علا الرفاعي/ ترجمة أحمد عيشة
(*) الآراء الواردة في هذه المادة لا تمثل بالضرورة آراء المركز ولا مواقفه من القضايا المطروحة
توضح تصرفات قوات طهران وموسكو المحلية كثيرًا من النيّات الحقيقية لكل دولة في المنطقة، وقد تكون النتيجة الأكثر إلحاحًا هي المزيد من التطهير العرقي.
في الأسبوع الماضي، غمرت التوترات التي تغلي منذ مدة طويلة، بين النظام السوري وفصائل المعارضة في درعا البلد، المنطقة الجنوبية من المدينة. في 27 تموز/ يوليو، شنّت قوات بشار الأسد هجومًا كبيرًا شمل القتال بين الشوارع وقصف المدفعية داخل المدينة. وسرعان ما شنت قوات المعارضة هجومًا مضادًا، حيث ذُكِر أنها استولت على تسعة حواجز كان يسيطر عليها النظام، وأسرت عشرات من أفراد الجيش السوري.
حتى الآن، أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية عن وقوع ما لا يقلّ عن ثمانية ضحايا بين المدنيين، وتهجير ما يقرب من 24 ألفًا من الأفراد، نتيجة للحملة الأكثر حدة التي شهدتها درعا منذ أن وقّعت الفصائل المتمردة “اتفاقات المصالحة” بوساطة روسية مع النظام، في منتصف عام 2018.
القتال مستمر حتى ساعة كتابة هذه السطور، وهو يهدد حياة المدنيين الذين هم تحت الحصار الفعلي من قبل الأسد وداعميه الروس منذ شهور، وهم يتعرضون الآن لهجمات مباشرة. وأفادت مصادر محلية أن عدد الضحايا المدنيين، منذ نهاية نيسان/ أبريل، وصل إلى 250. وتزعم موسكو أنها تحاول التوسط لوقف إطلاق النار، لكن هذه الجهود انهارت في وقت سابق من هذا الأسبوع، واستؤنف القصف. من غير المرجح أن يقوم الأسد بتنفيذ مثل هذه الحملة المكثفة بالقرب من الحدود الإسرائيلية والأردنية، من دون موافقة موسكو.
لطالما كانت سيطرة الأسد على درعا واهية، لكن التوترات كانت عالية، وبخاصة منذ أيار/ مايو، عندما رفض كثير من السكان المشاركة في إعادة انتخاب الأسد المزورة، وبدلًا من ذلك نظّموا احتجاجات. بمساعدة من إيران وروسيا، حاولت دمشق إعادة تأكيد سيطرتها هناك، بحجة محاربة تنظيم الدولة الإسلامية، على الرغم من أن الجماعة الجهادية لم تتبنّ أي هجوم في محافظة درعا منذ أيار/ مايو، أو في منطقة درعا البلد، منذ كانون الأول/ ديسمبر الماضي.
منذ فترة، يضغط المفاوضون على فصائل المعارضة المحلية، للانتقال إلى إدلب، وتسليم أسلحتها، والقبول بوجود أكبر للنظام في المدينة، لكن جهودهم باءت بالفشل. على سبيل المثال، واصلت جبهة ثوار سورية القتال، دفاعًا عن المدنيين في درعا، وصدّت وحدات الجيش والميليشيات المدعومة من إيران، لدرجة أن النظام لجأ إلى إرسال فرق مدرعة إلى المدينة، وإلى تقييد حرية تنقل السكان. حتى استعراض القوة هذا فشل في انتزاع تنازلات من المعارضة، ولذلك غيّر النظام تكتيكاته، الأسبوع الماضي، وبدأ بشّن هجوم واسع النطاق.
جمعت المعركة كوكبة من القوات الموالية للأسد، منها فرق الجيش السوري، والميليشيات المدعومة من إيران (التي تسيطر على ما يقرب من عشرين موقعًا عسكريًا في المحافظة)، وعناصر شبه عسكرية تحت قيادة وتوجيه من روسيا. شاركت الفرقتان الرابعة والتاسعة من الجيش بشكل كبير في الحملة، مستخدمة قذائف الهاون والدبابات والأسلحة الصغيرة لمهاجمة المناطق التي يسيطر عليها المتمردون. ومع ذلك، بينما كانت قوات النظام في المقدمة والوسط، كانت القوات المتحالفة مع إيران تتحرك بهدوء في المنطقة منذ أسابيع. في الشهر الماضي، تم إحضار الكتيبة 313 (ميليشيا تابعة للحرس الثوري الإيراني) وكتائب الرضوان (وحدة حزب الله) إلى المنطقة؛ لتعزيز محاولة الأسد الفاشلة لنزع سلاح المعارضة. يشرف الحرس الثوري الإيراني على أنشطة هؤلاء الوكلاء المتنوعين.
ومن ناحية أخرى، كان اللواء الثامن “المتصالح” في روسيا (وهو يضم قسمًا كبيرًا من متمردي الجيش السوري الحر السابقين) قوة بارزة في التفاوض باسم درعا، قبل الانفجار الأخير. يسلط وجوده الضوء على الأهداف المعقدة المتنافسة في بعض الأحيان، التي تدفع موسكو إلى اللعب بمختلف جوانب الصراع، من أجل إبقاء دمشق وطهران تحت المراقبة، ومن أجل حماية مصالحها الخاصة.
ومن الناحية الاستراتيجية الأوسع نطاقًا، كانت درعا تقف في وجه جهود النظام الرامية إلى توطيد السيطرة على الأراضي منذ عام 2011. وينظر كثير من السكان المحليين إلى الأسد باعتباره مجرد “أمير حرب”، ويرفضون الخضوع له منذ عقد من الزمان. وبالرغم من أن روسيا تواصل نهجها لإدارة الأزمات من خلال كيانات مثل اللواء الثامن، فإن الاتفاقات الانتقالية التي توسطت فيها ليست مستدامة. إن الهدف النهائي للكرملين يتلخص في فرض السيطرة الفعلية على جزء كبير من سورية، أولًا من خلال القوات البرية التابعة للأسد، ثم من خلال تمويل إعادة الإعمار الدولية في وقت لاحق. ومن هنا فإن العناصر الروسية سوف تدعم الحملة العنيفة على درعا التي يشنها النظام، ما دامت تسهل هذا الهدف. ويتابع الأسد استراتيجيته المعتادة المتمثلة في السيطرة، من خلال التطهير العرقي. وما لم تتم الاستجابة للمطالب المحلية بالحماية الدولية، فإن هذه النتيجة تبدو هي المرجحة.
عند التفكير في ما يجب القيام به حيال الوضع، تحتاج واشنطن إلى النظر في عوامل عدة ملحة. أحدها هو التحوّل الأخير في السلوك الروسي تجاه الضربات الجوية الإسرائيلية في سورية، الذي يمكن أن يصبح مشكلة أكبر، إذا امتدّ إلى مناطق حدودية استراتيجية مثل درعا. في تموز/ يوليو، على سبيل المثال، ورد أن موسكو ساعدت قوات الأسد في اعتراض الهجمات الصاروخية الإسرائيلية ضد أهداف مرتبطة بإيران في محافظتي حلب وحمص.
ثمة عامل مفتاحي آخر، هو أن موسكو تسمح على ما يبدو لهجوم الأسد بالاستمرار، على الرغم من ادعاء التوسط في الصراع. إلى جانب زيادة الآفاق الوخيمة لسلامة المدنيين المحليين، قد يشجع هذا النهج الحرس الثوري الإيراني، وحزب الله، والميليشيات الأخرى المدعومة من إيران في المنطقة، على إطلاق أنشطة جديدة تشكل تهديدًا لإسرائيل (على سبيل المثال، على طول حدود الجولان القريبة). وهذا بدوره يمكن أن يهدد المصلحة الأميركية الكبرى في الاستقرار الإقليمي.
وفقًا لذلك، بينما تُنهي إدارة بايدن مراجعتها الجارية لسياستها تجاه سورية، ينبغي عليها إعادة النظر في دعم المتمردين في الجنوب. درعا هي مهد انتفاضة 2011، وعناصر المعارضة هناك ليس لديهم ذلك التاريخ من التطرف الجهادي الذي شوهد في الشمال. ويجب على واشنطن أيضًا التنسيق مع الأردن، بشأن الاستجابات المناسبة للمهجرين داخليًا واللاجئين. ولعلّ الأهم من ذلك أن هذه التطورات تُثبت ما يجب أن يدركه المسؤولون الأميركيون وشركاؤهم الأجانب بالفعل: أن أي محاولة لتطبيع العلاقات مع نظام الأسد هي محاولات قصيرة النظر.
اسم المقال الأصلي | Russia and Iran Are Supporting Assad’s Latest Attack on Deraa |
الكاتب | علا الرفاعي، Oula Alrifai |
مكان النشر وتاريخه | معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، THE WASHINGTON INSTITUTE for Near East Policy |
رابط المقال | https://bit.ly/3yzNwUM |
عدد الكلمات | 910 |
ترجمة | وحدة الترجمة/ أحمد عيشة |