(*) الآراء الواردة في هذه المادة لا تمثل بالضرورة آراء المركز ولا مواقفه من القضايا المطروحة
ألكسندر أكسينيونوك/ سفير فوق العادة ومفوض لروسيا، نائب رئيس المجلس الروسي للشؤون الدولية
ترجمة/ سامر إلياس
أثار تقييم التأثيرات السياسية والاجتماعية الاقتصادية لوباء COVID-19 في التنمية العالمية، سجالات تحليلية ساخنة، بين كبار السياسيين والاقتصاديين وعلماء السياسة. وتباينت مجموعة الآراء تباينًا كبيرًا حقًا، من أن “العالم لن يكون أبدًا كما كان” (هنري كيسنجر)، إلى أن “الوباء سيسرع على الأرجح مسار التاريخ، بدلًا من إعادة صياغته” (ريتشار هاس- دبلوماسي أميركي كان يشغل منصب رئيس مجلس العلاقات الخارجية منذ تموز/ يوليو 2003). في هذا الصدد، نسأل: هل يجب أن نتوقع تغييرات جذرية في تفكير قادة العالم، أم أن الجمود الخطير في العقدَين الماضيَين سيظلّ سائدًا؟
الشيء الوحيد الذي يتفق عليه الأغلبية هو أن فيروس كورونا أغرق العالم في أزمة عالمية، على نطاق متعدد الأبعاد. وتزيد التطورات شديدة الحدة، وعدم إمكانية التنبؤ بالعواقب، من تأثير هذه الأزمة: تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، وانهيار أسعار النفط، والتباعد الاجتماعي السياسي، والزيادة المطّردة في الإنفاق العسكري، وسنوات عديدة من الصراعات “غير القابلة للحل”، ومخاطر متزايدة من فقدان السيطرة في سياق التنافس الجيوسياسي. إن ظهور أسلحة صاروخية نووية جديدة، وتكنولوجيا إلكترونية وتقنيات بيوتكنولوجية، و”حروب هجينة” غير مفهومة العواقب، يجعل هذا التنافس أكثر خطورة مما كان عليه أثناء المواجهة السوفيتية الأميركية.
في أي اتجاه سيمضي تطور الأحداث مستقبلًا؟ وهل ستظهر نقطة تحوّل؟ لا يزال من الصعب التحدث بثقة. على أي حال – وهذا أمرٌ يجمع عليه الخبراء والمحللون في روسيا والغرب- فإن ما يجري يُعدّ اختبارًا لجميع قادة العالم، لمعرفة مدى حكمتهم في إدارة الدولة وكفاءتهم، واختبار مدى بعد نظرهم وقدرتهم على الوصول إلى حلول وسط مرضية. بالنسبة للدول المتنازعة في الشرق الأوسط الكبير وقادتها، الذين تتعرض طموحاتهم في هذه اللحظة التاريخية لضغط قوي من الخارج ومن الداخل، سيكون هذا “الاختبار” مهمًا، ربّما أكثر من أهميته لبقية العالم المفكك والمترابط في الوقت ذاته.
الصراعات الداخلية “القديمة” في سورية وليبيا واليمن، والنوع الجديد من حركات الاحتجاج التي تطالب بتغيير النخب الحاكمة (شعار “كلن يعني كلن”) في الجزائر ولبنان والعراق، والتأرجح على حافة اشتباك عسكري في الخليج العربي، حالات عدم الاستقرار المزمنة هذه، تغذي العداوة المتبادلة باستمرار، وتفرض أولوية القرارات الأكثر حدة، والتفكير بروح “الفائز يحصل على كل شيء”.
ما تزال الحروب الإقليمية قضيةً مؤلمةً على جدول الأعمال العالمي، بين روسيا والغرب، المثقل أصلًا بعدد كبير بالفعل من المشاكل الحادة. في الوقت ذاته، أصبح من الواضح أن قوى الدفع والقيادة الداخلية باتت أكثر تأثيرًا من القوى غير الإقليمية، أقوى من التنافس الجيوسياسي بين روسيا والولايات المتحدة، وبين الدول الغربية (فرنسا وإيطاليا وألمانيا واليونان)، ومن ضمن تلك القوى تركيا، على سبيل المثال، في ليبيا. إضافة إلى ما يدور من صراع بين القوى الإقليمية (المملكة العربية السعودية وإيران والإمارات وقطر) في اليمن، وبين الجميع في سورية.
أثّر الوباء في ليبيا وسورية واليمن بدرجة أقل من الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية. ولكن في الوقت ذاته، يستمر عدد المصابين في هذه الدول في النمو، ويقترب تدريجيًا من حدود القدرات القصوى لهذه البلدان، التي أضعفتها سنوات الحرب والتدخلات الخارجية. وبهذا المعنى، هناك كثير من الأمور المشتركة بينها، مما يثير قلق المنظمات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة، ولجنة الصليب الأحمر الدولية والوكالات الإنسانية غير الحكومية. وحذرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، في بيانها الرسمي(1)، بالقول: “في البلدان التي تمزقها النزاعات، سيكون التعامل مع عدوى فيروس كورونا مستحيلًا -من الناحية العملية- ما لم تنتقل الحكومات والمنظمات الإنسانية إلى عمل مشترك فوري”.
على الرغم من مناشدات الأمين العام للأمم المتحدة وروسيا والولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية البارزة وأعضاء آخرين في المجتمع الدولي، تستمر العمليات العسكرية في المنطقة، تختفي حينًا، لتندلع بقوة جديدة. وللتعامل بنجاح مع عواقب الوباء، هناك حاجة إلى دولة قوية، وإنهاء العنف السياسي، ووجود سلطة شرعية في جميع أنحاء البلاد. وفي الوقت ذاته، في هذه المراكز الثلاثة للصراعات الإقليمية (سورية، اليمن، ليبيا) لم يتم استعادة وحدة الأراضي – المعيار الرئيس للسيادة الوطنية، وتبدو احتمالات التسوية النهائية غامضة إلى حدّ كبير.
يستمر الصراع من أجل الأرض والموارد. تعتمد الإدارات المحلية للأجزاء المكونة لهذه الدول إلى حدّ كبير على لاعبين غير حكوميين، وأنواع مختلفة من الميليشيات، ومن ضمنهم الإرهابيون. ولا يمكن للعديد من المناطق الحصول على المساعدة الإنسانية الدولية أو تُستخدم هذه المساعدات لأغراض سياسية.
دُمّرت النظم الصحية بالكامل أو قُوضت كثيرًا، وتعطلت وسائل النقل والاتصالات التجارية، حوالي 38.4 مليون شخص (25 مليون في اليمن، 11 مليون في سورية، و2.4 مليون في ليبيا)، وفقًا للأمم المتحدة، بحاجة إلى مساعدة إنسانية. حتى اليمن في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، لم يكن لدى منظمة الصحة العالمية -حتى وقت قريب- بيانات رسمية على الإطلاق، ومن ضمنها عدد الحالات (لمرضى كورونا). وتعدّ الحشود الكبيرة من السكان في المراكز الحضرية، وفي السجون وفي مخيمات اللاجئين والنازحين، مصدر انتشار للعدوى.
على خلفية الصورة العامة لصراعات الشرق الأوسط في سياق فيروس كورونا، تبقى سورية حالة خاصة. نتائج المواجهة الداخلية سيكون لها نتائج بعيدة المدى في المستقبل. قد تصبح تسوية النزاع السوري نموذجًا يمكن الاحتذاء به للمجتمع الدولي ومفتاحًا لحل عُقد النزاعات الأخرى، إذا تم التوصل إلى حلول وسط، أو قد تزرع لغمًا تحت آفاق التنمية الداخلية المستدامة لسورية، إذا لم تُستخلص الاستنتاجات الصحيحة من دروس عام 2011 في دمشق. لا يُستبعَد تقسيم البلاد إلى مناطق نفوذ، تُنفّذ في كلّ منها مشروعات إعادة تأهيل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية من قبل رعاة خارجيين (في الأراضي التي يسيطر عليها النظام، بمساعدة من روسيا وإيران والصين؛ وفي الشمال الغربي بمساعدة تركيا؛ وفي الشرق بدعم من الولايات المتحدة الأميركية وعدد من دول الخليج). لكن الخيار الأخير يبدو أقل احتمالًا.
في اجتماع حكومي موسع، في مطلع أيار/ مايو، أدلى بشار الأسد ببيان قوي، مشابه للبيان الذي أدلى به في صيف 2015، عندما كان النظام السوري على وشك الانهيار، وللمرة الأولى أقرّ الرئيس علنًا بنقص الموارد العسكرية الداخلية، مشددًا على ضرورة “الحفاظ على سورية المفيدة”. هذه المرة، بعدما بدا أن النظام عزز موقفه بمساعدة روسيا في المقام الأول، حذر بشار الأسد مرة أخرى مواطنيه والمجتمع الدولي من أن سورية قد تواجه “كارثة حقيقية”، إذا انتشر فيروس كورونا فيها. وقال إن المستوى الحالي المنخفض نسبيًا للإصابة (أُعلن عن 47 حالة رسميًا في ذلك الوقت) لا يعني أن سورية قد نجت من هذا الخطر. تُدرج منظمة الصحة العالمية سورية ضمن الدول عالية الخطورة(2).
كان هناك أكثر من سبب كاف لتصريحات من هذا النوع من قبل الرئيس. وبحلول نهاية عام 2019، لم يتبق سوى 64% من المستشفيات، و52% من المراكز الطبية العاملة في البلاد، بينما كان حوالي 70% من العاملين الصحيين بين اللاجئين والنازحين(3). وتتوزع المرافق الطبية العاملة جغرافيًا بشكل غير متساوٍ للغاية: ثلثان في دمشق، وفي محافظات اللاذقية وطرطوس، وصفر في دير الزور في شرق البلاد. في إدلب، وفقًا لمركز أبحاث بروكينغز(4)، هناك 1.4 عامل طبي، و100 جهاز تنفس صناعي لكل 10 آلاف نسمة. مباشرة بعد الإعلان عن الحالات الأولى لفيروس كورونا، قفزت أسعار الأدوية والمنتجات الغذائية بنحو 20-40% علاوة على التضخم السابق.
منذ الإعلان رسميًا عن الحالات الأولى لفيروس كورونا، في 22 آذار/ مارس، حشدت الحكومة السورية قدراتها الداخلية بثلاثة اتجاهات:
الأول منع انتشار العدوى في منطقة سيطرتها. في شمال غرب البلاد (عفرين وإدلب)، في الواقع، تُتخذ تدابير مماثلة من قبل السلطات المحلية، التي تقع تحت نفوذ تركيا وعدد من المنظمات المصنفة إرهابية، وفي الشمال الشرقي والمناطق شرقي الفرات المسيطر عليها من قبل الإدارة الكردية، نصت الإجراءات الإدارية والتشريعية المعلنة على إجراءات أكثر صرامة من تلك التي وضعتها المعايير الدولية. وفُرض حظر التجوال على الفور، وأغلقت الحدود الخارجية. شُددت الرقابة على النقل بين المحافظات وداخل المدن. بالنسبة إلى سورية، التي تربطها علاقات تجارية وثيقة واتصالات عبر الحدود مع لبنان والأردن وإيران (التي تربطها بسورية علاقات مكثفة بشكل خاص)، كانت هذه الخطوة حيوية. وفقًا للأوضاع حتى نهاية نيسان/ أبريل، سُجل في إيران أكثر من 79.1 % من عدد المصابين بفيروس كورونا في جميع دول الشرق الأوسط، و12.1 % في دول الخليج العربية، و8.8 % في بقية العالم العربي. ومع ذلك، لا يسمح وضع البلاد المقسم في سورية، بمحاربة منسقة ضد فيروس كورونا في جميع أنحاء البلاد. وهذا يخلق صعوبات خطيرة لتقديم المساعدة الدولية الممنوحة لها.
والثاني هو التخفيف من العواقب الاجتماعية والاقتصادية على النظام، ولا سيّما منذ اندلاع الاحتجاجات في ربيع العام الماضي التي شملت أيضًا مناطق السكان العلويين. فرضت الحكومة الرقابة على الأسعار، خاصة الأغذية والأدوية والضروريات الأساسية. وتقدم الحكومة دعمًا للوقود. وفي ما يخص المحتاجين بشدة، لجأت السلطات إلى نظام بطاقة للخبز. وفي الوقت نفسه، اعتمدت مجموعة من القرارات لإلغاء الإجراءات الإدارية والبيروقراطية، عند إبرام عقود استيراد السلع الضرورية بشكل خاص. ويمنح هؤلاء المستوردون السوريون امتيازات في سعر صرف العملات. من بين القرارات الاستثنائية التي اتخذتها الحكومة، يمكن أيضًا أن نذكر إعفاء أنواع معينة من الشركات من الضرائب لشهري نيسان وأيار، والإلغاء التدريجي (في الأيام العشرة الأولى من أيار/ مايو) للقيود المفروضة على العمل في قطاعات التصنيع في الاقتصاد وقطاع الخدمات.
الثالث تركيز الموارد المالية المتفرقة في يد الدائرة المقربة للسلطة الرئاسية، وقد يعني هذا الانتقال إلى سياسة التوزيع المركزي للعائدات الحكومية المخفضة، ويشير ذلك إلى نية السلطات مكافحة الفساد و”اقتصاد الظل” بشكل أكثر حسمًا (بين 2010 و2017، انخفض الناتج المحلي الإجمالي من 60.2 مليار دولار إلى 17 مليارًا). وفقًا لتجربة العديد من البلدان، ومن ضمنها البلدان الأوروبية، فإن تعزيز الانضباط المالي ضروري للغاية في أوقات الأزمات، وخاصة في مجال تحصيل الضرائب ومكافحة الأنشطة الاقتصادية غير القانونية.
ومع ذلك، في ما يتعلق بسورية، فإن الإعلام العربي والغربي بدا وكأن القائمين عليه يبحثون عن سبق صحفي، بدلًا من التحليل المتوازن للوضع من أجل المساعدة في إيجاد سبل للخروج من الأزمة، التي ازداد تعقيدها بسبب خطر تفشي وباء فيروس كورونا. من المؤسف أن التغطية الإعلامية، لآخر خطوات الحكومة السورية في المجال الاقتصادي، تمّ التعامل معها من خلال منظور الصراع بين الرئيس وابن خاله – رامي مخلوف أكبر ملياردير سوري.
تغطي إمبراطورية مخلوف التجارية بالفعل عددًا من قطاعات الاقتصاد الرئيسية: الاتصالات والنفط والغاز والمصارف والبناء والعقارات والتجارة وما إلى ذلك. بدأ صعود رامي مخلوف، بعد وقت قصير من وصول بشار الأسد إلى السلطة، في فترة قصيرة من الإصلاحات الاقتصادية الليبرالية. أثناء سنوات الحرب، عزز مخلوف موقعه في الاقتصاد السوري بشكل كبير، بسبب التسهيلات التي حصل عليها مقابل العمل الخيري ودعمه للميليشيات الموالية للحكومة. الآن حان الوقت لدفع الفواتير، وجُمد جزء من أصوله. وبلغ الصراع ذروته عندما قررت الأوليغارشية السورية في هذه اللحظة الحرجة للبلاد، الإعلان عن الخلاف الاقتصادي حول دفع الضرائب من شركة سيرياتيل بمبلغ 180 مليون دولار، وكان هذا سبب تسييس الصراع على نطاق واسع والمبالغة في الشائعات حول انقسام النخبة الرئاسية مثل ما حدث في المملكة العربية السعودية في نهاية عام 2017 (احتجز ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مؤقتًا عددًا من أفراد الأسرة الحاكمة، وطالبهم بمبالغ مالية كبيرة).
بمصادفة عرضية أو مقصودة، أصدرت وسائل الإعلام الغربية والعربية نفسها، في شهري نيسان وأيار، أنواعًا مختلفة من التكهنات حول موضوع العلاقات الروسية السورية. المقالات في الصحافة الروسية والشبكات الاجتماعية، مع انتقادات “بناءة” لسياسات دمشق غير المرنة (بشأن التسوية السياسية والفساد الواسع الانتشار) التي تعوق عملية إعادة الإعمار كما تعوق حل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية الأولية، تلقّت تفسيرًا مشوهًا وتحريفًا، كما لو أنها تعبير عن عدم رضا النخبة الروسية عن بشار الأسد شخصيًا.
حتى إن الحملة الإعلامية الموجهة طاولت المجلس الروسي للشؤون الدولية، والمواد التقييمية التي بغض النظر عن كونها تعجب أحدهم أم لا، فإنها تحتوي دائمًا على تحليل موضوعي وحقائق مؤكدة. ونقلًا عن مصادر سورية معارضة أشارت إلى تقرير ما للمجلس، نُشرت أخبار مفبركة حول وجود مخطط ما عند روسيا والولايات المتحدة وتركيا، مع إمكانية مشاركة إيران، لإبعاد بشار الأسد وتشكيل “حكومة انتقالية” من ممثلي “النظام السوري، والمعارضة و”الميليشيات الكردية”.
وأيضًا ما يبعث على الأسف الشديد هو ردّ الفعل العاطفي المفرط لبعض وسائل الإعلام الموالية للحكومة و”شخصيات عامة” في دمشق نفسها، والذي جاء بروح الخطاب الإيديولوجي للعصور السابقة والأفكار القديمة بالأسود والأبيض حول السياسة الخارجية. ينقسم مجتمع الخبراء الروس (الصحفيون الذين يخدمون مصالح الشركات البحتة لا يؤخذون في الحسبان) إلى “مؤيد” و”معارض” و”وطني”. و”مؤيد للغرب”، بالطبع، يسعى بعضهم إلى “تقويض علاقات التحالف بين روسيا وسورية”.
إذا كان العالم، على الرغم من العوائق العديدة التي تفصله، يبني تعاونًا تدريجيًا في مكافحة جائحة فيروس كورونا – “العدو المشترك”، كما أسماه أنطونيو غوتيريش (الأمين العام للأمم المتحدة)؛ فإن الوضع ذاته في ما يتعلق بالحالة السورية أكثر تعقيدًا.
وإضافة إلى منظمة الصحة العالمية والصليب الأحمر الدولي وعدد من المنظمات الدولية الأخرى، تأتي المساعدة الحقيقية الخارجية للحكومة السورية في هذه اللحظة الحرجة فقط من روسيا والصين، وبدرجة أقل من إيران، وإلى حدّ ما من بعض الدول الأوروبية والعربية. مع بداية انتشار فيروس كورونا، بدأت روسيا الإمدادات الإنسانية للأقنعة وأنظمة الاختبار والتشخيص وغيرها من المستحضرات والمعدات الطبية لسورية. لم تكن المساعدات الغذائية أقلّ أهمية بالنسبة إلى السوريين. في نيسان/ أبريل، وصلت شحنات من الحبوب الروسية إلى ميناء طرطوس، بعد أن ظهر نقص منها أخيرًا في السوق.
على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي أعرب عن دعمه لدعوة الأمين العام للأمم المتحدة، لرفع العقوبات عن عدد من الدول، ومنها سورية، من أجل ضمان تقديم المساعدات الطبية والإنسانية اللازمة؛ فإن المساهمة الكبيرة من أوروبا مشكوك فيها، من الناحية العملية. أولًا، لا يوجد إجماع بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بشأن سورية، وثانيًا، الشركات الأوروبية، كما هي الحال بشأن إيران، تخشى بشدة من تأثير العقوبات الأميركية الثانوية.
إن موقف إدارة ترامب، كما هي الحال في عدد من قضايا السياسة الخارجية الأخرى، غامضٌ إلى حد ما، إن لم يكن منافقًا. من ناحية، تم إصدار العديد من الاستثناءات والتفويضات والتراخيص الخاصة على الورق، لتقديم المساعدة الإنسانية لسورية وبعض البلدان الأخرى خلال مكافحة COVID-19. وُصف هذا الإجراء بالتفصيل في وثيقة وزارة المالية الأميركية الصادرة في 16 نيسان/ أبريل 2020 (وزارة الخزانة، واشنطن العاصمة، مكتب الرقابة الأجنبية، صحيفة الحقائق: تقديم المساعدة الإنسانية والتجارية لمكافحة COVID-19) من ناحية أخرى، تواصل الولايات المتحدة ممارسة “أقصى ضغط” على سورية، وتكثيف حملة التهديدات الشفوية، ضد بشار الأسد شخصيًا وتحذير تلك الدول، ومن ضمنها الدول العربية، المستعدة لتزويد سورية بالدعم المالي والمادي الضروري. حتى لو وافقت سورية على الاستفادة من الأحكام المتعلقة بالعقوبات، فمن غير المرجح أن يسفر ذلك، وفقًا للخبراء الأوروبيين، عن نتائج في ضوء العديد من العقوبات التي صدرت على مدار العشرين عامًا الماضية وتكرار بعضها البعض، وكذلك بسبب تعقيد الإجراءات البيروقراطية (5).
وفي الإطار ذاته، جاءت التصريحات العديدة التي أدلى بها في الأشهر الأخيرة الممثل الخاص الأميركي لسورية جيمس جيفري، متناقضة وغير متناسقة. فحينًا يقول إن الولايات المتحدة لا تريد الإطاحة بالنظام السوري وتدعم بدء عمل اللجنة الدستورية، وحينًا يؤكد أن الأسد غير مقبول بشكل قاطع، حتى كمرشح للانتخابات الرئاسية وفقًا للقرار 2254. الكشف عن اتصالاته مع الشركاء الروس وعدم الاستعداد للتدخل في العلاقات الروسية السورية لا يتوافق تمامًا مع تصريحاته التي تقول إن هدف الولايات المتحدة هو “دفع روسيا إلى التعثر” في سورية. وفي ما يتعلق بالقتال المشترك ضد الإرهاب الدولي، هنا يمكن للمرء أن يرى مراوغة واضحة في ما يتعلق بمنظمة “هيئة تحرير الشام”، التي لا يمكن اعتبارها إرهابية تمامًا، لأنها لم تقم بأعمال إرهابية خارج سورية، لكنها تحارب نظام الأسد فقط.
الحقيقة هي أن جائحة فيروس كورونا فاجأت سورية، وهي في حالة صراع غير محلول وتوترات اجتماعية، مع بنية تحتية مدمرة، وإمكانات داخلية وموارد مالية محدودة. في حالة الطوارئ هذه، من الضروري أن نفهم أن التغلب على الأزمة أو ببساطة تلبية الاحتياجات الأساسية للسكان، بغض النظر عن ميولهم السياسية، يرتبط ارتباطًا وثيقًا بحركة شاملة في العديد من الاتجاهات: تعبئة الموارد الاقتصادية المحلية، وخلق ظروف متساوية مواتية للشراكات والأنشطة بين القطاعين العام والخاص، وأعمال المستثمرين الخارجيين، وتوفير بيئة آمنة لعودة اللاجئين وأجواء مواتية للمصالحة الوطنية، وعلى الصعيد السياسي، ربط هذه الجهود بخطوات ملموسة تتماشى مع تنفيذ أحكام قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254، الذي كانت روسيا هي المبادر الرئيسي به.
- https://www.icrc.org/ru/document/covid-19-chtoby-otvesti-ugrozu-ot-lyudey-v-zonah-konfliktov-trebuyutsya-srochnye-mery
- https://www.reuters.com/article/us-health-coronavirus-syria-assad-idUSKBN22G25J
- https://blogs.eui.eu/medirections/corona-i-will-die-hunger-socio-economic-impact-covid-19-syrian-population-new-challenges-regime/
- https://www.brookings.edu/blog/order-from-chaos/2020/04/24/covid-19-will-prolong-conflict-in-the-middle-east/?utm_cmpaign=Broc
- https://www.thenewhumanitarian.org/analysis/2019/04/25/briefing-just-how-smart-are-sanctions-syria
المجلس الروسي للشؤون الدولية: تأسس في 2010 بناء على توجيه من الرئيس الروسي. يرأس المركز وزير الخارجية الروسي السابق إيغور إيفانوف. ويقدم الاستشارات لوزارة الخارجية والكرملين.
اسم المادة | Коронавирус и конфликты на Ближнем Востоке |
اسم الكاتب | ألكسندر أكسينيونوك |
المصدر وتاريخ النشر | المجلس الروسي للشؤون الدولية- 20 أيار/ مايو 2020 |
رابط المادة | https://russiancouncil.ru/analytics-and-comments/analytics/koronavirus-i-konflikty-na-blizhnem-vostoke/ |
المترجم | قسم الترجمة- سامر إلياس |
عدد الكلمات | 2506 |