الكاتب: مهدي مطهر نيا

(*) الآراء الواردة في هذه المادة لا تمثل بالضرورة آراء المركز ولا مواقفه من القضايا المطروحة

تُعدّ فنزويلا إحدى الدول المهمة المصدّرة للنفط في السوق العالمي، ويُعدُّ اقتصادها أحد الاقتصادات الأكثر اضطرابًا في العالم. وهي من البلدان اللاتينية المقرّبة من إيران، منذ عهد الرئيس هوغو تشافيز حتى الآن. ويُعاني كلا البلدين أوضاعًا اقتصادية متردية. وعلى الصعيد العالمي، ينوءان تحت وطأةِ العقوبات الأميركية الشديدة؛ ولذا فالمبادلات التجارية بين إيران وفنزويلا لها أبعاد سياسية متعدّدة على الصُّعُد كافة.

لماذا أبحرت ناقلة النفط الإيرانية إلى فنزويلا؟

قبل أيام، وصلت ناقلة النفط الإيرانية “فورتشون” إلى شواطئ فنزويلا، وهي الأولى التي تحمل العلَم الإيراني من بين خمس ناقلات ستقوم بشحن ما يزيد عن مليون ونصف المليون برميل من الغازوئيل والمواد الكيميائية الإيرانية إلى فنزويلا.

ومنذ بداية خبر انطلاق هذه الناقلات، صعّدت أميركا لهجتها وتهديداتها تجاه إيران، وأعلنت أنها ستقوم بتوقيف تلك السفن الإيرانية، ولن تسمح بتفريغ حمولتها. وردًّا على ذلك فإن فنزويلا أعلنت عن عزمها مرافقة السفن الإيرانية بشكل كامل، وقامت بإجراء تجارب صاروخية. ولكن لماذا أبحرت ناقلة النفط الإيرانية إلى فنزويلا؟

هناك من يرى أن فنزويلا تريد أن تستورد النفط من إيران، مقابل إرسال بعض مخزون ذهبها إلى إيران. ولكن لو قبلنا بهذا المنطق فحينئذ سيَرِد إلى الذهن السؤال الآتي: هل فنزويلا الآن في موقع من الاضطرار والحاجة الماسة لاستيراد النفط من إيران؛ بحيث تتحمّل كل هذه المخاطر والتبعات الناجمة عن هذه الشحنة من النفط الإيراني، وأن تضع في مقابله مخزون ذهبها في متناول إيران؟ ومن ناحية أخرى: هل إيران -وهي التي تخضع لحجم كبير من الضغوطات الأميركية وعقوباتها الشديدة- مستعدّة لبيع نفطها لفنزويلا؛ وتحمّل التبعات السلبية الناجمة عن ذلك؟ ويبدو أن الإدارة الأميركية تتلقّى كل هذه المواقف الإيرانية على أنها مؤشّر على نجاح العقوبات الأميركية الشديدة المُدمّرة، ونجاح سياسة الضغوطات القصوى، وأنها تُظهر عمليًّا للعالم أن إيران في وضع صعب؛ لدرجة أنها باتت بحاجة إلى بيع نفطها لبلدان بعيدة وفقيرة مثل فنزويلا، وأن العقوبات الأميركية المتشدّدة على إيران قد آتت أُكلها.

شحنات النفط الإيراني، واستغلال الوضع الداخلي في أميركا:

هل تسعى إيران لمواصلة هذه الصفقة مع فنزويلا، في ظل مواصلة أميركا فرض عقوباتها على إيران ومواجهتها بشكل مباشر وتصفير صادراتها النفطية؟ لعلّ إحدى الخطوات الناجحة لإيران هي إرسال شحناتها النفطية لفنزويلا من أجل جرّ أميركا إلى نزاع في المياه الدولية الحرّة. ففي الوضع الحالي -وعلى أعتاب الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة- فإن ترامب يسعى لتجنّب أي نزاع مع إيران قبل تلك الانتخابات، ومن ناحية أخرى فإن أزمة فيروس كورونا بدأت تعصف باقتصادات دول العالم، وفي أميركا بدأ سجال شديد بين الجمهوريين والديمقراطيين حول أزمة كورونا داخل الولايات المتحدة نفسها؛ ولذا فإنّ إيران بدأت تستثمر هذه الفرصة، وتسعى لإحراج أميركا، ووضعها في مأزق القدرة على مواجهة القرار الإيراني بتصدير النفط إلى فنزويلا، وإرسال مجموعة من الناقلات النفطية؛ ومن ثمّ تسجيل نوع من النصر في مواجهة العقوبات التي تحيط بها.

إرسال النفط الإيراني إلى فنزويلا نوع من استعراض القوّة:

إن إيران ليس لديها شيء تخسره في هذه الخطوة التي اتخذتها، ولو فكّرت أميركا بخلق مشكلات لإيران في هذا المسار، فمصيرها الفشل، وسوف يتعرض ترامب نفسه لأخطار قد تفقده امتيازاته وأوراق قوّته قبيل الانتخابات الرئاسية. ومعلومٌ أنّ وقف تصدير النفط الإيراني يقع في رأس قائمة العقوبات الأميركية الحادّة المفروضة على إيران، ولذا فإنّ بيع النفط الإيراني لفنزويلا، أو لأي دولة غيرها، هو بمنزلة جرس الترفيه والمُتنفَّس لإيران، على مبدأ المثل الفارسي القائل “مِن هذا العمود إلى ذاك العمود فرج”، ومن المستبعد أن تتمكن إيران من تحشيد جبهة عالمية في مواجهة الولايات المتحدة، تتمكن من خلالها من تحطيم العقوبات الأميركية المفروضة عليها. ومن المخاطرة الكبرى إرسال شحنة نفطية إلى فنزويلا في ظل فقدان ضمانات حقيقية لحصد الأثمان الناجمة عنها في ظلّ هذه الأوضاع الاقتصادية الإيرانية الصعبة.

إن هذه الخطوة التي اتخذتها إيران، في ظل هذه الظروف غير المواتية للإدارة الأميركية، ليست إلا استعراضًا للقوّة، وإذا عددنا أن الإستراتيجية تعني فنّ المنافسة الأفضل؛ فإن فنزويلا تقع الآن في أدنى قائمة اقتصادات دول العالم، وتفتقد عملتها النقدية للقيمة المناسبة، وهي في الواقع الحالي تُعدّ مُفلسة اقتصاديًّا، ولذا فإن التعامل معها في هذه الحالة يشبه اللعب بحصان ميّت. ولعلّه يمكن القول: إنّ إيران قد نجحت في إيجاد ضجّة في العالم، وخلق أصوات دعائية والتظاهر بإحراج واشنطن، لكن فنزويلا ليست بالقوّة العالمية ولا حتى الإقليمية التي يعدّ الارتباط بها بمنزلة العلاقة الإستراتيجية.

لقد سعت إيران مرارًا وتكرارًا للإفادة من الدول المنافسة لأميركا في خلق أجواء معادية لها، وفي السنوات الأخيرة، عُدّت العلاقات بين طهران وموسكو علاقةً إستراتيجية، لكننا نعلم جيدًا أن هذه العلاقة ليست إستراتيجية بالمعنى العلمي؛ فطهران وموسكو بالإضافة إلى الرياض هي الأقطاب الثلاثة الرئيسة في العالم التي تتنافس فيما بينها لتأمين متطلبات سوق الطاقة العالمي؛ ولو أردنا تعريف العلاقة الإستراتيجية بمعناها الحقيقي؛ فإن فنزويلا لا مكانة لها في الجبهة الاقتصادية.

اسم المقالة الأصليریسک‌های روابط تهران وکاراکاس/ چرا نفتکش ایرانی به ونزوئلا رفت؟
الكاتبمهدي مطهر نيا[1]
مكان النشر وتاريخهطهران، موقع (رويداد24)، 25/5/2020
رابط المقالةwww.rouydad24.ir/000u72
عدد الكلمات802
ترجمةوحدة الترجمة والتعريب/ مصطفى البكور

[1] – مهدي مطهر نيا: أستاذ العلوم السياسية في جامعة طهران، خبير في العلاقات الدولية.