عنوان المادة الأصلي باللغة الإنكليزية | Syria: Who will win the future? |
اسم الكاتب | نيكولاس فان دام Nicholas Van Dam متخصص في سورية، وعمل سفيرًا لهولندا في إندونيسيا وألمانيا وتركيا ومصر والعراق. وكان مبعوث هولندا الخاص إلى سورية خلال عامي 2015- 2016. حمل كتابه الأخير عنوان: “تدمير أمة: الحرب الأهلية في سورية” (لندن، I.B Tauris، 2017). |
مصدر المادة الأصلي | موقع جوشو لانديس |
رابط المادة | http://www.joshualandis.com/blog/syria-who-will-win-the-future-by-nikolaos-van-dam |
تاريخ النشر | 9 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 |
المترجم | أنس عيسى |
محاضرة لهنرييت فان ليندين في أمستردام في 9 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 ([1]).
نعرف جميعنا أن الوضع في سورية قد أصبح كارثةً، وبإمكان المرء أن يسأل نفسه في ما لو كان بالإمكان التنبؤ بهذه الكارثة ومنعها مسبقًا.
أنا، شخصيًا، مقتنع بأنه كان من الممكن التنبؤ بالتطورات الرئيسة في سورية، وبصورة أكيدة عندما يتعلق ذلك بتصرف (وسوء تصرف) النظام السوري. فاقت الأعمال الوحشية في بداية الأمر خيال عدد من المراقبين، على الرغم من إمكان توقّعها (وقد جرى ذلك) من بعض أصحاب المعرفة العميقة بالنظام السوري.
بيد أنه كان هنالك بعض العناصر التي لم يكن من الممكن توقعها بوضوح، وأحدها كان ما يسمى “الربيع العربي” الذي قد أدى إلى شعور كثير من السوريين بالبهجة بعد ما أدى في تونس ومصر وليبيا سواء إلى تنحي القادة السياسيين أم إلى إسقاطهم بمساعدة الغرب والدول العربية التي ادعت أنها كانت تريد دعم الشعوب العربية وحمايتها ضد الدكتاتوريين أو الحكام التسلطيين.
تخيلَ المتظاهرون السوريون السلميون في وقتها بأنهم سيتلقون دعمًا كاملًا من الغرب والدول العربية التي زعمت برغبتها في حمايتهم، ولكن تكشّف في النهاية أن ذلك الدعم لم يكن كافيًا لتحقيق تغيير النظام فحسب، وإنما ساهم أيضًا في إطالة أمد الحرب ومكوناتها جميعها من دمار وقتل.
أمر آخر لم يكن متوقعًا في بداية الثورة تجلى في تلقي جماعات المعارضة العسكرية السورية مساعدة عسكريًا رئيسة من دول أجنبية كالولايات المتحدة الأميركية وتركيا والمملكة العربية السعودية وقطر وغيرها من الدول، ليكون ذلك الدعم كافيًا لإطلاق مركّب من الحرب الأهلية والحرب بالوكالة، ولكنه لم يكن كافيًا ليقود إلى تغيير النظام الذي أرادته تلك الجماعات. في الحقيقة، لقد بدأت تلك الحرب ضد النظام (ردة فعل على فظاعاته) من دون أن تمتلك الوسائل الفاعلة والتخطيط اللازم كي تُكسب عن حق. قبل الدخول في الحرب، كان على الدول الأجنبية المتدخلة فيها أن تجري دراسة كافية للوضع العسكري بهدف التأكد من امتلاك حلفائهم السوريين فرصة واقعية لربحها، ولكن يبدو أن ذلك لم يحدث.
في الحقيقة، لقد قادت التدخلات العسكرية الفاترة من الدول الأجنبية المختلفة في سورية إلى كارثة، إذ كان للدول المتدخلة معظمها (كالمملكة العربية السعودية وقطر وتركيا والولايات المتحدة وإيران وروسا وغيرها) مصالحها الإستراتيجية ودوافعها الخاصة، التي لم تتقاطع بالضرورة مع مصالح الشعب السوري، ويتأكد لنا ذلك عند النظر إلى النتائج الكارثية التي نجمت عنها. ولذلك يبدو السؤال مسوّغًا في ما إذا كان من يسمون أنفسهم “أصدقاء سورية” قد كانوا في نهاية الأمر “أصدقاء الشعب السوري” حقًا. ادعت الدول التي دعمت جماعات المعارضة عمومًا أنها كانت تريد حلًا سياسيًا، ولكن ذلك الحل كان يعني في الواقع تغييرًا للنظام إن لم يكن سلميًا -الأمر الذي لم يكن ليحدث بأي طريقة- فبالقوة العسكرية إذًا، ولكن الأخيرة لم تنجح كذلك؛ ويعود ذلك إلى استبعاد خيار التدخل العسكري الأجنبي المباشر في 2013.
تدخلت روسيا وإيران عسكريًا لأنهما كانتا تريدان المحافظة على النظام السوري حليفًا إقليميًا إستراتيجيًا مهمًا. بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية وقطر، فقد كان من المهم بالنسبة إليهما أن تنزعا سورية من فلك القوة الإيرانية، وقد كان عندي قليل من الأوهام بأن تكون أولوية السعودية وقطر من تدخلهما فَرض نظام سياسي على سورية بالقوة العسكرية؛ لا تمتلك أيًا منهما مثيلًا له: أعني ديمقراطية تعددية علمانية.
أما الولايات المتحدة، التي لم تكن يومًا صديقة لأنظمة سورية البعثية، فأرادت ما أرادته السعودية وقطر، وخصوصًا في ما يتعلق بإيران، ولكنها رحبت أيضًا بإضعاف سورية لمصلحة إسرائيل. أما تركيا فقد أرادت نظامًا إسلاميًا مشابهًا لها في دمشق.
لم تحقق أي من تلك البلدان الخارجية ما أرادته، ولم تحقق المعارضة السورية ما أرادته أيضًا.
لربما حاول عدد من السياسيين، بصدق، مساعدة الشعب السوري ضد نظامه القمعي، ولكن بالنسبة إلى البلدان الكبرى، فقد كانت مصالحها الإستراتيجة، على الأقل، مساوية في الأهمية للمعايير الإنسانية.
كان ينبغي أن يكون واضحًا منذ البداية في عام 2011 أن نظام بشار الأسد لن يتخلى طواعية عن سلطته ويستقيل. قد يكون القصد من وراء الظن أن يقوم الأسد بالتنازل أو التنحي -الأمر الذي طالب به عدد من القادة السياسيين الغربيين والعرب، والمعارضة السورية أيضًا- ومسوّغًا من وجهة نظرهم، ولكن كان من الواضح أن ذلك لن يحدث؛ فأي دكتاتور سوري كان قد تخلى عن منصبه طواعية من قبل، ليجري بعدها سجنه أو إعدامه؟ لا أحد منهم، بالطبع.
كانت الحرب السورية أمرًا أكيد الحدوث؛ وذلك لأن سورية كانت واقعة تحت سيطرة الرئيس حافظ الأسد وابنه بشار الأسد مدة تتجاوز الأربعين سنة، اللذان استطاعا البقاء في الحكم بالاعتماد على مركب عسكري مطلق القوة وجهاز أمني عالي الموثوقية والفاعلية (كان فاعلًا أيضًا في القمع العنيف). نتج من ذلك مرحلة من الاستقرار السياسي الداخلي والاستمرار، كانت هي الأطول من بين سابقاتها بعد الاستقلال. ولكن ذلك الاستمرار كان مرتبط بغياب أي إصلاح سياسي حقيقي، أو أي تغيير في تركيبة النخبة العسكرية الحاكمة، الأمر الذي أدى إلى إمكان مستقبلي جدي في انعدام قوي للاستمرار وفي اختلال النظام في حال تعرض قادته السياسيين والعسكريين، الذين خدموه مددًا طويلة، للخطر أو الاختفاء. كانت نهاية ما يُدعى باستقرار نظام الأسد خاطفة مع بداية الثورة السورية في آذار/ مارس 2011.
تنبأت، منذ أكثر من عشرين سنة مضت، في كتابي “الصراع على السلطة في سورية (([2]))” -ولم يكن ذلك بصعب التنبؤ- بأن أي سيناريو يقود إلى إطاحة النخبة الحاكمة -التي تهيمن عليها الطائفة العلوية- سيكون حتمًا شديد العنف. وفي نهاية الأمر، لم يطِق النظام أي معارضة حقيقية؛ فعزل الفصائل العسكرية التي قد تهدد موقعه، ووضع خصومه الجديين عمومًا في السجن وعرّضهم للتعذيب الشديد أو القتل. جرى كل هذا بهدف صيانة سلطة النظام ومصالحه باستخدام أقسى وسائل القمع.
في الوقت الذي كانت فيه الأرضية الطائفية والمناطقية والعائلية أو القبلية المشتركة لحكام البعث مفتاح ديمومة نظامهم وقوته، كانت المرجعية الطائفية العلوية المسيطرة عند كثيرين منهم إحدى نقاط ضعفه الرئيسة؛ ويعود ذلك إلى كون “العامل العلوي” (أو عقدة العلوي الغوردية) معرقِلًا لانتقال سلمي من الدكتاتورية السورية تجاه نظام أوسع تمثيلًا.
خلال مدّة حكمه، أصبح نظام البعث السوري نقيضًا لجميع مثالياته، فقد حاول البعثيون التخلص من الولاءات البدائية الطائفية والمنطقية والقبلية، التي عدّت، وفقًا لأيديولوجيتهم، بقايا أو أمراض منحطة للمجتمع التقليدي. ولكن في الممارسة، وصل البعثيون إلى النقيض بالضبط؛ لأن سلوكهم ذي الصبغة الطائفية قوّى -بصورة خاصة- كل العوامل التي ادعوا بغضها. أما هدفهم في مجال الاشتراكية والعدالة الاجتماعية، فلم يتحقق هو الآخر، وذلك بسبب حقيقة أن نظامهم كان موبوءًا بالفساد والزبنية والمحسوبية. ولم يدركوا هدفهم في الوحدة العربية؛ وذلك لعدم وجود أي قائد عربي مستعد لتقاسم سلطاته مع الآخرين. وأخيرًا وليس آخرًا: بدلًا من حكم حزب البعث، بات النظام السوري حكمًا وراثيًا لعائلة الأسد.
مع ذلك، وبغض النظر عن الخصائص الرئيسة لنظام، كان يفترض أن يكون معروفًا بشكل جيد، أراد كثيرون من سياسيي الغرب والعرب من الرئيس بشار الأسد ونظامه أن يتنحيا، وخصوصًا بعدما مارس عدد من تلك الدول ما يكفي من “الفضح والتعيير” و”الضغط الأخلاقي”، مُدينة إياه بكل الفظاعات التي ارتكبها النظام عندما قمع بعنف أي نوع من أنواع المعارضة، بما فيها التظاهرات الحاشدة التي عمت أنحاء سورية، وكان كثير منها سلميًا. ولكن بشار الأسد بقي ورفض أن يستقيل -الأمر الذي كان بالإمكان توقعه أيضًا، على الأقل لكون الدكتاتوريين عمومًا لا يتبعون قواعد المساءلة القانونية.
لكن المعارضة السورية، ككثير من الدول الخارجية، استمرت، مع ذلك، بالإصرار على لزوم رحيل الأسد بوصفه رئيسًا، وعلى أنه لا يستطيع أن يقوم بأي دور في “الفترة الانتقالية” التي ستقود إلى نظام جديد، هذا عدا مستقبل سورية، وأنه يجب أن يمثل أمام محكمة عسكرية عرفية قبل المحكمة الدولية الجنائية في لاهاي. ولكن بشار الأسد كان في السلطة في سورية، ولذلك شكلت تلك المطالب ضمانة بعدم حدوث أي مفاوضات جدية مع النظام. يبدو أن النظام السوري لم يكن مستعدًا، في تلك اللحظة، لمناقشة مسألة رحيله والحكم عليه بالإعدام، كما لم يكن من قبلها.
يمتلك النظام والمعارضة وجهات نظر مختلفة تمامًا عما ينبغي أن تكون عليه تسوية ما، وفي غياب أي شكل لحوار جدي، من المستحيل التوصل إلى تسوية سياسية. لا يعني ذلك بالضرورة أن بدء حوار جدي في نهاية الأمر سيُفضي إلى نتائج حقيقية وجوهرية؛ على الأقل لأن النظام ينظر إلى الحرب السورية بوصفها نزاعًا على بقائه حيًا، أو مسألة حياة وموت.
كان بالإمكان إطاحة النظام وتغييره باستخدام القوة العسكرية وحدها، ولكن لم يكن أي بلد قادرًا على تنفيذ ذلك أو راغبًا فيه. علاوة على ذلك، فإن تغيير النظام بالقوة العسكرية لا يعني بالضرورة تحسين الوضع، ولنأخذ في الحسبان تجارب العراق وليبيا واليمن وأفغانستان.
بعد مرور ست سنوات ونصف، ما يزال أي حوار حقيقي مرفوضًا من النظام والمعارضة على حد سواء، وقاد ازدياد أعداد القتلى ازديادًا لم يسبق له مثيل، إضافة إلى الدمار الهائل وملايين اللاجئين إلى تقوية سلوك رفض كل طرف للآخر. بالتأكيد يريد الطرفان كلاهما الحوار، ولكن فقط إذا قام الفريق الآخر بتنفيذ معظم ما يطالب به الطرف المضاد، أو على سبيل المثال ما يريده قرار مجلس الأمن 2254 (الذي يرفض النظام تنفيذ محتوياته).
من الملاحظ أن النظام السوري لم يقم بأي جهد جدي على الإطلاق بغرض التوصل إلى تسوية مع المعارضة الداخلية، بينما رُفض دخول المعارضين الناشطين في الخارج والراغبين في العودة إلى ما يسمى “حضن الرئيس الأسد” إلى البلاد.
طالبت المعارضة، وجزء كبير مما يدعى بالمجتمع الدولي، مرارًا وتكرارًا بالتوصل إلى حل عادل، ومن ثمّ فهي تريد أن يجري تحميل النظام وأعضائه مسؤولية أي جريمة وجرائم الحرب المرتكبة. وإن أخذنا ذلك نقطة انطلاق، فإنهم يريدون فعًلا التأكد مسبقًا من أن التفاوضات ستقود إلى محاكمة النظام. بتعبير مختلف، هم يريدون التفاوض مع النظام شرط ألا يكون للرئيس الأسد أي دور في مستقبل سورية، ويُفضّل ألا يقوم بأي دور في الانتقال السياسي الذي، يفترض، أن يقود إلى ذلك المستقبل.
أما بالنسبة إلى النظام السوري، في الضفة الأخرى، فهو ينظر إلى “الانتقال السياسي” بوصفه تعبيرًا قذرًا؛ وذلك لانطوائه على نوع من تغيير النظام بانتقال سياسي سيضطر فيه النظام إلى مشاركة السلطة السياسية مع خصومه، ومن ثم المخاطرة بتعرضه للإطاحة.
إن كان لا بد من تحقيق العدالة، فإن ذلك لن يجري إلا بعد التوصل إلى حل سياسي، وليس قبله.
بإمكان المرء أن يقول بثقة بأنه إذا ربح الرئيس بشار الأسد الحرب عسكريًا -ويبدو أن الأمور تسير بهذا الاتجاه- فإن ذلك لا يعني أنه قد حقق نصرًا بالمعنى السياسي؛ فالسوريون جميعهم، في حقيقة الأمر، خاسرون في هذه الحرب الفظيعة.
تبقى المهمة الضخمة المتمثلة في إعادة سورية إلى الحياة الطبيعية بكل معانيها إحدى أكبر نقاط ضعف النظام. وحالما تخرج نقطة الضعف تلك أكثر إلى العلن، لا يمكننا استبعاد أن تنمو المعارضة للنظام من داخله أيضًا.
تخيل عدد من السياسيين الغربيين أنهم يستطيعون إغراء نظام الأسد بتقديم تنازلات سياسية وإصلاحات مقابل تمويل أجزاء من إعادة الإعمار في سورية، وهذا غير واقعي؛ لأنه مبني على الافتراض الخاطئ ذاته منذ ست سنوات بأن الأسد سيقوم طواعية بتنازلات سياسية مقابل الأموال الغربية.
قد يصيب منع وصول أموال إعادة الإعمار الأسد في واحدة من أشد نقاط ضعفه؛ الاقتصاد، ولكنه سيؤذي في الوقت نفسه الشعب السوري الواقع تحت سيطرته، وهذا شيء لا ترغب الدول الغربية معظمها فيه. ثم إن هنالك، من دون شك بلدان أخرى، كالصين على سبيل المثال، راغبة في امتطاء غمار إعادة إعمار سورية. إن المشاركة في إعادة إعمار الأجزاء من سورية الواقعة تحت قبضة النظام مستحيلة من دون التواصل مع نظام الأسد.
لقد خلفت الحرب ملايين السوريين في حالة من الصدمة وغياب الرضى، إضافة إلى عدد لا يحصى ممن فقدوا أفرادًا من أسرهم، ما سبب جروحًا لن تندمل لدى الأطراف كلها. وازدادت، بصورة كبيرة، معدلات الفساد والاختلاس والقمع المحلي نتيجة لاقتصاد الحرب. وبالنسبة إلى من كان يفترض بهم أن يكونوا موالين للنظام، فقد تخلى بعضهم عن موالاته عندما مسّ الأمر مصالحهم الشخصية والاقتصادية.
من الصعب للغاية، إن لم يكن مستحيلًا، إجبار المستفيدين من اقتصاد الحرب على الرجوع إلى الوراء، وإعادة السيطرة على شبح الصراعات الاجتماعية المكثفة من دون تصفية الحساب مع أولئك الذين يعدّون مسؤولين عنها. لو كانت سورية بلدًا غنيًا، فلربما كان الأمر أقل صعوبة نوعًا ما، ولكن حقيقة كون النسيج الاجتماعي للمجتمع والحياة الاقتصادية في حالة من الخراب يجعل مهمة استرجاع ما يُعرف بـ “الحياة الطبيعية” أمرًا أكثر صعوبة.
شخصيًا، لدي أسباب عملية -وواقعية في رأيي أيضًا- جعلتني أنادي بالحوار مع نظام الأسد منذ بدايات الثورة السورية؛ لأني رأيت في ذلك عنصرًا مفتاحيًا على طريق الحل. ولكن ذلك الموقف تعرض، في معظم الأوقات للرفض؛ لأنه كان على الأسد الرحيل، ولكنه طبعًا لم يفعل.
كان الحوار سيكون أقل صعوبة قبل ست سنوات ونصف، مع مئات عدّة من الضحايا، من الآن؛ وعدد الضحايا ذاهب باتجاه نصف مليون إنسان. في ظل الأوضاع الحالية، يجب أن نتوقع أن يستمر النظام في حربه إلى أن يستعيد السيطرة على كامل الأراضي السورية، وسيعتمد نجاحه في ذلك من عدمه على رغبة الداعمين الخارجيين للمعارضة المسلحة في استمرار تقديم مساعداتهم من جهة، وفي ما إذا عدّت الولايات المتحدة الأمر يستحق المخاطرة بمواجهة عسكرية مع روسيا حول سورية، من جهة أخرى. إن الأراضي الواقعة تحت سيطرة المعارضة هي من بين أوراق التفاوض القليلة المتبقية، في حال استمر الدعم الخارجي.
مع ذلك، علينا استبعاد فرضية تراجع إرادة الغرب في تقديم الدعم للمعارضة العسكرية ضد النظام، وخصوصًا بعد هزيمة داعش.
إن سألتني من سيربح المستقبل في سورية؟ سيكون جوابي بأنه في المستقبل القريب سيكون الرابح هو النظام لأنه الأقوى عسكريًا. ولكن ذلك لا يعني أن النظام سيربح مستقبل سورية على المدى البعيد؛ إذ يوجد دائمًا احتمال التغير في ميزان القوى من الداخل؛ وما دام لا يوجد حل سياسي، سيبقى إمكان تصفية الحسابات بين الأعداء موجودًا.
بغض النظر عن الوضع، يجب الاستمرار في بذل جهد جدي بهدف التوصل إلى حل سياسي، حتى ولو كان الشخص مقتنعًا بصورة كاملة بأن حصيلة ذلك الحل تمثّل نجاحًا.
ولهذا السبب ختمت كتابي الجديد حول سورية “تدمير أمة (([3]))“بعبارة: “لا تحصل المعجزات إلا عندما يحافظ الشخص على إيمانه بها.”
([1]) ندوة حول: “سورية، من سيربح المستقبل”، نظمتها وزارة الخارجية الهولندية بمشاركة هادي البحرة (عضو اللجنة السياسية الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية)، وإبراهيم حميدي (كبير محرري صحيفة الشرق الأوسط الدبلوماسيين)، ونيكولاس فان دام (السفير الأسبق والمبعوث الخاص الهولندي في سورية) متحدثين، وكارين ويستر مديرة للندوة.
([2]) نيكولاس فان دام، الصراع على السلطة في سورية: السياسة والمجتمع في ظل حكم الأسد وحزب البعث، ط4، (لندن: I.B Tauris، 2011)
([3]) نيكولاس فان دام، تدمير أمة: الحرب الأهلية في سورية، (لندن: I.B Tauris، 2017).