تعاني المنظومة الصحية التي دمّرتها تسع سنوات من الحرب من العقوبات الدولية التي تعقِّد تموينها بالمعدّات وبالأدوية
(*) الآراء الواردة في هذه المادة لا تمثل بالضرورة آراء المركز ولا مواقفه من القضايا المطروحة
بجهد جهيد بعد تسعة أشهر من الانقطاع وُجِّهَت الدعوة إلى جنيف من أجل الدورة الثالثة من المحادثات بين السوريين التي تجري تحت إدارة منظمة الأمم المتحدة يوم الإثنين 24 آب/ أغسطس، بعد أن جرى اكتشاف إصابة أربعة من أعضاء الوفد القادم من دمشق بكوفيد ـ 19. وإذا كانت النقاشات قد استؤنفت يوم الخميس 27 آب/ أغسطس، فإن اللجنة الدستورية، التي يفترض أن تؤدي إلى إصلاح دستور البلاد، لم تقدم حتى الآن سوى نشرة طبية، كصدى كارثي لخطورة الجائحة التي تجتاح البلاد.
في 27 آب/أغسطس، كانت وزارة الصحة تحصي رسميًا 2440 حالة في المناطق التي تسيطر عليها دمشق، منهم حوالي مائة حالة “مستوردة“، و 98 حالة وفاة مرتبطة بالوباء. سوى أن عدد المصابين بالعدوى، على الرغم من سوء تقديره على نحو دقيق كما ترى منظمة الصحة العالمية، لا يكفُّ عن الازدياد.
“منذ تموز/يوليو، تطور الوضع الوبائي بصورة سريعة. ففي تموز/يوليو، جرى تأكيد 532 حالة مقابل 157 حالة في حزيران/يونيو و79 حالة في أيار/ مايو. وفي الوقت الذي تجري فيه كتابة هذا التقرير، في آب/ أغسطس، كانت السلطات قد أكدت أكثر من 920 حالة. نظرًا للعدد المحدود من الاختبارات الجارية في البلد، من الممكن إذن ألا يكون قد جرى اكتشاف حالات بلا أعراض المرض أو حالات إصابة خفيفة وان يكون العدد الحقيقي للحالات يتجاوز إلى حد كبير الأرقام الرسمية“، كما أخطر بذلك مكتب تنسيق العمليات الإنسانية في منظمة الأمم المتحدة. ضدَّ إنكار السلطات، تنذر الشهادات بالخطر.
الخوف من انهيار اقتصادي
يروي رجل أعمال يعيش بين بيروت ودمشق: “لا تزال الحدود بين لبنان وسورية مغلقة، إلا إذا امتلك المرء توصية أو إذنًا خاصًّا. كل الناس بدمشق يقولون لي ألا آتي إليها لأن حالات كوفيد ـ 19 تنفجر. والوضع أسوأ أيضًا بحلب، بسبب انتشار العدوى ونقص الأسرَّة. وصفحات الفيسبوك تتحول إلى سجلات للتعازي“،.
“مضى يومان لم أفتح خلالهما حسابي الفيسبوكي، واليوم، لا وجود إلا التعازي. فليترك لي من لم يمت أو لم يصب بالمرض رسالة“، يعلق ساخرًا أحد الناشطين، مع أنه من الموالين للنظام، ويقترح على مكاتب الموتى أن تقوم بنشر الوفيات بدلًا من ترك هذه المهمة إلى وزارة الصحة.
في بداية آب/أغسطس، كان المدير المساعد في مديرية الصحة التابعة لحكومة دمشق، يقدر بمائة ألف عددَ الحالات المحتملة في العاصمة وضواحيها، معتمدًا في تقديره على عدد الوفيات، وهم مائة وفاة يوميًا. والعلامة على تدهور الوضع في المنطقة تتمثل في أن العديد من الحالات “المريبة” التي سجلت في المحافظات كانت حالات مرضى سبق لهم أن أقاموا مؤخرًا بدمشق.
في بلد دمرته تسع سنوات من الحرب، كان النظام السوري في البداية قد فرض بداية حجر، مغلقًا المدارس، ومانعًا الصلاة الجماعية، ومحدِّدًا الانتقالات قبل أن يخفف بسرعة من قسوة الإجراءات الإلزامية خوفًا من انهيار اقتصادي. “فالآثار الاجتماعية ـ الاقتصادية لكوفيد ـ 19، وخصوصًا على الأمن الغذائي ووسائل البقاء، قادرة على مفاقمة الحاجات الإنسانية الجوهرية في البلد“، كما أنذرت المنظمة العالمية للصحة (OMS).
“نسب مرتفعة في انتقال الفيروس”
ينضاف إلى منظومة صحية متداعية، أثر العقوبات الدولية التي وضعتها البلدان الغربية وجزء من البلدان الأعضاء في الجامعة العربية موضع التطبيق. يضيف رجل الأعمال “ينقصنا كل شيء في المجال الطبي في سورية، الأسرَّة، أوالأوكسجين… إنها أولًا العقوبات [الغربية] المسؤولة عن ذلك: ربما لا تستهدف الأدوية، لكن ثمة شركات تغالي في رد الفعل عندما تسمع كلمة “سورية”. فهي تفضل حينئذ ألا تفاوض خوفًا من أن ينالها العقاب. هكذا، واجه مؤخرًا مصنع أدوية بدمشق يستورد المواد الأولية من الهند، عبر مرفأ بيروت، رفْضَ الاستجابة لطلبيته في الاستيراد من عميله الهندي. لم تعد سورية، هي الأخرى، تملك المؤهلات الطبية نظرًا لكثرة عدد الأطباء الذين غادروها”.
على أن تطور الوباء في المناطق الواسعة الواقعة تحت سيطرة قوات سورية الديمقراطية (الكردية في غالبها) في شمال شرقي البلد، والذي لم يجر احتواؤه في المناطق الحكومية، يثير أيضًا قلق المنظمات الإنسانية. يقدّرُ ويل تورنر (Will Turner)، المسؤول عن برنامج الطوارئ من أجل سورية في منظمة أطباء بلا حدود أنه “لامجال للشك أبدًا في أننا نشهد ازدياد حالات كوفيد ـ 19 في شمال شرقي سورية. ففي 24 آب/ أغسطس، كانت هناك 394 حالة مؤكدة. الاختبارات محدودة العدد، ولكن بين أؤلئك الذين أجريت عليهم، كانت النتيجة تفيد أن نصفهم مصابون. يبرهن ذلك على أن نسب انتقال الفيروس مرتفعة وأن من الضروري إجراء اختبارات أكثر عددًا بكثير“،.
ويتابع ويل تورنر “مدينتا الحسكة والقامشلي هما المدينتان الأكثر نشاطًا. إننا نخشى أن ينتقل ذلك عما قريب إلى الرقة، وهي منطقة أخرى مزدحمة بالسكان وتستقبل عددًا كبيرًا من الأشخاص المهاجرين الذين لم يتعافوا من دمار الحرب. فدوائر الخدمات الصحية نادرة والوصول إلى الماء وإلى الصرف الصحي شديد الرداءة“.
يخلص الاقتصادي الفرنسي ـ السوري سمير عيطة. إلى أنه “بين انخفاض قيمة العملة المحلية وحالات كوفيد ـ 19، يتواجد خطر أزمة إنسانية هائلة، سواء في سورية أو في لبنان: كل الناس يعيشون على احتياطياتهم“.
عنوان المادة: En Syrie, le régime Assad reste dans le déni malgré la progression du Covid-19
الكاتب: لور ستيفان ومجيد زروقي Laure Stephan et Madjid Zerrouky
المترجم: بدرالدين عرودكي
مكان النشر: Le Monde, le 29 août 2020
رابط المقال: https://bit.ly/2YQDA9C
عدد الكلمات : 1040