عنوان المادة الأصلي باللغة الإنكليزية: | What the West Got Wrong in Syria |
اسم الكاتب | نيكولاس فان دام، Nikolas Van Dam |
مصدر المادة الأصلي | فورين بوليسي |
رابط المادة | http://foreignpolicy.com/2017/08/22/what-the-west-got-wrong-in-syria/?wpmm=1&wpisrc=nl_todayworld |
تاريخ النشر | 22 آب/ أغسطس 2017 |
المترجم | أحمد عيشة |
بينما يشدد الرئيس بشار الأسد قبضته على البلاد، يحين الوقت لأولئك الذين حاولوا إطاحته لتقويم (أين أخطؤوا).
إن كان على السياسيين الغربيين أنْ يتساءلوا عن سبب تحقيقهم عددًا قليلًا جدًا من أهدافهم في الحرب الأهلية السورية، ينبغي أنْ يبدؤوا بمراجعة قراراتهم وتفحصها. كانت مقاربة الغرب تجاه الانتفاضة السورية منذ البداية يهيمن عليها جرعةً زائدة من التفكير بالتمني. وفي ما يبدو، كان السياسيون يرتكزون في مواقفهم على ردات الفعل السياسية الداخلية اليومية، بدلًا من التركيز على الرؤية طويلة الأجل، والبراغماتية الموجهة نحو تحقيق النتائج التي كانت مطلوبةً للعمل نحو المساعدة الحقيقية في حلِّ الصراع.
وقد شدد السياسيون الغربيون معظمهم في وقتٍ مبكر على فكرة أنَّ الصراع لا يمكنْ حلّه إلا إذا أزيل الرئيس بشار الأسد من السلطة. كثيرون كانوا يظنون حقًا أنَّ النظام سوف يسقط في مدّة زمنية قصيرة نسبيًا. وتوقَّع عدد من السفراء في دمشق أن الأسد قد يرحل بحلول صيف عام 2012. وقد جرى التقليل من شأن قوة النظام تمامًا، جزئيًا بسبب الجهل، وغياب المعرفة بالنظام السوري، فضلًا عن التفاؤل في غير محله.
فالأكاديميون والصحفيون وصناع القرار الذين توقعوا أنّ هناك فرصة واقعية لبقاء نظام الأسد مدة أطول أو طالبوا الشرعية الأخلاقية للمعارضة (السلمية) المزعومة بأن تكون موضع تساؤل، خاطروا بأن يُتهموا بتأييد الأسد أو كونهم حتى ضد الديمقراطية. لقد سادت الحجج الأيديولوجية أحيانًا على الحجج الواقعية. وحتى الأمم المتحدة، ومبعوثوها الخاصون إلى سورية كانوا من وقتٍ إلى آخر مُتهمين بالانحياز للأسد بعد أي خطوةٍ يمكن تفسيرها بأنَّها لا تُعارض مصالحه.
كان لدى السياسيين الغربيين عمومًا أفكار واضحة حول ما لا يريدونه، ولكن لم يكن لديهم أفكار واقعية أو واضحة لما يريدونه بديلًا من الأسد. أرادوا نوعًا من الديمقراطية في سورية، ولكن إطاحة الأسد العنيفة لم يكنْ من المتوقع واقعيًا أن تؤدي إلى مثل هذه الديمقراطية السلمية المنشودة.
لم يواكب السياسيون دائمًا الحقائق على الأرض، واستمروا في استخدام الشعارات (الصحيحة سياسيًا) على الرغم من أنَّ حالة البلد لم تعد تسوغها تمامًا. واستمر وصف المعارضة السورية بأنَّها سلميّةٌ وديمقراطية، حتى بعد وقتٍ طويل من قيام قواتٍ أكثر تطرفًا، بما في ذلك الإسلاميون والجهاديون، باختطاف برنامجها، بينما كانت الحرب السورية جاريةً بالفعل. وفي وقتٍ لاحق، أصبح مفهوم المعارضة السلمية أسطورةً أكثر ما هي واقعًا كانت عليه في البداية. لكنَّ خطاب السياسيين الغربيين لم يتغير.
والدعم العسكري الغربي للمعارضة السورية لا يتطابق مع خطابها، ما أدى إلى تضخم توقعات المعارضة تضخمًا خطرًا. فلم يُقدَّم للمعارضة أبدًا دعم عسكري كافٍ لتركيع النظام، حتى عندما كان ذلك ضروريًا من أجل تحقيق الحلِّ السياسي الذي زعم الغرب أنَّه يريده. مع هذا المزيج، حُكِم على الثورة السورية بالفشل- بالتأكيد ما دام النظام يتلقى دعمًا عسكريًا من حلفائه: روسيا، وإيران، وحزب الله.
وقد تبيّن أنَّ الهدف المعلن من الدول الغربية لتسليح المعارضة كان مقيّدًا إلى حدٍّ ما عندما يتعلق الأمر بالواقع. عندما رُفع الحظر الذي فرضه الاتحاد الأوروبي على توريد الأسلحة إلى سورية نتيجة إصرار المملكة المتحدة، وفرنسا في عام 2013، لم يكن هناك- بعكس التوقعات- أيّ تغييرٍ كبير في ما يتعلق بتسليم الأسلحة للمعارضة.
اتضح أنّه لا توجد إرادة سياسية لتسليح أيّ طرفٍ من المعارضة إلى حد تمكّنه من فرصةٍ حقيقية لكسب المعارك ضد النظام، حتى عندما يكون الطرف العلماني في الغالب هو المعني. وأُثيرت تساؤلاتٍ حول أيّ من جماعات المعارضة الكثيرة ينبغي أن تكون مسلحةً، ولأيّ هدف، إذ إن الدول الغربية تريد بوضوحٍ تجنب احتمال إنشاء دكتاتوريةٍ إسلامية متطرفة.
ولكن هل كان هناك أيّ ضمانٍ بأنَّ الأسلحة المقدَّمة للآخرين لن تنتهي إلى أيدي الإسلاميين والجهاديين؟ وهل كانت الأسلحة تهدف حقًا للمساعدة في إسقاط نظام الأسد؟ أم كانت تقدّم أسلحةً تهدف أساسًا إلى مساعدة المعارضة في الدفاع عن نفسها؟ أو لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، وجبهة النصرة، وغيرها من المنظمات الجهادية؟ هل كانت بادرةً إنسانية؟ لم تكن هناك استراتيجيةٌ واضحة للولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، عدا أنَّ هزيمة الدولة الإسلامية أصبحت الأولوية.
وفي الوقت نفسه، أصبحت الجماعات الإسلامية الأكثر تطرفًا أقوى من الجيش السوري الحر المعتدل نسبيًا. وركّزت دولٌ مثل السعودية، وقطر دعمها أيضًا على المنظمات الإسلامية المسلحة بمثل أحرار الشام، وجيش الإسلام.
ما كان يريد الغرب أنْ يراه بوضوحٍ هو نظامٌ بديل ديمقراطي وعلماني وتعددي، ولكنَّ مثل هذا الإمكان ليس احتمالًا واقعيًا، وليس في المستقبل المنظور. وفي ما يتعلق بالجماعات المسلحة العلمانية التابعة للجيش السوري الحر، فإنَّها أصبحت تدريجًا أكثر تطرفًا نتيجةً للحرب الدموية طويلة الأمد. لقد أصبح التيار الإسلامي في سورية أقوى خلال الحرب السورية، وأصبحت العلمانية أقلَّ شعبيةً.
غيرَ أنَّ السياسيين الغربيين تجاهلوا هذا التطور إلى حدٍّ كبير، وواصلوا مداهنتهم لما عدّوه معارضة علمانية، ولكن ما داموا لم يزودوها بالوسائل اللازمة لكسب اليد العليا في المعركة، فإنَّ دعمهم المعنوي لم يكنْ له أيّ قيمةٍ حاسمة في ساحة المعركة. في حين إنهم ربما قد أراحوا “ضميرهم السياسي” من خلال التعبير عن دعمهم للمعارضة، كانوا يساهمون بغيرِ قصدٍ في إطالة أمد الحرب، ومساعدة الأسد على المضي نحو النصر، خصوصًا بعد أنْ بدأت روسيا بالتدخل عسكريًا لمصلحة النظام في أيلول/ سبتمبر 2015.
دعا القادة الغربيون في مناسباتٍ مختلفة إلى اتخاذ تدبيرات ضد النظام السوري، تدبيرات كانوا يدركون سلفًا أنَّها غير ممكنة، ولكن ألا تفعل شيئًا، أو ألا تتفاعل على الإطلاق، وتتكلم سياسيًا، ليس خيارًا مقبولًا للحكومات الديمقراطية. ومع ذلك، يمكن القول، من الناحية المنطقية، إنه في بعض الحالات كان من الحكمة ألا تفعلْ شيئًا بدلًا من أنْ تفعلَ الشيء الخطأ مع عواقبَ كارثية.
كان يتوقع من السياسيين (أنْ يفعلوا شيئًا). تعبيراتٍ مثل (ألا ينبغي أنْ نتدخلَ هناك؟) و(كيف يمكنك الجلوس فحسب، ومشاهدة كيف يتعرض الناس في سورية للقمع والذبح؟) أصبحت شائعةً جدًا، ولكن لم يجرِ فعل كثير في الممارسة العملية للمساعدة الجديّة لتغيير وضع السكان السوريين على الأرض.
كان السؤال الرئيس الذي دار خلال المناقشات حول الأزمة السورية هو: هل العدالة يجب أن تتحقق؟ كان الجواب: نعم، بالطبع، ولكن بأيّ ثمن؟ كان من السهل القول، على سبيل المثال، إنَّه ينبغي محاكمة الأسد على جرائم ضد الإنسانية في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. ولكنْ هذا لم يساعد في إيجاد حلٍّ.
إنَّ الفكرةَ القائلة إنَّ الأسد سيكون قادرًا على مغادرة سورية حيًا إلى مثل هذه المحكمة كانت غير واقعيةً إلى حدٍّ بعيد. حتى أنَّ بعض الناس قد تخيلوا أنَّ الرئيس الأسد سيبدأ بالتصرف والتفكير بشكلٍ مختلف عندما يعي أكثر إمكان المحاكمة في المحكمة الجنائية الدولية. ويبدو أنَّ ذلك كله هو تفكير تخيلي، أو تفكير بالتمني.
إنَّ الدعوة إلى العدالة جيدةٌ في حدِّ ذاتها، وكذلك توثيق جرائم الحرب التي ارتكبت جميعها. وكان لا بدَّ من القيام بذلك بطبيعة الحال، ولكن إضافة إلى المساعي الرامية إلى العمل على نحوٍ استباقي نحو إيجاد حلٍّ، ومنع مزيد من إراقة الدماء التي ستستمر بلا شكٍ إذا لم تُيسر المفاوضات الجادة بين مختلف الفصائل المتصارعة في سورية. ويجب أنْ تكون الدعوة إلى العدالة جزءًا من جهدٍ أوسع نطاقًا لإحلال السلام، بدلًا من التركيز فقط على من ارتكبوا الجرائم المرتكبة ضد الشعب السوري في الماضي القريب. ولا بدَّ من إيجاد حلٍّ سياسيّ قبل أنْ يتسنَى تحقيق العدالة. لا يمكن أنْ يكون العكس (أي العدالة قبل الحل السياسي).
في الواقع خلق الغرب توقعاتٍ كاذبة، وأعطى المعارضة الأمل في مزيدٍ من الدعم الغربي الذي لم يُقدّم في النهاية.
ومن خلال وسم حكم الرئيس الأسد بأنّه غير شرعيّ، ربما تكون الدول الغربية أخلاقية فحسب، لكنها بذلك أوقفتْ قبل الأوان أيّ فرصة كان عليها أنْ تضطلع بدور بناءٍ في إيجاد حلٍّ سياسيّ للأزمة. والسؤال هو: ما الذي ينبغي أنْ يكون له الأولوية – أنْ يكون صحيحًا أخلاقيًا، أو يُساعد في إيجاد حلٍّ؟
ويبدو أنَّ العوامل السياسية المحلية تعدّ أكثر أهميةً. وورد أنَّ روبرت فورد السفير الأميركي آنذاك لدى سورية، عارض مرارًا الدعوة إلى رحيل الأسد، بحجة أنَّ الولايات المتحدة لنْ تكون قادرةً على تحقيق ذلك، ولكن لم يؤخذ برأيه. وبحسب كريستوفر فيليبس، فإنَّ ((التكلفة المحليّة لعدم طلب رحيل الأسد كان يُنظر إليها على أنّها مرتفعةُ جدًا)) في الولايات المتحدة.
بدا أنَّ زيارة التضامن التي قام بها فورد، ونظيره الفرنسي إريك شوفالييه إلى المعارضة في حماة في تموز/ يوليو2011، كانت متعاطفةً من وجهة نظرٍ غربية، ولكنَّها أدَّتْ في الواقع إلى نهاية إمكان قيام الولايات المتحدة، وفرنسا أو دولٍ أخرى بأداء أيّ دورٍ بوصفها وسيطًا في الصراع. وقد أثارت زياراتهم آمالًا كاذبة بين المعارضة بأنَّ الدعم الغربي الأساس كان مقبولًا، وفي النهاية لم يكن الأمر كذلك كما كان مقترحًا.
في بعض النواحي، بدا الوضع شبيهًا بالوضع في جنوب العراق في عام 1991، عندما شجّعت الولايات المتحدة وغيرها من الدول المجتمع الشيعي على الانتفاض ضد حكم الرئيس صدام حسين، ولكنها لم تفعل شيئًا لمساعدتهم، عندما قُمعت انتفاضتهم بدموية.
وكما قال ديفيد ليخ: ((لقد أُشيد بأعمال فورد عالميًا في الولايات المتحدة، وفي أماكن أخرى من الغرب على أنَّها عملٌ شجاع لفت الانتباه إلى محنة المتظاهرين، وساعد ذلك في منع ما كان البعضُ يتنبأ به: مجزرة أخرى مثل مجزرة حماة في عام 1982))، ولكن من المحتمل أكثر، أنَّ أعماله وشوفالييه حققت العكس.
بعد أكثر من خمس سنوات، استعاد النظام السوري الجزء الشرقي من مدينة حلب في كانون الأول/ ديسمبر 2016 الذي كان تحت سيطرة قوات المعارضة العسكرية لأكثر من أربع سنوات (ودُمرت نتيجة لذلك) – الجزء الأكبر من المجتمع الدولي، بما في ذلك دول الخليج العربي، والدول العربية التي دعمت قوات المعارضة العسكرية معظمها، لا يمكنها أنْ تفعل أكثر من محض الوقوف عاجزة، وإصدار تصريحات بالإدانة الشديدة، والغضب الأخلاقي بشأن سفك الدماء، والفظاعات التي أفادت التقارير بأنّها وقعت. كانوا عاجزين عن التدخل سياسيًا أو عسكريًا لأنهم استبعدوا بالفعل أيَّ تدخلٍ عسكري في سورية قبل سنوات عدَّة ، ولم يعد لهم أيّ تأثيرٍ حقيقي في النظام السوري (الذي قطعوا العلاقات معه قبل سنوات) ولا على حلفائه: روسيا، وإيران لتغيير سياساتهما المتعلقة بسورية. وعلاوةً على ذلك، يبدو أنَّهم لم يزوّدوا الجماعات المعارضة بما يكفي من الدعم العسكري لكيْ تستطع كسب المعركة من أجل حلب.
في عام 2012، ما تزال الشخصيات البارزة في المجلس الوطني السوري تتحدث عن تفضيلها للتدخل العسكري، كما لو كان إمكانًا واقعيًا. وكان زعماء المنطقة يؤكدون للمعارضة بأنَّ التدخل “آتٍ بالتأكيد” لكنهم رفضوا قبول إمكان أن تختار الولايات المتحدة في النهاية رفض التدخل العسكري بعد عقود من استعراض القوى.
لقد استغرق الأمر وقتًا طويلا قبل أنْ تبدأ المعارضة بإدراك أنّها أصبحت ضحيةً للتوقعات الكاذبة التي خلقها من يسمون بأصدقائها الودودين في الغرب الذين لا يريدون أنْ يواجهوها علنًا، وأن يواجهوا أنفسهم بحقائق الوضع.