الغضب الذي رافق المظاهرات ضد الأسد في منطقة الدروز صار ملموسًا أكثر فأكثر لدى الطائفة العلوية التي ينحدر منها مع ذلك الديكتاتور السوري

https://asset.lemde.fr/prd-blogs/2020/06/AAR_062020_0640.jpg
مظاهرة خرجت مؤخرًا أمام محافظة السويداء
(*) الآراء الواردة في هذه المادة لا تمثل بالضرورة آراء المركز ولا مواقفه من القضايا المطروحة

كان بشار الأسد يأمل أن يحتفل بمرور عشرين عامًا على وصوله إلى السلطة، بعد ثلاثين عامًا من ديكتاتورية أبيه حافظ الأسد. والذي يقدم نفسه بوصفه “حامي” الأقليات في مواجهة الأكثرية السنية من السكان صار الآن في الواقع هدفَ الاحتجاجات غير المسبوقة في وسط الأقليات نفسها التي كانت تعتبر حيادية، بل وموالية. فمنذ بداية هذا الشهر، تتحدى المظاهرات النظام، ملوِّحة بإلإصبع الأوسط، في السويداء، جنوب شرقي دمشق، أي في قلب المنطقة التي يتركز فيها القسم الأعظم من دروز البلد. لكن الغضب الملموس للطائفة العلوية التي تنحدر منها أسرة الأسد، والملموس أكثر فأكثر، هو أكثر ما يؤرق حاكم دمشق. 

النقد العلوي

سهرت دكتاتورية الأسد على الدوام، في عهد حافظ ثم بشار، على خنق أقل اعتراض في أوساط الأقلية العلوية التي تمثل عشر السكان السوريين. على أن دعم النظام كان أبعد من أن يكون غير مشروط، إذ انخرط العديد من الشخصيات العلوية في العملية الثورية عام 2011. لوحق المعارضون العلويون بلا رحمة باسم “الخيانة” المزدوجة المزعومة للنظام وللطائفة في آن واحد. لكن التصعيد العسكري وتطييف الصراع، مع تصاعد قوة الجماعات الإسلامية، ثم الجهادية، أقنع معظم العلويين بالوقوف كتلة واحدة من حول النظام. استُنفِرَ البعض منهم من أجل تعويض انشقاق العسكريين الكثيف في الجيش الحكومي وانخرط البعض الآخر في المليشيا الموالية للأسد. كانوا على هذا النحو قد دفعوا ثمنًا باهظًا للحرب الأهلية، تاركين طائفة علوية محرومة على نطاق واسع من شبابها.

على الرغم من “ضريبة الدم” الباهظة على هذا النحو، رأت الأكثرية الساحقة من العلويين مستوى حياتها ينهار، في حين كان الانتهازيون المرتبطون برئيس الدولة يراكمون الثروات المريبة. وفي هذا الظرف المشحون أصلًا إنما قام رامي مخلوف، إبن خال بشار الأسد ومموله الكبير، بتحديه ثلاث مرات بصورة علنية. جُرِّدَ مخلوف، الذي كان حتى ذلك الحين رمز فساد مستشر، من ثروته الهائلة بصورة جزئية. والذي صرف بصورة شديدة الكرم على قاعدته الطائفية توصَّل إلى تقديم نفسه بوصفه الناطق باسم العلويين الذين يشعرون بأنفسهم مهجورين، إن لم يكونوا خائفين من النظام. لقد فاقمت غطرسة إيران وميليشياتها التابعة لها، وفي مقدمتها حزب الله اللبناني من استياء العلويين الذين يعتبرهم المناضلون من الشيعة في أفضل الأحوال  مسلمين متواضعين. وقد ازدهرت الشعارات المضادة للأسد على جدران مدينتي اللاذقية وطرطوس، وهما المدينتان الساحليتان اللتان تملك فيهما روسيا قاعدتيْن، جوية وبحرية. ومن هنا اهتمام موسكو في مواجهة هذا الاحتجاج غير المسبوق.

https://asset.lemde.fr/prd-blogs/2020/06/5a34c0d0-img-20200613-wa0002.jpg
مظاهرة احتجاج ضد الأسد مؤخرًا في السويداء

المظاهرات الدرزية

لا يمثل الدروز سوى أكثر بقليل من 2 بالمائة من السكان السوريين، لكن القسم الأكبر منهم يقيم في السويداء وفي المنطقة الاستراتيجية لجبل الدروز ، جنوب العاصمة. لقد حاولوا المحافظة على حيادهم منذ عام 2011، وهو ما لم يحمهم من انتهاكات الجهاديين. لكن الدمار الاقتصادي وضروب التهريب التي يقوم بها النظام في هذه المنطقة الواقعة على حدود الأردن، أدت مؤخرًا إلى سلسلة من المظاهرات التي رددت شعار “ثورة، حرية، عدالة اجتماعية” و شعار “الشعب يريد إسقاط النظام”. كما صارت “إصبع الشرف”، ممثلة بالإصبع الوسطى، علامة التحشيد. وقد تجرأ المحتجون في العاشر من حزيران/يونيو، أي في الذكرى العشرين لموت حافظ الأسد، على أن يغنوا “يلعن روحك يا حافظ”. صحيح أن المظاهرات  شديدة البعثرة، بفعل المخاطر الكبيرة التي يواجها المتظاهرون عند كل نقد علني لأسرة الأسد. يضاف إلى ذلك، أنه بعد قمع المواكب واعتقال النشطاء، نظم النظام مسيرة مضادة، أدينت فيها العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة  بوصفها مصدر الشرور كلها في سورية.

لا يقل غضب الدروز ونقد العلويين عن هذه العقوبات أهمية في إطلاقه إنذارات جادّة للديكتاتور السوري. إذ بعد أن برر نظامه التسلطي برفض كل تنازل لأكثرية شُوِّهَت في صورة “إسلاموية”، بل و “إرهابية”، ها هو يشهد تفتت قاعدته الأقلياتية. فالمسيحيون الذي لا يعيشون في منطقة خاصة بهم يميلون أكثر فأكثر للهجرة، وجزء من الروم الأرثوذكس ينعطفون نحو حماية الروس، حين يمجدونهم بوصفهم “روما الجديدة” في نظرهم. أما بالنسبة إلى الأكراد، فهم يجهدون في المواجهة بجبهة متحدة في مطالبها من الأسد، من أجل المحفاظة على جزء من الاستقلال الذاتي في الشمال الشرقي، وهي جبهة باتت ممكنة أخيرًا بفعل المفاوضات بين الجناح السوري من حزب العمال الكردستاني والتشكيلات الكردية الأخرى في البلد. حتى الطائفة الشيعية الصغيرة في سورية  باتت لا تقسم اليوم إلا بإيران وحزب الله، على قاع من الخصومة بين العلويين والشيعة.  

 هذه التشكيلات الطائفية المتجددة تعيد مرة أخرى إلى معادلة الأزمة السورية الأساس، حيث تستمر فيها البلاد كلها بأن تكون أسيرة الأسد، بأكثريتها وبأقلياتها معًا.

عنوان المادة:     En Syrie, la colère des minorités contre Assad

الكاتب: جان بيير فيليو Jean-Pierre Filiu  

المترجم: بدرالدين عرودكي

مكان النشر: صحيفة اللوموند ، 21 حزيران/يونيو 2020

رابط المقال: https://www.lemonde.fr/blog/filiu/2020/06/21/en-syrie-la-colere-des-minorites-contre-assad/ 

عدد الكلمات : 979