لور ستيفان/ ترجمة بدر الدين عرودكي

(*) الآراء الواردة في هذه المادة لا تمثل بالضرورة آراء المركز ولا مواقفه من القضايا المطروحة

حسب الاتفاق الذي قامت روسيا برعايته، على متمردي درعا القدماء الذين كانوا منذ عام 2018 يتمتعون بنظام خاص، أن يسلّموا أسلحتهم أو أن يجري إجلاؤهم خارج الجنوب السوري.

هل سيصمد وقف إطلاق النار؟ دخلت الهدنة حيِّز التنفيذ بدرعا يوم الأربعاء 1 أيلول/ سبتمبر، في نهاية محادثات فاوضت عليها روسيا وضمّت ممثلين محليين والجيش السوري. كانت المعارك قد اشتدت منذ نهاية شهر تموز/ يوليو في جنوب سورية. وكانت القوات الموالية للحكومة تبدو على وشك شنّ هجوم واسع ضد مهد الانتفاضة ضد نظام بشار الأسد في عام 2011: فقد كانت التعزيزات تتوالى وكان القصف قد تجدد في المنطقة. وفي يوم الأربعاء، انتشرت الشرطة العسكرية الروسية في المركز القديم لدرعا [درعا البلد]، قلب المدينة النابض.

ولصالح النظام، نصّ الاتفاق خصوصًا على وجود قوات الأمن السورية في هذا الحيّ، وكذلك طرد المتمردين القدماء الذين بقوا في المدينة منذ استسلام درعا عام 2018، والذين رفضوا التفاهم مع دمشق وتسليم أسلحتهم الخفيفة. ومن بين ضروب التقدم الهزيلة التي حصلت عليه اللجنة المحلية [لجنة درعا المركزية للتفاوض] كان رفع الحصار المفروض من قبل القوى الموالية للنظام، منذ نهاية شهر حزيران/ يونيو، لمركز درعا القديم [درعا البلد]. فقد أدى هذا الحصار إلى “وضع مدمر للسكان، كما أشارت ديانا سمعان، الاختصاصية بسورية في منظمة العفو الدولية، مع مؤونات غذائية على حافة النفاد، وعدم الوصول إلى العناية الطبية، وعدم وجود الكهرباء“.

إجلاء المقاتلين

الأزمة غير مسبوقة. ونظرًا لضروب الفشل السابقة في إحلال الهدوء، يبقى التفاهم المقرر هشًّا. بدأ تدهور الوضع في درعا في نهاية حزيران. وحتى ذلك التاريخ، كانت القواعد التي جرى التفاوض عليها مع روسيا عام 2018 هي المهيمنة: إذ كانت تنصّ على عودة الجيش إلى المنطقة، وهي على حدود الأردن، مع منح نصف استقلال ذاتي للمتمردين السابقين. هكذا استطاعوا المحافظة على سيطرتهم على بعض المناطق -كمركز درعا القديم [درعا البلد]- الممنوع على قوات الأمن، مقابل التخلي عن أسلحتهم الثقيلة والتحاق رجالهم بالوحدات التي تشرف عليها روسيا.

مبان متصدعة بدرعا في سورية. صورة نشرتها وكالة سانا في 31 آب/ أغسطس 2021، سانا بواسطة رويتر.

على أن السلطة السورية بدت في بداية الصيف عازمة على وضع حدٍّ لهذا الوضع. إذ طلبت بدعم من موسكو أن يتخلى المتمردون السابقون عن أسلحتهم الباقية، مقابل انسحاب الميليشيات الموالية للنظام من المنطقة (كان رحيل الجماعات الموالية لإيران مطلبًا مستمرًا من المتظاهرين بدرعا). رفضت ذلك لجنة الممثلين المحليين. فبدأ الحصار. بعد شهر من ذلك، تمَّ العثور على تسوية. لكنها لم تدم. فقامت الفرقة الرابعة في الجيش السوري المنتشرة في المنطقة بقصف المدينة. هاجم متمردون سابقون لرفضهم السلطة المتزايدة الممنوحة لدوائر الأمن مواقع النظام. وللانتقام منهم، اشتد القصف على درعا وسواها من المدن والقرى. وقد أدت ضروب العنف إلى نزوح أكثر من 38000 نازح خلال شهرين.

سبق وقف إطلاق النار إجلاء المقاتلين وعائلاتهم. هكذا وجب على عشرات الأشخاص أن يتخذوا طريق شمال غرب سورية، في منطقة إدلب، التي تقع تحت هيمنة المعارضة. في عام 2018، كان المتمردون السابقون قد رفضوا مثل هذا النزوح الذي كان قد نُظم في معاقل أخرى للثائرين التي استعادها الجيش، وحصلوا على ضمانات روسية.

منذ نهاية حزيران/ يونيو، كانت موسكو تنوس بين ترك تزايد العنف ظاهريًا على حاله وبين الوساطة. يأسف عمر الحريري، وهو مناضل في المعارضة، في تصريح له لوكالة الصحافة الفرنسية لـ “إلغاء [الوضع] الاستثنائي الذي حصلت عليه درعا قبل ثلاث سنوات“. قال إنه يتوقع أن يتكرر ذلك في مناطق أخرى نصف مستقلة. ونددت ديانا سمعان: “نفس التكتيك المستخدم ضد معاقل أخرى سابقة للمتمردين -قصف المناطق المسكونة من المدنيين، ومحاصرتها- كان قد استخدم من قبل النظام في درعا“.

أسباب عدة قدمت لتفسير ضغط الموالين في الجنوب. من بينها، الرغبة في الانتقام بعد مقاطعة الانتخابات الرئاسية في شهر أيار/ مايو، التي جددت بلا مفاجأة ولاية بشار الأسد. لكن الأسباب هي في الواقع “أشدُّ عمقًا“، كما كتب الباحث عبد الله الجباصيني، في مقال له نشرته مؤخرًا مؤسسة الشرق الأوسط. لم يكن النظام راضيًا قط عن القواعد التي وضعت في عام 2018، مع “الطابع شبه المستقل ذاتيًا لعاصمة المحافظة ووجود العديد من المتمردين الذين لم يقبلوا المصالحة مع أسلحتهم الخفيفة“. فهو وجود غير مقبول في نظر دمشق. وفوق ذلك، فإن ضروب عنف متقطعة “ارتكبت من قبل فاعلين غير معروفين“، كانت تهز جنوب البلاد منذ ذلك التاريخ، كما يذكر السيد الجباصيني: خطف، وقتل، وهجمات… أكثر من 10% من “المجموع العام لحوادث العنف التي حدثت بين آب/ أغسطس 2018 وحزيران/ يونيو 2021 في المحافظة كانت قد جرت في المركز القديم لدرعا [درعا البلد]“.

كانت لجنة الممثلين المحلية التي ضعفت، بحسب رأي الباحث، تأمل الحصول على خدمات أفضل لسكان درعا، وهو مطلب جوهري منذ عام 2018، وكذلك تحقيق تقدم حول مصير المعتقلين والمختفين. وهذه النقاط موجودة على خريطة الطريق التي رعتها موسكو.

قلق في الأردن

تتابع الأردن الوضع في جنوب سورية عن كثب. يقول الأكاديمي عامر السبيلة: “ما يجري في درعا هو مسألة أمن وطني في نظر عمان”، إذ إن هناك علاقات عائلية تربط سوريي درعا وأردنيي الرمثا على الجانب الآخر من الحدود. وهي حدود بقيت مغلقة أمام أي تدفق للاجئين.

الاعتبارات اقتصادية وأمنية. فالأردن الغارق في أزمة اقتصادية خطيرة يأمل إطلاق المبادلات الاقتصادية مع وعبر سورية، رواقها القديم نحو أوروبا. سوى أن ذلك يمر بالضرورة عبر تنشيط مراكز الحدود القريبة من درعا، وهو منظور مستحيل التحقيق في حالة اضطراب المنطقة.

 ذهب الملك عبد الله الثاني هذا الصيف إلى واشنطن، حيث عمل من أجل أن تحصل بلاده على شكل من الإعفاء في إطار قانون قيصر، هذه العقوبات الأميركية التي تعاقب كل تعامل مع النظام السوري. فوق ذلك، فالأردن، كما يقول السيد السبيلة: “يقلق إذا ما استمر الاضطراب، وإذا ما أدّى ذلك إلى تدفق الميليشيات نحو الحدود، أي ميليشيات حزب الله اللبناني وغيره من الجماعات الموالية لإيران. ففي نظر عمان، ستكون السيطرة على الجانب الآخر من الحدود من قبل فاعل غير حكومي غير مقبولة“.

عنوان المادة: A Deraa, un fragile cessez-le-feu à l’avantage du régime syrien

الكاتب: Laure Stephan

المترجم: بدرالدين عرودكي

مكان وتاريخ النشر: Le Monde, le 02 septembre 2021

رابط المقال: https://bit.ly/3mYmsvz

عدد الكلمات: 1160