المحتويات
الحاجة إلى سياسة تجاه اللاجئين
عنوان المادة الأصلي باللغة الإنكليزية | Politics of Class and Identity Dividing Aleppo – and Syria |
اسم الكاتب | بريثي ناللو Preethi Nallu |
مصدر المادة الأصلي | سورية بعمق، SYRIA DEEPLY |
رابط المادة | https://www.newsdeeply.com/syria/articles/2017/03/17/analysis-politics-of-class-and-identity-dividing-aleppo-and-syria |
تاريخ النشر | 17 آذار/ مارس 2017 |
المترجم | أحمد عيشة |
شهد هذا الأسبوع نهاية السنة السادسة للحرب في سورية. وحول هذه الذكرى القاتمة سندرس التقسيمات العميقة الاقتصادية والاجتماعية وغيرها من الانقسامات التي تجعل من الصعب على اللاجئين العودة إلى حلب، المدينة التي أصبحت المنطلق لمستقبل البلاد.
صورة التقطت خلال عاصفة رملية تظهر الدمار في أحد الأحياء التي كان يسيطر عليها المتمردون، حي باب النصر في حلب في 10 آذار/ مارس 2017. وكالة الصحافة الفرنسية/ جوزيف عيد
في أواخر كانون الثاني/ يناير، انطلق القطار من محطة السكك الحديد الرئيسة في المدينة إلى شرق حلب، للمرة الأولى منذ أربع سنوات. وقد شهدت هذه المحطة، التي بُنيّت قبل الحرب العالمية الأولى كجزءٍ من شبكة برلين – بغداد الحديدية، التي ما يزال يُشار إليها من بعض السكان المحليين بأنَّها “محطة بغداد”، صراعات عدة على مدى قرن تقريبًا، ولكنْ لا شيء يماثل الدمار مثل حصار حلب، والهجوم العسكري اللاحق الذي قامت به الحكومة السورية في كانون الأول/ ديسمبر.
بينما كان القطار يعبر أحياء شرق حلب المدمّرة بوصفها جزءًا من مساره اليومي عبر المدينة، كان الركاب يتابعون عبر النوافذ الحطام في صمتٍ محير، أصبحت مدينتهم غيرَ معروفة، ويمكن رؤية بعض السكان العائدين إلى ديارهم، يتسلقون فوق بقايا المباني المدمرة، وكثير منها من دون كهرباء، ومياه، وفي بعض الحالات، من دون أسقفٍ وجدر.
دخلت سورية عامها السابع من الصراع يوم الأربعاء، 15 آذار/ مارس 2017، وبكى كثيرون تدمير حلب. لكنَّ المباني التي تعرضت للقصف ليست سوى واحدةً من العقبات الكثيرة التي تعترض إعادة بناء المدينة. فقد عانت أيضًا خسارات كبيرة في البشر، ورأس المال، والطاقة الفكرية، والتنوع. لقد أصبحت حلب في الواقع رمزيةً للصدوع الطائفية، والاجتماعية والاقتصادية كما الريفية/ الحضرية طويلة الأمد في أنحاء البلاد جميعها، ويمكن أنْ يكون لها تأثير خطر في عودة اللاجئين، والمشردين داخليًا.
على الرغم من قرون من التكوّن متعدد الثقافات، فإنَّ السنوات القليلة الأخيرة من الحرب أدَّتْ إلى تفتيت أكبر مدينةٍ في سورية، ما أدى إلى خلق انقسامٍ واضح بين شرقها وغربها، وتحويل نحو 35722 مبنى إلى أنقاض. وقد وصفت جماعات حقوق الإنسان حلب بأنَّها “أسوأ مكانٍ في العالم”، ويرجع ذلك في جزءٍ كبير منه إلى قصف الحكومة العشوائي للمدنيين، وفرضها الحصار عليهم.
مع حرمان كثير من سكان حلب من الخدمات الأساسية، ومن شريان الحياة الاقتصادي الذي قطعه القتال، فرّ كثيرون إلى أجزاءٍ أخرى من سورية، ومنهم من عَبَرَ حدودها. في الآونة الأخيرة، أُخرج 37500 شخص من المدينة في كانون الأول/ ديسمبر في عملية إخلاءٍ جماعيّ توسطت فيها تركيا، وروسيا خلال ما سميَّ بعملية “تحرير” القسم الشرقي من المدينة. وبحلول أوائل كانون الثاني/ يناير، أفادت الأمم المتحدة أنَّ حوالى 2200 أسرة فقط قد عادت. لقد خضعت حلب لتغييراتٍ ديموغرافية دائمة ظاهريًا، وفقًا لمنظمات عدة، بما في ذلك وكالة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
وقال باحثون في الأجندة الوطنية لمستقبل سورية، في مؤتمرٍ نظمته اللجنة الاقتصادية والاجتماعية في الأمم المتحدة لغرب آسيا (أسكوا)، في بيروت في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي: “إنَّ إعادة مثل هذا الاستنزاف من الناس والموارد إلى ما كان عليه، سيتطلب استثمارًا كبيرًا جدًا، إذا أردنا العودة إلى حالة ما قبل الصراع”. ويهدف البرنامج إلى تحديد العوامل الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية التي تشكل أيّ إعادة إعمارٍ مستقبلية.
ويشير باسل كغدو، وهو مستشارٌ رئيس في مشروع الأجندة الوطنية، إلى أنَّ هناك الآن “استقطابٌ كثيف قائم على الهوية” أثارته الأطراف المتحاربة، ووكلاؤها. وأضاف كغدو: إنَّ “الهويات، والهويات الصغيرة (الميكرو هويات)” لمدنٍ مختلفة تحجَّرتْ خلال سنوات الصراع يجب أن تؤخذ في الحسبان من وكالات الأمم المتحدة السياسية والإنسانية.
“إنَّ الصراع في منطقة دمشق، على سبيل المثال، له بعد ماليّ وريفي/ حضري أكثر، في حين إنَّه في مناطق مثل حمص حاز على بعدٍ أكثر طائفية، أما في مناطق مثل حلب، فإنَّه صراع أكثر بين الفقراء / الأغنياء؛ انقسام بين أولئك الذين يملكون، والذين لا يملكون”. وقال كغدو: إنّ فهم طبيعة الصراعات في المراكز الحضرية المختلفة أمرٌّ حيويّ لتقويم طبيعة العائدات/ النتائج وجدواها.
اختفاء التنوع
لقد قدَّمت حلب سابقةً مثيرة للفزع لعشرات الأماكن الأخرى المحاصرة في أنحاء البلاد جميعها، وفقًا لتقارير الأمم المتحدة الداخلية، ومجموعات المراقبين المحليين، وقد تكون المدينة منطلقًا للعائدين الآخرين، وإعادة بناء ليس البنية التحتية فحسب، بل النسيج الاجتماعي. طوقت قوات الحكومة مؤخرًا ثلاثة أحياءٍ يسيطر عليها المتمردون في شرق دمشق من أجل تأمين الغوطة الشرقية، وهي منطقةٌ زراعية يقطنها ما يقدر بـ 250000 مدنيّ، وهو ما قد يكون المرحلة التالية من التهجير الجماعي.
يقول فيليب مانزيل، في كتابه “حلب: صعود وسقوط المدينة التجارية الكبرى في سورية” الذي نُشر في الصيف الماضي قبل هجوم الحكومة في أواخر كانون الأول/ ديسمبر: “هناك عددٌ قليل من الأماكن بهذا القدم والتنوع”. وكان هذا بعد حصارٍ متقطع من جانب أطراف معارضة ابتدأ منذ عام 2012.
إن استكشاف مانزيل لأحدِّ أقدم المدن المأهولة بالسكان في العالم، التي هي جزءٌ من شريان الحياة الذي يربط بين بلاد ما بين النهرين، والبحر الأبيض المتوسط، وميناء رئيس على طريق الحرير؛ يكتسب وضوحًا إضافيًا اليوم. إنَّ الآشوريين، والفرس، واليونانيين، والرومان، والعرب، والعثمانيين، والفرنسيين الذين تنافسوا في أوقاتٍ مختلفة للسيطرة على هذه المدينة التجارية الموقرة، التي يصفها مانزيل بأنَّها شريانٌ يضخ المكاسب الاقتصادية، والتبادل الثقافي بين الشرق الأقصى والغرب؛ لم يدركوا قيمة حلب التي تجسّد اليوم أثر العنف المستدام.
وفي حديثه إلى شبكة أخبار News Deeply، أعرب مانزيل عن قلقه من أنَّ النهاية القريبة لقرونٍ من التعايش متعدد الثقافات في حلب هي علامةٌ مثيرة للقلق بالنسبة إلى مستقبل المجتمعات المختلطة في سورية.
إنَّ صعوبة تقويم التغيَّر الديموغرافي، خصوصًا نتيجة عدم وجود بياناتٍ يمكن التحقق منها، تعني أنَّ الوضع على الأرض يتغيّر تقريبًا كلّ أسبوع، كما يقول مانزيل.
“هناك كثير من الأقليات يغادرون حلب، وغالبًا هم متعلقون جيدًا بها. فالأرمن يذهبون إلى أرمينيا المستقلة، والمسيحيون كانوا يغادرون حتى قبل الصراع. وعلى الرغم من مغادرة كثير من المسلمين السنّة، لكنَّ كثيرًا منهم لا يستطيعون الرحيل”.
إنَّ حملة “الأرض المحروقة” التي تقودها روسيا -المشابهة لمعركة غروزني في الشيشان- أفرغت مساحاتٍ واسعة من المدينة من سكانها، مُسهلّةً على القوات الحكومية السيطرة عليها. وخلال محادثات السلام السورية الأخيرة في جنيف، اتهم مفتشو حقوق الانسان التابعون للأمم المتحدة الأطراف جميعها بارتكاب جرائم حربٍ في حلب. وخلصوا أيضًا إلى أنَّ عمليات الإخلاء الجماعي للمنطقة التي يسيطر عليها المتمردون في شرق حلب تقارب “النزوح القسري”. وقد ذهب الفيلسوف الفرنسي برنار هنري ليفي إلى حدّ أنْ يسميَّ حلب إحدى أكثر الدروس تكلفةً في تاريخ “الإبادة”، إذ يشكّل اللاجئون والنازحون داخليًا تحديًا في المستقبل المنظور.
إنَّ إرساء عمليةٍ ملموسة لضمان عودة المدنيين على المدى الطويل هي أكثرُ إلحاحًا من أيّ وقتٍ مضى، خصوصًا أنَّ خيار المناطق الآمنة أصبح خيارًا أقلّ قابليةً للتطبيق، ثم إنَّ البلدان المجاورة، مثل تركيا، والأردن، ولبنان، تغلق حدودها.
“لا توجد مناطق آمنة. عندما كنت تأخذ مدنيًّا من شرق حلب، أو من الأجزاء الشرقية من حلب إلى إدلب، تبقى هناك تهديداتٌ من الغارات الجوية الوحشية للحكومة، والمعارضة المسلحة، وهي أيضًا مؤذية وقمعية”، كما قال الكاتب السوري الكندي والمحلل المستقل يزن السعدي لشبكة News Deeply.
تقسيمات معقدة، نتائج صعبة
في ضوء الحقائق الديمغرافية المتغيّرة بسرعة في المدن السورية، أعربت وسائل الإعلام عن مخاوفها من أنَّ أغلب اللاجئين والمشردين داخليًا، وهم من المسلمين السنّة، قد لا يتمكنون العودة إلى ديارهم. وهذا صحيح ويُصدّق خصوصًا عن حلب، إذ تسيطر الأقليات -العلويين والمسيحيين والأرمن والدروز- حاليًا على الجانب الغربي، بينما الأحياء الشرقية هي بالأساس من السنّة.
وقال السعدي: “يجب على المرء أنْ يكون حذرًا جدًا عند تقديم مثل هذه الادعاءات”، مضيفًا أنَّه من غير المرجّح أن تقوّم الحكومة السورية المدنيين العائدين على أساس تقويم “أبيض وأسود” للهوية الطائفية. “ليست حالة” “إنّك سني، لذا لا يمكنك العودة”، إنَّ الأمر يتعلق بما إذا كنت “معنا” [النظام السوري] أم لا.
يقول مانزيل: إنَّ انقسامات الهوية بين سكان حلب، خصوصًا خلال سنوات الصراع، تتجاوز الانتماءات الدينية. فالمدينة “قد جُرَّت إلى حروبٍ بين السنة والشيعة، بين السلفيين وغيرهم من المسلمين، بين العلمانيين والمتدينين، بين الدكتاتوريين والليبراليين؛ بين الجيوش والمدنيين، بين المدينة والدولة”.
أضافت الهويات الريفية/ الحضرية بعدًا آخرًا إلى الانقسامات، إذ الأغلبية العظمى من “البرجوازية في المدينة كانت خائفةٌ من هذه الانتفاضة، وعدّت أنَّها قادمةٌ من المناطق الريفية، وتسعى لتحقيق مزيد من العدالة الاجتماعية”، كما قال جوزيف ضاهر، وهو أكاديميٌّ سويسري، من أصلٍ سوري، وتحديدًا من حلب، متحدثًا من جنيف.
يشير ضاهر، والسعدي إلى “الانقسامات الطبقية” بوصفها أهمَّ الديناميات في حالة حلب.
لقد حالت هذه الخطوط المتشابكة للهوية دون عودة المدنيين الذين فرّوا من المدينة معظمهم. وفي الوقت نفسه، يحذر المراقبون من أنَّ حصار حلب، وما يترتب على ذلك من إعادة موضعةٍ للمقيمين يشكّل جزءًا من إستراتيجيةٍ منسقة لتنظيم التغيّرات طويلة الأجل في الهوية، والتركيب الاجتماعي في أنحاء البلاد كلّها.
وأضاف ضاهر شارحًا: لقد كانت السيطرة على المراكز الحضرية الرئيسة، على طول العمود الفقري في سورية هدفًا للأطراف المتحاربة جميعها. استيلاء الحكومة على حلب، و”سحق وجود المعارضة في المدينة كان حاسمًا للنظام قبل التفاوضات الجديدة [التي جرت في كانون الثاني/ يناير في آستانة، وشباط/ فبراير في جنيف]”.
كان ما يسمى بتحرير حلب نقطة تحولٍ رئيسة في ترسيخ سلطة الحكومة السورية على العمود الفقري للبلاد. إنَّ السيطرة السياسية والمادية على هذه المدن هو أمرٌّ مفتاحيّ للنظام لاستعادة السيطرة على البلاد بأسرها. ومع أنَّ إدلب -التي ما تزال تحت سيطرة المتمردين- تشكل فقرةً رئيسة من هذا العمود الفقري، فإنَّ كثيرين ممن جرى إجلاؤهم من حلب، وإرسالهم إلى مخيمات المهجرين داخليًا في المحافظة الشمالية الغربية يخشون من أنَّهم قد خرجوا أساسا من حصارٍ إلى آخر. وأحضرت عمليات الإجلاء الجماعي من الأجزاء الشرقية من حلب المفهومات المتنافسة والمتصارعة في أغلب الأحيان لممرٍ آمنٍ مقابل الإخلاء إلى الواجهة.
إخلاء أم تهجير قسري؟
قبل أشهرٍ من الهجوم على حلب، وصف منسق الإغاثة الطارئة في الأمم المتحدة، ستيفن أوبراين، بوضوح عمليات الإجلاء الجماعي، والحصار المطوّل بأنّها انتهاكات للقانون الإنساني الدولي. وأضاف: “يجب رفع أنواع الحصار جميعها، إنَّها أساليبٌ تعود إلى القرون الوسطى، ولا ينبغي أنْ يحدث ذلك من خلال أيّ نوعٍ من الاتفاقات التي تؤدي إلى التهجير القسري للسكان المدنيين”.
في حين إنَّ إجلاء السكان من أجل إحداث تغييراتٍ ديمغرافية يشكّل في الواقع انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، لكنَّ التأكد من الطابع الطوعي لعمليات الإجلاء المدنيّة في ظلِّ الصراع، يبقى عمليةً صعبة. ويصرُّ العاملون في المجال الإنساني معظمهم على أنَّه من الخطر بالقدر نفسه تأخير عمليات الإجلاء عندما يقطع شريان الحياة الأساسي من الأغذية، والمأوى، والأدوية من دون ضمانات بالأمان والسلامة.
عندما أقلت الحافلات المدنيين ومقاتلي المعارضة في حلب متوجهين إلى إدلب، ذكرت الأمم المتحدة أنَّه على الرغم من أنَّ عمليات الإجلاء ليست ضمن اختصاصها، لكنّها مستعدةٌ لمساعدة أيّ شخصٍ سيغادر “طوعًا” المدينة. ويشير غياب وجود مراقبين محايدين على الأرض لتوثيق حالات النقل القسري، إلى وجود فجوةٍ صارخة في حماية المدنيين. وبالنظر إلى أنَّ ما لا يقل عن نصف السكان السوريين فرّوا من ديارهم على مدى السنوات الست الماضية، فإنَّ نقل السكان من أماكن سكنهم الأصلي، ومن دون ضمانات بالعودة، ما يزال غير واضح.
“إنَّ الأمم المتحدة متحيزةٌ بطبيعتها بسبب الطريقة التي أُنشئت بها [إذ يتعين عليها التعامل مع الدول]. إنَّ المنظمات الدولية غير الحكومية ملزمةٌ أيضًا بالتعامل مع القوانين الدولية والإنسانية التي تتعارض أحيانًا مع حاجات المجتمع”، وكما يقول السعدي. “الحل الوحيد الذي أراه هو منظمةٌ دولية أو هيئةٌ دولية من المدنيين”.
وأضاف السعدي: إنَّ أولئك الذين يتعاملون مع العائدين يجب أنْ يكونوا مدركين أيضًا أنَّ النزوح ليس بالضرورة مصدر قلق للحكومة السورية، نظرًا إلى أنَّ البلاد شهدت طفرةً كبيرة في النمو، وفي زيادة السكان في الستينيات.
اقتصادات العائدين
في حالة حلب، يبدو أنَّ الانقسامات الاجتماعية، والاقتصادية تؤدي دورًا مؤثرًا بمثل دور التكوين الطائفي. يجب على المرء أنْ ينظر إلى “الجغرافيا الاجتماعية” للقتال في المدينة، التي كانت واضحة في وقت مبكر من صيف عام 2012، لفهم إمكانات العودة، كما يدعي جان كلود ديفيد، وتييري بواسيير، مؤلفيّ: “حلب وضواحيها” الذي يستكشف العلاقة بين الفضاءات الحضرية، ومجتمعات حلب.
يشير المؤلفان إلى أنَّ الصحافيين والمراقبين الذين يبحثون عن تفسيراتٍ من خلال الجغرافيا السياسية يتغاضون أحيانًا عن الصراعات المحلية، والتوترات الاجتماعية، والاقتصادية المتشابكة التي تشعل العداوات، كما هو الحال في المراكز الحضرية في سورية.
“إن ترتيب الفضاء [العام] إلى مجموعتين اقتصاديتين اجتماعيتين كبيرتين ما يزال صارخًا في الوقت الحاضر بين أحياءٍ ثريّة غرب [المدينة] وثلاثة أرباعها الأكثر شعبية، في الشمال والشرق والجنوب، مع الطبقات الاقتصادية التي تعبر الهويات الدينية والطائفية”، وفقًا للمؤلفين. غير أنَّ الحصار المفروض على التجارة في المدينة، وانخفاض التفاعل بين مختلف الجهات خلال الصراع قد زادا من اغتراب الجانبين.
ويقول عبد اللطيف العلي، الباحث السوري الذي يكمل دراسته في العلاقات الدولية في تركيا: في عموم البلاد، إنَّ الانقسامات الطبقية المتطرفة، والارتحال الريفي/ الحضري بسبب فقدان سبل العيش هما السبب الجذري وراء اندلاع الصراع. وأضاف: إنَّ الفوارق الطبقية “تتحول تدريجًا إلى فجوة هوية”.
ويستذكر علي، وهو من المسلمية في محافظة حلب، تجربة أسرته. في مقابلةٍ مع شبكة News Deeply، كيف كان أعمامه، الذين كانوا مزارعين، يكافحون من أجل كسب عيشهم في القرية قبل أنْ تبدأ الانتفاضات، إذ انتقلت نسبةً كبيرة من الرجال في سن العمل إلى المراكز الحضرية. كانت حلب أقرب مركزٍ اقتصادي لكثيرين.
وقال السعدي: “إلى جانب أنَّ الانقسام بين “الموالين للحكومة” أو “المناهضين للحكومة”، هو القضية المرافقة حتمًا للعائدين بالنسبة إلى النمو الاقتصادي في المستقبل في سورية. وأضاف: إنَّ استخدام الناس “أدواتٍ بدلا من أفرادٍ متعدديّ الأبعاد” سوف يملي سياسات الحكومة السورية على العائدين.
لقد انخفض الناتج المحلي الإجمالي السوري بنسبة 40 في المئة منذ بداية الصراع، ما يعني أنّ “جذب رؤوس الأموال إلى البلاد سوف يسير جنبًا إلى جنب مع التغلب على هجرة الأدمغة” وضمان شبكة أمانٍ للعائدين، وفقًا لبرنامج الأجندة الوطنية لمستقبل سورية.
الحاجة إلى سياسة تجاه اللاجئين
إنَّ مناقشة جدوى عودة السوريين من مختلف الهويات الاقتصادية والاجتماعية والطائفية تطرح سؤالًا أساسيًا: ما هي سياسة الحكومة السورية تجاه اللاجئين؟ الجواب البسيط، وفقًا لجميع الباحثين الذين قابلتهم في شبكة News Deeply، هو أنَّه لا يوجد أيّ شيء.
“لو قُدّر لنا أنْ نصدق تصريحات الحكومة بأنَّ لكلِّ فرد الحرية في العودة من دون التدقيق في ما إنْ كانت صادقة أم لا، ما هي الضمانات التي ترغب الحكومة في تقديمها، بالتأكيد ليس فقط المرور الآمن، ولكن أيضًا الحماية الاجتماعية، والاستقرار الاقتصادي، والوصول إلى ديارهم؟ تساءل السعدي.
ويشير العلي إلى ما يُسميه “الأدلة المتراكمة على منازل الناس الذين هُجِّروا ونهبت منازلهم، ودُمِّرت، وأصبحت ملكًا للدولة”.
ولكي يعود المدنيون بأعدادٍ كبيرة، يبدو أنَّ عملية المصالحة يجب أنْ تُعالج الانقسامات الاجتماعية، والاقتصادية، والدينية، والطائفية التي تركت بصمةً كبيرة على توازن سورية الاجتماعي، وهويتها. ويقول غالين لامفير- إنغلَند في مشروع حلب: إنَّ الفشل في القيام بذلك سيؤدي إلى تحويل المدن السورية إلى نسخٍ من سراييفو، حيث ما تزال الانقسامات العرقية مستمرةً، بعد عقودٍ من الاحتلال المسلح، في تحد لعودة السكان الأصليين.
إنَّ سياسة ملموسة تجاه “العائدين”، تلك التي لم يجرِ تناولها بصراحة في التفاوضات الدولية، هي قضيةٌ محورية ستحدد مستقبل ملايين النازحين السوريين. ومع ذلك، وفقا لكغدو، “إنَّ بناء السلام [في سورية] يتطلب عقدًا اجتماعيًا جديدًا”، ومن دونه لن يعود كثير من اللاجئين.