لور ستيفان/ ترجمة بدرالدين عرودكي
(*) الآراء الواردة في هذه المادة لا تمثل بالضرورة آراء المركز ولا مواقفه من القضايا المطروحة
تحقيق صحفي: ضجر المتبرعين، وتقارب عمّان مع دمشق والركود الاقتصادي المُستمِرّ في المملكة الهاشمية يُضعِفُ مئات ألوف السوريين المقيمين في هذا البلد.
لكي يعيل أسرته، برهن أبو محمد دومًا على قدراته في تدبير أموره. كان في سورية يجمع العمل في مهنٍ عدّة. وفي الأردن، اكتشف مهنة ثابتة. أما اليوم، فهذا اللاجئ السوري البالغ من العمر 52 عامًا يبدو مفتقرًا إلى الإلهام. إذ إن دخله الوحيد يأتيه من بيع البالونات للأطفال، في شوارع مدينة المرفق الصغيرة/ في شمال المملكة الهاشمية. بالونات على مثال شخصيات الرسوم المتحركة، تضفي قليلًا من الألوان على جدران صالونه المتداعية.
كان أبو محمد خلال زمن طويل يأمل في تغيير سياسي في سورية. فقريته التي يفضِّلُ عدم ذكر اسمها والواقعة في جنوب البلاد كانت قد اعتنقت الثورة ضد نظام بشار الأسد، منذ بدايتها في ربيع 2011. كانت بعد ذلك قد استقبلت مجموعات من المتمردين. أما هو فقد عاش مختبئًا قبل أن ينتقل في عام 2012 إلى الأردن، حيث التحق بأسرته. ويؤكد: “لو لم أعثر إلا على شجرة كملجأ، لكنت اكتفيت بها، وما دامت الحكومة الأردنية ستستمر في قبولنا، فسوف أبقى هنا”.

إنه يعرف ذلك: فوضعه هش، والبطن ينتظر. هناك بلدان عربية، من بينها الأردن، تعود للحديث مع دمشق. لقد وضع الأردن في المقدمة مصالحَه الاقتصادية وحاجته إلى الاستقرار من أجل تبرير هذا التقارب. ينتظر الأردن مردودًا سريعًا لفتح المعبر الحدودي نصيب ـ جابر، الذي جرى مؤخرًا في الشمال.
إنذار للناشطين
رسميًا، لم يتغير موقف الحكومة الأردنية إزاء اللاجئين الذي يجمع بين الاعتبارات الإنسانية والأمنية. إنهم 670000 لاجئ، حسب إحصاء منظمة الأمم المتحدة، وحوالي مئة ألف لاجئ إضافي، حسب تقدير السلطات الأردنية. كانت قمة عدد الواصلين قد تحققت طوال سنة 2013، بعد انعطاف الانتفاضة والقمع نحو الحرب. في تلك الحقبة، كان استقبال المنفيين في البلدان المجاورة قد جرى تسهيله، بفعل هيمنة الإجماع بين معظم العواصم العربية على الوقوف ضد دمشق. سوى أن هذه الجبهة تتفكك ويهيمن الضجر على المتبرعين الغربيين.
كان إغلاق مكتب سوريا المباشر في عمان هذا الصيف، وهو موقع إعلامي معادٍ للسلطة السورية، قد استقبل من قبل المراقبين بوصفه إشارة استباقية. ضمانُ التعاون موجهٌ لدمشق، وإنذارٌ أطلق للناشطين. وحين جرى الاتصال من قبل جريدة اللوموند بمسؤول التحرير الموجود في ألمانيا، رفض هذا الأخير التعليق على هذا القرار. ولكن، حسب الموقع الإلكتروني لمجلة تقرير سوريا (The Syria Report)، أغلقت المكاتب بأمر من دوائر الأمن الأردنية. ويؤكد موقع المجلة: “إذا لم يقدم أي سبب رسمي من قبل الدولة الأردنية، فإن مصادر في عمان (…) أكدت أن هذا الإغلاق يبدو مرتبطًا بالتقارب الأخير الذي جرى بين الأردن وسورية”.
في الأردن، جاءت أكبر دفعة من اللاجئين السوريين من المحافظة الحدودية. هنا أيضًا، تتغير المعطيات: فقرية أبي محمد، بائع البالونات، الذي ذهبت اثنتان من بناته مع زوجيهما إليها، في طريقها للعودة تحت هيمنة النظام. منذ عام 2018، كانت الشرطة العسكرية الروسية -موسكو هي الداعم الأكبر للسلطة السورية- هي صاحبة السلطة فيها، كما هو الأمر في أمكنة أخرى مجاورة. لكن الجيش السوري، بموافقة موسكو، قام هذا الصيف بإعادة فرض سلطته على هذه المناطق، واضعًا نهاية لوضعها الهجين.

ذلك لا يمنع أم محمد، زوجة التاجر من أن “تريد العودة 200%”. وكما يرى زوجها “لقد استحوذ عليها الحنين، لكن المنطق يقضي بأننا أفضل هنا: فنحن نستفيد من الخدمات كلها ونعيش في أمان”. على أن الخوف من التوقيف من قبل المخابرات والدوائر الأمنية أو التجنيد الإجباري يبقى هو الكابح الأكبر أمام العودة. كما أن الانهيار في البنى السورية التحتية يؤدي دوره أيضًا في ذلك.
الأقرباء لا ينصحون بالعودة
تدفع الأزمة الاقتصادية، التي تفاقمت مع جائحة كوفيد ـ 19 في الأردن، بعض اللاجئين إلى التساؤل. تفصِّلُ ضحى، 19 عامًا، الوضع في المفرق: “العودة إلى سورية لم تكن ضمن مشاريعنا. لكن الوضع هنا يحملنا على التفكير: زوجي لا يجد عملًا، ونتلقى الأقل من المساعدات”. في باحة البيت الصغير الذي تسكن فيه مع عائلة أصهارها -ومجموعهم اثني عشر شخصًا- هناك فُرُشٌ تجفُّ تحت أشعة الشمس. نباتات معلقة بالسقف. “الاهتمام بها يشغلني”، تقول المرأة الشابة. يتناقض ضجرها مع شبابها. إنها حبلى بطفلها الثالث، بعد تركها المدرسة مرغمة. عرفت، وهي طفلة، القصف في سورية. لكن تأمين الحاجات اليومية لصغارها همٌّ متعِب. “على الأقل في درعا، لدينا بيت”. الأقرباء هناك لا ينصحون بالعودة، مستشهدين بـ “كلفة المعيشة، ونقص الماء والكهرباء”.

تؤكد دينا الخالدي، من جمعية سماء البادية بالمفرق، أن شروط اللاجئين السوريين تسوء. “في الربيع الماضي، كانت هناك تخفيضات في مساعدة البرنامج الغذائي العالمي [برنامج الغذاء العالمي، المرتبط بمنظمة الأمم المتحدة. كانت التخفيضات قد فسرت على أنها نتيجة النقص المتزايد في التبرعات]. وجَّه بعض اللاجئين غضبهم ضد مكاتبنا”، كما تتذكر. وحسب دينا الخالدي، جعلت جائحة فيروس كورونا، التي أعاقت متابعة المشروعات، المتبرعين أكثر تردّدًا. ومع ذلك، فهي تعتقد أن “الكثير من اللاجئين لا يريدون العودة”.
حين التقيناه في إربد، المدينة الثانية في الأردن، والقريبة من الحدود السورية، كان محمد، الذي يبلغ من العمر 28 عامًا، ومن مواليد منطقة درعا، قد تلقى رسالة من البرنامج الغذائي العالمي تُعلمه برفض طلبه الدعم الغذائي. قام بنقد المؤسسات الأممية المكلفة باللاجئين. هو أيضًا يرى أن الرياح تدور. “في الوقت الراهن لا نشعر بضغط ما. لكن المعطيات السياسية الجديدة [التقارب الحالي بين عمان ودمشق] سيكون لها بالضرورة تأثير علينا كلاجئين. ما الذي سيكون عليه أيضًا تأثير الأزمة الاقتصادية في الأردن؟”، كما تساءل.
“أحلم بمعانقة أهلي”
بالقرب منه، أخوه الذي يصغره بثلاث سنين، يقسم على الانتقام. يقول أ.، الأب، وهو ممرض سابق من دون ذكر تفاصيل الظروف: “كان قد اعتقل وعُذِّبَ عندما كان عمره 15 عامًا من قبل دوائر الأمن [السورية] متهمًا بالإرهاب”، وكان ذلك في بداية الانتفاضة السورية. “أعادوه إلينا في حالة شديدة السوء. لا يزال يعاني مضاعفات جسمانية ومشكلات نتيجة سلوكه العنيف”. تستبعد كل الأسرة بالطبع اجتياز الحدود. جرى إخراج صور قديمة، من الأيام السعيدة: ابتسامات سجلت لحظات رحلة إلى تدمر.

حين هربت من سورية عام 2012، لم تحمل معها إلهام، الأربعينية ذات العينين الباهتتيْن، مثل هذه الصور. ناضلت وحدها من أجل تربية أولادها في إربد. كانت تخيِّط وتطبخ من أجل تأمين التمويل اللازم. وحده بِكرها، وهو في الثامنة عشر من عمره، احتفظ بذكريات بلده الأم. الفتيان الثلاثة الأصغر لا يعرفون من وطنهم إلا ما رأوه عبر كاميرا الهاتف، حين يتصلون بأسرتهم التي بقيت هناك. تصف إلهام الوضع: “بالنسبة لي، (في البيت)، يعني في سورية. بالنسبة لأولادي، البيت، هو هنا، في الأردن”.

فلاحة سابقة في منطقة درعا، تتخيل نفسها بسهولة أنها تعيش ثانية في قريتها. ولكن، لكي تعود، يجب أن يستقر الوضع الأمني. “ما أحلم به هو أن أذهب في زيارة لسورية، لمعانقة أهلي، ثم العودة إلى هنا”. محض وهم: فاللاجئون الذي يجتازون الحدود يفقدون صفتهم. وإلهام التي تشعر بنفسها “مندمجة” في الأردن لا تستطيع أن تحول دون نفسها والتساؤل: “وماذا لو قيل لي أن أعود؟ ما الذي سيحصل لولدي، إن كان عليه أن يخضع للتجنيد في الجيش السوري؟”.
عنوان المادة: En Jordanie, l’avenir en pointillé des réfugiés syriens
الكاتب: Laure Stephan
المترجم: بدرالدين عرودكي
مكان وتاريخ النشر: Le Monde, le 20 octobre 2021
رابط المقال: https://bit.ly/3mgBdZX
عدد الكلمات: 1602