عنوان المادة الأصلي باللغة الروسية: | Пролеты Пентагона |
اسم الكاتب | يفغيني ساتانوفسكي- رئيس معهد الشرق الأوسط |
مصدر المادة الأصلي | أسبوعية “المراسل الحربي- الصناعي” |
رابط المادة | http://www.vpk-news.ru/articles/35099 |
تاريخ النشر | العدد (669) 8 شباط/ فبراير 2017 |
عنوان المقال الثاني باللغة الروسية | Сирия в двух сценариях |
مكان النشر الثاني | صحيفة فزغلياد/ 7 شباط/ فبراير 2017 |
اسم الكاتب | يفغيني ساتانوفسكي- رئيس معهد الشرق الأوسط |
رابط المقالة | http://www.vz.ru/opinions/2017/2/7/856913.html |
المترجم | وحدة الترجمة والتعريب- سمير رمان |
المحتويات
المحافظة على الحوثيين في اليمن
مقدِّمة
يندر انتقال السلطة في الولايات المتحدة الأميركية من الإدارة الديمقراطية إلى الإدارة الجمهورية، من دون تغييراتٍ في السياسة الخارجية. ولكنْ من ناحيةٍ أُخرى، لم يُغيِّرِ أيُّ رئيسٍ من قبل تغييرات كثيرةً بمثل ما يفعل الرئيس الجديد دونالد ترامب أو ينوي أنْ يفعله. سيقنع الرئيس ترامب بمشاركة تركيا وروسيا في القضاء على داعش لأنَه سيتأكَّد بعد شهر أنَّ تصدي الولايات المتحدة الأميركية لهذه المهمة بمفردها هو أمرٌ غير واقعيّ.
كانت الحملة الانتخابية والانتخابات نفسها، وما عقبها من احتجاجاتٍ جماهيريةٍ ظاهرةً فريدةً كما هي شخصية الرئيس الجديد، وبمثل الرفض الواسع لهذا الرئيس في وسائل الإعلام والمؤسسات الأميركية، فإنّ حالًا من التوتر والعصبية تسود السياسة الخارجية والاستخباراتية والعسكرية الأميركية، ويحاول المراقبون تخمين ما يريده ترامب في ظلِّ مراحل من الشلل الكامل، أو التصرفات الاستعراضية العشوائية. فلنتفحَّص تصرفات الولايات المتحدة الأميركية في سورية، والعراق، واليمن وتونس في إطار مرحلة التغيُّرات الكبيرة المقبلة في واشنطن.
مخططان
يضع ترامب مهمَّةَ القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية في أولوياتِ سياسته الخارجيَّة. وفي هذا السياق، أشار الرئيس الأميركي إلى أنه غير راض عن وتيرة التقدُّم في محور مدينة الرقَّة في سورية، وفي محور الموصل في العراق، معربًا عن امتعاضه من التصورات الغامضة التي وضعها العسكريون الأميركيون في ذلك. يحتاج ترامب إلى خطةٍ دقيقة ذات خطواتٍ واضحة تتضمَّن تحديد الأطراف التي يجب أنْ تشارك فيها، والموارد اللازمة لتنفيذها، وأعطى البنتاغون مهلة شهرٍ لتقديم الخطة المطلوبة.
في حال فشل الخطة المقترحة، ستلقى المسؤولية على أولئك الذين أعدوها. وكان العسكريون الأميركيون قد تراخوا في عهد إدارة أوباما، وتكاسلوا متعمدين عن تنفيذ مهمّاتهم الوظيفية، متذرّعين ببرامج إعداد «المعارضة المعتدلة»، وبصعوبة عمليَّات قصف القِفار في سورية والعراق.
كان الحزب الديمقراطي يعدّ الهجوم على الرقَّة، ومن ثمَّ الاستيلاء عليها بمنزلة هديَّةِ -ما قبل الانتخابات- يقدَّمها أوباما لمرشحة حزبه هيلاري كلينتون بعد فوزها. ولكنْ، بعد إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية، تعثَّرت خطَّة الهجوم التي أُعدَّتْ في عهد إدارة أوباما، وفقد وزير الدفاع آشتون كارتر الاهتمام بهذا المشروع. وفي النتيجة، تعطَّلت العملية قبل أنْ تبدأ، ما سمح لتنظيم الدولة الإسلامية بالمناورة بقواته وموارده، بما في ذلك الهجوم على محافظة دير الزور.
ستلقى مشاركة تركيا وروسيا في هزيمة داعش الترحيب من الرئيس ترامب، لأنَّه سيتأكَّد بعد شهرٍ، من خلال تقرير جنرالاته، أنَّ قيام الولايات الأميركية بهذه المهمة بمفردها لن يكون واقعيًّا. تباطأتْ –حاليًّا- عمليات إرسال السلاح إلى الأكراد السوريين الذين يمثِّلون العمود الفقري للتحالف الموالي للأميركيين «قوات سورية الديمقراطية» التي تنضوي تحت رايتها فصائل من المعارضة السورية المسلَّحة، من مثل قواتِ العشائر في «جيش الثوار» و«بركان الفرات»، ومجموعات آشوريَّة، وغيرها.
ينتظر البيت الأبيض من العسكريين مسوِّغاتٍ تبرِّر ضرورات الإقدام على خطوة كهذه، ويتوقَّع منهم أخذ المخاطر المحتملة جميعها في الحسبان. إضافةً إلى ذلك، فإنه ينبغي للولايات المتحدة التوقف عن دعم قوات سورية الديمقراطية إذا أرادت إرضاء أنقرة، وإقناع الأكراد بمغادرة مدينة منبج حيث طردوا داعش منها في وقت سابق. وإنْ حصل هذا، فسيعني فَقْد الأميركيين «سنَدَهمْ على الأرض».
سيقول الجنرالات للرئيس إنَّ تطور الأحداث وفق هذا السيناريو سيكون «مخططًا متشائمًا». وسيذكرون في تقريرهم أنَّ لأنقرة اتصالاتٍ بداعش، وأنَّ الجيش التركي يعاني تدهورًا في استعداده القتالي بتأثير حملة التطهير التي طالت كوادره، وسيشيرون كذلك إلى النتائج المتواضعة التي أظهرها الجيش التركي في عملية «درع الفرات» التي أطلقتها تركيا في الشمال السوري.
ستكون النتيجة تولُّد قناعةٍ لدى الولايات المتحدة الأميركية بأنَّ عليها التورط بمفردها، مع احتمالٍ مستقبليّ بفقدها مواقعها في الشمال السوري، وتضخُّم هيمنة تركيا على حساب الأكراد. وفي حال تطور الأحداث وفق هذا السيناريو، فإنَّ داعش ستبدأ الضغط على الوحدات الكردية، وستزيحهم إلى ما وراء الفرات. ستحذو القوات التركية ومجموعات المعارضة الموالية لها –لاحقًا- حذو داعش في مطاردة الأكراد، والتضييق عليهم.
أمَّا السيناريو الثاني الذي يمكن أنْ تتطور الأحداث في سورية بموجبه؛ فهو التواصل بين واشنطن وموسكو. يدرس البنتاغون إمكان تحقيق هذا المخطط. وعلى الأرجح، سيضع العسكريون أمام الرئيس مخطط تعاونٍ محدودٍ جدًا، يتضمَّن مشاركة روسيا في شنِّ غاراتٍ جويَّةٍ مشتركة، وربما مهاجمة مواقع داعش انطلاقًا من الاتجاهات التي توجد فيها القوات الحكومية السورية، وقبل كلِّ شيء، من محور دير الزور. سيمنع الضغط المزدوج على داعش توجيه ضرباتٍ من الخلف. سيكون على موسكو، بحسب هذا المخطط، تنفيذ هجومٍ معاكسٍ على داعش قرب تدمر، وإلّا فإنّ قواتها ستتعرض لهجمات من الخلف.
سيبيِّن القادة العسكريون الأميركيون لترامب أنَّ الناحية السلبية في «مغازلة موسكو» ستكون في ردَّة الفعل السلبية لدول الاتحاد الأوربي، لأنَّ هذا السيناريو سيعني رفع العقوبات عن روسيا في مجال التعاون العسكري. من ناحيةٍ أُخرى، سيتطلَّب الأمر تعزيز الوجود الأميركي قرب الرقّة، لأنَّ الأكراد غير قادرين على تنفيذ عمليٍّاتٍ هجوميَّة، حتى مع وجود دعمٍ من الجو. وسيشير العسكريون إلى أنَّ تعزيز الوجود الأميركي في سورية سيؤثِّر في ديناميَّة الهجوم على الموصل العراقية، فالولايات المتحدة لا تستطيع الهجوم بفاعليتها الكاملة على جبهتين في آنٍ واحد. وبتحديدٍ أكثر، سيتطلَّب الأمر نقل قسمٍ كبير من الوحدات الأميركية إلى هذه المنطقة، وتعزيز التغطية الجويِّة فيها. وسيجرّ الواقع الناجم الأميركيين إلى مواجهةٍ بريَّةٍ مع الإسلاميين.
حتى الآن، من غير المعروف مدى استعداد ترامب للإقدام على ذلك. وفي حقيقة الأمر، فإنَّ المضيَّ في هذا المخطط الذي يعني العمل المشترك بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا الاتحادية، سيقضي على المقاومة البنيوية لتنظيم داعش في سورية في شهرٍ واحد.
العراق تقسمه الجسور
في تصريح أمام الصحفيين في 25 كانون الثاني/ يناير، أكَّدَ الجنرال جوزيف مارتن، قائد القوات البرية في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة؛ أنَّ البنتاغون لا يعرف المدّة التي ستستغرقها عملية تحرير الموصل من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية. وجاء التصريح مخالفًا لصرخات النصر التي دأبت السلطات العراقية الرسمية على تكرارها طوال نصف شهر كامل.
يؤكد الجنرال أنَّ العمليات في الموصل نفذتها قوات الأمن العراقي بمساندة دول التحالف بما فيها تركيا، أمَّا القوات التركية فلم «تلعب» دورًا في تحرير الجزء الشرقي من المدينة. ويتعلق الأمر بصواب ما يقوله الجنرال.
يعارض رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي مشاركة الأتراك في الهجوم على الموصل، لذا لم يقدِّم الأتراك أيَّ مساندةٍ، لأنَّ الجيش التركي لم يعُد قادرًا على تنفيذ عملياتٍ فاعلةٍ في منطقة الباب شمالي سورية، بعد حملة التطهير في صفوفه، فكيف يمكنه المشاركة في هجوم الموصل. علاوةً على أنَّ الميليشيات التي جهَّزها الخبراء الأتراك في قاعدة «بعشيقا» في كردستان العراق، لم تشارك أيضًا.
كلَّفت عملية استعادة شرقي الموصل الجيش العراقي ثمنًا باهظًا، فقد تعرضت قواته الخاصة التي قامت بالدور الرئيس في الهجوم لخسائر كبيرة، إذ تتطلَّب إعادة تنظيم صفوفها شهرين أو ثلاثة أشهر. أمَّا استبدال الميليشيات الشيعيّة بالوحدات السنيَّة -الأمر الذي يصرُّ عليه قائد فيلق القدس الإيراني الجنرال قاسم سليماني- فلا يريده الأميركيّون خشيةَ خطر التطهير الطائفي. وتضاف المصاعب التقنية إلى مشكلات النقص العددي (فعدد الفرقة يكاد يصل إلى مستوى اللواء بصعوبة، في حين ترفض البشمركة الكردية المشاركة في حرب الشوارع في الموصل)، وضرورة إعادة تشكيل القوات المتوافرة.
دمّر الطيران الأميركي الجسور الخمسة الواصلة بين جانبي مدينة الموصل، بزعم حرمان تنظيم الدولة الإسلامية من إمكان المناورة بالقوات والوسائل. وأكّد الأميركيون أنَّ تدمير الجسور أسهم في تسريع عملية تحرير شرقي الموصل، إلا أنَّ تنظيم الدولة لجأ في واقع الأمر إلى نصب العبَّارات فوق النهر، ولم يتوقَّف فعليًّا عن نقل المقاتلين بحريَّةٍ من جانبٍ إلى آخر.
انسحب مقاتلو التنظيم من دون صعوباتٍ حقيقيةٍ عبر الجسور نفسها التي دمّرتها الطائرات الأميركية، أمَّا الصعوباتُ العملية فقد ظهرت أمام القوات العراقية عند نقلها آلياتها الثقيلة إلى الجانب الغربي، إضافةً إلى ذلك، فقد نسف أنصار التنظيم الجسور، مَا جعل العبور أمرًا غير واقعيّ،ٍ مع فرض تنظيم داعش سيطرته على مناطق العبور الواقعة جغرافيًّا في مستوىً أكثر انخفاضًا من الجانب الغربي لمدينة الموصل.
في الوقت نفسه، دمّرت القوات الأميركية الجسور بعد تراجع تنظيم الدولة الإسلامية من الجانب الشرقي إلى الجانب الغربي. وكان على الجيش العراقي ألاَّ يسمح بتخريبها، لأَنَّ الأطراف المتصارعة في الحروب كلها تسعى إلى السيطرة على الجسور سليمةً، ولا تدمرها. ولكنَّ هذا التساؤل يجب أنْ يوجَّه إلى قادة الأركان الأميركيين الذين خططوا للهجوم. ربما كان ينبغي التصرُّف بصورة مغايرة؛ الإبقاء على الجسور بحال سليمة، والاهتمام بالسيطرة عليها – أو بعضها على الأقل- وإعاقة مناورة مقاتلي داعش بضرباتٍ من محاور أُخرى. إلا أنَّه يبدو أنَّ المخططين افترضوا منذ البداية أنَّ القوات التي حُشدتْ على الموصل من جهتي الغرب والجنوب غير كافيةٍ للتقدُّم في اتجاه دفاعات الخصم، ولهذا السبب دمّروا الجسور.
يمكن الحديث عن ضرورة تنظيم الهجوم على الموصل من الجنوب والغرب بمثل ما يفعل العسكريون الأميركيون الآن، ولكنَّ ذلك يتطلَّبُ تنظيف الجزء الشرقي من مقاتلي التنظيم المتبقِّين فيه، بإرسال وحداتٍ خاصَّةٍ إلى الجنوب. يعدّ المحور الجنوبي المحورَ الأصعب في معركة الموصل، لأنَّ قيادة داعش شقّت هناك طريقًا جانبيَّةً تشرف عليها بصورةٍ محكمة، وتحاول القوات العراقية الخاصة فصل مواقع الخصم في تلك المنطقة، ولكنَّها تتعرَّض في استمرار لنيران الكمائن. وهنا تسود حال من التخبط في قيادة الأركان الأميركية، لأنَّ التقديرات الأوليَّة تقول بوقوع خسائر كبيرة في حال شنِّ الهجوم من محاور الجنوب والغرب. أمَّا القدرة على استخدام الطيران والمدفعية فهي محدودةٌ بحكم وجود حوالى 170 ألفًا من المدنيين في المنطقة. وفي هذه الأثناء، ينتظر الرئيس ترامب خطَّة متدرجة من البنتاغون للقضاء التام على تنظيم داعش. وسيكون لفشل البنتاغون في إنجاز المطلوب منه خلال هذه المدة عواقب تتمثَّل في إعفاء كثيرين من الإدارة العسكرية، وهذا ما حدث للمدَّعي العام الأميركي.
المحافظة على الحوثيين في اليمن
في 31 كانون الثاني/ يناير، ذكرتْ قناة СNN أنَّ ابنة أنور العولقي (زعيم تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية) ذات السنوات الثماني قُتِلتْ في عمليَّةٍ نفّذتها قوة أميركية خاصّة في اليمن. وقال الممثل الرسمي لقيادة القوات الأميركية في المنطقة الوسطى إندي ستيفنس، إنَّ جنديًا أميركيًّا قُتل، وجُرح ثلاثة آخرون في أثناء هبوط عنيفٍ قامت بهِ طائرة الهيلوكبتر التي كانت تقلُّ وحدة الإنزال المظلي.
وبحسب معلومات القيادة الوسطى -يقع في نطاق مسؤوليتها الشرق الأوسط وشمال أفريقيا- فقد استهدفت العملية مقر قيادة تنظيم القاعدة في التي شبه الجزيرة العربية، وأسفرت عن القضاء على 14 مقاتلًا من مقاتلي القاعدة، إضافةً إلى «الحصول على معلوماتٍ قد تسمح بمعرفة المؤامرات الإرهابية التي يخططُ لها التنظيم».
بحسب المعطيات التي تناقلتها وسائل الإعلام، فقد حصلت العملية في نقطة «يالقا» في محافظة البيضاء، ونتيجة تبادل إطلاق النار سقط رؤوف الذهب، مع اثنين من إخوته. وبحسب وكالة رويترز، فتح مقاتلو القاعدة النار على الجنود الأميركيين، فأطلقت طائرات الهليكوبتر نيرانها على المنازل، مَا أوقع عددًا كبيرًا من الضحايا يزيد على 30 شخصًا، من بينهم عشر نساء وثلاثة أطفال.
ومن ناحيةٍ أُخرى، تقول وسائل الإعلام إنَّ أنور العولقي لم يقُد القاعدة في اليمن، بل كان داعيةً للإرهاب، وتقول إنَّ قائد القاعدة في منطقة شبه الجزيرة العربية هو ن. البهايشي، من الجنسية السعودية، وإنَّ مقرّ قيادة القاعدة يقع في محافظة حضرموت. وبالنسبة إلى العملية نفسها، وبغض النظر عن ادّعاءات البنتاغون ووكالة سي.آي.إي؛ فقد كانت فاشلةً، ولم تنجح في الحصول على معلومات ثمينة، بل أدَّتْ إلى سقوط ضحايا مدنيين أبرياء، وإلى تعرَّض الوحدة الخاصَّة المهاجمة لخسائر بشرية.
كان هدف العمليَّة الرئيس تحرير رهائن أميركيين، اختطفوا في محافظة شبوة في وقت سابق، حيث كانوا يعملون في أحد مواقع استخراج النفط. حُضِّر للعملية قبل أشهر عدّة، وكان الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح هو الوسيط الذي حدَّد للأميركيين أشخاصًا للتواصل والارتباط في محافظة البيضاء. بيَّنت المعلومات المتوافرة لدى الاستخبارات الأميركية أنَّ الرهائن محتجزون فيها. وكان الأميركيون قد تواصلوا مع محيط صالح المقرَّب، وطلبوا المساعدة في تحرير الرهائن.
جرت المباحثات السريَّة في مسقط، بوساطة الاستخبارات العمانية، واقترح علي عبد الله صالح أنْ يكونْ وزير الخارجية السابق «أبو بكر الكيبري» ضابطَ الارتباط بين الطرفين. رفض الأميركيّون المرشح، وطلبوا من صالح أن يصلهم بسكرتير الحزب الموالي لصالح «حزب المؤتمر الشعبي» ياسر العوادي. كان الرجلان كلاهما من محافظة البيضاء. في نهاية الأمر، وافق صالح الذي لم يكن يحبُّ من يعارض رأيه.
زار القادة الميدانيون الأميركيين منزل العوادي، لتنسيق عمليات جمع المعلومات، ونقلها إلى المركز، وتجوّل العوادي نفسه في المنطقة مرّاتٍ عدّة في شهرين، بهدف مدِّ جسور تواصلٍ مع زعماء القبائل، واستكشاف الوضع على الأرض. وفي هذه الأثناء سافر العوادي إلى سويسرا والكويت لتنظيم الحصول على التجهيزات والمعدات الضرورية، وتسليمها لتنفيذ العمل. لم تُعرف التكلفة الحقيقية، ولكنَّ الخبراء يتحدَّثون عن ملايين الدولارات. وبكلماتٍ أُخرى، كان العوادي مهتمًّا بتنظيم عمليَّة افتداء الرهائن، أمَّا العملية العسكريَّة نفسها، فكانت ضروريةً للبطانة، لرفع تقريرها إلى الرئيس.
في المحصِّلة، لم تسر الأمور كما أُريدَ لها، فالقتيل الذهبي هو الأخ الثالث، أمَّا أخواه الآخران فقد قُتلا عام 2012، بعد سيطرة إحدى الفصائل التابعة لأخيهم على مدينة «الرعدي». وفي هذا المناخ اشتدَّت العداوة بين الإخوة، ومن ثمَّ اغتيل القاتل. أمَّا الذهبي فكان في وقت الصراع بين الإخوة قابعًا في سجن صنعاء، كان جهاديًّا شأنه شأن أخيه الأكبر الذي استولى على «الرعدي». قاتلَ في العراق، ولكنَّه لم يكن منتسبًا إلى صفوف القاعدة. في أثناء حكم علي صالح، كان الإخوة الثلاثة عناصر في الأمن السياسي اليمني، وكان يشرف عليهم رئيس هذه الدائرة م. أنسي، وكان من الضروري إنقاذ المحتجزين، ولهذا لجأ الأميركيون إلى علي صالح الذي كان بدوره في سباقٍ مع الحوثيين، لتقديم فضلى المعلومات للأميركيين عن التنظيم الإرهابي.
بضمان من سلطنة عُمان، يتواصل الحوثيون مع وكالات الاستخبارات الأميركية بشأن الحرب على الجهاديين. تجري اللقاءات في مدينة مسقط العُمانية، وفي العراق. ويلعب دور موفد الحوثيين القيادي حمزة الحوثي الذي يستخدم مدينة مسقط مكانًا لإجراء محادثاتٍ مع موفدي الدول أعضاء مجلس التعاون الخليجي أيضًا. ومن الواضح أنَّ خطّةً تُرسم في مسقط للخروج من الأزمة اليمنية التي يمثِّلُ الحوثيون فيها قوَّةً سياسيةً وميدانيَّةً حقيقية.
يقول علي عبد الله صالح في محيطه الضيِّق إن الأميركيين أرسلوا إليه عبر موفديه الذين تواصلوا معهم، «رغبةً جادَّة» في تجنُّبِ أيّ أعمالٍ قد تؤثِّر في قدرات الحوثيين القتالية، الأمر الذي لن يسرَّ السعوديين الذين يخوضون حربًا غير موفقةٍ ضدَّهم.
تونس: الشريك السريع
في السادس عشر من شهر كانون الثاني/ يناير، أعلن السفير الأميركي في تونس، دانييل روبنشتاين بدء تنفيذ مشروعٍ لتزويد 13 بلدًا بمنظومة راداراتٍ لمراقبة الأوضاع على الشواطئ. تمثِّل الجانب الأميركي في هذا المشروع شركة SRCTec «الابنة الصغرى» لشركة Syracuse Research Corp التي كسبت في وقت سابق التعهُّد الرئيس الذي طرحته القوات البحرية ووزارة الدفاع الأميركية، لخطّ برنامج بيع المعدَّات العسكرية للدول الأجنبية، وتتولَّى الحكومة الأميركية فيه تسديد قيمة بيع أجهزة الرادار.
كانت الصفقة استجابةً لطلبٍ تونسيٍّ رسميٍّ بشراء راداراتٍ بحريةٍ أميركية. حصل الجيش التونسي من الولايات المتحدة، في ما بين 2009 و2011 على قواعد صواريخ أرضية عدّة من طراز SR Hawk مع رادارات بحرية بقيمة 12 مليون دولار أميركي. وكانت شركاتٍ أميركية عدّة تتمتع بسمعةٍ طيٍّبة في سوق الرادات البحرية العسكرية العالمي من طراز ATSC، قد استُبعِدَتْ من المنافسة من جانب وزارة الدفاع التونسية، ما يشير إلى فسادٍ شاب الصفقة.
مثَّل برنامج تزويد الحدود البرية والبحرية (مع ليبيا في الدرجة الأولى) بأنظمة راداراتٍ أرضيَّة وبحريَّة أولويَّةً للحكومة التونسية، في صراعها ضد الهجرة غير الشرعية، وتسلُّلِ الإرهابيّين والمهرّبين. مثَّلَ تهريب الوقود من ليبيا إلى تونس الشرارة الرئيسة لاندلاع التناقض بين الحكومة والمهرِّبين الذين استخدموا الجهاديين بقوةٍ في هذا الصراع. قبل ذلك، ربحت الشركتان الأميركيتان AECOM وBTP عقدَ تركيب أنظمة رادار لمراقبة الحدود البريَّة بين تونس وليبيا.
بدأت فورة تجارة السلاح الأميركي في تونس في نيسان عام 2016، بعد أنْ زار البلاد وفدٌ من كبريات الشركات العسكرية. وفي تشرين الأول/ نوفمبر أعلنت وزارة الخارجية الأميركية تونس «حليف الولايات المتحدة الأميركية الرئيس خارج حلف الناتو».
يعدّ الخبراء أنَّ الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي هو الذي وضع الأساس لدخول تونس في قائمة شركاء الولايات المتحدة الأميركية الأساسيين في المجال العسكري. وكان السبسي قد أطلق عملية تسريع التعاون في زيارته الولايات المتحدة الأميركية في شهر أيار/مايو عام 2015، مع العلم بأنَّ فرنسا كانت في عهد الرئيس زين العابدين بن علي هي الشريك الرئيس لتونس في مجال التعاون العسكري والتقني، على الرغم من وجود تمثيل للولايات المتحدة أيضًا.