كيف بنى السوريون هوياتهم خطابيًا، على شبكة التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، بين عامَي 2011 و2018؟ وكيف استخدمت مختلف أطراف الصراع سياساتِ الهوية وسيلةً للتعبئة، وكيف أدت هذه الممارسات إلى صرف النظر عن المطالب المشروعة؟ هل يمكن لعلم اللغويات/ اللسانيات linguistics، باستخدام مقاربة أدلة البيانات data-evidence، أن يساعدنا في فهم الصراع وتحليله بشكل أفضل، وتحديد نقاط التدخل في حلّ الصراعات؟!
يحاول هذا البحث الإجابة عن هذه الأسئلة وعن أمور أخرى، في سلسلة من المحاولات لإظهار إمكانات المقاربة متعددة التخصصات لتحليل الصراع من أجل تدخلات السلام، من خلال البيانات الضخمة والممارسات الخطابية والتاريخ وقوة الأرشيف.
تبحث هذه الورقة في ممارسات الهوية الذاتية والجماعية في الصراع السوري، من خلال التحقيق في فكرة تشكيل الهوية، من منظور يعتمد تحليل البيانات. تستند البيانات إلى تحليل المحتوى المؤسسي المنشور وتعليقات المواطنين العاديين، على (296) صفحة على (فيسبوك) مرتبطة بالصراع السوري، بين شباط/ فبراير 2011 وأيار/ مايو 2018. ويظهر التحليل أربع مجموعات رئيسة من الفئات الاجتماعية الأيديولوجية، مع بعض التداخلات والتشرذم القوي داخل كتلة الثورة/ المعارضة السورية. استخدمت المؤسسات والأعضاء في جميع المجموعات أدواتٍ خطابية ولغويّة مختلفة، في تمثيل هويات مجموعاتهم وهويات المجموعات الأخرى. في حين أن جذور الصراع بنيوية بطبيعتها، وخاصة على أساس فكري إثني وديني، كان للرسائل السياسية المؤسسية دور واضح في إثارة النقاشات الملتهبة، حول أبعاد الهوية هذه. كان لكل من الحكومة السورية والجماعات الإسلامية أهداف واضحة نسبيًا، تنبع من أيديولوجيات واضحة ونماذج الاتصال الصريحة. من خلال امتلاك الموارد اللازمة، يعمل كلاهما ضمن هياكل رسمية نسبيًا. وقد سمح لهم ذلك بالاستمرار في بناء الهيمنة hegemony الثقافية، من خلال الممارسات المختلفة والخطابات المنشورة عبر المؤسسات. افتقر كل من المعارضة والقوميين الأكراد إلى موارد (وسائل) الاكتفاء الذاتي، والوضوح في الأهداف. وأدى هذا، في معظم الأوقات، إلى إعاقة إمكانات إنشاء هياكل رسمية مستدامة وشرعية، وترك كلًا من المعارضة والأكراد القوميين من دون مؤسسات متوازنة لصياغة أيديولوجيات أكثر قبولًا علنًا، لنشرها من أجل الحصول على موافقة عامة أوسع، وقابلية التمثيل، والتضامن، والتماسك العام. إلى جانب سياسات الهوية البينية الأيديولوجية، تجلت سياسات الهوية البينية الأيديولوجية الأكثر كثافة وتدميرًا داخل كتلة المعارضة، وهو ما أدى إلى زيادة الانقسام؛ إذ أدى ذلك إلى صرف ملايين السوريين عن مطالبهم المشروعة في الحرية والمساواة، ووجّه المناقشات والمصالح العامة نحو افتراضات ذاتية بسيطة وهويات متضاربة متعددة. ركّز عملنا على خمسة أبعاد للهوية، ظهرت من خلال سياسات الهوية التي مورست في الصراع السوري. وهي تحديدًا الدين، الاثنية، الجنس، الطبقة الاجتماعية والاقتصادية، والموقع الجغرافي. من خلال البيانات التي تم تحليلها، حددنا أربع استراتيجيات رئيسة لعرض الهوية والأجهزة اللغوية المتعددة. ولبدء المناقشة، نقترح مقاربة لهذه الدراسات تتناول الصراع من وجهة نظر خطابية.
يمكنكم قراءة البحث كاملًا من خلال الضغط على علامة التحميل أدناه: