عنوان المادة الأصلي باللغة الروسية | Дуга перемирия |
اسم الكاتب | يفغيني ساتانوفسكي. رئيس معهد الشرق الأوسط |
مصدر المادة الأصلي | صحيفة فزغلياد |
رابط المادة | https://vz.ru/opinions/2017/9/12/886759.html |
تاريخ النشر | 12 أيلول/ سبتمبر 2017 |
المترجم | سمير رمان |
المحتويات
الصورة: وكالة أنباء إيتار- تاس
موجز مختصر
ستحاول الحكومات، وقادة الميليشيات المستقلّون عن بغداد ودمشق، وإسرائيل وإيران، وتركيا والولايات المتّحدة الأميركيّة، والمملكة العربيّة السعوديّة وقطر؛ وضع ترتيبٍ إقليميّ لتوازن المصالح، وستسعى كلٌّ منها لأن يميل الميزان في مصلحتها. وبهذا الخصوص، فإنَّ ما يجري في العراق وسورية مهمٌّ للغاية.
الخلافة تغلق أبوابها
ما حظوظ استئصال (الدولة الإسلاميَّة) بوصفها أداة تأثير، بيد النُخب السنيّة في الشرق الأوسط، في تطوّر الحوادث في العالم الإسلاميّ؟ المقصود بتنظيم الدولة الإسلاميّة هنا، ليس تلك الأداة التي تضع هدفها إقامة الخلافة. لدى الخبراء والمحلّلين رأيٌ يقول بأنّ المهمّة الرئيسة للإسلاميين هي الهيمنة العالميّة.
تنظيم الدولة الإسلاميّة -في حقيقة الأمر- هو نتيجة سخط السكَّان السنّة ونُخَبها على الوضع في العراق وسورية. وبالتحديد، إنَّ طبيعة تنظيم الدولة الإسلاميّة القوميّة، تختلف عن (القاعدة) التي أُسِّست لنشر النفوذ السعوديّ في العالم.
وتسبّب سقوط صدّام حسين في تحطيم حالة التوازن التي كانت سائدة في العراق، وأزاح السنّة عن إدارة الحياة الاقتصاديّة والسياسيَّة في البلاد. وواشنطن لم تعطهم شيئًا بالمقابل، حتى بعد أن صدَّق (الحرس القديم) لصدَّام حسين الوعود الأميركيّة، وساعد في القضاء على فصائل (القاعدة) في العراق.
ولهذا بالتحديد، ظهر تنظيم الدولة الإسلاميّة. وفروعه في العالم الإسلاميّ- ليست سوى حركةٍ قوميّة للسكان التي تعتنق المذهب السنّي، وتتطلَّع ليكون لها مكانٌ تحت الشمس بوجود (هيكلٍ اجتماعيٍّ عادل).
لم يكن لأغلبيّة الفروع (باستثناء سيناء وليبيا) صلةٌ بمؤسسي الحركة في الموصل والرقّة. يجب النظر إلى الولاء لتنظيم الدولة الإسلاميّة وقسم الولاء بوصفه محاولةٍ من القادة (الحصول على ماركة مسجّلة)، واستخدام خوارزميّة أفعالٍ مجرّبة جيدًا لبناء آلةِ حربٍ اجتماعيَّة مثاليّة.
تنظيم الدولة الإسلاميّة- هو جدل (كياناتٍ ذات مصالح)، لأنَّ محاولة الدخول في السلطة مرتبطٌ أتوماتيكيًّا بالحصول على حصّةٍ من الكعكة الاقتصاديّة. أمَّا الغلاف الجهاديّ لهذه الظاهرة فلا يغيّر شيئًا، وكلُّ حركة تحتاج إلى أيديولوجيا اجتماعية إسلاميّة عامّة من دون التقسيم إلى شيوعيين وقوميين. وإلى جانب العقيدة الإسلاميّة، تمنح الحركة تميّز (الدولة) العادلة في مواجهة دول الشرق العربي الفاسدة.
ساعد الخطاب باسم الخلافة في تدفق المتطوّعين الأجانب للالتحاق بتنظيم الدولة، فالقتال تحت رايةٍ قوميَّةٍ بحتة، لم يكن ليجذب الآخرين من وراء الحدود.
أكثر من نصف مقاتلي تنظيم الدولة الإسلاميّة من الأجانب. وجودهم مؤمَّنٌ ماديًّا، وبدرجةٍ أقلّ تعصّبًا. وبهذا، فإنَّ حرمان التنظيم من التمويل، يأتي بعد طرده من النقاط المفيدة ماديًّا – حقول النفط والغاز، ومنشآت الريّ، وشرايين الإمداد البريّة والمائيّة- هو أساس الانتصار على التنظيم.
وضع أنصار تنظيم الدولة الإسلاميّة في أساس نشاطهم السيطرة على مناطق العراق المفيدة من وجهة نظر اقتصاديّة. أمّا بالنسبة إلى سوريّة، فقد اقتحموها بهدف تأمين تلقّي الدعم الماديّ والفنيّ، وتصدير المنتجات النفطية والتهريب عبر خطٍّ بديلٍ عن بغداد.
ليس بمقدور الثوار إقامة نموذجٍ اقتصاديٍّ جذّاب من دون غطاءٍ ماليّ جادّ. ولهذا تلزم الأراضي والسلطة الشرعيّة. بإمكانهم الهجوم، ولكنَّهم لا يستطيعون استقطاب المجنَّدين على نطاقٍ واسع من خارج الحدود. يبقى الرعاة الأجانب، ولكنّ تنظيم الدولة الإسلاميّة أصبح سيئ السمعة لدرجةٍ أصبح مشروعًا مغلقًا بالنسبة إلى قطر وتركيا.
لذا، فإنَّ مفتاح حلِّ قضيّة تنظيم الدولة الإسلاميّة يكمن في الاقتصاد، بحرمانه من الاستقلال الماليّ بعد هزيمته عسكريًّا، ومن خلال تنظيم إدارة ذاتيَّة اقتصاديّة- اجتماعيّة واسعة للسكّان السُنّة في العراق وسورية.
الترضية في العراق
بحسب أخبار قناة تلفزيون (رضاب)، ناقش ممثلو التحالف المضاد للإرهاب مع رؤساء العشائر السنيّة في محافظة الأنبار الحملة على تنظيم الدولة الإسلاميّة غرب العراق. وأكَّد ممثّل الولايات المتّحدة الأميركيّة استعداد بلاده لدعم القوات العراقيّة من الجوّ، وإعداد المقاتلين وتسليحهم.
من جانبه، أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، أنّ تحرير الحويجة في الأنبار سيبدأ في المستقبل القريب، إذ سيصلها 40 ألفًا من القوات العراقية، وستتحرَّك القوات الحكومية إلى الحويجة في 23 أيلول/ سبتمبر.
سيكون الصراع على الأنبار عبر قنوات العشائر الدبلوماسيّة. فمن دون إرضاء العشائر السنيَّة المحليّة، سيكون النصر غير ممكنٍ. وقد تقرّر بعد تحرير الموصل إطلاق عملية عقد تفاهماتٍ مع العشائر.
سبق للأميركيين أن لجؤوا إلى هذه الخطوة بعد الاستيلاء على بغداد، وتنامي هيمنة (القاعدة). وفي مقابل الوعود الأميركيّة بدمج قوات الشرطة المحليّة بالجيش، قدَّم قادة العشائر الدعم في تحييد قواعد (القاعدة). لكنَّ واشنطن خدعت حلفاءها، وجرى تجاهل الوعود كلها.
ظهر تنظيم الدولة الإسلاميّ، عندما خاب أمل النخبة السنيّة في آفاق الدخول (سلميًّا) إلى السلطة في البلاد، وفقدت الثقة بالمحافظة على (حصّتها) في الاقتصاد النفطي.
في شهر آذار/ مارس، بدأ الأميركيون بالبحث عن طرقٍ لإنعاش قنوات الدبلوماسيّة العشائريّة في محافظة الأنبار. بهدف الحصول على استشارات، اختاروا أشخاصًا بعيدين عن الهياكل الرسميّة الأميركيّة: د. غرين هيل، العنصر السابق في الاستخبارات المركزية الأميركيّة الذي سبق له المشاركة في عقد اتفاقات مع عشائر الأنبار، وأحد أهمّ مراكز الضغط العراقيّة السنيَّة في واشنطن م. صالح. الخطوات نفسها قامت بها بغداد. أدرك حيدر العبادي، أنّ أفق الترضية سيكون مسدودًا من دون مشاركة النُخبة السنيّة، فقام، في بداية العام الحالي، بتعيين وزير دفاعً جديد من الأنبار السنيَّة أ.الخيّالي.
أصبح الحديث عن إنجازات (الحلّ الوسط التجريبي) مع العشائر المحليَّة ممكنًا، بعد السيطرة على مدينة الرمادي مركز المحافظة: فقد ضمنوا خروج فصائل تنظيم الدولة من المدينة من دون قتالٍ، بينما أوكلت بغداد إدارة المدينة إلى الصفوة المحليَّة إلى جانب وجودٍ اسميّ لممثلي الحكومة المركزية. في جبال هذه المحافظة بالتحديد، تتركَّز قواعد تنظيم الدولة الإسلاميّة، المجهّزة بأنفاقٍ تحت الأرض. ويرجّح وجود قيادات التنظيم في هذه الجبال، بمن فيهم أبو بكر البغدادي نفسه. تمرّ عبر الأنبار طرق إمداد المواد والمعدّات الرئيسة التي ترسل إلى دمشق من بغداد وطهران. وإذا ما سيطرت الولايات المتّحدة الأميركيّة على الأنبار، فسيكون بمقدورها التأثير في هذه العمليّة. تدرك طهران هذا الأمر، ولهذا أعطت الضوء الأخضر للميليشيات الشيعيّة التابعة لها للمشاركة في تحرير هذه المحافظة، والهدف إبقاء شرايين الطرق الرئيسة تحت سيطرتها. قبل عامين، عقد اتفاقٌ مع العشائر المحليّة بعدم التعرّض لقوافل الشحن، ولكن في مقابل ثمن باهظ.
إجلاء المخلصين
استنادًا إلى مصادر عسكريّة- دبلوماسيّة، نقلت وكالة أنباء ريا/ نوفوستي، أنَه في 28 آب/ أغسطس، أُجْلِيَ حوالى 20 من قادة تنظيم الدولة الميدانيين مع أقربائهم من منطقة البوليل جنوبي شرق دير الزور. ونشير إلى أنّه ليس لدى استخبارات الولايات المتّحدة الأميركيّة أي تواصلٍ مع تنظيم الدولة الإسلاميّة. سواء كانوا قد أخذوا الرقّة والموصل من دون قتال، كما الأتراك في عمليّة (درع الفرات) عندما تخلّى التنظيم عن معاقله أو مثّل ذلك، فإنَّ لدوائر الاستخبارات التركية، بعكس الأميركية، تواصلٌ مع تنظيم الدولة الإسلاميّة.
على الأرجح، قام الأميركيون بإجلاء عملائهم وقادة الفصائل الموالين لهم، الذين أرسلوهم إلى هناك في العام أو الاثنين الماضيين، من دير الزور التي تنتظر هجومًا على اتجاهين رئيسين: الحدود العراقية- الأردنيّة، ومن الشمال.
ظنّوا في البنتاغون، أنَّه حتى منتصف الصيف كحدٍّ أقصى سيستولون على الرقّة، ولكنَّ ذلك لم يحصل. فنشاط القوات السوريّة والروسيّة على هذا المحور، حال دون تنفيذ السيناريو، ولكنَّهم كانوا مستعدّين له.
قبل عامٍ، حاول الأميركيون السيطرة على مدينة البوكمال الاستراتيجية الواقعة على حدود محافظة دير الزور مع العراق. وقد شاركت في العملية فصائل المعارضة التي سبق وأعدَّتها الولايات المتّحدة الأميركيّة في الأردن، وكان كثير منهم من العشائر العربيّة في دير الزور. كان من المفترض، أن يُطَوَّر الهجوم بعد السيطرة على البوكمال. ولتحقيق هذا الهدف، نقلت مجموعاتٌ من السكان المحليين الذين كانوا على تواصلٍ مع عشائرهم أو القادة لتهيئة قاعدةٍ لشنّ حربٍ خاطفة. في ما يبدو، كان القادة (المرحَّلون) من هؤلاء، لأنَّ هناك احتمالًا لوقوع هؤلاء العملاء في أيدي الاستخبارات السوريّة، ومن ثم الإدلاء بمعلوماتٍ.
من سيبني الجيش السوريّ؟
استنادًا إلى النجاح العسكري وآفاق القضاء على تنظيم الدولة الإسلاميّة، اشتد الجدل بين العسكريين السوريين والإيرانيين حول إعادة تنظيم القوات المسلَّحة السورية مع أخذ تجربتهم القتاليّة بالحسبان.
بدأ الموضوع منسِّق العمليات الإيرانية في سورية، قائد قوات (فيلق القدس) الجنرال قاسم سليماني. وضع سليماني هدفه إعداد ميليشيات مسلّحة ذات طابعٍ طائفيٍّ من مواطني العراق، وأفغانستان وسورية، في المناطق الموالية لطهران- على غرار (حزب الله) اللبناني. وفي نهاية شهر آب/ أغسطس، التقى سليماني في طهران مرَّةً أُخرى أخ الرئيس السوري ماهر الأسد ورئيس الأركان العامة للجيش السوري الجنرال علي أيوب. وهما – المعارضان الرئيسان للخطّة التي اقترحها سليماني لإعادة تنظيم الجيش النظامي، وإنشاء بديلٍ غير نظاميّ على أساس الطائفة الواحدة. وتقوم فكرة سليماني على أنَّ الجيش النظامي غير فاعل في مواجهة تشكيلات حرب العصابات. ويساق في هذا المجال تجارب الجيش الأميركي في أفغانستان والعراق، إذ تمكَّن الاستيلاء على المدن الكبيرة بسرعة، ولكنَّه تورّط في حرب عصاباتٍ.
غير أنّه بعد تدمير بنية الجيش العراقي وطالبان أفغانستان، تجمَّعت القوات الأميركية في المدن الكبرى، وابتعدت عن كلِّ ما يجري. فليس لدى البنتاغون تصوّرٌ عما سيفعله لاحقًا- فاستراتيجية الولايات المتّحدة الأميركيّة تولى الأهميَّة لبناء كتلة قوّةٍ وطنيّة، بإمكانها التعامل مع التهديدات، أمَّا دور العسكريين الأميركيين فيقتصر على تدريب هذه القوات، وضمان (صمود) النظام لمرحلةٍ انتقاليّة.
لم يتولّ الأميركيون أيّ أمرٍ قد يسبّب الخسارات لهم، بل انصبّ اهتمامهم على القيام بدور المدرّب وتطوير ميول السكّان المحليين الديمقراطيّة. وهكذا ترى، أنَّ الأمر كلّه ناجمٌ عن الأخطاء السياسيّة التي ارتكبتها قيادة الولايات المتحدة الأميركيّة.
ونشير إلى أنَّ الجيش السوفياتي في أفغانستان والقوات المسلَّحة السورية مع المستشارين الروسيين أظهروا أنَّه بإمكان الجيوش النظاميّة حلّ المسائل جميعها حتى في الحرب ضدّ الانتفاضات، بينما التشكيلات غير النظامية من مثل (حزب الله) استطاعت إظهار إمكاناتها عند حصولها على دعم قوّة الجيوش فحسب. أمَّا تشكيلات حزب الله اللبناني الشيعيّة وأمثالها فقد كانت تخسر في سورية قبل العمليّة العسكريّة الروسية. جاء التحوّل في مسار المعارك فقط، بعد ظهور مجموعة القيادة الروسية وبعد بدء العمل الملائم، وتشكيل فرقٍ ووحداتٍ جديدة وفق النمط الكلاسيكيّ، وتأمين تفوُّقٍ ساحقٍ من الجوّ.
ابتعد قاسم سليماني عن المفهومات القديمة التي ترفض الجيوش النظاميّة الكلاسيكيّة، واقترح على العسكريين السوريين بديلًا هجينًا، إذ يخطّط لبناء نموذجٍ مشابهٍ للحرس الثوري الإيراني وميليشيات (الباسّيج) في سورية إلى جانب الجيش. وينصّ اقتراح سليماني على أن تكون هذه التشكيلات مستقلّةً تمامًا عن القيادة العسكريّة، على أن يكون وضعها القانوني ((جزءًا لا يتجزّأ من القوات المسلّحة)).
هذا المقترح يعني: إنشاء هياكل عسكريّةٍ مواليةٍ بالكامل لإيران وتعزيزها، وكما نرى الآن في نموذج الحرس الثورة الإسلاميّة إيران، ستدخل هذه الهياكل مع الوقت الصراع السياسيّ، وتملي شروطها. لا تحاول طهران إنشاء هياكل موالية لها في القيادة العسكرية والسياسيّة فحسب، بل إضفاء الشرعيّة عليها.
هذا التوجُّه يتناقض مع رؤية موسكو؛ بحسب تقديرات وزارة الدفاع الروسية، يجب المحافظة على الجيش النظامي في سورية وتحديثه.
وتقترح إنشاء قوّة تدخُّلٍ سريع، مؤلّفة من وحداتٍ عدَّة من النُخبة. وهذا أمرٌ مهمّ إذا أخذنا بالحسبان تكتيك تنظيم الدولة الإسلاميّة الذي يقوم على المناورة بالقوّات والوسائل، وتنفيذ ضربات إلهاءٍ في مختلف أنحاء البلاد.
بحسب مخططات العسكريين الروسيين، سيكون تأمين الحماية للمنشآت الاقتصادية والحيوية (محطات الطاقة، وحقول النفط والغاز، المستودعات وما شابه) على عاتق شركات حماية خاصّة. وقد استخدمت القيادة العسكرية الروسيّة هذا المكوّن المهمّ في الحرب الحديثة لأول مرة في سورية، بهدف تحرير قوات المشاة لحلّ مهمات عسكريّة أكثر إلحاحًا.
إسرائيل والبحث عن ضمانات
يشير الخبراء الأميركيون إلى أنَّ السيطرة على دير الزور تضع أمام إسرائيل مشكلةً بشأن السياسة القادمة التي ستتّبعها على الاتجاه السوري.
فالإسرائيليون يشددون اهتمامهم على أنَّ استعادة القوات الحكومية السيطرة على الحدود السورية العراقيّة بطول 100 كم، يجعل من الهلال الشيعي، الممتدّ من إيران إلى لبنان عبر العراق وسورية، أمرًا واقعًا. إلا أنَّه من غير المفهوم كيف سيهدّد هذا الهلال إسرائيل أكثر من الآن.
بحسب تقويمات الأميركيين، ما يقلق إسرائيل هو انتهاء المرحلة النشطة من الحرب الأهليّة السوريّة، وإعادة انتشار مقاتلي (حزب الله) في بلادهم، مع كلِّ التجربة القتالية التي اكتسبوها. وينتاب القلق كذلك إسرائيل بسبب تعزيز الوجود الإيراني في منطقة هضبة الجولان، واحتمال نصبها قواعد صواريخ هناك في ما بعد.
في الوقت نفسه، من السذاجة التأكيد أنّ الشيعة اللبنانيين الذين أصيبوا بخسارات فادحات في سورية، سيقومون بالهجوم على الأراضي الإسرائيليّة. (حزب الله) لم يفعل ذلك من قبل أيضًا.
المهمّ هو غياب الحافز لكسر الحالة الراهنة. تبدو خشية القيادة الإسرائيليّة من تنامي خطر تعرّضها لهجماتٍ من جهة لبنان؛ ورقة في الصراع السياسيّ الداخلي على الأرجح أكثر من كونها واقعًا حقيقيًّا.
أمَّا بالنسبة إلى الصواريخ الإيرانية، فإنَّ الطريق لتسوية هذا التهديد يمرّ عبر التوصل مع موسكو إلى تفاهماتٍ للحصول على ضماناتٍ تلغي هذا السيناريو. إضافة إلى ذلك، ستكون إسرائيل مضطرَّةً إلى بناء قدراتٍ ملائمة لشنّ ضرباتٍ وقائيّة، في حال أصبح التهديد ملموسًا. ولهذا، قامت إسرائيل بإجراء مناوراتٍ هي الأضخم خلال الـ 20 عامًا الماضية.
وسيجب على إسرائيل التصرّف انطلاقًا من الواقع الحقيقي. فقد توصّلت الولايات المتّحدة الأميركية، وروسيا الاتحادية واللاعبون الدوليون الرئيسيون في الساحة السورية إلى قناعةٍ بضرورة التوصُّل إلى هدنةٍ طويلة الأجل على أساس إقامة مناطق (خفض التصعيد)، بعد هزيمة النواة الرئيسة لتنظيم الدولة الإسلاميّة. تعارض إسرائيل هذا الأمر، ولكنَّ ذلك من دون معنى. ليس بمقدور الإسرائيليّين القيام بأيّ خطواتٍ في الخطّة السورية من شأنها إعاقة هذا القرار.