ابتداءً من صيف 2017، كان جهد نظام الأسد في إعادة السيطرة على الأراضي قد منحته السيطرة على نصف البلاد تقريبًا، الممتدة من اللاذقية في الشمال الغربي إلى السويداء في الجنوب الغربي وإلى أجزاء من نهر الفرات في الشرق. لقد كانت دمشق محور هذه العودة: فمن دركها الأسفل في آذار/ مارس 2013، أعادت قوات الأسد تثبيت قبضتها على الضواحي، ولم تعد العاصمة مهددة من قبل جيوب المتمردين في تلك الضواحي. وإلى الجنوب أكثر، ما يزال جبل الدروز معقلًا للجيش، في حين بقيت المنطقة الساحلية العلوية إلى الغرب بعيدة عن التمرد منذ عام 2015. وفي الشمال،  استعاد النظام مدينة حلب في كانون الأول/ ديسمبر 2016 بعد أكثر من أربع سنوات من القتال العنيف. احتفظ النظام بالسيطرة على مناطق معزولة صغيرة ولكنها مهمة في الشرق مثل دير الزور والحسكة والقامشلي، ما يشير إلى أنه ما يزال ينوي استعادة سورية كلها على المدى الطويل بعد القضاء على معاقل المتمردين في الغرب.

هل يملك الأسد الوسائل لتحقيق هذا الطموح؟ يتطلب الجواب عن هذا السؤال أكثر من محض تقييم القدرات العسكرية للنظام، وهذا يعني أيضًا إلقاء نظرة فاحصة على التركيبة السكانية والولاءات المختلفة للسكان المحليين قيد الدراسة والبحث. حاليًا، فإن الأراضي جميعها تقريبًا التي ما تزال خارج نطاق سيطرة الأسد هي إما عربية سنية أو كردية. والمناطق التي بقيت وفية للنظام يهيمن عليها العلويون والأقليات الدينية الأخرى. وانطلاقًا من مناطق الأقليات هذه، تمكنت قوات الأسد إعادة تثبيت سيطرتها على مناطق معينة ذات مجتمعات كبيرة من العرب السنة، الذين ما زالوا يشكلون أغلبية السكان في منطقة النظام. تردد هذه المقاربة صدى إستراتيجية مكافحة التمرد التقليدية بالاعتماد على الأقلية الموالية -في حالة سورية أكثر من أقلية واحدة، يتولى كل منها الحكم في أماكن مهمة استراتيجيًا ضمن منطقة النظام، كما هو موصوف في الفصل الأول- بينما يسير ببطء إعادة تأكيد سيطرة النظام على بقية السكان بالقوة أو الإرهاق أو الإغراءات. من خلال الولاءات القبلية، والمصالح الاقتصادية، وغيرها من شبكات المحسوبية، تمكّن الأسد إبقاء السكان العرب السنة تحت السيطرة خلال الحرب وإعادة الأراضي المهمة إلى حضن النظام. إن دراسة كيف كان النظام قادرًا على القيام بذلك -وكيف رسخ والده الراحل سيطرة الأقلية قبله- هو أمرٌ أساسي لفهم كيف يمكنه أن يشرع في محاولة استعادة بقية البلاد على الرغم من مواجهة احتمالات ديمغرافية طويلة. وبناءً على ذلك، يركز هذا الفصل على استراتيجيات الأسد في القطاعات الخمسة الرئيسة في سورية التي يسيطر عليها الأسد: دمشق، والساحل العلوي، وجبل الدروز، ومنطقة حمص وحماة الوسطى، وحلب.