ترجمة أحمد عيشة

(*) الآراء الواردة في هذه المادة لا تمثل بالضرورة آراء المركز ولا مواقفه من القضايا المطروحة

وعَد بشار الأسد، حين استُدعي للرئاسة، بتحديث البلد الذي حكمه والده (حافظ) بالحديد والنار. لكن سورية اليوم [بعد نحو عشرين سنة من حكم بشار] أمست في حالة خراب، لم تختف منها مظاهر الفساد، ولا القمع الدموي حتى ضد أبسط أشكال المعارضة. انتهى طبيب العيون اللطيف (الذي تدرب في المملكة المتحدة) إلى تغيير وجهات نظره حول كل شيء، باستثناء العامل المشترك في العائلة: السيطرة على السلطة بأي ثمن كان، والتضحية بأي شخص كان، بل تصفية أي شخص عند الحاجة.

في 17 تموز/ يوليو 2000، كان لا بد من تعديل الدستور للسماح لبشار بخلافة والده، وأداء اليمين كرئيس وقائد عام للقوات المسلحة السورية؛ إذ كان الدستور يشترط في الترشح للرئاسة رجلًا لا يقلّ عمره عن 40 عامًا لشغل هذه الوظائف، بينما كان عمر بشار 34 عامًا. وتم التعديل، وكان هناك أمل في أن الدماء الشابة ستُخرج سورية من دائرة العزلة التي وضعها فيها حافظ الأسد، وستكون هناك دولة جديدة غير التي أدانها المجتمع الدولي، بعد القمع العنيف في عام 1982 للاحتجاجات ضد نظامه التي أودت بحياة 20 ألف شخص.

في الداخل والخارج، مُنح بشار الصدقية والثقة، حيث دعمته فرنسا والولايات المتحدة، بينما كانت البلاد تشهد ازدهارًا تجاريًا وانفجارًا غير معروف للسياحة في العطلات والمؤتمرات. كان الاستثمار الأجنبي يتدفق، وتضاعف عدد منتديات النقاش، وتجددت حيوية دمشق، التي جعلها تاريخها الذي يمتد لأربعة آلاف عام، أقدم العاصمة في العالم.

لكن كل شيء تغيّر جذريًا، بعد الاحتجاجات التي وقعت في مدينة درعا الجنوبية، في آذار/ مارس 2011، كجزء من نار ذلك الربيع العربي المفترض، الذي أطاح -كما الدومينو- أنظمةً أبديةً وصُلبةً، مثل تلك الموجودة في ليبيا ومصر. أطلق بشار العنان للقمع الذي حمل لهجة الآشوريين التي لا لبس فيها، وكان مستعدًا للتشبث بالسلطة، مهما كلّفت الحرب، التي بدأت كحرب أهلية، وانتهى بها المطاف إلى سيناريو وحشي من المواجهة متعددة الأطراف.

توقف عدّ القتلى، منذ مدة طويلة، على الرغم من أن أكثر المصادر موثوقية قدرت عدد الضحايا بنحو نصف مليون شخص، إضافة إلى نحو مليوني مصاب بشتى أنواع الإصابات، وما لا يقل عن ستة ملايين من المهجرين واللاجئين، 80 في المئة منهم يعيشون في ظروف بائسة، في لبنان أو الأردن أو تركيا أو اليونان.

نمو البؤس وتوسعه

انتهى الخراب السوري من لبنان، المحمية الخاصة به، على إثر اغتيال رفيق الحريري (رئيس الوزراء) عام 2005. حيث أثارت عملية الاغتيال احتجاجات واسعة، أنهت وجود ثلاثة عقود من القوات السورية في بلاد الأرز.

تمسك بشار الأسد بمساعدة إيران في عام 2012، لمنع تقدم قوى المعارضة المشتركة. واخترع نظام الأسد سلاحًا بدائيًا ومدمرًا ووحشيًا: البراميل المتفجرة، التي تحتوي على شظايا كافية لقتل كل من تصل إليه وتحوله إلى أشلاء، وهي تُرمى باليد من الجو. وتتهم الأمم المتحدة نظام الأسد أيضًا باستخدام أسلحة كيمياوية ضد المدنيين، وعلى المشافي، وهو استخدام لم يقم به أي دكتاتور من قبل. وكذلك يتهمه القضاء الألماني بقتل أكثر من 13 ألف شخص، نتيجة التعذيب في السجون التي تسيطر عليها فروع المخابرات المخيفة.

عندما لم تعد المساعدة الإيرانية كافية لكسب الحرب، جاء سلاح الجو الروسي لمساعدة النظام. ابتداء من عام 2015 فصاعدًا، اكتسبت القوات الجوية نفوذًا، وحوّلت سورية إلى محمية فعلية لموسكو، التي ثبتت وجودها البحري والجوي، عبر قاعدتين على الأراضي السورية. الولايات المتحدة، من جانبها تدخلت على رأس تحالف دولي، بعد إعلان الدولة الإسلامية في عام 2015، لكنها تركت الأرض فارغة، بمجرد اكتمال هزيمة داعش، وإتمام تشتيت الجيوش الجهادية الدموية.

بشار الأسد يسيطر اليوم على أقل من 70 في المئة من سورية المدمّرة هذه، التي ستحتاج، بحسب البنك الدولي، إلى 350 مليار يورو على الأقل للبدء في إعادة إعمارها. وإضافة إلى المساعدة والسيطرة من إيران وروسيا، يتوقف بقاء بشار الأسد في السلطة على دعم الأقليات، بدءًا بطائفته العلوية، إلى جانب الدروز والمسيحيين والفلسطينيين. الفسيفساء العرقية كانت في السابق رمزًا لديناميكية سورية الفكرية التي لا يمكن إنكارها، وكان يمكن أن تصبح أفضل جسر بين الشرق والغرب.

في العام المقبل، ستكون هناك انتخابات رئاسية جديدة. وهناك تكهّنات بأن روسيا تريد مرشحًا مختلفًا في محميتها السورية، مرشحًا يتمتع بموافقة المجتمع الدولي ويسهّل إعادة إعمار البلاد، وبالطبع، يساعد في عودة ملايين اللاجئين الذين حطّم شتاتهم أسسَ الاتحاد الأوروبي. ولكن المشكلة هي أن بشار الأسد اليوم بلا منافس، لقد قضى عليهم جميعًا، وليس من السهل صنعُ خلفٍ لإعادة بناء ذلك الخراب.

اسم المقالة الأصليSyria, the ruined Russian protectorate with Bashar al-Assad
الكاتببيدرو غونزاليز،Pedro Gonzalez
مكان النشر وتاريخهأتالايار،Atalayar، 17 تموز/ يوليو 2020
رابط المقالةhttps://bit.ly/39yoVUF
عدد الكلمات648
ترجمةقسم الترجمة/ أحمد عيشة