المحتويات
عنوان المادة الأصلي باللغة الروسية | Для окончания сирийской войны необходим интеллектуальный прорыв |
اسم الكاتب | يفغيني كروتيكوف |
مصدر المادة الأصلي | صحيفة فزغلياد |
رابط المادة | https://vz.ru/politics/2017/12/4/897397.html |
تاريخ النشر | 4 كانون الأول/ ديسمبر 2017 |
المترجم | سمير رمان |
الصورة: ميخائيل فاسكريسينسكي/ وكالة ريا”نوفوستي”
كيف سيكون شكل سورية ما بعد الحرب؟ يمكن أن تكون الإجابة عن هذا السؤال في روسيا، ما دام السوريون أنفسهم يتجاهلون الإجابة عنه بصراحة، وما دام الغرب يحاول كعادته تشكيل سورية ما بعد الحرب على طريقته، متجاهلًا واقع الأمور الفعليّة على الجبهات. وفي النتيجة، يصبح المشروع الذي يرتبط بالكامل تقريبًا بـ “الفكر الروسي” مهمًّا للعالم كلِّه.
بعد جولاتٍ عدة من المباحثات في سوتشي، يجري التركيز في عملية التسوية السورية على بناء أسسٍ دستوريّة لسورية ما بعد الحرب. وللتوصل إلى توافقٍ حول هذه الأسس، جاءت الدعوة لعقد مؤتمر شعوب سورية الذي كان مقرّرًا في 18 تشرين الثاني/ نوفمبر، ولكنه أُجّل في ما بعد إلى وقتٍ لاحق. بعد الإعلان عن الدعوة إلى المؤتمر، اتضح سريعًا أنّ عقده هو أكثر تعقيدًا مما كان يُظن في البداية: إذ يتطلب الأمر إقناع المعارضة السورية بالفكرة القائلة بضرورة العمل على المبادئ الدستوريّة بالتحديد، وليس الانشغال بالشكليّات الآنيّة. فشعار المعارضة الرئيس ما يزال، على الرغم من انتصار دمشق العسكري الموضوعي، موجودًا على أجندتها هو شعار” على الأسد التنحي”.
وبالمناسبة، هذه المسألة هي الأسهل بين حزمة المسائل التي يجب حلُّها.
تتمحور المناقشات حول مشروعي دستور جرى إعدادهما في موسكو. وقد أصبح من الضروري أن تقوم الدول الضامنة للتهدئة بالعمل، بدلًا من مناضلي معارضة نظام الأسد، الذين لم يتمكّنوا إنجازه على مدى خمس سنوات، أي بالتحديد عملية توحدّهم.
تتصف الحرب الأهليّة السورية، من حيث المبدأ، بالعدد الكبير من المصطلحات اللغوية، وبالدرجة الأولى التصريحات الصاخبة حول التوحّد أو تغيير تسمية هذه المجموعة المسلّحة أو تلك. والنتيجة؛ عددٌ كبير من المشاركين في مختلف المؤتمرات من مثل آستانة، وجنيف، والرياض، وقطر. جلس بعضهم إلى طاولة التفاوضات بعد تعرّضهم للوخز، وفي بعض الأحيان الصفع عبر “صواريخ كاليبر”. بعض آخر، وانطلاقًا من الأعراف الشرقية كالاحترام، لم يكن ممكنًا عدم توجيه دعوةٍ إليه لحضور المؤتمر، على الرغم من أن حضورهم لا يحمل أيّ معنىً عمليًا أصلًا. وبحسب التسريبات، سيكون عدد المشاركين في المؤتمر بين 500 إلى 1000 شخص، وهو رقمٌ معياري في مثل هذه الحالات، ولكنّه سيجعل رؤوس رجال البروتوكولات تشيب من ضخامة العمل الذي سيلقى على عاتقهم. أحيانًا، يتوارد إلى الذهن سؤال: من هم هؤلاء الناس بالفعل؟
عيد للعصيان
غالباّ ما تكون الثقة بين المجموعات المعارضة نفسها، أقلّ من ثقتها بدمشق أو بموسكو. وفي بعض الأحيان، تعرب هذه المجموعة/ الشخصية عن عدم ثقتها بهذه المنصّة أو تلك، لأنّها لم “تظهر لهم الاحترام اللازم”. خلال المؤتمر الذي عقد في العاصمة السعوديّة، الذي سمّي بـ (الرياض-2)، لم يوجد معارضون سوريون، شاركوا من قبل في مؤتمر (الرياض-1)، لأنهم افترضوا أنّ ما يجري هو شكليات، ومن ثم وجّهوا بوصلتهم صوب سوتشي (ومع ذلك اجتمع في الرياض حوالى 150 شخصًا من زعماء الوفود وحدهم).
في الوقت نفسه، وافق مشاركو (الرياض-1) على القرار المتّخذ في آستانة، ورفضته بعض الفصائل المسلّحة “من حيث المبدأ”، خوفًا من أن تقوم موسكو باستبدال عملية التفاٍوضات في جنيف بالعملية الآستانيّة. أما الرئيس الرسمي لجزء من المعارضة “الوفد المفاوض الموحّد” في جنيف ورئيس الوزراء السوري السابق رياض حجاب فأصرّ، وما يزال (لأسبابٍ خاصّة)، على أنّ “بشار يجب أن يتنحى”، الأمر أثار ردّ فعلٍ قوي من سيرغي لافروف. من جانبهم، بذل السعوديون جهدًا جبارًا لعزل حجاب من منصب “كبير المفاوضين”، الذي شغله في السابق مرتين، كونه أكبر مسؤولٍ انشقّ عن دمشق، مع أنّه لم يكن معارضًا يومًا، بل على العكس من ذلك، كان واحدًا من أكثر أنصار الأسد ولاءً. وليس واضحًا حتى الآن، ما الذي جعل بشار يعفيه من منصبه الذي لم يستمر سوى شهرين لا أكثر.
وبهذا، فإنّ إعادة برمجة المجموعات المعارضة وتحويلها إلى جسدٍ أكثر توحدًا مهمّة أكثر تعقيدًا من مهمّة تحطيمها جسديًا واحدةً بعد الأُخرى. وهذه المهمّة ليست مهمّةً دبلوماسيّةً بقدر ما هي مهمة تنظيميّة، وعلى الأرجح، عند الانتقال إلى البناء السلمي لسورية لن يكون لهذه المجموعات سوى تأثير غير مباشر. والآن، ينشغل المعارضون أنفسهم وكثير من المحليين بـ “تشكيل تحالفٍ” وبمسألة “إظهار الاحترام” لهم ولو ظاهريًا، وهو أمرٌ مهمٌّ من ناحية تحسين صورة المؤتمر، ولكنَّه عديم الفائدة عند تقرير مستقبل البلاد الحقيقي.
يتعلق الأمر كلّه بالمبادئ، وهي بالمناسبة ليست مبادئ معقدّة. فسورية تبقى موحّدة في إطار الحدود المعترف بها عالميًّا. وفي الوقت نفسه، يجب أن يأخذ نموذج الحكومية الجديدة بالحسبان نتائج الحرب وبقدر الإمكان، أخذ أسباب الحرب العميقة أيضًا. وهذه ليست بالمهمة المستحيلة، إذا ما حُشر المعارضون المعاندون في مكانٍ واحد مع” إبداء الاحترام الملائم لهم”، وإذا ما حُدِّدت الأسباب الفعلية التي سبّبت الحرب.
من الغريب، أنّ المجموعات المعارضة التي تمتلك قاعدةً ما على الأرض، تبدي واقعيّةً، في أثناء التفاوضات، أكثر كثيرًا من المجموعات في الخارج، فهي على الأقلّ مستعدّةٌ للموافقة على إجراء الانتخابات ولا تضع شروطًا مسبقة مستحيلة، مثل “يجب أن يرحل بشار”. بالطبع، هناك بعض التعقيدات؛ على سبيل المثال، يريد بعضهم حصّةً في السلطة، خلال ما يسمى “المرحلة الانتقالية”، وكأنّهم نسوا، أن بشار هو من كسب الحرب عمومًا، وأنَّهم لم يعودوا على أعتاب عام 2014، وأنَّ عليهم إظهار الاحترام للجانب المنتصر.
يبدو أنّ هؤلاء (المعارضة في الخارج) لم يقرؤوا -وهم قابعون في أبو ظبي وباريس- جيدًا التغيّرات على الجبهات. فالإدراك بالنسبة إلى بعضهم، يأتي على ما يبدو بالتدريج. غير أنّ كثيرًا منهم ما يزال يعيش في عالم الأحلام الورديّة، الذي ظهر لهم نتيجة التمويل المفتوح و”الدعم الأخلاقي” الذي تلقوه خلال السنوات الخمس الأخيرات من الولايات المتحدة الأميركية والعربية السعودية.
النموذج اللبناني
تبدو مسألة الحدود السورية المعترف بها دوليًّا وكأنها مسألةٌ فريدة. فهذه المسألة ليست قضيّةً سورية مهمّة داخليًّا بقدر أهميتها بالنسبة إلى الدول الضامنة والمجاورة. أمّا مشكلة محافظة إدلب، فيجب على تركيا أن تتكفّل بها من الناحية النظرية.
من جانبها، لا تنوي أنقرة ضمّ أجزاءٍ من إدلب، ما يستوجب شكرها عليه. لكنّ تركيا بحاجةٍ إلى ضمان تأمين حدودها على المسار الكردي، وهو أمرٌ يمكن تحقيقه.
غير أنَّ ما يقلق دمشق بالفعل وجود قواتٍ أجنبية على أراضيها. بالدرجة الأولى، من غير المفهوم ما الذي تفعله الوحدات الأميركية. خروج الأميركيين والوحدات الأجنبية الصغيرة الخاصّة (على سبيل المثال، الإيطالية التي أخذت على عاتقها ضمان مصالح الاستثمارات الإيطالية عند شلالات سدّ الفرات)، ليس مسألةً تفاوضية، بل هي مسألة تتعلّق بالهيبة. على هؤلاء كلهم الخروج بهدوء، وليس هناك حاجة إلى إرغام ترامب على الخروج بتصريحاتٍ مذلَّة، فلديه ما يكفيه. غير أنّ الأمر يصبح مختلفًا، عندما يتعلّق بالمبدأ الرئيس في السياسة الخارجية الأميركية، التي تمارس طوال نصف قرن- سياسة “صدام القنافذ”. أي إنّنا ننسحب، ولكن عليكم بالمقابل فعل كذا في مجالٍ أو مكانٍ مختلفٍ تمامًا.
يربط الأميركيون وجودهم العسكري الحالي في سورية بوجود إيران و”حزب الله”، أي إنَّهم يقدمون خدمةً للمصالح الإسرائيلية. وهذا أيضًا موضوعٌ قابلٌ للحلّ. المهمّ عدم إنتاج نظرية مؤامرة “الممر الشيعي من طهران إلى حيفا”. بعدئذٍ، يبدأ الأصعب والأكثر إثارة. نظريًّا، يجب أن تؤخذ الحكومة السورية المقبلة بالحسبان مصالح جميع المجموعات الدينية، العرقية والقبلية، باستثناء المجموعات الجهادية وبعض القبائل المقاتلة. في السابق، ظهرت الإشارة إلى ذلك في أبحاث الخبراء (الروس منهم بشكلٍ خاصّ) على الخرائط الميلليمترية، وهذا يعدّ أيضًا جزءًا من العمل، أي الجزء التكتيكي. بيد أنَّه ما يتعلَّق بالجزء الإستراتيجي، لم يتضح بعد المبدأ الرئيس.
أحد المقترحات هو الأخذ بـ “الخيار اللبناني”- تعزيز المواقف الحكومية دستوريًّا بحسب مبادئ دينيّة. على سبيل المثال: يكون رئيس الدولة- علويًا، رئيس الوزراء- سنيًّا، رئيس البرلمان- مسيحيًّا أو شيعيًّا. وفي الوقت نفسه، يتكون البرلمان من غرفتين: مجلس النواب الذي ينتخب بحسب حقّ الانتخاب العامّ، ومجلس الشيوخ الذي ينتخب بحسب حصصٍ دينية وعرقية. ويفرد بندٌ خاصّ الإدارة المحلية لبعض التجمعات المعروفة قليلة العدد (على سبيل المثال، الأرمن والدروز)، إضافة إلى كردستانٍ يتمتّع بحكم ذاتي.
من حيث المنطق، التفاهم مع الأكراد أسهل من التفاهم مع باقي الأطراف. فالأكراد لا يتطلعون إلى الخروج من مناطقهم، على الرغم من أنّهم بعد السيطرة على الرقة راحوا يوطنون بعض اللاجئين الأكراد في الرقة، بحيث أصبحت اللغة الكردية تُسمع هناك أكثر من العربية. وهناك خططٌ كردية قد أعلنت على الملأ، تتحدّث عن تثبيت حقّ الأكراد بمناطق الجانب الشرقي من نهر الفرات. ولكنّ كلّ هذا، على الأرجح، هو بروبوغاندا إعلامية، أكثر من كونها خططًا واقعيّة، فالأكراد يساومون، وهم يفعلون ذلك على الدوام وفي كلّ مكان. وعلى الرغم من الدعم الأميركيّ، وحتى بغضّ النظر عن سيطرتهم على حقول النفط “عمر” قرب دير الزور، فإنّ الأكراد لم يستطيعوا السيطرة على مساحاتٍ أكبر من قدرتهم على هضمها.
من ناحيةٍ أُخرى، بيّنت التجارب القريبة في العراق، أنّ الأكراد مستعدون “الآن على الفور” للتخلي حتى عن نتائج الاستفتاء حول الاستقلال لقاء جزءٍ من عائدات النفط، الأمر الذي يتميزون به عن بقية الشعوب التي ترى الاستقلال أغلى كثيرًا من المال. من المهمّ بالطبع فهم ما الذي يعنيه هذا التصرف من جانب الأكراد، أهو طمعٌ آنيٌّ أم هو حساباتٌ إستراتيجية، ولكن من الممكن فهم هذا المنطق وتبسيطه. والمهمّ، أن يتذكر الأكراد أنّ بشار الأسد قد أعاد إليهم حقوقهم المدنيّة (كان والده حافظ لا يعترف بمواطنتهم السورية)، وأنّ التنازلات التالية من جانب دمشق ممكنةٌ ضمن نطاقٍ محدود فقط.
إعادة النظر في الديمقراطية
في النموذج اللبناني هناك عيب مهمّ؛ فهو لا يحمي لبنان من النزاعات الدورية ومن الصراع على السلطة. في وقتٍ ما، بدا أنّه يكاد يكون أسلوبًا شاملًا لتهدئة البلاد ذات التركيبة العرقية والدينية المعقدة. ولكن ابتداء من الستينيات من القرن الماضي، أصبح العالم أكثر تعقيدًا، ولم يعد ممكنًا عدّ التثبيت البسيط لوجود المجموعات في مواقع ثابتة في السلطة حلًا. وكمثالٍ بسيط: في الاتحاد السوفياتي في مرحلة ما قبل غورباتشوف، كان السكرتير الأول للحزب في مقاطعة الشيشان إنغوشيا من القومية الروسية، ورئيس المجلس الأعلى شيشانيًّا، بينما كان رئيس الوزراء من الإنغوش. ولكنّ ذلك لم يجد نفعًا.
في سورية، بدأت منذ الآن معارك الخنادق في سبيل الحصول على هذا الموقع أو ذاك. وخصوصًا أنَّ تثبيت موقع الرئيس للعلويين لا يناقض مبدأ “يجب أن يرحل بشار” فحسب، بل يتعارض أيضًا مع مبدأ الديمقراطية نفسها، أي الانتخابات على أسس عامّة. وفي الوقت نفسه، فإنّ مبدأ تغيير لن يعمل السلطة إذ سيتمكن العلويّون بسهولة من ابتكار نظامٍ، يجري من خلاله تبادل المنصب بين شخصيّاتٍ محددة، بحيث لا تتأثر مواقعهم هم في المجتمع.
إضافةً إلى ذلك، سيجب اعتماد مبدأ المحاصصة في الجيش والشرطة، وهو أمر غير منطقي بحسب نتائج الحرب. فنحن لسنا في الهند، حيث توجد مجموعات عرقية ودينية عدة لا تخدم في الجيش أبدًا (على سبيل المثال، البوذيون الذين لا يأكلون اللحوم، وحتى أنَّهم لا يستطيعون ممارسة كرة القدم- فكيف بالخدمة العسكرية)، بينما 70 في المئة من عدد الضباط، هم من طائفة السيخ الذين يعدّون أنفسهم أنّهم خلقوا للحرب.
تعرّض التوازن العرقي في صفوف الجيش السوري المعاصر للتشوه نتيجة الانقسام الذي سببته الحرب، إذ جرى تمييع عدد من الوحدات العسكرية السنية بضباطٍ علويين وشيعة. وينطبق الأمر نفسه على الشرطة، الاستخبارات، الحرس الجمهوري ومختلف الميليشيات الموالية للنظام.
على الرغم من نتائج الحرب الواضحة تمامًا، فإنَّ الهيمنة العلوية- الشيعية، ليست هي النتيجة التي يأمل الأميركيون ودول الخليج الوصول إليها. بالطبع، يمكن تجاهل رأيهم، ولكن عندها ستتأخر عملية بناء سورية الجديدة لسنواتٍ أُخرى وقد تتعرض البلاد للانفجار من جديد.
أمّا الانتقال بالبلاد إلى سكّة الديمقراطية وفق المفهوم السائد في الغرب، فحتى المعارضون أنفسهم لا يريدونه. ولم تترك لهم الهزيمة العسكرية أيَّ فرصة لكسب الانتخابات، حتى وإن أشرف عليها مئات المراقبين من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، الذين يتقنون عملهم- فأي أمر لا يعجبهم سيقوم بوصفه “انتهاكًا للقواعد الديمقراطيّة”. حلّ هذه المسالة في مستوى الإدارة المحلية أكثر سهولةً- فلم يتبق عمليًا قرىً متنوعة الأعراق أو الطوائف، وفي بعض المناطق تشكّلت جيوبٌ متعددة العرقيات لم تكن موجودة سابقًا. وسيكون الوضع أكثر صعوبة كثيرًا بالنسبة إلى دمشق في حال قيام سلطة مركزية مع نقل الصلاحيات إلى المؤسسات المحلية. وفي الوقت نفسه، لا توجد رغبة البتّة في تحويل السلطة المركزية إلى سلطةٍ خيالية وفق النموذج البوسني، لأنّه بعد مرور بعض الوقت سيؤدي هذا بشكلٍ آليٍّ إلى تفتت البلاد أو إلى اندلاع موجةٍ جديدة من العنف.
قوّة الفكر الروسيّ
من المحزن ألا يكون السوريون أنفسهم (دمشق، كما المعارضون) منخرطين في هذا العمل الصعب والكبير. إذ يبدو أنَّ ابتكار المبادئ الدستورية، قد أُلقي تلقائيًا على كاهل موسكو، أمّا الباقون فيجلسون منتظرين فقط- أو يصرّون، بصخبٍ، على أشياء من قبيل “يجب أن يتنحّى بشار” أو ” الديمقراطيّة للجميع”. ولكنّ للصبر حدودٌ هنا.
لا تمتلك أغلب المجموعات المعارضة تصورًا عن ماهية الدبلوماسية، أو أنّها تشوهها من خلال مفهومات الشرق الأوسط المتعلقة بالمساومة. في هذا الوضع، من الممكن ومن الصحيح أيضًا، أن تأتي المبادئ الدستورية الرئيسة من الخارج. ولكن حتى الآن لا تتوافّر وجهة نظر واحدة حول المبادئ الرئيسة لشكل سورية المستقبلي، التي من دونها لا يمكن للتفاوضات أن تنتقل إلى مناقشة المواضيع التفصيلية.
وفي الوقت نفسه، يشكو شركاؤنا الغربيون من غياب أيَّ مبادرة من جانب جماهير المعارضة العريضة. ويتساءل هؤلاء الشركاء، لم إذًا لا يشكِّلون مؤتمرهم الخاصّ بهم، حتى ولو كان من 100-150 شخصًا، من دون الاستناد إلى أيّ دولة، كي، كما تقول لندن، “لاستعادة أهداف الثورة الأساسية”، أي إسقاط النظام؟ على أرض الواقع، نسيت المعارضة منذ زمنٍ بعيد “الثورة”، وأصبحت تركِّز على الشكليات كـ “الاحترام” والحصول على ميزاتٍ تكتيكية. ولكنهم في الغرب يصرون بعناد على أنَّ أساس التفاوضات يجب أن يكون “إمكان استعادة الحقوق، الحرية، الكرامة وإقامة دولة المواطنين المتساوين والحريات الديمقراطية القائمة على أساس المؤسسات”. أي إنهم يبحثون أولًا عن المناصب، ومن ثمَّ المال بغضّ النظر عن نتيجة الحرب.
“على بشار أن يتنحّى” بغض النظر عن مجرى الحرب. بهذه الصورة لا يمكن إنتاج مبادئ دستورية.
ومن هنا نفهم أسباب هذا الامتعاض المقدّس الذي أثارته نتائج مباحثات سوتشي. يتساءل الأميركيون والأوروبيون وبعض من العرب من معسكر خصوم نظام الأسد “المبدئيين”: من أولئك الأشخاص الذين انسحبوا من مؤتمر الرياض الذين وضعوا خيارهم لمصلحة سوتشي؟ ويقولون من هؤلاء “المستسلمين” الذين في سبيل “معالجة مشكلاتهم التكتيكية” نسوا مبادئ “الثورة”؟ يعود الامتعاض إلى إدراكهم العميق أنَّ الرياض بعد سلسلةٍ من المؤتمرات لم تستطع تقديم المساعدة في حلّ أي أمرٍ، بخلاف لقاء سوتشي الذي جعل العالم ليس كما كان من قبل.
يبقى علينا انتظار حدوث الاختراق الفكري، ولكن ليس من خلال المؤتمرات والندوات، بل من الخبراء الذين يعصرون عقولهم في محاولة استنباط دستورٍ جديد لسورية، وفي رسم معالم ثقافةٍ إدارية جديدة.
ويبقى العمل الشاقّ والمضني هو إخراج البلاد من المستنقع الذي دفعها إليه الآخرون دفعًا.