عنوان المادة الأصلي باللغة الإنكليزية: | The End of the CIA Program in Syria |
اسم الكاتب | فابريس بلانش Fabrice Balanche |
مصدر المادة الأصلي | فورين آفاريس |
رابط المادة | https://www.foreignaffairs.com/articles/syria/2017-08-02/end-cia-program-syria?cid=int-lea&pgtype=hpg |
تاريخ النشر | 20 تموز/ يوليو 2017 |
المترجم | محمد شمدين |
المحتويات
علاء فقير/ رويترز
مقاتلون للجيش السوري الحر في بلدة داعل، تموز/ يوليو 2017
أفادت صحيفة (واشنطن بوست) في 19 تموز/ يوليو، بأن وكالة الاستخبارات المركزية CIA أوقفت دعمها السري لمقاتلي المعارضة لحكومة الرئيس السوري بشار الأسد. والبرنامج الذي بدأ قبل أربع سنوات، كان يدعم قوات مرتبطة بالجيش السوري الحر (FSA) الذي تعدّه حكومة الولايات المتحدة معتدلًا سياسيًا، بمعنى أنه غير إسلامي. وقد استفاد من هذا الدعم حوالى 20 ألف مقاتل، كذلك مجموعات أخريات من قبيل الفرقة 13 وكتيبة حمزة شمالي غرب سورية وجنوبها، وأسود الشرقية في جنوب غربها. وعلى الرغم من أن تكلفة البرنامج بلغت مئات الملايين من الدولارات سنويًا، إلا أن أثره في قدرات المعارضة في قتالها لإسقاط الحكومة ظلت محدودة. بناءً عليه تمثل نهاية البرنامج امتيازًا عمليًا للواقع العسكري وقرار الولايات المتحدة بالتخلي عن سورية لروسيا، لكن النتيجة الأهم هي فقد صدقية واشنطن عند وكلائها في الشرق الأوسط.
معزولة وعاجزة
بدأ برنامج وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) رسميًا في حزيران/ يونيو عام 2013، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة كانت تقدم سرًا الدعم للمعارضة السورية منذ عام 2012. كان الهدف من البرنامج هو تمكين الجيش السوري الحر (FSA) ضد الفصائل الإسلامية، وبالأخص جبهة النصرة، الفرع السوري لتنظيم القاعدة الذي يعرف الآن بجبهة تحرير الشام (HTS). اقتنع كل من الرئيس باراك أوباما وقادة الكونغرس بتمويل برنامج وكالة الاستخبارات المركزية بعد التقارير التي أكدت استخدام النظام السوري الأسلحة الكيماوية. ووفقًا لشروطها، قدمت الولايات المتحدة إلى مجموعات المعارضة المعتمدة أسلحة خفيفة، وتدريبات عسكرية، ورواتب، صواريخ مضادة للدبابات أحيانًا. غير أن واشنطن رفضت دائمًا تزويد هذه الفصائل بالأسلحة الثقيلة من مثل صواريخ أرض- جو، خشية وقوعها في أيدي مجموعات مثل (HTS). (الفصائل المعتدلة في الجيش السوري الحر غالبًا ما كانت تقاتل جنبًا إلى جنب مع HTS وغيرها من الفصائل الراديكالية بمثل أحرار الشام، ولم يتردد الإسلاميون في شراء أسلحة الجيش السوري الحر أو الاستيلاء عليها).
دعم برنامج وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية مقاتلي المعارضة الذين يقاتلون نظام الأسد في الجبهة الشمالية للحرب الأهلية (بما في ذلك حلب وإدلب واللاذقية وحماة)، والجبهة الوسطى (حمص)، والجبهة الجنوبية (محافظات دمشق والقنيطرة والسويداء ودرعا)، إلا أن التطورات التي حدثت في السنوات القليلات الماضيات من الحرب، وبخاصة مع انشقاق الأردن وتركيا عن التحالف المناهض للأسد، جعلت هؤلاء المقاتلين غير فاعلين، وفي عزلة أكثر.
الوضع العسكري في سورية، آب/ أغسطس 2017. أعيدت طباعته بإذن من معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.
في الجبهة الجنوبية -وهي واحدة من المسارح الرئيسة للمعارضة المدعومة من الولايات المتحدة بسبب ضعف الوجود الإسلامي فيها- فشلت محاولات المعارضة كلها في السيطرة على دمشق، وكذلك محاولاتهم الأكثر تواضعًا في الاستيلاء على مدينتي درعا والسويداء. جُمد القتال على هذه الجبهة منذ بداية التدخل الروسي في أيلول/ سبتمبر 2015، عندما وافقت روسيا والأردن وحكومة الأسد على وقف إطلاق النار في محافظة درعا. أغلقت الأردن حدودها أمام إمدادات المعارضة، وأعطتهم أوامر بوقف المواجهة مع الجيش السوري. وإذا أردوا الحصول على الرواتب والأسلحة والحماية من الإسلامين عليهم أن يطيعوها. وقد أبدى وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري رسميًا سعادته بالتعاون الأردني- الروسي، ولكن في الحقيقة لم يكن لديه خيار آخر، فقد كان الملك عبد الله الثاني يريد منع الروس من تفجير الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة في محافظة درعا على الحدود الأردنية – السورية التي من شأنها أن تسبب تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين إلى بلده. كذلك كانت عمان تخشى من أن تؤدي الفوضى في جنوب سورية إلى تمكين الراديكاليين وجعل الأردن عرضةً للهجمات الإرهابية. ونتيجةً للاتفاق، اقتصر قتال مقاتلي المعارضة المعتدلة على محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وهيئة تحرير الشام (HTS).
بالنسبة إلى تركيا -التي هي في الأصل حليف في قتال الأسد- منذ تقاربها مع روسيا في آب/ أغسطس 2016 حولت أهدافها من إطاحة النظام السوري إلى منع الكرد في حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) من السيطرة على المناطق السورية من عفرين في الشمال الغربي في سورية إلى نهر الدجلة، وهي منطقة تتضمن تقريبًا 500 ميل من الحدود التركية – السورية. في مقابل الحصول على إذن روسي بالدخول إلى منطقة الباب في شمال سورية، من ثمَّ منع التواصل الجغرافي للمناطق الكردية، في إثره سحبت تركيا دعمها لجماعات المعارضة المقاتلة في شرق حلب في أواخر 2016، ما سارع في هزيمتها أمام الجيش السوري. اليوم، تدعم تركيا المقترح الروسي والإيراني لوقف إطلاق النار الذي يسمى بعملية آستانة. وحُثت الفصائل المدعومة من تركيا، مثل أحرار الشام على قتال هيئة تحرير الشام في محافظة إدلب، ولن يقاتلوا الأسد بعد ذلك. قررت أنقرة أنها بحاجة إلى سورية دولة مستقرة مركزية على الأقل للحد من تأثير حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) في حدودها الجنوبية.
الجبهة الوحيدة التي ما يزال المعارضون المدعومون من الولايات المتحدة نشطين فيها هي جبهة التنف في الجنوب الشرقي من سورية. المجموعات هناك، تعرف بأسود الشرقية، وجيش مغاوير الثورة (سابقًا جيش سورية الجديدة)، هن في وضع يسمح بتهديد دمشق ومنطقة قلمون الاستراتيجية في الجبال القريبة من الحدود اللبنانية – السورية. في ربيع هذا العام، استغلت المجموعات انسحاب داعش من الصحراء السورية الجنوبية بين الأردن وتدمر في الاستيلاء على مساحات شاسعات بين التنف والقلمون، إلا أن الهجوم المضاد الذي شنه الجيش السوري مع الميليشيات الشيعية العراقية سرعان ما حصر هذه المجموعات في التنف، حيث تحميها القوات الخاصة الأميركية، لكنها لا تشكل أي تهديد على النظام. وتريد الولايات المتحدة الآن نقلهم إلى شمال شرق سورية لمحاربة داعش، إلا أن معظمهم رفض، وهم ليسوا متحفزين جدًا لقتالها.
الانسحاب
من دون التعاون مع تركيا والأردن، لا يكون لدعم وكالة الاستخبارات المركزية للمعارضة السورية تأثير يذكر. وكان آخر هجوم كبير للمعارضة المدعومة من الولايات المتحدة هو مهاجمتهم لدمشق في صيف 2013 قبل أربع سنوات. منذ ذلك الحين، استطاعت الجماعات الإسلامية الواثقة من أيديولوجيتها التي تحظى بدعم أكبر من السكان المحليين والدعم من دول الخليج وتركيا؛ أن تتخطى الجماعات المعتدلة، وكانت القوى الأكثر فاعليةً ضد النظام. في شمال سورية، قضت هيئة تحرير الشام وداعش على المعارضة المدعومة من الولايات المتحدة. وفي الجنوب، لم يشارك المعتدلون في الهجمات الأخيرة التي أطلقتها هيئة تحرير الشام في محاولتها السيطرة على درعا. وفي محيط دمشق، ما تزال الغوطة الشرقية تقاوم، إلا أنه من المرجح أن تنهار في الأشهر المقبلة. في ظل أوضاع كهذه، كان دعم واشنطن للجماعات المعارضة غير مجدٍ، أي إن إنهاء برنامجها للتمويل لن يخل بتوازن القوى في سورية إلا أنه سوف يؤثر في إضعاف معنويات المعارضة، ويسرع من انهيارها. وحتى خيار قتال منخفض التكاليف ضد النظام السوري جرى التخلي عنه.
يمكن للجيش السوري الآن أن يلتفت إلى جماعات المعارضة التي ما زالت تقاوم غربي سورية، معظمها إسلامية بمثل هيئة تحرير الشام (HTS) أو المدعومة سعوديًا (جيش الاسلام)، مثل ما يحدث الآن في داريا والغوطة الشرقية، فالمنطقتان كلتاهما أُعلنتا منطقتين لخفض التصعيد في إطار عملية آستانة، ما يعني أنه على الجيش السوري وجماعات المعارضة احترام وقف إطلاق النار. من الناحية العملية، لا يهتم النظام السوري بذلك، وهو يستغل كل فرصة ليزيد من أفضليته، خصوصًا بعد التأثير الكارثي الذي أحدثه الإعلان الأميركي في معنويات المعارضة. تشعر المعارضة الآن بالضعف والخيانة. في الواقع، إن تأثير الإعلان يشبه إلى حد كبير سقوط شرق حلب في أواخر العام الماضي، ما دفع كثيرًا من الجماعات في محيط دمشق إلى البحث عن اتفاق مع النظام السوري. إذ فضلت بعض الفصائل إجلاءها إلى مدنية إدلب التي تسيطر عليها المعارضة، في ما اختار بعض آخر العفو الذي عرضه النظام عليهم، وانضموا إلى قواته الأمنية. وانضمت كتائب صغيرة منها إلى الجماعات الراديكالية بمثل هيئة تحرير الشام (HTS)، على الرغم من أنهم لا يشاركون هذه الجماعة أيديولوجيتها أو رغبتها في القتال.
عمر صناديقي/ رويترز
مؤيدون للحكومة السورية يلوحون بالعلمين السوري والروسي احتفالا بانسحاب المعارضة من الوعر في مدينة حمص، أيار/ مايو 2017
انتصار لـ “بوتين”
بقطع الدعم عن المعارضة التي تقاتل الأسد، أظهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن تغيير النظام لم يعد هدف الولايات المتحدة في سورية، لأن الإعلان جاء بعد لقائه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هامش اجتماع مجموعة العشرين، وفسره بعضهم من داخل الولايات المتحدة بأنه تنازل كبير لروسيا. تعتمد واشنطن الآن على روسيا لمنع النفوذ الإيراني في سورية، لأنه لم يعد بإمكانها أن تفعل ذلك مباشرةً. من وجهة نظرها، من الأفضل وجود قوات روسية جنوبي سورية على وجود قوات لحزب الله والحرس الثوي الإيراني، وهو موقف تتشاطره مع إسرائيل. بالنسبة إلى كل من واشنطن وتل أبيب، يعدّ نشر قوات روسية في المنقطة لتنفيذ وقف إطلاق النار أقل شرًا، وإن كان يجب ضمانه بتنازلات لمصلحة روسيا.
حتى وإن لم يعد أي معنى استراتيجي لدعم المعارضة، فإن التخلي عنها، مع ذكرى انسحاب الولايات المتحدة من العراق ما يزال طازجًا في ذكريات الشركاء، فهو يشكل سابقة سيئة أخرى لنهج الولايات المتحدة تجاه حلفائها في المنطقة. ويمكن للنظام السوري استعادة السيطرة على محافظة دير الزور في شرق البلاد (الآن تتحكم فيها داعش) من دون الخوف من هجوم من المعارضة في أماكن أخريات من البلاد. إن السماح بحدوث هذا، يعني أن الولايات المتحدة تتخلى عن السيطرة على الحدود العراقية – السورية، وتمكن الإيرانيين مدّ الجسر البري الذي طال انتظاره من طهران إلى البحر المتوسط عن طريق العراق، وسورية، ولبنان. فالقوى العربية السنية الموالية للولايات المتحدة ضعيفة جدًا لمنع هذه النتيجة، ثم إن قوات سوريا الديمقراطية (قسد) -التي تتبع الاتحاد الديمقراطي (PYD) وهي الجماعة الكردية التي تدعمها واشنطن في قتالها ضد داعش شمالي شرق سورية- ليست لديها الرغبة في محاربة النظام، وليس لها السيطرة على أراضي كثيرة خارج المناطق الكردية.
أخيرًا، فإن قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وهي العدو الرئيس لتركيا، تعرف الآن أن دعم الولايات المتحدة لها غير مضمون. فعلى قادة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) أن يتساءلوا عما سيحدث في حال سقوط الرقة، وإنهاء داعش هناك. على الأرجح، سيرون أن دعم الولايات المتحدة سوف يختفي عندها ستفقد قوات سوريا الديمقراطية فائدتها العملية، وتصبح مصدرًا للنزاع مع تركيا التي قد تحتاج واشنطن إلى تعاونها لكبح التمدد الإيراني في المنطقة. إن هذا سوف يشجع قوات سوريا الديمقراطية على التقرب من روسيا التي دأبت على دعم حلفائها في المنطقة، ويمكنها حماية قوات سوريا الديمقراطية من تركيا.
في الواقع، تقدم الولايات المتحدة النصر للأسد ولحلفائه. وسوف يكرس ما تبقى من هذا العام في إعادة الجيش السوري إلى شرق سورية، في حين من المحتمل أن يشهد عام 2018 تدمير الجيوب المعارضة المتبقية كلها غربي البلاد حتى تلك التي تسمى مناطق تخفيف التصعيد. أما بالنسبة إلى الرقة، فلن يكون أمام قوات سوريا الديمقراطية خيار سوى ترك المدينة للأسد في مقابل حكم ذاتي غير رسمي لمقاطعاتهم.
يبدو بوتين هو الفائز الأكبر في الحرب في سورية. وقد أعاد إلى روسيا قوتها الخارجية بتكلفة مالية وبشرية رخيصة نسبيًا، ما جعل بلاده مرة أخرى لاعبًا رئيسًا في الشرق الأوسط. وفي الوقت نفسه، سوف تأمل الولايات المتحدة في أن تنشأ مشكلات داخل التحالف الروسي- الإيراني في سورية، وقد يطول انتظاره. بخلاف إيران، ليست لدى روسيا الرغبة في إفساد علاقتها مع إسرائيل، لكن موسكو تشارك طهران مصلحة معادية للسعودية. يريد بوتين استيعاب الرياض التي تعد حاليًا المنظمة العالمية لأسعار النفط، فضلًا عن أنها الداعم المالي للجماعات الإسلامية التي اختبرت القوة الروسية في الشيشان، في حين إن إيران من جانبها لها ما يكفي من الذكاء في المحافظة على صبرها بعد أن حققت مزية في لعبة الشطرنج الطويلة في الشرق الأوسط. الفائزون هم الذين يمتلكون القدرة على الاستمرارية واستراتيجية طويلة الأجل، والقدرة على تأمين التعاون مع الوكلاء المحليين وشركائهم الإقليمين. بهذا المعنى، اتخذت الولايات المتحدة خطوة كبيرة إلى الوراء.