ترجمة أيمن أبو جبل
(*) الآراء الواردة في هذه المادة لا تمثل بالضرورة آراء المركز ولا مواقفه من القضايا المطروحة
الأحد 11 حزيران/ يونيو 1967، أصبحت الهضبة السورية مجروحة ومذهولة، بعدما أنهت كتائب الجيش الإسرائيلي احتلالها في الليلة السابقة، وبذلك انتهت حرب الأيام الستة، ومن بين حوالي 130 ألف مواطن في الهضبة، لم يبق سوى عدد قليل من المدنيين، في مدينة القنيطرة وفي القرى المحيطة بها.
وفي مقابلة مع مانو شاكيد (قائد الفوج الثالث مشاة في الجيش الإسرائيلي، إبّان حرب الأيام الستة)، اعترف بوجود أمرٍ غير مكتوب: “التحقق من عبور المواطنين السوريين في الهضبة السورية الحدود ومن المغادرة وعدم العودة”. وعندما سُئل كيف حدث ذلك؟ أجاب: “أتيناهم وقلنا لهم يجب أن ترحلوا، وكان هناك شركس ودروز ومسلمون. كان الشركس في الواقع لطفاء، لكننا لم نطرد الدروز. أتيت إلى قراهم للقائهم، حاملًا معي سلاحي بمرافقة بعض الجنود، واجتمع أمامي رؤساء القرية وتحدثت إليهم قليلًا بالعبرية، وبقليل من الإنجليزية، ثم قال لي أحدهم: (اسمع، أنا درزي، وهذا بيتي، وهذه قريتي، إسرائيل ليست دولتي. إن كنتم جيّدين معنا، فسنكون أصدقاء، وإن قررتم طردنا من أرضنا فسوف نقاتلكم، وإننا نعرف كيف نقاتل. قد تفوز أنت في القتال، لكن عليك إعادة التفكير في كل خياراتك). قلت لهم إنني لن أفعل أي شيء ضدكم. “
هذا المقال هو سلسلة من قصة تهجير مواطني الجولان السوري بعد حرب الأيام الستة. وهذه المرة نتناول قصة الدروز الذين لم يُطردوا.
من حسن حظ السكان الدروز في هضبة الجولان في حزيران/ يونيو 1967، أنهم لم يفقدوا منازلهم وأراضيهم وقراهم، مثل باقي سكان الجولان السوري. وبحسب إحصاء السكان في آب/ أغسطس 1967 الذي أجرته الإدارة العسكرية في هضبة الجولان، بلغ عدد سكان قرية مجدل شمس 2918 نسمة، و 1425 في بقعاتا، و 705 في مسعدة، و 578 في عين قينية، و 173 في سحيتا. وتكشف هذه المعطيات أن قرية (مجدل شمس) لم تكن مهجورة قط، وأن قريتا (مسعدة وسحيتا) كانتا مهجورتين جزئيًا. سُمح لسكان هذه القرى بالبقاء، كجزء من سياسة إسرائيل المتعاطفة مع الدروز، تمامًا كما حدث في عام 1948، ولم تطردهم إسرائيل. لم يُجبر سوى سكان قرية (سحيتا) على ترك قريتهم في عام 1970، حيث كانت قريبة جدًا من الحدود، ثم دمّرت لاحقًا، وانتقل معظم سكانها إلى قرية (مسعدة). ويقدّر عدد السكان الدروز في مرتفعات الجولان اليوم بنحو 26 ألف نسمة.
مع نهاية حرب الأيام الستة، توجّه قادة الطائفة الدرزية في إسرائيل، إلى رئيس الوزراء ليفي أشكول، ووزير الدفاع موشيه ديان، ووزراء وشخصيات أخرى، وناشدوهم معاملة أبناء الطائفة في الجولان بطريقة حسنة. وفي رسالةٍ أرسلها المعلمون في قرية (دالية الكرمل) في 22 حزيران/ يونيو 1967 إلى رئيس الوزراء ليفي أشكول، ورد قولهم: “نحن، المعلمين الدروز في دالية الكرمل، نفتخر بكوننا مواطنين في هذا البلد، ونثمن الانتصارات الرائعة للجيش الإسرائيلي، التي احتل خلالها الهضبة السورية، حيث يعيش حوالي 8000 درزي، وكوننا مواطنين يخدم أبناؤنا في جيش الدفاع الإسرائيلي، ولكون السكان السوريين قد تعرّضوا للاضطهاد الشديد خلال فترة النظام السوري؛ نطالبكم بالاهتمام بمصير الدروز المذكورين، وتزويدهم بالمواد الغذائية والإمدادات اللازمة، والتفكير بمصيرهم خلال أي مفاوضات مع سورية، خشية الانتقام منهم، كما فعلوا بهم في فترات سابقة”.

لكن إسرائيل، على الرغم من طردها سكان القرى السورية الأخرى، لم تفعل، ولم تكن لديها النية بإلحاق الأذى بالدروز من هضبة الجولان، أو إزالة قراهم؛ إذ كان في خلفية القرار الإسرائيلي (الإبقاء على الدروز في الجولان)، إمكانية لإقامة دولة درزية تشكل منطقة عازلة بين إسرائيل والأردن وسورية. وقد شهد التاريخ سابقًا مثل هذه الدولة في العام 1921، في أثناء الحكم الفرنسي لسورية، واستمرت مدة 15 عامًا تقريبًا. وكان صاحب الفكرة في تجديد فكرة إقامة هذه الدول الوزير إيغال ألون الذي أثار الموضوع مع رئيس الوزراء ديفيد بن غوريون منذ عام 1946، وكررها عند انتهاء حرب الأيام الستة. في محادثات مع رئيس الوزراء أشكول وموشي ديان وإسحاق رابين، وكبار مسؤولي الموساد وقادة المجتمع والدولة في إسرائيل، حيث حاول ألون تحقيق رؤيته لتأسيس جمهورية درزية، تمتد عبر جنوب سورية، وتكون حليفًا لإسرائيل. ومن المفترض، وفق الفكرة، أن تكون القرى الدرزية في شمال الجولان جزءًا من دولة جبل الدروز، إلا أن الفكرة لم تنضج في الواقع. اعتقد المسؤولون في إسرائيل أن السكان الدروز سيكونون ممتنين جدًا لإسرائيل، بسبب حرصها على سلامتهم وإبقائهم في أراضيهم وقراهم، لكن لم يكن هذا هو الحال معهم. فقد أعلن السكان الدروز رفضهم السلطة الإسرائيلية، وعاملوا الحكومة الجديدة بعدائية شديدة، وأعلنوا استمرار ولائهم لسورية. في بداية تلك الفترة، فُرض حظر تجول ليلي على القرى الدرزية، من الخامسة مساءً حتى الفجر، ومُنعوا من مغادرة القرى نهارًا.

في الأيام الأولى بعد احتلال مرتفعات الجولان، بدأ الدروز التنظيم بالفعل، للحفاظ على هويتهم وأراضيهم وكرامتهم الوطنية، وطوّروا مؤسسات مستقلة، وعززوا التضامن المجتمعي في صفوفهم، والتزموا بالرموز الوطنية السورية، وظلوا على اتصال بوطنهم، ورفضوا قبول بطاقات الهوية الإسرائيلية، بالرغم من موافقة عدد قليل منهم فقط على التعاون مع الحكومة العسكرية الإسرائيلية. بمعنى ما، وجد الدروز أنفسهم بين المطرقة والسندان، وقالوا للحكومة الإسرائيلية وللمسؤولين العسكريين أشياء جميلة ومريحة، وذلك بحسب ما جاء في وصف قائد المنطقة الشمالية آنذاك دافيد ألعازر، في تقريره أمام أعضاء لجنة الخارجية والأمن في الكنسيت الإسرائيلي في كانون الثاني/ يناير 1968، حيث قال: “أنا زائر وضيف منتظم ودائم، في بيوت الدروز في مجدل شمس، والدروز سعداء بالحكومة الإسرائيلية، وبما تقدمه لهم من خدمات مثل مكاتب البريد والعيادة الطبية ومراكز الهاتف، وشق الطرق إلى دور العبادة والأماكن المقدسة، والخدمات الاجتماعية، تلك الأمور لم يتلقوها منذ عشرين عامًا في أثناء الحكم السوري، صحيح أن هناك عائلات درزية لديها أبناء يخدمون في الجيش السوري. لكنني قدّمت لهم وعدًا: (كل عسكري أو ضابط يهرب من الجيش السوري أو يرغب في العودة إلى الجولان، سنستقبله بترحاب بعد خضوعه لاستجوابات بسيطة، ويعود إلى بيته في الهضبة السورية)، وبالفعل عاد عشرات منهم خلال تلك الفترة”.

وعلى الرغم من ذلك، لم يكن كلّ الدروز في الجولان سعداء بالحكومة الإسرائيلية على أرض الواقع، معظمهم بدأ نشاطهم العدائي ضد إسرائيل بعد احتلال الهضبة مباشرة، وانخرط العديد منهم في خلايا سريّة، لجمع معلومات عسكرية ومدنيّة عن إسرائيل، ونقلها إلى المخابرات السورية، كانت عمليات التسلل عبر الحدود كثيرة جدًا، إذ كانت الحدود في تلك الأيام مخترقة، وكان الدروز يعبرونها من دون مشكلات، لنقل المعلومات وتلقى توجيهات وتعليمات. وفي وقت مبكر من شهر أيلول/ سبتمبر عام 1967، تم اعتقال أول درزي من الجولان، بتهمة التجسس لصالح سورية. وفي عام 1973 تمّ الكشف عن أكبر شبكة تجسس سورية عملت في صفوف السكان الدروز في الجولان تعمل لصالح سورية، تزعمها “شكيب أبو جبل”، من سكان مجدل شمس، وكان ضابط مخابرات سوري قبل حرب الأيام الستة، لم يعد إلى قريته، إلا في عام 1969، كجزء من عملية جمع الشمل بين العائلات الدرزية، حيث سمح له بالعودة، بعد أن تعهّد بأنه لن يعمل ضد أمن إسرائيل.

استطاع شكيب أبو جبل، بناء علاقات قوية مع رجالات الحاكمية العسكرية في الجولان، ولم يف بوعده الذي قطعه على نفسه، بعدم المسّ بأمن دولة إسرائيل، حيث أنشأ شبكة تجسس سرية ضمّت حوالي 60 شخصًا، عملوا في أماكن مختلفة في شمال البلاد، وجمعوا كل المواد الممكنة، ومن ضمن ذلك المعلومات المرئية مثل الصحف، ونقلوها إلى السوريين. واكتُشف أمر الشبكة في كانون الثاني/ يناير 1973، بعد أن انطلق نجل شكيب أبو جبل (عزّت) البالغ من العمر 21 عامًا في ليلة ثلجية إلى الحدود، لتوصيل المواد إلى المشغلين السوريين. وسقط في كمين لحرس الحدود الإسرائيلي، وقُتل هناك وكان بحوزته مواد تشمل أسماء ناشطين من القرى الدرزية، خمسة منهم اعتقلوا في مدينة إيلات جنوب إسرائيل. وقد حوكموا، وصدرت عليهم أحكام بالسجن، بحسب شدة الجرائم التي ارتكبوها.
حُكم على شكيب أبو جبل بالسجن مدة 315 عامًا، 30 عامًا عن كل تهمة من التهم العشرة المنسوبة إليه التي أدين بها، لكن أُطلق سراحه بعد 11 عامًا، في عملية تبادل أسرى مع سورية، وقد كتب في مذكراته التي نشرها أن “المعلومات التي قدّمها إلى السلطات السورية ساعدت القوات العسكرية السورية والمصرية، في حرب تشرين الأول/ أكتوبر (حرب يوم الغفران) عام 1973، واحتلال مرصد جبل الشيخ. ولكنّ ضباطًا في جيش الدفاع الإسرائيلي عدّوا ما ورد في مذكرات أبو جبل كلامًا مبالغًا فيه، بسبب عدم قدرة أعضاء الشبكة آنذاك على فهم الأمور العسكرية، وادعوا أن أعضاء شبكة التجسس قدموا معلومات هامشية فقط. لكن أنشطة شبكة التجسس السورية استمرت على مر السنين، وتضمنت جمع معلومات وصور لقواعد الجيش الإسرائيلي ومعسكراته في مرتفعات الجولان وفي شمال البلاد، ومعلومات محددة حول انتشار الجيش الإسرائيلي في جبل الشيخ، وحقول الألغام التي زرعها الجيش الإسرائيلي، ومحاولات تدمير مستودعات الذخيرة للجيش الإسرائيلي، وزرع الألغام في المستودعات العسكرية، وجمع أسلحة ووسائل تخريب، وإرسال مغلفات ناسفة إلى مسؤولين وقادة، وتخطيط لخطف وإصابة طيار سوري هرب بطائرته إلى إسرائيل عام 1989، وأكثر من ذلك.
في هذا الوقت، شعر أبناء الطائفة الدرزية في إسرائيل، بالإحراج من تجسس إخوانهم في الجولان لصالح الحكومة السورية. وقال أحد كبار أبناء الطائفة الدرزية، كمال منصور، عن هذه الأنشطة في العام 1973: “هذه مسألة خطيرة. يجب على إخواننا الدروز في مرتفعات الجولان، الاختيار بين خيارين: إما قبول خط الطائفة الدرزية في إسرائيل: الولاء لدولة إسرائيل دون تحفظ، وإما تحمّل النتائج”. وأضاف: “المؤلم في هذه القضية هو أن السلطات الإسرائيلية عاملت الدروز في الجولان بكل احترام، وحاولت تطويرهم ومساعدتهم وقدمت لهم خدمات أكثر من الخدمات التي حصلنا عليها نحن بعد إقامة الدولة في العام 1948. على إخوتنا الدروز في مرتفعات الجولان، تذكر أن السوريين لا يريدون مصلحتنا ولا مصلحتهم، وأن كل هذه الأنشطة التي يقومون بها في الجولان، إنما تضر وتمس بالعلاقات الطيبة لنا مع اليهود، وواجب كل درزي من أبناء الجولان استنكار أعمال السوريين وأتباعهم في الهضبة”.

لكنّ دروز الجولان استمروا في التمسك بموقفهم المعادي لدولة إسرائيل، وتشجيع أطفالهم على ثقافة معادية لإسرائيل، وحين يكبرون ينجذبون إلى القيام بأعمال تخريبية ضد أمن دولة إسرائيل، أحد أولئك تحدث إلينا وقال: “من الطبيعي أن نحارب السلطات الإسرائيلية”، وقد انضمّ إلى خلية تخريبية خلال سنوات الثمانينيات، وصدر حكم عليه بالسجن 12 عامًا في السجون الإسرائيلية، وما زال متمسكًا برأيه: “لن نوافق أبدًا، على وجود الحكم الإسرائيلي فوق أرضنا”. وبلغ عدد المعتقلين منذ عام 1967، من أبناء السكان الدروز في الجولان، نحو 800 درزي، بتهمة التجسس أو التخريب أو التحريض، وحكم عليهم بالسجن سنوات طويلة. وظل مئات آخرون منهم رهن الاعتقال الإداري لفترات قصيرة، من دون قرار من المحكمة، بعضهم -بحسب الدروز- اعتُقلوا ظلمًا وعدوانًا.

التفسير الإسرائيلي التقليدي لعناد سكان الجولان الدروز في عدم قبول سلطة إسرائيل، ينقسم إلى قسمين: الأول الخوف من مضايقة الحكم السوري للدروز في الأراضي السورية؛ والثاني احتمال عودة الجولان إلى سورية ذات يوم، ومن ثم تصفية الحساب معهم والانتقام منهم. دروز الجولان من جهتهم يرفضون هذه التفسيرات، ويواصلون الادعاء بحماسة أنهم موالون لسورية دون أعذار، ودون أسباب سوى صدق انتمائهم إلى وطنهم. وهنا يوضح سلمان فخر الدين، من مجدل شمس: “نشأنا سوريين على كل شيء، ونحن تحت احتلال دولة عنصرية لا تريدنا.. الدروز غير مرحب بهم حقًا في إسرائيل، وأعني أيضًا إخواننا في بيت جن ودالية الكرمل، وفي كل مكان آخر في إسرائيل. إسرائيل دولة ترفضنا، والعنصرية ضد العرب أو ضد الدروز في كل مكان”.
في عام 1980، بدأت الحكومة الإسرائيلية تمهّد الطريق لضم مرتفعات الجولان إلى إسرائيل، عبر إغراء السكان للحصول على الجنسية الإسرائيلية. وقد أثارت تلك المحاولات معارضة شديدة من قبلهم، ففي اجتماع عام ومفتوح لجميع سكان قرى شمال الجولان، تقرر فرض مقاطعة كاملة على كل من يحصل على بطاقة هوية إسرائيلية. وفي كانون الأول/ ديسمبر 1981، سنّ الكنيست الإسرائيلي قانون مرتفعات الجولان، وباتت السيادة الإسرائيلية على الجولان تطبّق فعليًا، في المستوطنات الإسرائيلية في الجولان، وسادت أجواء البهجة والفرح، فيما سادت في القرى الدرزية أجواء الحزن والغضب.

وقال وزير الدفاع السوري آنذاك مصطفى طلاس: “إن إعلان إسرائيل ضمّ الجولان هو بمنزلة إعلان الحرب على سورية، وأنها سترد على ذلك بحد السيف”. وتحسّبًا لأي تصعيد، تأهبت قوات الجيش الإسرائيلي في الجولان بكامل استعداداتها على الحدود، حيث قام وزير الدفاع أرييل شارون بجولة في الهضبة، والتقى قائد المنطقة الشمالية ورؤساء المستوطنين، وجابت سيارات جيب حرس الحدود الشارع الرئيسي في مسعدة، وكان من المتوقع أن تعمّ تظاهرات عنيفة في الجولان، إلا أن السكان والأطفال استقبلوهم بحمل رايات سوداء. وقال أحد سكان مجدل شمس ردًا على هذه الخطوة الدراماتيكية: “هذا يوم أسود لنا جميعًا”. على إسرائيل أن تفهم أننا “لا ننتمي إليها. هذه أرض سورية، ونحن مواطنون سوريون”.

كانت الحكومة تأمل في أن يكون قانون ضمّ مرتفعات الجولان قادرًا على فرض الجنسية الإسرائيلية على السكان الدروز، لكنهم استمروا في عنادهم وإصرارهم على عروبة مرتفعات الجولان. ففي 14 شباط/ فبراير 1982، أعلنوا إضرابًا عامًا في القرى الدرزية في الجولان، استمر قرابة ستة أشهر، ورافقته سلسلة طويلة من الأعمال اللاعنفية التي أثارت التأييد والتضامن في سورية وأرجاء العالم. وقد أسهم الإضراب في حدوث أضرار كبيرة على المصانع في كريات شمونة، وأماكن عمل عديدة، كان يعمل بها الدروز الذين رفضوا القدوم للعمل. وكانوا طوال الوقت يوضحون للإسرائيليين: “نحن سوريون، ونشعر بأننا سوريون، هذه هي مشاعرنا، وهذه حقيقتنا، احترموا ذلك”. إلا أن ولاءهم القديم لوطنهم لم يكن لدى الجميع؛ حيث صرّح لنا دروز آخرون: “في سورية، لا يتحدثون عنا، أو عن مشكلاتنا، لقد نسونا. يتذكروننا فقط، عندما يريد النظام ترويح وخدمة مصالحه. اليوم مشكلات الدروز الرئيسية في الجولان هي قضية المياه وقضايا الأرض. وبحسب جمعية الجولان للتنمية، ومقرها مجدل شمس، يُخصص لكل مستوطن إسرائيلي في الجولان 700 متر مكعب من المياه لكل دونم من الأرض، بينما يخصص للمزارعين الدروز ما بين 70 و 100 متر مكعب. مشكلة أخرى ظهرت في العام الماضي هي خطة بناء حوالي 40 توربينة رياح على الأراضي الدرزية. ونتيجة لذلك، اندلعت اشتباكات عنيفة، أصيب فيها متظاهرون واعتقل آخرون. وقالوا: “هذه الأراضي كانت لنا منذ قرون، لقد ولدنا هنا وسنبقى هنا”، لكن الحادث الأخطر بالنسبة إلى دولة إسرائيل، كان في 15 أيار/ مايو2011، خلال يوم النكبة الفلسطينية، عندما تم اختراق الحدود مع سورية إلى مجدل شمس، إذ قُتل تسعة فلسطينيين آنذاك، وجرح عشرات، وتمكن مئات من عبور الحدود، والوصول إلى مجدل شمس وسط هتافات الدروز الذين شجعوهم وساعدوهم. ومع اندلاع الحرب الأهلية السورية؛ أظهر الدروز في الجولان ولاءهم لنظام الأسد. ففي عام 2015، هاجموا سيارة إسعاف عسكرية، كانت تمر بمجدل شمس، وتنقل مصابين إلى مستشفى في إسرائيل، وأسفر ذلك عن مقتل أحدهم، وإصابة شخص آخر بجروح، وفرّ الجنود من المكان بسيارة إسعاف ونجوا بأعجوبة.
وأكثر ما يخشاه السكان الدروز في الجولان اليوم هو مصير إخوانهم الذين بقوا في الأراضي السورية. ففي عام 2017، هددوا بعبور الحدود لمساعدة إخوانهم في قرية (خضر) التي تقع على بعد حوالي 4 كم شرق مجدل شمس، بعد أن قتل مقاتلو “جبهة النصرة”، تسعة أشخاص، وجرحوا 23 درزيًا من أبناء القرية، حينئذ أعلنت إسرائيل أنها ستمنع العصابات والمتمردين من إيذاء الدروز الذين يعيشون في الجولان السوري في قرى جبل الشيخ. وفي كل حملة انتخابية للكنيست أو للسلطات المحلية، تندلع أعمال شغب في القرى الدرزية في الجولان، بعد محاولة الدروز الموالين لسورية إغلاق صناديق الاقتراع، وتخريب الانتخابات، بالرغم من أن عدد المرشحين لرئاسة السلطات المحلية محدود وقليل، وهم يعيشون تحت طائلة المقاطعة الاجتماعية والتحريم الديني في أجواء معادية لإسرائيل في القرى الدرزية في الجولان، ما تزال مستمرة منذ 53 عامًا، وهي اليوم أقل قوة بكثير مما كانت عليه في السبعينيات والثمانينيات، إذ كانت سنوات مشبعة بأنشطة تجسس تخريبية ومخططات ضد الدولة. إلا أن هذه الأجواء العدائية تغيب وتختفي في أثناء العلاقة مع الإسرائيليين الذين يزورون الجولان، ويمرون من داخل هذه القرى، ضمن الرحلات السياحية، وأثناء سفرهم من وإلى جبل الشيخ خاصة، كثير من الدروز يكسبون عيشهم من السياحة الداخلية: المطاعم، الفنادق والغرف السياحية، البيع والتجارة. لكن الحضور السياحي الإسرائيلي يتضاءل في الجولان بعد كل أحداث أمنية وأعمال شغب، والعديد من السياح يهددون بعدم الشراء منهم بعد الآن. لكنهم يدركون أن لا بديل عن عروس (اللفة) اللبنة الدرزية، وسوق الكرز، وعروض السحلب الساخن، والكنافة والعسل، وبركة رام، وساحة سلطان الأطرش، وتل الصياح في عين التينة، التي تلاشت بعد دخول السكايب كوسيلة للاتصال بين العائلات السورية المشتتة. إلا أن استمرار الحرب الأهلية في سورية، والضرر الكبير الذي لحق بمكانة نظام الأسد، دفع العديد من الدروز في مرتفعات الجولان إلى إعادة حساباتهم، وإعادة التفكير في مستقبلهم، والمزيد من الشباب مهتمون بالمضي قدمًا، وليس العيش وفقًا للتقاليد والإملاءات. يريدون جواز سفر إسرائيلي، لا وثيقة سفر. حوالي عشرة بالمئة من جميع الدروز اليوم لديهم جنسيات إسرائيلية. مفعول الحرمان الديني والمقاطعة الاجتماعية المفروضة على الدروز الذين يعترفون بالحكم الإسرائيلي يتضاءل كثيرًا، لكن الغالبية العظمى ما تزال موالية لسورية، ولا تنسى لحظة واحدة هويّة الوالدين.

اسم المقالة | طرد السوريين من الجولان- قصة الدروز -من وجهة النظر الإسرائيلية |
الكاتب | شلومو من |
رابط المقالة | http://bit.ly/3o3lk7J |
عدد الكلمات | 2070 |
ترجمة | أيمن أبو جبل |
الجزء الأول: http://bit.ly/3n7wZ3T
الجزء الثاني: https://bit.ly/38bqA3D