
(*) الآراء الواردة في هذه المادة لا تمثل بالضرورة آراء المركز ولا مواقفه من القضايا المطروحة
الكاتب: يوسف كاراطاش
تجري منذ مدة في سورية، من خلال مبادرات الولايات المتحدة وفرنسا، لقاءات ومباحثات من أجل توحيد القوى الممثلة لأكراد سورية. ونتيجة لهذه المبادرات، تم في أوائل أيار/ مايو تشكيل مجموعة “المبادرة الوطنية من أجل اتحاد الكرد”، كنتيجة للمفاوضات التي جرت بين ENKS (المجلس الوطني الكردي السوري) الذي يُعدّ مظلة التنظيمات الكردية التي تنتهج خط البارزاني، وPYD (حزب الاتحاد الديمقراطي) أقوى التنظيمات السياسية للإدارة الذاتية في شرق الفرات. واللافت للانتباه هنا هو وجود الأحزاب والتنظيمات التي تشكل ENKS وتسير على خط البارزاني في الوقت نفسه داخل SMDK (الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية) المدعوم من تركيا.
وعلى الرغم من أن بعض مواقع الأخبار أوردت في نشراتها ادعاءات مفادها أن ويليام روبوك (مستشار الولايات المتحدة الأميركية في التحالف الدولي) طلب من ENKS، في خطة أعدّها لـ PYD وENKS، الانسحابَ من المعارضة السورية التي تدعمها تركيا، فقد نفى ENKS في بيان له أنباء انسحابه من هذا التشكيل ونقل مكتبِه من تركيا.
فما الذي جرى حتى تشمّر الولايات المتحدة عن ساعديها، وتأخذ دور الحامي للأكراد مجددًا؟ وهي التي انسحبت من المناطق الحدودية التي تعمل فيها بالتعاون مع الأكراد، وكانت قبل بضعة أشهر من الآن تقول: “نحن لم نقل للأكراد يومًا إننا سندافع عنكم ضد تركيا حليفتنا في (ناتو) منذ 70 عامًا”، تجاه التهديد المتمثل في عملية (نبع السلام) التي أطلقتها الحكومة في تركيا.
ماذا حدث للولايات المتحدة التي كانت قبل بضعة أشهر من الآن تقول للأكراد: “نحن لم نعدكم بدولة كردية مستقلة (ذاتيًا)”، حتى تسعى الآن إلى توحيد الأكراد السوريين حول مشروع فيدرالي في سورية؟
من الضروري، قبل الانتقال إلى تقييم التطورات الأخيرة، لفت الانتباه إلى بعض النقاط التي تعد مهمة لجهة الإجابات على هذه الأسئلة.
بداية، بحسب بعض الأوساط القومية والوطنية المناهضة للكرد في تركيا، فإن الوجود الأميركي في المنطقة (الشرق الأوسط) قد دفع بالكرد الى التفكير بمنطقٍ لا يقبل به العقل إلى حد التصريح بهدف “إنشاء كردستان الكبرى”، وإن الخطوات التي اتخذتها الولايات المتحدة الأميركية، إزاء تقرير الكرد لمصيرهم ومستقبلهم ودعم اكتسابهم هذا المركز، لم تكن في الحقيقة -حتى اليوم- مواقف مساندة لهم إلا بالقدر الذي يخدم مصالحها الإقليمية.
فقد دعمت الولايات المتحدة أكراد العراق ومطالبهم الفيدرالية في عام 2003؛ لأنهم خدموا المخططات التي ساهمت في إسقاط دكتاتورية صدام وإعادة تصميم المنطقة من جديد. غير أنها في عام 2017 وقفت في وجه “استفتاء الاستقلال” في إقليم كردستان، وعارضته بسبب القلق والهاجس من أن ذلك قد يضعها في وضع حرج، ويعزز من نفوذ إيران في العراق والمنطقة.
وعندما فقدت كل دعائمها الأخرى في سورية، بدأت بدفع التعاون مع الكرد نحو الأمام خطوة خطوة، ليكون لهم رأي وكلمة في تحديد مستقبل البلاد. وعندما وضع هذا التعاون كلًا من الولايات المتحدة وتركيا حليفتها في (ناتو) التي تحاول كسب استراتيجيتها في المنطقة على حافة المواجهة العسكرية؛ لم تُبدِ الولايات المتحدة ترددًا في اتخاذ خطوات إلى الوراء وخذلان الأكراد والتخلي عنهم.
وبمجرد انتهاء حالة المواجهة المباشرة مع تركيا، بدأ ترامب (الذي كان يقول إنه سيسحب جنوده الموجودين في سورية) يردد هذه المرة مقولة: “إني أحبّ النفط”، ووضعت الولايات المتحدة سياسة استمرار وتطوير علاقات التعاون مع SDG (قوات سوريا الديمقراطية) تحت ذريعة “حماية المناطق النفطية”. في الحقيقة إن النفط في سورية لا يكفي حتى لملء لب أسنان الإمبريالية الأميركية. لكن هذه السياسة كانت تخدم مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، من جهتين: الأولى أن مصادر الطاقة هذه، وإن كانت عديمة الأهمية بالنسبة إليها، تحمل أهمية حيوية لها في إعادة إعمار سورية، بعد الدمار الذي أحاق بها خلال السنوات التسع من الحرب التي عانتها. وبهذا تكون الولايات المتحدة، عبر السيطرة والتحكم في مناطق النفط هذه، قد كسبت وضعًا يمكنها من وضع الإدارة في سورية تحت ضغوطها. والثانية أن هذه السياسة توفر للولايات المتحدة، من خلال الحفاظ على دوام التعاون مع الأكراد، إمكانات الاحتفاظ بمطالب الكرد الديمقراطية الوطنية، وحشدها من أجل مصالحها السياسية الخاصة في الصراع من أجل الاقتسام الإقليمي.
ومن الضروري هنا تقييم بدء الولايات المتحدة إنشاء قاعدة عسكرية جديدة في دير الزور التي تحمل أهمية كبرى، من ناحية وجود أهم حقول النفط السورية فيها من جهة، ووقوعها على الحدود مع العراق من جهة ثانية، وقد أعلن SOHR (المرصد السوري لحقوق الإنسان) الأسبوع الماضي، أن ذلك خطوة في إطار هذه السياسة.
والتطور المهم الآخر، من حيث فهم المبادرات الأميركية من أجل وحدة أكراد سورية، هو اتخاذ الولايات المتحدة قرارًا بنقل قواعدها العسكرية الموجودة في العراق، إلى منطقة كردستان التي تبدو أكثر أمانًا نسبيًا، بسبب التوتر المتزايد مع كل من إيران والميليشيات الشيعية في المنطقة، وخاصة بعد قيامها باغتيال قاسم سليماني أهم الأسماء الإيرانية في هذه المنطقة. لذلك يُعد تحقيق الوحدة بين ENKS التي تسلك نهج البارزاني في سورية، وبين حزب PYD، وهو أهم القوى في الإدارة الكردية المستقلة، خطوةً مهمةً في توحيد أكراد العراق وسورية، حول المحور السياسي للولايات المتحدة بشكل مستقل عن نفوذ ENKS (المجلس الوطني الكردي السوري).
التصريحات الأخيرة لقادة ENKS بأن الأسد يقول: “لا توجد مسألة كردية في سورية”، مع صحة أن نظام الأسد لا يرغب في منح الأكراد حقوقهم الوطنية، على الرغم من ضغوط روسيا، تُظهر هدف الولايات المتحدة من هذا الاتحاد: إبعاد SDG (قوات سوريا الديمقراطية) عن البحث عن حلول مع الإدارة السورية.
فنفي ENKS المشارك في SMDK (الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة) المدعوم من تركيا هنا للادعاءات والمزاعم التي تقول بتركه (التشكيل) الائتلاف وإغلاق مكتبه في تركيا، يكشف عِلم حكومة أردوغان وإدراكها لهذه العملية، وإجراء الحسابات بناءً على النتيجة التي ستظهر، وإن لم يكن ذلك على المدى القصير، واتخاذ المواقف في المساومات والمفاوضات التي ستتم مع الولايات المتحدة في هذه العملية.
وبطبيعة الحال، إن اتخاذ الحكومة في تركيا موقفًا من شأنه خدمة ما آلت إليه المسألة الكردية، من موضوع للمساومة استخدمته القوى الإمبريالية، وهي تملك الإمكانية لحل المسألة على أسس سلمية عبر الخطاب المباشر مع الأكراد، لهو مسألة جديرة بالنقاش.
من حيث النتيجة؛ إن محاولات دفاع الولايات المتحدة عن وحدة الكرد ليست نابعةً من منطلق حق الكرد في تقرير مصيرهم وتحديد مستقبلهم، بل لأنها تخدم استراتيجيتها اليوم في سورية والمنطقة. صحيح أن قضية الوحدة هي مسألة ذات أهمية حيوية بالنسبة إلى الأكراد، لكي يكون لهم تمثيل سياسي أقوى في عملية رسم مستقبل سورية، علاوة على اتخاذهم خطوة نحو تحديد مستقبلهم في مواجهة تضييق الأنظمة الرجعية والعميلة عليهم في المنطقة. غير أنه يكفي الرجوع في هذا الموضوع إلى ما حدث في السنوات القليلة الماضية، للوقوف على النتائج التي أدت إلى عزل الأكراد وتركتهم أكثر عرضة للاعتداءات والتهديدات الرجعية، باتباعهم خطى وسياسات القوى الإمبريالية والانضواء تحت رايتهم.
اسم المادة | ABD Suriye Kürtlerinin Birliğini Niçin İstiyor? |
الكاتب | يوسف كاراطاش – Yusuf KARATAŞ |
المصدر وتاريخ النشر | صحيفة أفرنسال التركية- 12.05.2020 Evrensel Gazetesi- |
رابط المادة | https://www.evrensel.net/yazi/86328/abd-suriye-kurtlerinin-birligini-nicin-istiyor |
المترجم | علي كمخ- قسم الترجمة |
عدد الكلمات | 846- 1069 |