نظام الأسد يتصدّع نتيجة الضغط الذي حشره في الزاوية، تمامًا مثلما خططت وزارة الخارجية
(*) الآراء الواردة في هذه المادة لا تمثل بالضرورة آراء المركز ولا مواقفه من القضايا المطروحة
بعد عامين من احتفال نظام بشار الأسد بالنصر في الحرب الأهلية السورية، يواجه اليوم اضطرابات متجددة. فهناك تمرد صغير في محافظة درعا، مهد ثورة 2011، وتظاهرات عاصفة في السويداء المجاورة، والاقتصاد يمضي نحو الهاوية.
ما الذي تغيّر في هذين العامين؟ وكيف تحوّل انتصار الأسد إلى كارثة؟ إنها سياسة إدارة ترامب بخصوص سورية. إن تطبيق ضغط هادئ ومتواصل يُحوّل انتصار الأسد إلى رماد، ويُفقده قيمته تمامًا. ما لم تفعله إدارة ترامب بعدُ هو إقناع روسيا بالتوقف عن دعم نظام الأسد، وهذا يعني أن الاستراتيجية ما تزال في حالة جمود.
لم يلقَ تعليق جيمس جيفري (المبعوث الأميركي الخاص لسورية)، إذ قال في 12 أيار/ مايو إن مهمته هي جعل سورية “مستنقعًا للروس”، أيَّ اهتمام. واتضح أن كلمات جيفري لم تكن تقتصر على نقل شعور عام بمعارضة الخطط الروسية في سورية. وتحدثوا عن سلسلة من الإجراءات التي تهدف إلى منع عودة الحياة الطبيعية إلى سورية التي يسيطر عليها النظام، وإلى إثارة أزمة متجددة، ومن ثم تحويل البقاء في سورية من ميزة إلى عبء، على كل من موسكو وطهران.
كانت الوسيلة الرئيسة لتحقيق هذه الأهداف هي خنق الاقتصاد السوري؛ حيث إن الأسد بحاجة ماسة إلى المال لإعادة البناء، وتقدر الأمم المتحدة تكلفة إعادة بناء سورية بحوالي 250 مليار دولار، وهو رقم يعادل أربعة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي لسورية قبل الحرب، بينما لا يمتلك حلفاء الأسد الأساسيين المال ليقدموه، حيث تعاني إيران حاليًا تبعات عقوبات شديدة تقودها الولايات المتحدة، كما تعاني حالة كارثية في استجابتها لجائحة فيروس كورونا (كوفيد -19)، وأعباء الالتزامات الإمبراطورية، في اليمن وأفغانستان والعراق وسورية ولبنان وغزة؛ إضافة إلى فقدان الجنرال قاسم سليماني، الرجل الذي كان مسؤولًا عن تلك الالتزامات، الذي قُتل في غارة أميركية بطائرة من دون طيار، في وقت سابق من هذا العام. وتواجه روسيا انهيار أسعار النفط والغاز، فضلًا عن العقوبات المفروضة عليها.
خلقت الحاجة الملحة إلى إعادة الإعمار وغياب الأموال ميزةً ضد نظام الأسد، كانت الولايات المتحدة تعمل على خلقها بجد. أولًا، حافظت الولايات المتحدة مع الاتحاد الأوروبي على جبهة موحدة للمطالبة بأن لا تُقدّم أموال لإعادة الإعمار في سورية، ما دام النظام يرفض عملية “انتقال سياسي شامل وحقيقي، تتفاوض عليه الأطراف السورية في الصراع، على أساس قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254”. وهو تأكيد للقول إن رفض الأسد التفاوض على رحيله، يحُول دون حصول نظامه على أي أموال.
ثانيًا، تعتزم الولايات المتحدة منع أي طريق نجاة اقتصادية ممكنة للنظام. حيث بدأ سريان ما يسمى “عقوبات قيصر” ضد الحكومة السورية، في 17 حزيران/ يونيو، وستعاقب بشدة الأطراف الثالثة التي تتعامل مع الأسد في سورية. وقد عبّرت كل من الصين والإمارات العربية المتحدة عن رغبتهما في المشاركة في إعادة إعمار سورية الأسد، لكن من المرجح أن تعيد الإمارات النظر بعد قانون قيصر، بينما يظل التنبؤ برد الصين أكثر صعوبة.
ثالثًا، تعمل الولايات المتحدة على منع الانتصار العسكري النهائي للنظام. فعلى الرغم من الحديث عن “قرب انتهاء” الحرب، فإن الأسد وحلفاءه لا يسيطرون إلا على حوالي 60 في المئة فقط من سورية، بينما ما يزال حوالي 15 في المئة في أيدي الأتراك وحلفائهم الإسلاميين السنة، الذين شرعوا أخيرًا في استخدام الليرة التركية، كعملة متداولة في تلك المناطق، بدلًا من الليرة السورية المنهارة، وتسيطر “قوات سوريا الديمقراطية” الموالية للولايات المتحدة والأكراد على 25 في المئة المتبقية. دعمت الولايات المتحدة تركيا في مواجهتها لهجوم بقيادة النظام وروسيا، في آذار/ مارس من هذا العام، وخلافًا لتغريدة دونالد ترامب، الرئيس الأميركي، التي أعلن فيها الانسحاب في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، فإن القوات الأميركية ما تزال موجودة في المنطقة التي يسيطر عليها الأكراد.
الهدف المباشر لسياسة إدارة ترامب بخصوص سورية (التي يديرها مايك بومبيو، وزير الخارجية) هو ضمان قبول النظام بوقف إطلاق نار غير محدود على الصعيد الوطني. وسيؤدي ذلك إلى تجميد خطوط المعركة الحالية في مكانها، والسماح ببدء المفاوضات حول المستقبل السياسي للبلاد. الانتخابات الحرة ورحيل الأسد هما ما تأمل الولايات المتحدة أن يتبعا ذلك، مع احتفاظ واشنطن بالقدرة على زيادة الضغط الاقتصادي أو تخفيف حدته، تبعًا لمدى التعاون بين الأسد وروسيا.
في غياب مثل هذا التعاون؛ سيستمر الوضع الراهن المتوتر في سورية. وهذا يشمل الندرة المتزايدة للسلع الأساسية للمدنيين السوريين، وانهيار العملة السورية (قيمة الدولار الواحد اليوم نحو 3000 ل. س في السوق السوداء، مقابل 50 ل. س قبل الحرب). كما يشمل الهجمات المسلحة من النوع الذي شوهد في درعا خلال العام الماضي، وتزايد الصدوع في أعلى هرم النظام، حيث كافح الأسد أخيرًا لابتزاز الأموال من أفراد عائلته المقربين، ومن ضمنهم ابن خاله، الملياردير رامي مخلوف.
بالنسبة إلى السوريين الفقراء، فإن عواقب كل هذا وخيمة، وقد غرّد داني مكي، وهو صحفي له صلات وثيقة بدوائر الحكومة السورية، في 7 حزيران/ يونيو: “الوضع الاقتصادي في سورية بلغ نقطة الانهيار، العلاج الطبي نادر جدًا، والجوع أصبح طبيعيًا، ومستوى الفقر في أسوأ حالة على الإطلاق، حتى إن بعض الناس أخذوا يبيعون أعضاءهم من أجل البقاء على قيد الحياة”.
من المرجّح أن يسلّط المتحدثون باسم النظام والمدافعون عنه، في الفترة المقبلة، الضوءَ على الوضع الإنساني الصعب في مناطق النظام، وأن يدعوا إلى تخفيف القيود. ولكن من الصعب أن يصدّق الناس -بعد كل ما حدث- أن النظام يعمل على إنهاء مخاوف مواطنيه. في أثناء تغطيتي للوضع في سورية، من السنوات الأولى للحرب الأهلية، شهدتُ في حلب، صيف 2012، استهداف قوات نظام الأسد الجوية المتعمد للبنية التحتية المدنية، ومن ضمنها المشافي. كانت التكتيكات التي ظلّ يكررها النظام، في جميع أنحاء البلاد، السبب الرئيس للخسائر الفادحة في أرواح المدنيين خلال الحرب السورية، ولم يكن هناك أيّ إخطار من قبل النظام الذي ظهرت نزعته الإنسانية التي ظهرت حديثًا.
لم تنجح الإستراتيجية الأميركية -حتى اليوم- في هدفها النهائي، وهو تغيير حسابات النظام السوري. وبدلًا من ذلك، كانت النتيجة الرئيسة هي الصراع الناشئ بين عناصر مختلفة من المعسكر المؤيد للنظام، ومن ضمنها الانتقادات العلنية الروسية للأسد، والخلاف بين الأسد ومخلوف، والتوترات المتزايدة بين عناصر الأمن السوري الموالية لإيران والموالية لروسيا في درعا التي مزقها الصراع. لكن إستراتيجية من هذا النوع لا تستلزم نتائج فورية. إن التكلفة المباشرة للحصار الاقتصادي على سورية الأسد الذي تفرضه الولايات المتحدة -مثل حملة الضغط الأقصى ضد إيران- منخفضة أو غير موجودة.
ينبغي لأولئك الذين يتساءلون عن الشكل المستقبلي لمشروع القوة الأميركية في الشرق الأوسط أن يولوا اهتمامًا كبيرًا للمظهر الحالي لسياسة سورية. العنصر المفتاحي هو تحويل القوة الاقتصادية الغربية إلى سلاح. حيث إن المعسكر المحيط بالأسد متمرس في الحروب السياسية والحروب بالوكالة، ولا يوفّر وسيلة -مهما كانت قاسية- من أجل تحقيق أهدافه. لقد تفوق ذلك المعسكر طوال العقد الماضي على جهود القوى الإقليمية المتحالفة مع الغرب لإطاحة دكتاتورية الأسد. لكن نقطة ضعف (كعب أخيل) هذا المعسكر هي ندرة الموارد الاقتصادية. ونقطة الضعف هذه يتم استغلالها الآن، بأقل تكلفة على الولايات المتحدة، ومن دون الالتزامات العسكرية الكبيرة التي يفضل كل من الرئيس والجمهور تجنبها. الهدف هو تحويل سورية إلى مستنقع للدكتاتور وحلفائه.
على الرغم من أن الحرب القائمة في سورية ربما تكون قد انتهت إلى حد بعيد، فإن الولايات المتحدة ضمنت بقاء قضاياها الأساسية من دون حل. الجمود الناتج عن ذلك (الذي يتميز بالصراع المتجمد واستمرار الفقر والانقسام الفوضوي القائم بحكم الأمر الواقع في البلاد) حال دون انتصار الأسد وحلفائه. سيبقى هذا المستقبل العملي الوحيد للبلاد، حتى يكون الأسد وحلفاؤه على استعداد أخيرًا للتفاوض على الشروط التي يرغب خصومهم في تطبيقها.
اسم المقالة الأصلي | Trump’s Syria Policy Is Working |
الكاتب | جوناثان سباير، Jonathan Spyer |
مكان النشر وتاريخه | فورين بوليسي، FP، 1 تموز/ يوليو 2020 |
رابط المقالة | https://bit.ly/2DdPFxN |
عدد الكلمات | 1161 |
ترجمة | قسم الترجمة/ أحمد عيشة |