(*) الآراء الواردة في هذه المادة لا تمثل بالضرورة آراء المركز ولا مواقفه من القضايا المطروحة
متحدثًا إلى دبلوماسي في طهران، قدّم السفير الإيراني في بغداد تقريرًا عن أنشطته بين الشيعة العراقيين. وقال إن ذلك يتضمن زيارة أسبوعية لمدينتي النجف وكربلاء المقدستين، وتقديم رشًا لرجال الدين، وتشجيعهم على زيارة السفارة والقنصليات الإيرانية في العراق. قد يُنظر إلى تقرير السفير الإيراني على أنه مؤشر على زيادة مشاركة طهران في العراق، كجزء من جهود الجمهورية الإسلامية لزيادة نفوذها الإقليمي. ومع ذلك، فإن هذا التقرير الذي حصلنا عليه، من الأرشيف الوطني الإسرائيلي، كان بتاريخ 10 أيار/ مايو 1965. وقد كتبه المندوب الإسرائيلي في طهران، مائير عزري، بعد لقائه بالسفير الإيراني الجديد في بغداد، مهدي بيراشته.
لم تبدأ طموحات إيران الإقليمية، وكذلك برنامجها النووي، بالثورة الإسلامية عام 1979. علاوة على ذلك، فإن الاضطراب السياسي في العالم العربي منذ عام 2011 فتح فرصًا ضئيلة جديدة لإيران، لتوسيع نفوذها في المنطقة من خلال الاستفادة من نقاط ضعف الدول العربية. إن انهيار الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) ككيان إقليمي، والمكاسب التي حققها بشار الأسد -بمساعدة فيلق الحرس الثوري الإسلامي وروسيا- زوّدت طهران بمزيد من الفرص لتوسيع قبضتها على سورية والعراق.
ومع ذلك، نعرف، كل بضعة أشهر، أن إيران تفقد قبضتها على المنطقة. أولًا، كان ذلك بسبب العقوبات القاسية التي فرضتها إدارة ترامب، والتي “ضربت الإرهابيين بشدة”، وقيّدت بشكل كبير “مغامرتها العسكرية في المنطقة”. بعد ذلك، كان ذلك بسبب نجاح قوات الدفاع الإسرائيلية في منع إيران من ترسيخ نفسها في سورية. تبع ذلك تظاهرات في لبنان والعراق، كشفت أن “إيران تخسر الشرق الأوسط”. ثم، حدثت احتجاجات تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 في إيران، وزاد الأمل في تغيير النظام. وقد استُبدل/ أُبطل هذا، باغتيال فيلق القدس قاسم سليماني في كانون الثاني/ يناير، وكان ذلك الاغتيال ضربة قوية لخطط إيران للسيطرة الإقليمية. إن التهديد الأحدث المفترض لهيمنة إيران الإقليمية هو فيروس كورونا، الذي بدا أنه يبطئ أنشطة إيران الخبيثة، عبر الشرق الأوسط.
من المؤكد أن إيران واجهت العديد من العقبات الأساسية، بينما كانت تسعى إلى تعزيز نفوذها الإقليمي. كما تمكنت الأنشطة الإسرائيلية من تأجيل وتيرة الترسخ العسكري الإيراني في سورية، وكذلك تسليح حزب الله اللبناني بصواريخ موجهة بدقة. إن وجود روسيا والولايات المتحدة وتركيا يحد أيضًا من قدرة إيران على تشكيل سورية والعراق، كجزء من مجال نفوذها. وإضافة إلى ذلك، أثار تدخل إيران الواسع في الشؤون الداخلية لبغداد ودمشق وبيروت معارضة سياسية وعامة متنامية في العالم العربي. وقد أدت الاستثمارات المستمرة التي تقوم بها طهران خارج حدودها، على حساب معالجة محنة مواطنيها، إلى مزيد من الانتقادات الداخلية في إيران.
أوصلت أزمة كورونا إيران إلى أصعب أوقاتها. كما أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي لعام 2015 وإعادة فرض العقوبات من جانب واحد، أدّيا إلى تفاقم المشاكل القائمة بالفعل، وقد دُفع الاقتصاد الإيراني إلى أزمة غير مسبوقة. وأدى الانخفاض الحاد الأخير في أسعار النفط، بسبب حرب أسعار النفط بين روسيا والمملكة العربية السعودية، إلى تفاقم الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها إيران. كما وجهت وفاة سليماني ضربة قوية لقدرة إيران على تحقيق أهدافها الاستراتيجية في الشرق الأوسط، على المدى القصير على الأقل.
ومع ذلك، أثبتت إيران مرارًا وتكرارًا أنها، على الرغم من القيود المفروضة عليها ونقاط ضعفها، تمكنت من الاحتفاظ بالتهديدات، ومن تحويلها إلى فرص لا تحافظ على بقاء النظام فحسب، بل على نفوذها الإقليمي أيضًا. تعرف إيران، بالتأكيد، كيف تلعب اللعبة الإقليمية، مقارنة باللاعبين الآخرين القريبين. إن لدى طهران الصبر على الانتظار حتى تتحقق طموحاتها، وهي تتمتع بتصميم وبراغماتية كبيرين، مع معرفة كيفية تكييف استراتيجيتها لمواجهة التحديات الجديدة.
في الواقع، قد يشير النشاط الإيراني الأخير في العراق -وسط التصعيد المتزايد بين القوات الأميركية والميليشيات الشيعية الموالية لإيران والتطورات السياسية في بغداد- إلى أن طهران، بعد وفاة سليماني، تعيد تقييم مهامها وتعدّل طريقة عملها؛ نتيجة لتغيير الظروف بطريقة تسمح لها بتحقيق مصالحها -مثل إجبار الولايات المتحدة على الانسحاب من العراق- بنجاح أكبر.
في 9 نيسان/ أبريل، أعلن رئيس الوزراء العراقي المكلّف، عدنان الزرفي، انسحابه من مهمة تشكيل حكومة جديدة، بعد مقاومة شديدة من الأحزاب السياسية المدعومة من إيران، التي اتهمته بأنه “عميل أميركي”. ثمّ كلّف برهم صالح، الرئيس العراقي، مصطفى الكاظمي (رئيس المخابرات العراقية) رئيسًا للوزراء. في الأسابيع القليلة الماضية، واصلت إيران جهودها للتأثير في عملية تشكيل الحكومة الجديدة في العراق، في ضوء مخاوفها من احتمال نجاح الزرفي في تشكيل حكومة جديدة.
من المؤكد أن الكاظمي ليس هو الشخص الذي يرغب الإيرانيون في رؤيته رئيسًا للوزراء في العراق. ولكن عندما اضطرت طهران إلى الاختيار، بينه وبين الزرفي، تمكن الإيرانيون من توحيد القوى السياسية الرئيسة في العراق ضد السياسي الذي يُعتقد أنه التهديد الأكبر لمصالحهم. هذه المرة، لم تُنفذ جهود إيران للتأثير بنجاح على العملية السياسية في العراق من خلال قاسم سليماني. وكبديل عنه، قام بتنفيذها علي شمخاني، سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، الذي زار بغداد الشهر الماضي، والتقى الكاظمي، وكذلك عبر قائد فيلق القدس الجديد، إسماعيل قاآني، الذي زار بغداد الأسبوع الماضي. نعم، إنه قاآني نفسه الذي ادعى البعض أنه سيجد صعوبة في ملء مكان سليماني.
وما يصح عن النفوذ الإقليمي لإيران يصحّ أيضًا بشأن استقرار نظامها واقتصادها. لقد واجهت إيران بالتأكيد العديد من التحديات في الداخل والخارج، ولكن مثلما لم يتراجع نفوذها الإقليمي بهذه السرعة، فلن يرجّح أن ينهار النظام أو اقتصادها قريبًا. في الواقع، أدت سنوات من العقوبات الاقتصادية ومركزية اقتصادها، والذي يتميز بمشاركة واسعة من المؤسسات الحكومية والحرس الثوري الإيراني، إلى حدّ ما، إلى تحسين قدرة إيران على التكيف مع الأزمات.
بالنسبة إلى كثيرين، الأمر محبط ومخيّب للآمال، لكن هذا هو الوضع، على الأقلّ في الوقت الحالي. وإنّ أي شخص يواصل الترويج لاستراتيجيات على أساس الافتراض بأننا على حافة شرق أوسط جديد، من دون جمهورية إيران الإسلامية (التي كانت تبدو على وشك الانهيار طوال عقود)، ومن دون علي خامنئي المرشد الأعلى آية الله (الذي كان على وشك الموت منذ أعوام)، أو من دون ميليشيات مؤيدة لإيران في المنطقة، سيضطر إلى منافاة الواقع، مرارًا وتكرارًا. إيران دولة معقدة ومتطورة، ولها تاريخ طويل ومجموعة متنوعة من مراكز القوة. ومع ذلك، ولهذا السبب بالتحديد، تحتاج إيران إلى تحليل رصين ومسؤول، على أساس التأكيدات القائمة، بدلًا من المقاربات التهويلية (التي تتجاهل نقاط ضعفها) أو التفكير الرغبوي الذي يبالغ في نقاط ضعفها.
اسم المقالة الأصلي | Iran’s regional ambitions are not going anywhere |
الكاتب* | راز زيمت، Raz Zimmt |
مكان النشر وتاريخه | المجلس الأطلسي، The Atlantic Council، 10 /04/2020 |
رابط المقالة | https://www.atlanticcouncil.org/blogs/iransource/irans-regional-ambitions-are-not-going-anywhere/ |
عدد الكلمات | 976 |
ترجمة | وحدة الترجمة والتعريب/ أحمد عيشة |
*- الدكتور راز زيمت: باحث في معهد دراسات الأمن القومي (INSS) متخصص في إيران. وهو أيضًا دارس مخضرم لإيران في جيش الدفاع الإسرائيلي.