عنوان المادة الأصلي باللغة الروسية: | Сырьевой экономике без санкций не легче |
اسم الكاتب | يوري بارسوكوف- يلينا فيدوتوفا- ماكسيم يوتسين |
مصدر المادة الأصلي | صحيفة “كومرسانت |
رابط المادة | http://kommersant.ru/doc/3193618 |
تاريخ النشر | 10 شباط/ فبراير 2017 |
المترجم | سمير رمان |
جدول المحتويات
مقدمة
مضى عام، تقريبًا على رفع العقوبات عن إيران رسميًّا. وقد أنعشت عودة البلاد إلى الساحة الدولية السياسيّة والاقتصادية كثيرًا من الآمال والتوقعات، وأثارت كثيرًا من الشائعات. في بداية عام 2017، أصبح واضحًا أنه على الرغم من تمكّن إيران من استغلال فرصة رفع العقوبات بصورة فاعلة سياسيًا، فهي لم تتمكن في المستوى الاقتصادي من إنجاز أي اختراق مهمّ. ويعزى هذا الفشل إلى تدني أسعار النفط في الدرجة الأولى، ما شكَّل عائقًا أمام إيران، منعها من تجاوز المخاطر التي كانت تهدد مصالحها، وما زالت تهددها. إضافة الى ذلك، يبدو أن هذه المخاطر مرشّحة للتفاقم، بتسلم رئيس الولايات المتحدة الجديد دونالد ترامب مهمّاته.
انفتاح ولكن
حققت إيران، بعد مرور عام على خروجها من العزلة الدولية، نجاحات سياسيَّة بارزة. وتركزت هذه النجاحات في مناطق الأزمات من العالم الإسلامي، حيث تواجه المليشيات الشيعية المدعومة من إيران تحالفات سنية متنوعة، تقودها السعودية بصورة رسميّة أو مبطَّنة. وبمثل ما هو معروف، فإنَّ السعودية تمثل في المنطقة الخصم السياسي الرئيس لآيات الله من الإيرانيين.
تعد إيران في الساحة السورية -إلى جانب روسيا- الحليف الرئيس لبشار الأسد. ولولا مشاركة فيلق القدس الإيراني و«حزب الله» اللبناني الشيعي الذي تموِّله إيران وتهيمن عليه، في المعركة على الأرض، لما كان الأسد قادرًا على تحقيق أهم انتصاراته في سنوات الحرب الخمس كلها (الاستيلاء على حلب).
إن إيران متورطة بقوة على الساحة العراقية، جبهة المواجهة الثانية. وتلعب المجموعات الشيعية الموالية لإيران دورًا متصاعدا أكثر فأكثر في عمليات القوات الحكومية القتالية ضد «تنظيم الدولة الإسلامية»، المحظور في روسيا. وقد تناقصت في العام الماضي المساحات التي تسيطر عليها الدولة الإسلامية في العراق بصورة واضحة، وتتعرَّض الموصل -العاصمة العراقية لما يسمى«الخلافة»- إلى هجوم من القوات العراقية والقوات الموالية لها. وينظر إلى الانتصارات التي تحرزها القوات العراقية ضد المتشددين السنَّة، بأنها نجاح لطهران التي تهيمن على السلطات الحالية (الشيعية) في بغداد. وقد تجلَّت عودة النفوذ الإيراني الى المنطقة بتحوّل إيران (مع روسيا وتركيا) إلى واحدٍ من المبادرين الضامنين لعقد مباحثات سياسية حول سورية، وكان آخرها مباحثات الآستانة.
تسابق السياسيون الغربيون، طوال العام الماضي، على التوافد إلى إيران العائدة الى الساحة الدولية. بعد الضجيج الذي أثير حول زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى باريس وروما، وصل رئيس الوزراء الإيطالي ميتو بينسي طهران، في زيارة أولى لمسؤول غربي. وفي العام نفسه، حذا حذوه الرئيس الكوري الجنوبي باك كين هيه، والرئيس الفلندي ساولي ليينيستو، والصربي تيموسلاف نيكوليش، ورئيس الوزراء الهندي ناريندا مودي، ورئيس الوزراء التركي وغيرهم من القادة. وفي الجانب الآخر، زار الرئيس الإيراني حسن روحاني الولايات المتحدة، وفيتنام، وماليزيا، وتايلند، وأرمينيا، وطاجيكستان وقيرغيزستان.
ظل الوضع الإيراني في الداخل مستقرًّا طوال العام، حيث انتخبت في نهاية شباط ونيسان أهم أجهزة السلطة في البلاد، أي البرلمان ومجلس الخبراء، وحصل الإصلاحيون، بدعم من الرئيس روحاني على 41 في المئة من إجمالي مقاعد البرلمان البالغ 290 مقعدًا. أمّا في مجلس الخبراء فقد حاز المستقلون 41 مقعدًا من إجمالي مقاعده البالغ 88 مقعدًا.
لم يكن خطاب السياسة الخارجية على الرغم من ذلك متفائلًا دائمًا. ففي شباط بعد مباحثات رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، صرَّحت الأخيرة بأن العلاقات بين ألمانيا وإيران ستستمر بعد أن تعترف إيران بإسرائيل. وقالت ميركل في شهر تموز سابقًا، إن التجارب الصاروخية الإيرانية لا تنسجم مع قرارات الأمم المتحدة.
من ناحية أخرى، في محادثة هاتفية بين رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي والرئيس حسن روحاني، وبعد الحديث الذي دار بينهما حول الاتفاق النووي، أكَّدت رئيسة الوزراء أنَّ بريطانيا على استعداد لتطوير علاقات بلادها بإيران في مجال العمليات البنكية، إلا أنَّها عادت في شهر كانون الأول، في قمة مجلس التعاون الخليجي الذي عقد في المنامة، لتصرح بأنها «تتفهم التهديدات التي تمثّلها إيران لدول الخليج والشرق الأوسط». وفي شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، اتّفق الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند والرئيس الأميركي المنتخب على «العمل معًا على توضيح المواقف» بشأن الاتفاق النووي الإيراني.
التدهور بديل من النمو
بدت الأوضاع على المستوى الاقتصادي مشجعة في بداية الأمر. إذ بدت رحلات الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى فرنسا وإيطاليا أشبه بنوع من الانتصار. ففي باريس وُقع أكثر من 20 اتفاق إطار مع كبريات الشركات الفرنسية، بما فيها شركة إيرباص وتوتال، كما أعلن في ختام زيارة روحاني إلى روما عن حزمة اتفاقات بقيمة 17 مليار يورو. وكان الساسة الغربيون، في زياراتهم إلى طهران جميعها، يصطحبون عددًا كبيرًا من رجال الأعمال. منهم على سبيل المثال، نائب المستشارة الألماني، زيغمار غابرييل.
وعلى الرغم من ذلك كله، لا يستطيع الوسط الاقتصادي الإيراني أن يتفاخر، في نهاية الأمر، بتحقيق نجاحات واضحة في العام الماضي. فعلى الرغم من أن الاتفاقات قد أبرمت مع كبريات الشركات الأوروبية، إلا أن إيران لا تبدو حتى الآن مكاناّ متميِّزًا من منظور الاقتصاد العالمي. فما أنجزته إيران في عام 2016، لا يتزيد على توقيع اتفاقاتٍ إطارية غير ملزمة، تمت بتأثير بضع صفقات حقيقيات كبيرات فحسب. في حين لم يحظ الطلب الكبير في قطاعات النقل والبنى التحتية، وصولًا إلى الطاقة، والمؤجلة منذ حوالى 30 عامًا بالاهتمام المطلوب.
أول عقدٍ حقيقي كبير وقعته إيران حتى الآن، كان في مضمار طاقة الغاز مع شركة «توتال» الفرنسية للعمل في الموقع رقم 11، في منطقة بارس الجنوبية، حيث تبلغ الاستثمارات في إطار مرحلة المشروع الأولى ملياري دولار. إضافة إلى ذلك، فقد وقَّعت إيران عقودًا لشراء 100 طائرة ركاب فرنسية من طراز إيرباص (بدأت الدفعات الأولى بالوصول الى إيران)، و80 طائرة أميركية من شركة بوينغ.
أما بالنسبة إلى روسيا، فبعد توقيع قرض ائتماني بين روسيا وإيران بمبلغ 2.2 مليار دولار (يسدد 85 في المئة من قيمته بصورة بضائع إيرانية)، استطاعت الشركات الروسية أن تتوصل إلى عقود صلبة لبناء محطة طاقة كهربائية في مدينة بندر عباس، ولتحويل خط السكك الحديدية (غارم مسار- أينشي بورن) للعمل بالطاقة الكهربائية.
وكما توقعنا قبل عام (الصحيفة)، فإنَّ المشكلة الرئيسة التي تعترض المستثمرين جميعهم في السوق الإيرانية، تكمن في تأمين التمويل. فإيران لا تمتلك النقود، لأن أسعار النفط منخفضة. أما الأموال المجمَّدة في البنوك الأميركية، والمقدرة بـ 20 مليار دولار، فقد خصّصتها إيران لشراء الطائرات الغربية، لا لحاجتها الملحَّة إليها وحسب، بل لأن هذا شرط (غير رسمي) من شروط الإفراج عن هذه الأموال. أما بالنسبة إلى باقي المشروعات، فإن إيران تطلب من المستثمرين أن يمولوها بأنفسهم.
من المعروف أن قدرة الميزانية الروسية على تقديم القروض محدودة جدًّا، بسبب تدني أسعار النفط. تفيد المعلومات بأنَّ إيران تتفاوض الآن على شراء معدّات نفطية وغازية من روسيا، بما في ذلك مضخات قوية لضخ الغاز، وكذلك لبناء معمل تصنيع أنابيب نقل الغاز والنفط. وفي حال نجاح المفاوضات، سيأخذ بنك «غاز بروم» على عاتقه تمويل هذه المشروعات.
لم تتمكن الاستثمارات الروسية الكبيرة من التحرك بفاعلية صوب المجال الوحيد الذي يمكن لها دخوله من دون مساعدة الحكومة، وهو مواقع النفط والغاز. وعلى الرغم من أن كبريات الشركات الروسية بمثل: «لويكويل»، «غاز بروم نفط»، «غاز بروم»، و «زاروبج نفط»، تظهر اهتمامًا كبيرًا بالعمل في مكامن النفط والغاز في إيران، فإنها لم تستطع العام الماضي، لا هي ولا الشركات الأجنبية عقد أي اتفاق صلب مع إيران.
لم تنجز السلطات في إيران عدا ذلك -حتى الآن- صيغة العقد النفطي النموذجي الأساس، الذي يمكن بموجبه إنجاز العقود بين إيران والمستثمرين. ويعود التأخر في إنجاز هذا الإجراء إلى طول مدة انخفاض أسعار النفط، ما يجعل مصالح المستثمرين المحتملة في وضعٍ حرجٍ جدًّا. تمتلك إيران قاعدة موادّ خام مثيرة للاهتمام. وعلى الرغم من ذلك، فإنّ عددًا قليلًا من الشركات يبدي استعدادًا لتحمل مخاطر الاستثمار (الداخلية منها والخارجية) في السوق الإيرانية. ولكي تتمكن إيران من جذب اهتمام الاستثمارات الحقيقي، يتوجب عليها تقديم شروطٍ مغريةٍ للمستثمرين. لكن هذا لا يحدث، نتيجة غياب الرأي الموحد لدى القيادة الإيرانية (بحسب الصحيفة). ويتساءل المستثمرون: كيف يمكن المضيّ في هذا الطريق، بعد اعتماد إيران دستورًا ينصّ على أنَّ الثروات الباطنية ملك للشعب، وأنَّه لا يمكن أن تعود ملكيتها للقطاع الخاص؟
يتعثر التعاون الروسي الإيراني في فروع أخرى. فعلى سبيل المثال، قطاع الاتصالات الذي ينْظر إليه بأهمية لا تقلّ عن الاهتمام بالصناعات البترولية، وتبادل المنتجات الزراعية يتعثر هو الآخر، ما أدّى إلى انخفاض حجمه بين البلدين في العام الماضي. وبناء عليه، وخلافًا لتوقعات عدد من المسؤولين الإيرانيين، لم يلهب انفتاح السوق الإيرانية الحماسة في الغرب؛ فالشركات الأجنبية لم تذرف الدموع متوسلة الدخول إلى إيران.
ومن جهة أخرى، وعلى الرغم مع أن نتائج الشركات الروسية تبدو مخيبة للآمال بعض الشيء، مقارنة بالتوقعات التي رافقت العلاقات السياسية المتعززة، فإن المتطلبات المهمّة التي يمكن للاستثمار والبضائع الروسية أن يحققا نجاحات فيها، ما زالت بعيدة عن الاهتمام. وإذا حافظ النفط على سعر البرميل بحوالى 50 دولارًا، فإن إيران ستحقّق دخلًا إضافيًا قدره 3 مليارات من الدولارات، يمكنها أن توجهها إلى مناح عدة، من بينها شراء البضائع الروسية.
تهديد جديد
بعد وصول الإدارة الأميركية الجديدة إلى السلطة، أصبحت إيران التي لم تستطع الاستفادة من فرصة عودتها إلى الاقتصاد العالمي، في مواجهة مشكلات حقيقية؛ فالرئيس الجديد، منذ بداية حملته الانتخابية، وضع طهران في عداد الأعداء الرئيسين الحقيقيين. وهناك خشية في طهران من قيام الرئيس ترامب بتنفيذ وعده المتعلق بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ما يعني أن تصبح السياسية الأميركية في الشرق الأوسط أكثر موالاة لإسرائيل مما كانت عليه في عهد أوباما. وفي هذا المعنى ستكون إيران أكثر معاناة، وخاصة بأن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، يعدّها العدوّ الرئيس لإسرائيل في العالم. كما إن الرئيس ترامب يهدد بإعادة النظر في الاتفاق النووي الإيراني برمّته. ذاك الاتفاق الذي عدّته إدارة أوباما في عام 2015، واحدًا من أكبر منجزات سياستها الخارجية.
وعد ترامب في أثناء حملته الانتخابية، بتمزيق هذا الاتفاق، وعدّه «أسوأ صفقة في التاريخ»، وأنه «عار على الولايات المتحدة». كما سبق لمؤتمر الجمهوريين، الذي عقد في كليفلاند في شهر تموز، أنْ عدّ الاتفاق النووي مع إيران لا يحمل طابعًا ملزمًا للولايات المتحدة. من ناحية أخرى، قال مستشار ترامب للسياسة الخارجية وليد فارس، إن الرئيس ترامب لن يمزق الاتفاق، بل «سيطالب الإيرانيين بإعادة النظر في بعض البنود أو تغييرها».
خلاصة
- لم تتمكن إيران بعد رفع العقوبات الاقتصادية عنها، من الاستفادة في إحداث تغيير في وضعها الاقتصادي المتدهور. ويعزى ذلك إلى أسباب منها: فقدان ثقة المستثمرين في إمكان استقرار وضع إيران في المستويين الإقليمي والدولي، في ظل السياسات التي تنتهجها في المنطقة.
- على الرغم من التحسن الواضح في العلاقات بين روسيا وإيران، فإن روسيا لن تجني ثمارًا اقتصادية مهمّة في السوق الإيرانية، لضعف مصادر التمويل الروسي من جهة، والتخلف التكنولوجي الذي تعانيه الصناعات الروسية من جهة أخرى.
- ستتعمق حال الأزمة التي تعيشها إيران أكثر فأكثر بوجود رئيس جديد في الولايات المتحدة، والوضع الإيراني سيكون مفتوحًا على الاحتمالات جميعها ولن يصبّ أيٌّ منها في مصلحة إيران.