عنوان المادة الأصلي باللغة الروسية | Независимость. Как это будет по-курдски? |
اسم الكاتب | بافل فيلغين غاور |
مصدر المادة الأصلي | صحيفة نوفايا غازيتا |
رابط المادة | https://www.novayagazeta.ru/articles/2017/09/18/73886-nezavisimost-kak-eto-budet-po-kurdski |
تاريخ النشر | 18 آب/ أغسطس 2017 |
المترجم | سمير رمان |
المحتويات
هل سيتحوَّل الاستفتاء على إقامة دولةٍ جديدة إلى حربِ جديدة في الشرق الأوسط؟
مقدِّمة
في شهر حزيران/ يونيو عام 2005، أعلن رئيس إقليم كردستان (الدائم)، وزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود برزاني، أنّه سيجرى في 25 أيلول استفتاءٌ على الاستقلال الكرديّ. حينئذ، لم يأخذ أحدٌ كلامه على محمل الجدّ. قاتلت أجيالٌ عدَّة من سلالة البرزاني في سبيل الاستقلال، وأعلن آخرهم مسعود الاستفتاء. ومثالًا على قتال الأكراد:
هرب الجيش العراقي وقوى الأمن في الموصل وغيرها من محافظات العراق الشماليّة- الشرقيّة في صيف 2014 من مواجهة فصائل تنظيم الدولة الإسلاميّة التي هاجمت تلك المناطق، تاركين الأكراد وحيدين في وجه العدوّ. تمكّنت قوات البشمركة (الذاهبون إلى الموت) الكرديّة، بدعمٍ أميركيٍّ جويّ، إيقافَ الهجوم بصعوبةٍ فائقة، ومن ثمَّ ردّ المهاجمين على أعقابهم. ولكنَّ كثيرًا من الأكراد الذين لم يتمكّنوا الهربَ عانوا ممارسات تنظيم الدولة الإسلاميّة، بينما ظهرت السلطات العراقيّة عاجزةً تمامًا. عندئذ قرَّر البرزاني وحكومة إقليم كردستان، أنَّ أمن الأكراد لا يمكن لأحدٍ ضمانه سوى دولتهم الخاصة.
وافق مسعود -بعد ذلك- مرّاتٍ عدّة، وبضغطٍ شديد من الدول الغربية وفي مقدّمتها الولايات المتّحدة الأميركيّة، ومن دول الجوار، وللمحافظة على وحدة الجبهة المعادية لتنظيم الدولة الإسلاميّة؛ على تأجيل إجراء الاستفتاء. قاتل البشمركة تنظيم الدولة الإسلاميَّة جنبًا إلى جنب مع قوات الجيش العراقي النظاميَّة، جيش أعيد بناؤه من جديد بعد عام 2014، ومع غيره من المشاركين في التحالف من مثل ميليشيات العشائر السنيّة، والفصائل التركمانيَّة المحليَّة، والفصائل المسيحيّة الأشورية، وعدد من الميليشيات المعروفة بـ (الحشد الشعبي) المكوَّنة في أغلبها بدعم الحرس الثوري الإيراني ومشاركة منه. في بداية تموز/ يوليو، وبعد حصارٍ طويل وهجومٍ دامٍ، طُرد آخر مقاتلي تنظيم الدولة الإسلاميّة من خرائب وسط مدينة الموصل – (المدينة القديمة) التاريخيّة، وتابعت البشمركة العمل العسكري في منطقة الحدود السورية- العراقيّة.
بدا أنَّ البرزاني قد سمح بإقناعه بتأجيل الاستفتاء (وربّما كان ذلك ابتزازًا خبيثًا) في سبيل استمرار المعركة ضد العدو المشترك. ولإقناع البرازاني، جاء إلى إربيل كثير من الوفود الأجنبيَّة. شجبت الدول المجاورة -أي تركيا، وإيران وسورية، حيث يقطن فيها عشرات الملايين من الأكراد- الاستفتاء غير القانوني من وجهة نظرها، خشية أن يطالب أكرادها أنفسهم بتقرير المصير، وخوفًا من إقامة (كردستان مستقلّة واحدة) تضمّ أجزاء من العراق، وسورية، وإيران وتركيا. يعيش في كردستان العراق أكثر من 5 ملايين من الأكراد، بينما يبلغ عددهم في المنطقة كلِّها حوالى 30 مليونًا.
اتّخذ البرلمان العراقي قراراّ خطرًا، منح بموجبه رئيس الوزراء حيدر العبادي صلاحية اتِّخاذ (الإجراءات كلها) لدعم وحدة العراق. وقد أعلنت الحكومة العراقية في بغداد في -وقت سابق- أنّ الاستفتاء المزمع هو إجراءٌ مخالف للدستور. من جانبه، وصف نائب رئيس الوزراء التركي باكير بوزداغ قرار الاستفتاء «بالخطأ التاريخي لمسعود البرزاني»، ووعد بأنَّ تركيا ستتصرف انطلاقًا من مبدأ وحدة الأراضي العراقيّة. طالب بوزداغ بإلغاء الاستفتاء «وإلا ستكون هناك نتائج، وسيتزعزع السلم والأمن في المنطقة».
يخشى كثير من الأكراد في إربيل من إغلاق الحدود عليهم، ما سيؤدي إلى فقد المواد الضرورية من المحلّات والمتاجر، واندلاع الحرب. غير أنَّ البرزاني أعلن جهرًا أنَّ الاستفتاء سيجرى في الـ 25 من أيلول/ سبتمبر، وأنَّه في حال النتيجة الإيجابيّة سيكون هناك إعلانٌ عاجل تقريبًا للاستقلال.
سيترك مسعود البرازاني منصبه، وستجرى انتخاباتٌ جديدة في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر. ولا سيما أن مسعود أعلن أنّه «لا هو ولا غيره من آل بارازاني» سيكون مرشّحًا لمنصب الرئيس. في ما يبدو، يجب أن يجري إعلان الاستقلال قبل تاريخ 1 تشرين الثاني/ نوفمبر، أي قبل تغيير السلطة. بالطبع، بعد حدوث ذلك، لن تغادر عشيرة البرزاني الأكثر نفوذًا والأغنى في كردستان، أمَّا مسعود نفسه، ذو الـ 72 عامًا، فسيبقى زعيمًا للحزب، وسيكون الاستقلال إرثه العظيم، إن لم تحدث كارثةٌ كبرى في المنطقة بالطبع.
دخَّنوا بحريّة
عمومًا، يمكن عدّ كردستان العراق مستقلًا فعليًّا منذ زمن بعيد. فلديه برلمانه، وقواته المسلَّحة، وخدمات حدوديّة جمركيّة، وتأشيرات فيزا خاصّة به، وسلطاتٌ أمنيّة وتشريعية. ولا توجد علاقات موازنة بين بغداد وإربيل منذ زمن. كردستان- دولةٌ نفطيّة نموذجيّة، إذ لا يجري فيها تحصيل كثير من الضرائب والرسوم، والميزانية ممتلئة بالدولارات النفطيّة، وتتولّى سلطة بيرقراطيّة مطلقة حكم المواطنين، وتحلّ مشكلاتهم. تمرّ صادراته النفطيّة من تركيا عبر أنبوب نفطيّ يصل إلى مرفأ جيهان على البحر المتوسّط- بصورة مستقلّة تمامًا عن بغداد. ومع أنّ العملة العراقية/ الدينار ما زالت تتداول في الأسواق، فإنّه يمكن التسديد بالدولار أيضًا.
افتُتح عدد من البعثات الدبلوماسية الأجنبيّة في إربيل (بما فيها على سبيل المثال، الولايات المتحدة الأميركيّة، وبريطانيا، وروسيا، وفنلندا) في مستوى القنصليّات، وكان كثير منها مصحوبًا بمستشاريين عسكريّين. وتوجد على أراضي كردستان قواتٌ أميركية خاصة، وطائرات قتاليّة تابعة للتحالف المعادي لتنظيم الدولة الإسلامية. إضافة إلى ذلك، تنتشر قواتٌ تركيّة، الأمر الذي لا يروق بغداد.
مقارنة ببقيّة العراق، يتميّز كردستان بالاستقرار، وبمستوى معيشة مرتفع يصل متوسطه إلى 700 دولار للفرد. وتؤمّن نظام الأمن القويّ حمايةً جيدة ضد الإرهاب، على الرغم من قربها من المناطق الواقعة تحت سيطرة الإرهابيين. المنشآت الحيويةٌ كافة؛ العسكرية والمدنيّة، وكذلك الفنادق التي يقيم فيها الأجانب مطوّقة بجدران إسمنتية على بعد عشرات الأمتار من المباني، وتقوم بحراسة هذه المواقع قوات أمنٍ مزوّدة بالعربات. كردستان- دولة علمانيّة، وتطبيق قوانين الشريعة ليس ملزمًا، ولكنَّ أغلبية السكان من المسلمين السنَّة. وعلى الرغم من غياب بيع المشروبات الروحية في المتاجر، إلا أنه يمكن الحصول عليها في البارات والمطاعم.
كردستان العراق- جنَة المدخنين، كما كان الحال في روسيا قبل 20 عامًا أو قبل 40 في الولايات المتحدة الأميركيّة. ويمكن مشاهدة نفّاضات السجائر في فنادق خمس نجوم (كما في فندق ديوان التركي)، وعند مخارج المصاعد. الأمر نفسه ينطبق على مطعم الفندق، حيث تخصّص أماكن للمدخنين.
ضربةٌ للمعارضة
منذ زمنٍ بعيد، تتنافس في كردستان العراقي -في جوٍّ من العداء أحيانًا- عشيرة البرازاني، ومعهم حزب الديمقراطي الكردستاني (ومركزهم في إربيل) مع عشيرة طالباني التي تتزعَّم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، ونفوذهم الأقوى في السليمانيّة. في التسعينيات من القرن الماضي، نشبت حربٌ أهليّة بين بشمركة الحزبين، وانتهت نهائيًّا في عام 1998 بمصالحة واشنطن التي لعبت الولايات المتحدة الأميركية دور الوسيط في إنجازها. منذ ذلك الحين، يدير الحزبان في آن معًا كردستان (مع هيمنةٍ واضحة لحزب بارازاني)، وكوّنا تحالفًا متينًا في حكومة كردستان التي تضمّ أيضًا بعض الأحزاب الصغيرة الأُخرى، والأقليات الإثنيّة والدينيّة.
ومثل بقيّة الدول النفطيّة (روسيا، فنزويلا، العربيّة السعوديّة وغيرها)، يقوم جهازٌ بيرقراطيّ قويّ لا يرتبط بالمواطنين بتوزيع إيرادات الثروة النفطية، الأمر الذي يولِّد الفساد لا محالة، وكذلك السخط والمحسوبية. في برلمان إربيل (بعكس مجلس الدوما لدينا)، توجد معارضةٌ جديَّة: «الحركة من أجل التغيير»، أو (غورَّان) التي أُسِّست في عام 2009، ولها الآن 44 مقعدًا نيابيَّا من أصل 111. تمكّن غورَّان انتزاع قاعدةٍ انتخابيّةٍ عريضة من الحزب الوطني الكردستاني. يقف غورّان ضدّ هيمنة كتلة حزبيّ الديمقراطي والوطني على السلطة، ثم إنَّه القوّة السياسيّة الوحيدة في كردستان العراقي التي تعارض الاستقلال، وتطالب بحلّ المشكلات في إطار الدستور.
الأكراد هم أكبر شعبٍ في العالم من دون دولة، وهم بالتأكيد استحقوها عبر نضالٍ طويلٍ ممتلئ بالمعاناة، ولكنّ إجراء الاستفتاء وإعلان استقلال كردستان العراق الآن، لا يبدو ضرورةً واضحة؛ إذ يعيش الأكراد العراقيين الآن حياةً ليست بالسيئة، وسيجلب لهم الاستقلال الرسمي المزيد من المشاكل.
أمَّا مسوّغات مؤيدي الاستقلال في إربيل فتحمل طابعًا عاطفيًّا في الأغلب: «الاستقلال الكردي، سيكون على الدوام» ليس في الوقت الملائم، فهل علينا الانتظار مئة عامٍ أُخرى؟ بالمناسبة، يدرك مسعود برازاني ذو الخبرة الطويلة والقوميّ المحافظ، أنّه ليس هناك طريقةٍ لإبعاد (غورَّان) اليساري- الإصلاحي، أفضل من إجراء الاستفتاء، وإعلان الاستقلال، والدخول في التاريخ بوصفه أبًا للأمّة الكرديّة الذي لن توجّه له أبدًا تهمٌ بالفساد أو التعصُّب للعشيرة.
إذا وقعت الحرب غدًا
سيعلن الاستقلال مهما كان المناخ، ومن الواضح أنَّه لن يعترف أحدٌ بكردستان المستقلَّة بأيّ حالٍ سريعًا. كان رئيس الوزراء الإسرائيلي من بين قادة بلدان الشرق الأوسط الوحيد الذي عبّر عن دعمه لبرزاني؛ بدعوى أنّ الأكراد شعبٌ موالٍ للغرب، وقريبٌ أيديولوجيًّا من إسرائيل. أما بقيّة زعماء المنطقة فمعارضون للاستقلال بصورة أو بأخرى، ولكنَّ أكراد إربيل مهتمون الآن بموضوع آخر، هل ستفرض عليهم عقوباتٌ ومقاطعة، بمثل ما حدث سابقًا، وهل سيقمعون بقوّة السلاح، وهل ستنشب حربٌ؟.
قوات البشمركة جيدة التدريب وعديدها ليس بالقليل: يبلغ قوامها (مع الاحتياط) حوالى 200 ألف مقاتل، يؤلفون 36 لواء. وتوجد وحداتٌ مستقلَّة من المسيحيين الأشوريين، وحوالى 14 ألفًا من الأكراد- الإيزيديين. البيشمركة- قوات شرطيَّة نموذجيّة، أو ميليشيات، وفي الوقت نفسه لدى الأحزاب الحاكمة (العشائر) تشكيلاتها المسلَحة الخاصّة. وحتى الآن، لا توجد للبيشمركة قيادةٌ موحّدة. يتبع 56 ألف مقاتل وزارة شؤون البشمركة مباشرةً. ويوجد 109 آلاف يتبعون المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردي (عشيرة بارازاني)، منهم 58 مسجَّلون لدى وزارة البشمركة، و56 ألف – وزارة الداخليّة في الإقليم. إضافة إلى 66 ألف مقاتل يتبعون المكتب السياسي لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني (عشيرة طالباني)، منهم 56 ألفًا مسجلون لدى وزارة شؤون البشمركة، و10 آلاف لدى وزارة داخلية الإقليم. أي إن تعداد المقاتلين مع عائلاتهم، وهي عائلات كبيرة (الأمر الذي يقوم به الأكراد بصورة جيّدة فعلًا هو إنجاب الأطفال).
يعيش حوالى مليون شخص على ميزانية إربيل، أي 20 في المئة من إجمالي سكان الإقليم. وبحسب ما شرحوا لنا في إربيل، البشمركة ليست قوات بقدر ما هي مؤسّسةٌ حماية الشعب اجتماعيًّا وإعادة توزيع عائدات النفط.
أمّا التسليح فهو أسلحة خفيفةٌ في المقام الأوَّل، وتوجد مضاداتٌ محمولة للدروع، من ضمنها صواريخ تاو- TOW و – javelinالأميركيّة. بالنسبة إلى مضادّات الطائرات فهي قواعد متحرّكة من مختلف الأنواع. ومنذ مدةٍ، سلّمت موسكو الأكراد منصّات مضادة للطائرات خفيفة العيار من طراز ЗУ-23-2. أمَّا بالنسبة إلى الطائرات، فيوجد بضع طائرات هليوكوبتر خفيفة. الدبابات والمدرعات والمدفعيّة سوفياتيّة قديمة الطراز، غنمتها البشمركة من جيش صدَّام حسين، ولا تتوافر ذخائرها إلا بحدودٍ قليلة. لدى البشمركة بعض مدافع الهاوزر الجبليّة الحديثة نوعًا ما. ويشكو الأكراد بمرارةٍ، أنَّه على الرغم من تقاربهم المستمر مع الولايات المتحدة الأميركيّة منذ عام 2003، فإنّهم لم يتلقوا أسلحة حديثة. في ما يبدو، لم ترد واشنطن إغضاب بغداد. وأخيرًا، ليس لدى الأكراد طائرات قتاليّة أو وسائل دفاعٍ جويّ فاعلة.
أمَّا الجيش العراقي فبحوزته سلاح أميركيٌّ ثقيل: الدبابات، المدفعية والطائرات الحربية. عقدت موسكو مع بغداد (بدءًا من عام 2014) صفقاتٍ أسلحة بمليارات الدولارات، تضمّنت مقاتلات سوخوي-25، وطائرات هيلوكبتر قتالية، وقواعد مدفعيّة صاروخية ТОС-1А. في عام 2017، جرى التوقيع على عقدٍ ضخم لتزويد بغداد بدبابات Т-90. لدى الجيش العراقي أيضًا فرقة القوّات الخاصّة المعروفة بالفرقة الذهبيّة، وامتازت بقدرة قتالية جيّدة في معركة الهجوم على الموصل. إضافة إلى ذلك، هناك عدد من الفصائل الشيعيّة المؤدلجة عقائديًّا (الحشد الشعبي). وأخيرًا، فصائل العشائر السنيّة العربيّة، يخشون في إربيل أن يتوحّد هؤلاء كلّهم ضدّ كردستان، عندئذ ستكون البشمركة في وضعٍ لا تحسد عليه.
خلال مطاردتها مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية المتقهقرين، استولت البشمركة على عددٍ من (المناطق المتنازع عليها) التي يقطن فيها الأكراد وغيرهم من القوميّات. في عهد صدّام حسين، جرت عملية (تعريبِ) في هذه المناطق، إذ هُجِّر الأكراد والمسيحيون الأشوريون، ليحلَّ مكانهم عربٌ من قبائل سنيّة. بحسب الدستور العراقي لعام 2005، ينبغي إعادة هذه المناطق إلى وضعها السابق، ولكن هذا لم يحدث. والآن، تسيطر البشمركة على هذه المناطق، بما فيها محافظة كركوك الغنيّة بالنفط، وهناك أيضًا سيجرى الاستفتاء في 25 أيلول، وعندئذ ستكون (المناطق المتنازع عليها) على الأرجح، ضمن الدولة المستقلّة الجديدة. في الوقت نفسه، أغلب المناطق المتنازع عليها تقطن فيها أقليّةٌ كرديّة فحسب، ولهذا قد تحدث صداماتٌ بين البشمركة والقوات العراقيّة في هذه المناطق بالتحديد.
لماذا لا يعارض أردوغان؟
احتمال نشوب حربٍ واسعةٌ قليل، فلمَ سيكون على حيدر العبادي الشيعيّ دفن نخبة قواته في جبال كردستان؟ ولماذا سيسفك (الحشد الشعبيّ) الموالي لإيران دماء مقاتليه في معارك مع البيشمركة؟ أمن أجل تطهير المناطق المتنازع عليها من الأكراد، وتسليمها للعشائر السنيّة العربيّة التي كانت سند نظام صدّام حسين وقد رحّب كثير من أبنائها بتنظيم الدولة الإسلاميّة؟.
في إطار المواجهة الكبرى الشيعية السنّية في الشرق الأوسط، وقف كردستان العراق (السنيّ المعتدل) إمَّا على الحياد، أو إلى جانب الشيعة بحكم الواقع القائم. حاليًّا، لا تجرؤ إربيل على استنهاض ملايين الأكراد الإيرانيين للنضال القومي- التحرري، وكذلك طهران، ستحجم على الأرجح، عن القيام بتصرّفاتٍ حادّة، ولن تهيِّج عملاءها الشيعة العراقيين. فالحرس الثوري لديه الآن معركة في سورية، حيث يحاول أن يمدّ عبر مناطق الحدود العراقية – السورية ممرّه للوصول إلى لبنان. إضافة إلى ذلك، فإنَّ القوات والطائرات الأميركية ما زالت موجودة في كردستان العراق- فالتوغل الواسع هناك شبه مستحيل.
وقف الحظّ إلى جانب الأكراد مصادفةً؛ فظهور دولة كرديّة مستقلّة في كردستان العراق لا يحمل تهديدًا جديًّا لأحد. في تركيا كثيرون غير راضين، ولكن الرجل التركيّ الأهمّ- الرئيس رجب طيّب أردوغان- يبدو في مزاجٍ طيب. أسرة البرزاني وأسرة أردوغان تربطهما علاقاتُ وثيقة تنقصها الشفافيّة. يستورد كردستان العراقي كثيرًا من البضائع التركيَّة، في حين تقوم الشركات التركية بتنفيذ مشروعات إسكانٍ كبيرة في إربيل. لم يتردد أردوغان في إهانة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي علنًا، ولكنّ تجارة النفط مع دولةٍ غير معترفٍ بها (إقليم كردستان) هي شيءٌ آخر، يدرّ مدخولات هائلة.
الأكراد يحلمون بالاستقلال. حسنًا؛ خذوا كردستان المصغّرة، وقّعوا ولا تثيروا جلبة، لا تتعاونوا مع حزب العمال الكردستاني الذي يحارب الجيش التركي وقوات الأمن، ولا تتعاونوا أيضًا مع ميليشيات الحماية الذاتية PYD في سورية، وسنترككم تتنفسون.
يؤكِّد الأكراد في إربيل أنَّهم سيبنون دولتهم من الصفر، كما فعلت إسرائيل، وأنَّها ستكون منارة الشعب المشتّت المعذّب. اليهود أيضًا بدؤوا من ميليشياتٍ شبه سريّة -الهاغانا المحاطة بأعداءٍ غير ودودين- ومع ذلك تمكَّنوا إقامة دولةٍ عصريّة، وصار لديهم واحدٌ من أفضل جيوش العالم. وبالمناسبة، كان اليهود محظوظين: فلم يكن لديهم نفطٌ، وكان عليهم العمل بجدٍّ حالًا من دون الاعتماد على دولارات النفط التي تضعف من هم في إربيل، وكذلك من هم في موسكو.