنازل إسرائيل عن القدرة العسكرية غير التقليدية المنسوبة إليها، كالسلاح النووي، وهو ضمانة رادعة لوجودها وبقائها في وطنها. ولا يجوز لإسرائيل أن تتخلى عن حدود آمنة تدافع فيها عن نفسها ضدّ أي هجوم مفاجئ، وهذا يفرض، بالضرورة، الاحتفاظ بمرتفعات الجولان وغور الأردن، ومن ضمن ذلك المنحدرات الشرقية لجبال يهودا والسامرة، ويجب أن تقوم سياسة إسرائيل على هذه المبادئ. وللتذكير نقول: إن أول من قدّم خطة بهذه الروح كان الجنرال إيغال ألون، بعد حرب الأيام الستة مباشرة، وقد أُعدّت الخطة عام 1967 وتقضي بمصادرة شريط من الأراضي الفلسطينية بمحاذاة نهر الأردن والبحر الميت، وتحديد الحدود الشرقية لإسرائيل بنهر الأردن، وخط يقطع البحر الميت من منتصفه تمامًا مع المملكة الأردنية الهاشمية، وضمّ مناطق الجولان وغور الأردن والبحر الميت بعمق يصل إلى نحو 15 كم، إلى إسرائيل، وإقامة مجموعة من المستوطنات والتجمعات الزراعية والعسكرية والمدنية فيها بأسرع ما يمكن، لاستيعاب عدد كبير من المهاجرين من يهود الشتات، إلى أرض إسرائيل، ويلتقي مع ضواح ومستوطنات سكنية يهودية في القدس الشرقية. وهي ذاتها مبادئ رئيس الوزراء السابق إسحق رابين، الذي قاد مسيرة أوسلو وقدّمها في خطابه السياسي عشية اغتياله، وهي الخطة التي تستند عليها خطة ترامب أيضًا (صفقة القرن)، وعلى الرغم من وجود بعض السلبيات الخطيرة، فإنها تحمل الجوهر ذاته ضمنيًا.
حجة المعارضين لهذه التسوية الإقليمية في ادعائهم أن ليس لها أي فرصة، ولن يقبلها الفلسطينيون أبدًا. والحجة الثانية هي أن الخطة لا تسمح بوجود دولة فلسطينية قابلة للحياة على هذه المنطقة الصغيرة. لذلك يجب قبول مبدأ “دولتين لشعبين، على أساس خطوط الرابع من حزيران 1967”. إذا كان أولئك الذين يقدمون الادعاء الأول صادقين مع أنفسهم، فسيتعين عليهم الاعتراف بأنه لا يوجد شريك لفكرة التسوية بهذه المبادئ، وبالقدر نفسه لا يوجد شريك في الحلّ الذي يقترحونه. لكن الحقيقة التي يدركونها أن إيهود باراك وكلينتون وإيهود أولمرت وأوباما كلهم اقترحوا سابقًا هذا المشروع، ورفضه الفلسطينيون. لكنهم ما زالوا يتطلعون إلى تحقيق “مبدأ” دولة فلسطينية غربي نهر الأردن، وغمر دولة إسرائيل بملايين الفلسطينيين على أساس حق العودة، فتنتهي حينئذ الدولة اليهودية. والغريب بعض الشيء أن أولئك الذين يقدمون حلًا، ليس له شريك، يدركون أن مشاريعهم السليمة التي اقترحوها قوبلت بالرفض الدائم من الفلسطينيين.
دولتان مستقلتان حول وادي الأردن
حلّ الدولتين الحقيقي يجب أن يشمل كلّ أرض إسرائيل من ضفّتي نهر الأردن، حيث تكون الدولة اليهودية الديمقراطية، من الأردن إلى البحر، وتكون هناك دولة أردنيّة فلسطينية شرقيّ نهر الأردن، وستكون مناطق فلسطين المكتظة بالسكان، في يهودا والسامرة وغزة، جزءًا من الدولة الأردنية الفلسطينية، مع منطقة منزوعة السلاح. وعلى الرغم من أن هذه الخطة غير قابلة للتطبيق اليوم، في ظلّ غياب شريك، فإن الأمر نفسه ينطبق على أي حلّ آخر، غير الاستسلام التام للمطالب الفلسطينية، في حق العودة، وطرد اليهود من أماكن سكناهم. وهذه مطالب تعجيزية غير ممكنة، وعلى إسرائيل أن تدير معركتها اليوم بحكمة وصبر، لضمان مصالح إسرائيل وأمنها حتى تحقيق هذه الرؤية من السلام. من الناحية العملية، لم تعد إسرائيل تسيطر على أغلبية مطلقة من الفلسطينيين، حيث إنهم يعيشون تحت الحكم الفلسطيني، سواء في قطاع غزة أو في مناطق السلطة الفلسطينية، ولا يهددون إسرائيل ديموغرافيًا. ويجب على إسرائيل أن تعلن أنها ليست معنية بحكمهم، لكنها يجب أن تعلن حدودها الدائمة وفرض سيادتها على وادي الأردن الكبير والكتل الاستيطانية، وسيتم تحديد المسار النهائي للحدود في الوقت المناسب، بالتفاوض مع الدولة الأردنية الفلسطينية القادمة.
اسم المقالة | الطريق إلى السلام |
الكاتب | أوري هيتنر |
رابط المقالة | https://bit.ly/3aqgRru |
عدد الكلمات | 2425 |
ترجمة | أيمن أبو جبل |