عنوان المادة الأصلي باللغة الإنكليزية: | Five Myths About Syrian Refugees |
اسم الكاتب | Max Abrahms, Denis Sullivan, and Charles Simpson |
مصدر المادة الأصلي | فورين أفاريس/ شؤون خارجية |
رابط المادة | https://www.foreignaffairs.com/articles/europe/2017-03-22/five-myths-about-syrian-refugees?cid=int-now&pgtype=hpg®ion=br2 |
تاريخ النشر | 22 آذار/ مارس 2017 |
المترجم | وحدة الترجمة والتعريب- محمد شمدين |
المحتويات
مسار الهجرة غرب البلقان إلى أوروبا
الأسطورة الأولى: اللاجئون السوريون معظمهم هربوا من الأسد
الأسطورة الثانية: صعوبة دخول اللاجئين السوريين إلى أوروبا
الأسطورة الثالثة: حماية اللاجئين من المهربين
الأسطورة الرابعة: التضيق على المهربين يساعد اللاجئين
الأسطورة الخامسة: اختلاف الثقافات يمنع الاندماج
الصوة: لاجئ سوري مع ابنته يسيران نحو الحدود اليونانية– المقدونية، أيلول/ سبتمبر 2015 – رويترز
تُعدّ أزمة اللاجئين السوريين أسوأ كارثة إنسانية في القرن الحادي والعشرين. فنصف عدد السكان -إضافةً إلى عدد القتلى الذي يقدر بـ 400 ألف- ويبلغ عددهم حوالى 11 مليون سوري؛ فروا من بيوتهم منذ بداية الصراع في آذار/ مارس 2011.
قبل إجلاء الناس عن شرقي حلب في أواخر 2016، أفادت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة (UNCHER) بوجود أكثر من ستة ملايين سوري نازحين داخل البلاد؛ وحوالى خمسة ملايين لاجئ فروا إلى دول الجوار: مصر، والعراق، والأردن، ولبنان وتركيا، ونحو مليون آخرين، طلبوا اللجوء إلى أوروبا ومعظمهم إلى ألمانيا. إن هذه الأزمة ليست مسألة حياة أو موت بالنسبة إلى ملايين السوريين فحسب، ولكنها مرتبطة مباشرة بدول الجوار السوري، وكذلك ببقية العالم.
ومع الافتقار إلى أدلة مباشرة على الأرض، أدى ذلك إلى تكهنات، ومعلومات مضللة، وضعف في وضع السياسات. واستجابة لهذا العجز المعلوماتي، نشر فريق بحث مكون من سبعة أشخاص من جامعة «نورث إيسترن» على امتداد مسار البلقان الغربي إلى أوروبا (انظر إلى الخريطة) للتحدث إلى المهاجرين السوريين، ليعلموا سبب مفادرة هؤلاء بلدهم، وكيفية المغادرة، وكذلك لدراسة عواقب هجرتهم على أنفسهم، وعلى أوروبا أيضًا. تحدث أعضاء فريق البحث اللغة العربية، كانوا من المواطنين الأصليّين أو ممّن أمضى وقتًا طويلًا في بلدان تعلموا فيها تحدث العربية بطلاقة، وتدربوا على التفاعل مع مجتمعات المهاجرين غير الحصينة.
مسار الهجرة غرب البلقان إلى أوروبا
خلافًا للدراسات السابقة، التي اعتمدت استبانات في بلد واحد – بمثل دراسات في لبنان أو ألمانيا- أجرى فريقنا مقابلات مفصلة وشاملة في مواقع عدّة على امتداد طريق البلقان، وإن كانت مع عدد قليل من اللاجئين. أُجريت المقابلات بصورة أساس بين صيفي 2015 و2016، في مخيمات اللاجئين، والمعابر الحدودية، ونقاط التفتيش، والمدن، وقوارب المهربين التي تنطلق من بلدان المغادرة (الأردن وتركيا)، وبلدان العبور (ألبانيا، وبلغاريا، واليونان، وهنغاريا، وإيطاليا، ومقدونيا، وصربيا)، وبلدان المقصد (بلجيكا، وألمانيا).
تتكون عينة بحثنا من 130 لاجئًا سوريًّا، ولا نزعم أنها تمثل اللاجئين جميعهم، ولكنّها اختيرت بعناية لتشمل الاختلاف مع مراعاة العمر، والجنس، والمكونات الاجتماعية والاقتصادية، ومستوى التعليم، والدين، والانتماء السياسي، وبلد الأصل، ومتغيرات السفر بمثل حجم المجموعة، مع أفراد العائلة أو من دونهم، وموقع طريق المهاجر. وزيادة في الثقة، جزّأنا هذه المعلومات إلى ثلاثة أجزاء مع ملاحظات إثنوغرافيّة (في وصف الشعوب) في المواقع كلها، ومع بيانات طرف ثالث حكوميّ أو غير حكوميّ، واجتماعات تكميلية مع عمال الإغاثة، وموظفي الأمن، وممثلين عن الحكومة، وزعيمي المجتمعات المحلية، حيث تطعن نتائج هذا العمل الميداني في خمس أساطير شائعات عن اللاجئين.
الأسطورة الأولى: اللاجئون السوريون معظمهم هربوا من الأسد
تحمّل المقولة السائدة الرئيس السوري بشار الأسد المسؤولية الأساس -إن لم تكن الوحيدة- عن أزمة اللاجئين. على الرغم من أن الدولة الإسلامية «داعش» قد تصدّرت عناوين الأخبار، يعرض الإعلام الغربي الديكتاتور العلوي بوصفه خطرًا حقيقيًّا على الشعب السوري، وأنّ المعارضة المسلحة تحميهم.
حذرت صحيفة وول ستريت جورنال في أيلول/ سبتمبر 2015 في مقال بعنوان «نظام الأسد ينفخ في أزمة اللاجئين»، وشرحت واشنطن بوست «هجرة السوريين» من بلدهم، مبينة أن «الدولة الإسلامية قتلت كثيرًا من السوريين، ولكن قوات الأسد قتلت أكثر».
لكن، هل يتحمل الأسد اللوم كله في أزمة اللاجئين؟ وفقًا للاجئين السوريين أنفسهم «لا»؛ فاللاجئون الذين تحدثنا إليهم معظمهم قالوا إنهم يشعرون بالخطر من جهة الأطراف المتصارعة جميعها في الحرب، وليس من الحكومة وحدها. وفي عينتنا من اللاجئين السوريين، ألقى 15 في المئة منهم باللوم على نظام الأسد، مقارنة بـ 77 في المئة قالوا إنهم فروا من النظام والمعارضة المسلحة كليهما. وهذا النموذج لوحظ في بلدان طريق البلقان كلها، فعلى سبيل المثال، قابلنا عبد الله ذا الـ 40 عامًا، في قرية هورغوس في صربيا، على الحدود مع المجر، وقد طلب ألا نكشف عن اسمه الحقيقي. في البداية اختُطف عبد الله من جبهة النصرة (وتعرف بجبهة فتح الشام/ جناح القاعدة في سورية) من دمشق. وبعد أن أطلقت النصرة سراحه، اعتقلته حكومة الأسد بسبب الاشتباه بعلاقته مع الثوار. وبعد تلقّيه التهديد من الطرفين كليهما قرر عبد الله الفرار رفقة زوجته وأولاده من البلد. ويتشارك لاجئ آخر في الثلاثين من عمره، في حي الفاتح بإسطنبول، وعبد الله تجربة مماثلة حيث قال: «لم يعد هناك من نثق به، ولهذا غادرت». فالخوف من الجميع كان هو القاعدة. وتحدثنا مع لاجئ آخر (34 عامًا) في دورتموند في ألمانيا، وقد كان اختطف من النصرة أيضًا، ثم اعتقلته الحكومة. قال: إن «التعذيب كان أكثر (قسوة) عند النصرة». وتقول طالبة (21 عامًا) من حلب، إنها شعرت بفقد الأمن مباشرة بعد أن «سيطر الجيش السوري الحر على المنطقة التي تعيش فيها»، لأنها وقعت تحت خطر مزدوج: أذى المتمردين، والقصف الجوي من جانب النظام. وكنّا قابلنا لاجئًا آخر في أثينا، قال لنا كم كان هو وأخوه ممتنّين، بعد أن طردت قوات النظام «داعش» من حيهم في دير الزور، ولكنهما وضحا أنّ الوضع غير مستقرّ أبدًا، ولا يمكن الاستمرار في العيش هناك.
في المجمل، فإنّ المحادثات المعمقة مع اللاجئين السوريين على امتداد طريق البلقان، وفي داخل دول الاتحاد الأوروبي تشير إلى أنهم لا يهربون من الأسد بصورة أساس، ولكن من حرب أهليّة معقدة بين عددٍ من المتصارعين الذين يمثّلون تهديدًا جماعيًا للسكان. فمقولة «لوم الأسد وحده» محض صدى، لأنّ اللاجئين معظمهم يعدّونه واحدًا من عددٍ من الجناة، جنبًا إلى جنب مع المعارضة و«داعش».
الأسطورة الثانية: صعوبة دخول اللاجئين السوريين إلى أوروبا
يؤكد صناع السياسة في الاتحاد الأوروبي وتركيا لمواطنيهم أن التدابير الأمنية الجديدة، بمثل سياج مضاف إلى الحدود، وزيادة نقاط التفتيش، والدوريات البرية والبحرية؛ منعت وصول اللاجئين إلى أوروبا بصورة غير قانونيّة. وقالت وكالة حماية حدود الاتحاد الأوروبي (فورنتكس) إن «التدابير الأمنية الإضافية على الحدود» قد «نجحت»، وذهب رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي دونالد توسك إلى أبعد من ذلك عندما قال: «أيام الهجرة غير النظامية إلى أوروبا قد ولّت»، ولكن ماذا يقول اللاجئون السوريون عن التدابير الجديدة؟
شدّد اللاجئون على سهولة تجاوز التدابير الأمنية الجديدة للاتحاد الأوروبي؛ فهناك مساحات واسعة من الأراضي الريفية التي تمكّن السوريون من خلالها السير بسهولة لعبور الحدود الوطنية؛ فقد نُقل أعضاء فريق البحث إلى نقاط عبور غير معروفة على امتداد الحدود التركية، واليونانية، والبلغارية، والمقدونية، والصربية والمجرية. يستخدم بعض اللاجئين حقول الذرة لتغطية حركتهم، وأدوات بدائية بمثل قاطع الأسلاك لعبور السياج. وحتى في المناطق المحصنة على الحدود، فاللاجئون -غالبًا- قادرون على العبور بعد عملية تفاوض. وفي عينة دراستنا، قال 75 في المئة من اللاجئين الذين قابلناهم؛ إنهم تمكنوا من العبور إلى داخل الاتحاد الأوروبي من محاولة أولى. وبالطبع، وهناك جزء كبير من اللاجئين السوريين لا يخرجون أبدًا من البلاد حتى بعد محاولات عدّة. ولكن اللاجئين الذين فعلوا ذلك أكدوا على سهولة تجاوز هذه التدابير الأمنية الجديدة، ولا سيما بالنسبة إلى أولئك الذين يحصلون على مهرب.
أكّد 75 في المئة من اللاجئين الذين قابلناهم، أنّهم عبروا إلى الاتحاد الأوروبي من المحاولة الأولى. وفي الحقيقة، فإنّ 60 في المئة من اللاجئين الذين تكلمنا معهم سافروا من دون حمل أي مستند، إذ قال لاجئ سوري (22 سنة) في أثنيا: «لم يسأل أحد عن مستنداتي». ولاحظ لاجئ آخر (21 عامًا) كان قد عبر من مقدونيا إلى صربيا من خلال نقطة تفتيش بيرسيفو، أن حرس الحدود غير مهتمين، وقال: «إنّهم لا يهتمون برؤية جواز سفرك|»، و|إنّهم لا يلقون بالًا إلى حصولك على تأشيرة أو أي شيء». وتدعم مقابلات مع خبراء الأمن في برسيفو، تصوّر اللاجئين لإغلاق الحدود، وتؤكّد أن تصوير اللاجئين لإغلاق الحدود يعبر عن رمزية كبيرة.
«حتى من دون مستندات سفر»، بهذه المقولة أكّد عدد من اللاجئين أنّ العملية تُعالج عادةً مع عناصر شرطة غير مدربة، أو خفر السواحل في 10 دقائق. وكانت الأسئلة المطروحة على اللاجئين روتينية؛ إذ وصف لاجئ سوري (27 سنة) في فرانكفورت، مقابلته الأمنية في ألمانيا بـ «السخافة»، وكان قد سُئل فيما إذا قد قتل أحدهم أو شارك في «جماعات متطرفة من مثل داعش أو غيرها»، وقال إنه قد جاوبهم ضاحكًا، بـ «لا، لم أقتل أحدًا. أنا أشبه بملاك». كانت الرشوة لعبور الحدود متفشية، وخصوصًا في المعابر؛ فقد أخبرنا لاجئ (21 عامًا) في فالكنيسي في ألمانيا أنه في أيلول/ سبتمبر 2015، دفع 10 يوروهات عن كل شخص -هو والمرافقون له من سورية والعراق ومن وسط آسيا- رشوة لرجال الشرطة الصربيين، في مقابل السماح لهم بعبور الحدود.
الأسطورة الثالثة: حماية اللاجئين من المهربين
وصل اللاجئون السوريون معظمهم إلى الاتحاد الأوروبي بمساعدة شبكات التهريب. كانت منظمة الشرطة الدولية «الأنتربول»، و«اليوروبول»، والمفوضية الأوروبية؛ عملت على نشر أشخاص أمن لحماية اللاجئين من هؤلاء المهربين، الذين يوصفون عادةً بأنهم شخصيات مفترسة، إن لم يكونوا الشرّ نفسه. وبحسب وصف مدير «اليوروبول» روب واينريت «كانت يوروبول في طليعة الداعمين لدول الأعضاء في مكافحة شبكات الإجرام التي تستغلّ المهاجرين اليائسين»، تسهم وسائل الإعلام في هذه الرواية. حيث عنونت «نيويورك تايمز» تقريرها بـ «أزمة اللاجئين تنتج فائزًا واحدًا: الجريمة المنظمة»، وقالت يو إس تودي لقرائها: «الحظ الجيد للمهربين على حساب المهاجرين»، إلا أن هذا فقد بريقه مقارنة بما يقوله المهاجرون عن المهربين.
وعوضًا عن تصوير المهربين بوصفهم مستغلين، كان اللاجئون يميلون إلى الإعراب عن امتنانهم، بينما وصفوا معاملة أفراد الأمن الأوروبيين بالقاسية، وغالبًا بالسيئة. في عينتنا، قال 75 في المئة من اللاجئين إنّهم «ممتنون» أو «ممتنون جدًا» لتجربة التهريب، مقارنة بـ 16 في المئة قالوا إنهم «غير ممتنين» أو «غير ممتنين جدًا»، و(نسبة 9 في المئة حيادية). وتصف أمّ متوسطة في العمر عبرت الحدود السورية التركية ثم الحدود التركية اليونانية الرجل الذي ساعدها بـ «المساعد جدًا»، واعترفت بأنها «نالت فائدة باستخدام المال»، ولكنها قالت: «لم تتعرض لسوء معاملة»، وشاطرها لاجئ يبلغ من العمر 20 عامًا في صربيا، القول إن مهربه أراد أن «يأخذ بعض المال»، ولكن من دون محاولة الخداع، أو التسبّب بالأذى له ولابنته. «أكد على سلامتها»، وثمّة قصص مماثلة رواها عدد من اللاجئين الذين سافروا على امتداد طريق البلقان. هناك بعض حالات الاستثنائية، ولكن اللاجئين معظمهم في عينتنا تحدثوا عن المهربين بتقدير، وشكروا لهم فعلهم لتأمين حياتهم.
بدلًا من وصف مهربيهم بالمستغلين، عبّر اللاجئون عن امتنانهم لهم. كانت نظرة اللاجئ إلى عناصر الأمن، في الاتحاد الأوروبي وخارجه سيئة جدًّا، إذ قالت لاجئة كبيرة في سن في مخيم ديفاتا قرب ثيسالونيكي في اليونان إن الشرطة التركية سجنتها، وأطلقت النار على اللاجئين. وتروى قصص مشابهة في ألينكو عن السلطات اليونانية؛ ففي صوفيا في بلغارية، لاحظ فريقنا أوضاعًا مغايرة، بمثل تحطيم مرافق الحمامات، والمياه الطافية في الممرات ضمن المخيمات التي تديرها الحكومة، وكانت هذه المخيمات في السابق سجونًا. أبلغ اللاجئون عن تعرضهم لهجوم من «الشبيحة)|) في جنوب شرقي البلاد، وربما كان ذلك بمباركة من الحكومة؛ حذّرهم الشبيحة، بالقول: «تذكّروا اسم هذا المكان، بلغاريا! وأخبروا أصدقاءكم، ألّا يأتوا إلى هنا!»، كذلك على امتداد طريق البلقان في هورغوس، أخبرتنا لاجئة سورية أن مجموعتها تعرّضت للسرقة والضرب من جانب الشرطة البلغارية.
تتحدّى الشهادات التفصيلية للاجئين على طريق البلقان المقولة التقليدية، التي يرددها المسؤولون بالدعوة إلى حمايتهم من المهربين. ووفقًا لبحثنا، ينظر اللاجئون إلى المهربين بوصفهم حلفاء، في حين يرون مسؤولي الأمن عمومًا قساة وعدائيّين وخطرين أيضًا.
الأسطورة الرابعة: التضيق على المهربين يساعد اللاجئين
منذ بداية أزمة اللاجئين، طبق الاتحاد الأوروبي مجموعة من التدابير المضادة للمهربين، تزعم بأنها تساعد في حماية اللاجئين السوريين ومنع الارهابين المحتملين من دخول أوروبا، من خلال تسيير دوريات على الطرق البحرية والمعابر الحدودية، وقد حاولت وكالات الاتحاد الأوروبي بمثل فورنتكس، ردع المهربين باعتقالهم، ومصادرة قواربهم، ورفع تكاليف نقل اللاجئين السوريين إلى أوروبا.
وأثبتت هذه الإستراتيجية رسميًّا فاعليتها؛ ففي شهادة أمام البرلمان البريطاني ريتشارد ليندسي، وبعدها رئيس قسم سياسات الأمن الخارجي في وزارة الخارجية ودول الكومنولث، قال إنه بسبب التدابير الأمنية في الاتحاد الأوروبي، «لم تعد شبكات التهريب تنشط من دون عقاب». ردّدت متحدثة باسم واحدة من عمليات مكافحة التهريب؛ العميلة صوفيا، صدى هذا التقييم (الوردي)، فالأثر الأبرز لمعاقبة المهربين، كان ارتفاعًا حادًّا في تكلفة خدماتهم- هذا الارتفاع أثر بصورة غير متناسقة في اللاجئين الفقراء أكثر من تأثيره في الإرهابين الأثرياء نسبيًا. وجد فريق بحثنا أنه بين أيار/ مايو 2015 وأيار/ مايو 2016 كان متوسط تكلفة وصول اللاجئ السوري إلى أوروبا قد ارتفع إلى 488 يورو، وارتفع متوسط تكلفة الأسرة الواحدة أيضًا مقدار 3.657 يورو.
ونتيجة هذه الزيادة في الأسعار، يشكو عدد لا يحصى من اللاجئين الفقراء أنهم عالقون عند المعابر الحدودية على طول طريق الهجرة تقريبًا، فالافتقار إلى المال هو العائق الوحيد أمام اللاجئين الذين يبحثون عن الدخول إلى أوروبا الغربية. وعلى الرغم من تشديد أمن الاتحاد الأوروبي، ما زال المهربون يهرّبون أولئك الذين يستطيعون تدبر نفقاتهم. وقد لاحظ فريقنا أن أعمال التهريب مزدهرة في المدن الرئيسة في النمسا واليونان وهنغاريا وصربيا وتركيا. ففي |باسمانه) وهو مركز تهريب في مدينة أزمير التركية، تضحك لاجئة سورية (20 عامًا) حين سُئِلت عمّا إذا واجهت صعوبة في إيجاد مهربين، وقالت «إنهم بالمئات»، وأضافت: «إذا أردت الذهاب لتناول الطعام في أي مطعم، يأتي المهربون إليك و يسألونك: هل تريد الذهاب إلى أوروبا؟».
ومع دعم الجماعات المسلحة التي تمولها دول الخليج، فإنّ الإرهابيّين أقل تأثرًا بارتفاع تكاليف التهريب، ويتفاخر مقاتل سابق في النصرة مقيم في أزمير بعبور الحدود السورية من دون عقاب، ويمضي مدة في تركيا قبل العودة إلى جبهات القتال في الخطوط الأمامية. يؤكد عاملو الإغاثة في المدن الحدودية هذه الرواية، إذ وصفوا حركة المقاتلين على الحدود بين سورية وتركيا بالحرة، حتى إنهم أكدوا أن المهربين ينقلون الإرهابين على متن القوارب إلى أوروبا، وهي نقطة فخر من قبل دعاية الدولة الإسلامية.
الأسطورة الخامسة: اختلاف الثقافات يمنع الاندماج
تقول الأسطورة الأخيرة إن اللاجئين السوريين لا يستطيعون الاندماج في أوروبا بسبب الاختلاف في ثقافتهم. باتت هذه التهمة مألوفة، في إن اللاجئين من المسلمين معظمهم لديهم قيم ثقافية غير أخلاقية بل خطِرة أيضًا، ما يؤدي إلى ارتفاع معدل الجريمة، وتهديد الإرهاب، والعنف الجنسي في أوروبا. وقد لعب السياسيّون في أحزاب اليمين دورًا كبيرًا في توليد هذا الخوف، محذّرين من أن تدفق المسلمين إلى أوروبا، سيؤدي حتمًا إلى صراع حضارات. نشر مارك فالندار من الحزب اليميني الألماني البديل «فور دوتشلاند» في (الفيسبوك) في بداية 2017 عن «حماقة استقبال اللاجئين»، مبينًا أنه ثمة اختلافات ثقافية واضحة وبسيطة بين أوروبا والشرق الأوسط، وأضاف: «ليس من الفراغ أن غرقت هذه البلدان في العنف». وكذلك شبّهت مارين لو بان -زعيمة الجبهة الوطنية الفرنسية المناهضة للاجئين- تدفق اللاجئين السورين بالغزوات البربرية التي دمرت الإمبراطورية الرومانية.
نظريًا، جاء اللاجئون بالفعل من ثقافة أخرى، وإننا نتوقع منهم كذلك أن يعربوا عن شكوك قوية في شأن أوروبا وثقافتها. وقد بيّن ثلثا اللاجئين في عينتنا أنهم غير راضين عن البلد المضيف، ولكن ليس لأسباب ثقافية كما هي العادة. وقد طُلب من اللاجئين وصف الصعوبات الرئيسة التي تواجههم في التكيف مع الحياة خارج سورية، ولا سيما شرح كيفية انتقالهم، وإبراز العقبات المهمة التي يواجهونها. عبر 27 في المئة منهم فقط عن إحباطهم تجاه الثقافة الأوروبية، مقارنة بـ 38 في المئة ركزوا في شكواهم على سوء المعاملة التي يلقونها من جانب حكومات أوروبية محددة، أو فشل السياسات المتبعة من المؤسسات متعددة الجنسيات، من مثل عدم كفاية توزيع المساعدات الاغاثية للأمم المتحدة.
وأكّد عدد من اللاجئين السوريين بأن مشكلتهم في أوروبا ليست الثقافة، فقد وصف لاجئ في الحادية والثلاثين، مقيم في حي دوغانتيب في أنقرة، أن السوريّين معظمهم يتبنون التنوّع: «السوريون حقيقة، أناس منفتحون. في إمكانهم العيش مع أي طائفة. ومع أي دين، مع المسيحية أو أيّ كان». في الحقيقة، وجد فريقنا أن بعض اللاجئين أكثر انزعاجًا من مسؤولي المخيمات في أوروبا من الإثنيات التركية والباكستانية والمغاربية المسلمة، لأن قراءتهم للإسلام متطرفة جدًا. وقال لاجئ في الخامسة والعشرين، في ماينتز في ألمانيا، إن الموضوع ليس «أسلوب الحياة الأوروبية»، فأصدقاؤه المسيحيون يعانون الأمر نفسه أيضًا.
يظهر اللاجئون فهمًا متقدمًا في إلقاء اللوم على المصاعب التي يعيشونها. فعلى سبيل المثال؛ انتقد لاجئ متوسّط في العمر -كانت دوريّة خفر السواحل اليونانية قد احتجزته للاشتباه بأنه مهرب- سياسات الاتحاد الأوروبي -وليست السياسة اليونانية وحدها- تسير على هذا الخطأ، وعبّر لاجئ آخر في الخامسة والعشرين عن تجربته في معسكرات اللجوء في اليونان ومقدونيا، ولم يلق باللوم -بسبب أشهر المعاناة التي قضاها من دون استقرار- على اليونان أو مقدونيا، إنّما على بروكسل وجنيف لأن دعمهم لجهد دول البلقان الفقيرة غير كاف.
ما لا يمكن إنكاره أنّه ثمة من يعاني الاندماج بسبب اختلاف الثقافة؛ فقد وافق شاب في برلين، على سبيل المثال، على أن بعض اللاجئين «لسوء الحظ…. ليسوا على استعداد للانفتاح على المكان الذي جاؤوا إليه». ولكن حين يظهر اللاجئون ثقافتهم، كانت تلقى الشكوى من جانب الأوروبيين عادةً، ولا سيما في تركياـ كان اللاجئون هدفا لكراهية الأجانب، فقد قال لاجئ سوري في الرابعة والعشرين، في حي الفاتح المكتظّ بالمهاجرين في إسطنبول، إنّ بعض الحراس الأتراك «عنصريون، هكذا وجدنا بعضًا منهم». وأضاف: «عانينا بصفتنا سوريين، شخصيًا أنا عانيت العنصرية». مع ذلك، لاحظ اللاجئون معظمهم أن العنصرية ليست مشكلة في مستوى أوروبا عمومًا، بل هي «حالات فردية».
عبر اللاجئون أنهم لا يرغبون في الرد على العنف. وفي حقيقة الأمر، شَكَوا أن للإرهاب أثرًا سياسيًّا عكسيًّا في المسلمين- وهي نقطة مؤكدة في دراسات ميدانية مدرجة في أدبيات الإرهاب. وقال لاجئ في ألمانيا: «بسبب أمور معينة تحدث في العالم، بمثل التفجيرات، والتطرف، كان هناك ردّات فعل تجاه اللاجئين». وأضاف: «إنّها تؤثر حقًّا في صورة السوريين في نظر الألمانيين»، وهناك استياء من السوريين، على الرغم من الترحيب بهم في البداية، إلّا أنّ الأمور الآن تغيّرت نوعًا ما، فالخوف من وصْفِهِ بطريق الخطأ بالإرهابي منتشر في نطاق واسع بين اللاجئين، وكثير منهم يقول إن وجود أقران لهم في سورية، يجعلهم كذلك أيضًا.
الآثار السياسية
نادرًا ما تنجح السياسات القائمة على الأسطورة، ولكن هذا ما يقدم عليه الاتحاد الأوروبي حتى الآن. وبعد أن كشفنا عن خمس خرافات عن سورية، نعرض مقترحات سياسية عدّة تعتمد وقائع كُشِف عنها في دراستنا على امتداد طريق البلقان.
1- ينبغي على المجتمع الدولي أن يكون أكثر انتقائية بشأن الجماعات المسلحة التي يدعمها في سورية، وقد أدى الدعم الغربي للمعارضة إلى تفاقم الصراع، ما أدى إلى تأجيج دورة العنف التي حاصرت المدنيين السوريين بين النظام ومعارضيه.
2- يجب أن تستثمر قوات الأمن في مساعدة اللاجئين، بفحص الإرهابيّين المحتملين. فاللاجئون غير المدرجين في لوائح الإرهاب مصدر في مكافحة الإرهاب، لأنّ لهم مصلحة شخصية في وقف الإرهاب، ومعرفة الآخرين في مجموعتهم.
3- ينبغي تحديد المسؤولين الأمنيّين على الحدود، ومعرفتهم، ومعاقبتهم. وينبغي أن يكون لدول البلقان إدارة في هذا الغرض، إلا أن المكاتب المخصصة تعاني نقصًا في عدد الموظفين، وهي من دون فاعلية. وينبغي دعم هذه الإدارات بزيادة مراقبين من الاتحاد الأوروبي، تهديدًا لصدقية العقوبات على الحكومات التي لا تمتثل للاحتياجات الإنسانية المهمة.
4- ينبغي على الحكومات التنسيق مع القطاع الخاص لشركات النقل، لتوفير الأمن، وبتكلفة أقلّ، بوصفه خيار هجرة بديل من المهربين؛ فليس الهدف زيادة عدد المهاجرين، ولكن المساعدة في حمايتهم.
5- ينبغي التشديد على إدماج المهاجرين بالتغلب على الحواجز العملية من مثل المساكن الفقيرة والبطالة، عوضًا عن الصدام الثقافي المبالغ فيه. على سبيل المثال، يمكن للحكومات أن تطبق ممارسات توظيف أكثر مرونة لا تتطلب من اللاجئين متطلبات لغوية صعبة، عندما تكون مهاراتهم الحالية كافية للعمل.
هذا العمل الميداني على امتداد طريق الهجرة في البقان يلقي ضوءًا جديدًا، لا على كيفية تعديل الاتحاد الأوروبي سياسته استجابة لأزمة اللاجئين، ولكن أيضًا على وجود العدد الكبير من اللاجئين في المقام الأول.