اسم المقالة الأصلي (بالإنكليزية) | How to Salvage Syria |
الكاتب | ميشيل ويس- حسان حسان /MACHEL Weiss -Hassan Hassan |
مكان وتاريخ النشر | THE DailY BEAST 07 كانون الأول/ ديسمبر 2016 |
رابط المقالة | http://www.thedailybeast.com/articles/2016/12/07/how-to-salvage-syria.html |
المترجم | رلى العلواني |
بات واضحًا أن محاربة الإرهاب باتت الذريعة التي تتخفى وراءها جميع الدول والحكومات، للتهرب من مسؤولياتها الإنسانية والأخلاقية في العمل على وقف آلة القتل والإجرام من النظام السوري وحلفائه الروس والإيرانيين، ومن خلفهم المرتزقة والمليشيات الطائفية.
يريد دونالد ترامب تدمير تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، نحن نوافق على ذلك، ولكن يجب أن يكون ذلك بعد تأمين ما يريده معظم السوريين، وهو الحماية الأميركية.
ميشيل ويس-حسان حسان 7 كانون الأول/ ديسمبر 2016
الحرب في سورية أكثر وضوحًا اليوم مما كانت عليه قبل عامين. قد يبدو هذا غير متوقع، ولكن “سورية” التي نتحدث عنها الآن لم يبق منها إلّا الاسم وحده.
إن سياسة الإبادة الجماعية التي يقوم بها بشار الأسد، والتي تلتها تدخلات خارجية لجهات متناقضة المصالح، مثل روسيا وإيران وتركيا والولايات المتحدة، كل منها أنشأ منطقة نفوذ خاصّة به في هذا البلد الذي مزقته الحرب، كما نتج عنه صراع لا نهاية له (كما حصل سابقًا في دول البلقان)، أدى إلى أسوأ كارثة إنسانية في القرن الواحد والعشرين، تسببت في مقتل نصف مليون شخص، وجرح أكثر من مليون، إضافة إلى التهجير الداخلي والخارجي لأحد عشر مليون شخص، أي نحو نصف عدد سكان سورية.
ما زال هناك فرصة محدودة للإدارة الأميركية الجديدة لتحقيق الحد الأدنى من الأهداف، وهي هزيمة الدولة الإسلامية، أو ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، وضمان عدم عودته مرة أخرى، وكذلك القضاء على منافسه الرئيس -تنظيم القاعدة– حتى لا يتمكن من استغلال حالة الفراغ، بعد انهيار تنظيم الدولة.
بعد لقاءات مع شخصيات من المعارضة السورية، ومنشقين عن تنظيم الدولة، وشخصيّات من القبائل العربية السنية، من جهات عسكرية، ومسؤولين في المخابرات الأميركية، التي توصلت في دورها إلى النتيجة التالية، نعتقد أنه من الضروري، في جزء من تلك الأهداف، المحافظة على نفوذ عسكري للولايات المتحدة الأميركية، من خلال قواعد صغيرة وفاعلة في شرقي، وشمال شرقي سورية، وكذلك في غربي العراق، إلى أجل غير مسمّى.
وفقًا لمصادر عسكرية واستخباراتية أميركية لدينا -فعليًا- أربع منشآت عسكرية، يتم استخدامها من جانب التحالف، لمحاربة تنظيم الدولة، بعضها سري، كما أن تطوير هذه المواقع لتصبح نقاط ارتكاز في المنطقة، تعطي الولايات المتحدة القدرة على جمع معلومات استخبارية في الجزيرة السورية (الجزء الشمالي من سورية)، وفي بلاد ما بين النهرين، ويشمل سهول المناطق القاحلة التي تمتد شمال غربي العراق، وشمال شرقي سورية، وجنوب شرقي تركيا.
في هذا القرن، كانت منطقة الجزيرة السورية حاضنة، وملاذًا لتهديدات عابرة للحدود، كتنظيم القاعدة في العراق، وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، والتي هددت الأمن القومي الأميركي لأكثر من عقد من الزمان. تعدّ أرض المعركة في الجزيرة السورية متشعبة، ولكنا ليست مبهمة. بالنسبة إلينا، إنّ الهدف الرئيس لأميركا هو سحق تنظيم الدولة، وحماية القوات المحلية التي نفذت حملة عسكرية بدعم من الولايات المتحدة، ومنحهم ما يكفي من الأمن للسماح لهم لإعادة بناء حياتهم، في الجزء الخاص بهم من الجزيرة السورية.
تعهّد نظام الأسد باستعادة السيطرة على “كل سورية”، ولكن ما إن يشعر بالأمان في المناطق الخاضعة لسيطرته، حتى يستنزف المزيد من الموارد للقيام بذلك، كما يتوقع، كما أن حلفاءه الروس والإيرانيين ليس لديهم اهتمام في متابعة هذه الحملة. إن أحد الأهداف الأميركية هو الاحتفاظ بوحدات أميركية في المنطقة، وتوفير ردع كافٍ من خلال دعم القوات التي تعمل على قتال تنظيم الدولة، وأن تكون قادرة على صدّ نظام الأسد الذي يحاول السيطرة على مناطقها.
إن التغاضي عن هجوم قوات الأسد، في محاولتها لاستعادة السيطرة على المناطق التي حررتها المعارضة من تنظيم الدولة، من شأنه التحفيز على مزيد من الإرهاب، وتبديد المكتسبات التي تحققت بشق الأنفس خلال سنتين ونصف السنة.
ما نقترحه ليس في أيّ حال من الأحوال احتلالًا على غرار ما حصل في العراق، ولن يتطلب التزامًا جديدًا واسع النطاق وقوات أميركية كبيرة، لن نقترب من مفهوم “بناء الدولة” التي أهانها دونالد ترامب لفترة طويلة. بدلًا من ذلك، فإنه يجب التوسع في القتال لتحقيق نصر حاسم لقوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة. وبالتالي، فإن ما حدث في العراق بعد الانسحاب العسكري الأميركي عام 2011، لا يمكن تكراره في دولتين قوميتين.
وبحسب الحكمة السائدة، فإن إستراتيجية مكافحة الإرهاب تكمن في حسن التوقيت، ونظرًا إلى مشهد القتال في سورية حاليًّا، يمكن تقسيم البلاد إلى أجزاء منفصلة: الجنوب؛ في محافظة درعا، حيث بدأت الانتفاضة ضد الأسد عام 2011، حيث تعدّ جبهة هادئة نسبيًا بين النظام والثوار، إضافة إلى أنّ كلًّا من جارَي سورية، إسرائيل والأردن، لديهما مصلحة في المحافظة على هذه المنطقة خالية من وجود كلٍّ من تنظيم القاعدة، والدولة الإسلامية في العراق والشام. (ويشهد على ذلك رد فعل جيش الدفاع الإسرائيلي السريع ضد المناطق الواقعة تحت سيطرة الجهاديين المرتبطين بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، الذين تغلغلوا في مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل الأسبوع الماضي)، إن الداعمَين الإقليميين للمعارضة التي تعمل بصورة وثيقة مع الأردن، هما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وهما ملتزمتان بمنع المتطرفين من السيطرة على الجنوب السوري.
الغرب؛ يمتد الربع الثاني على طول الجانب الغربي من سورية، ويحاذي الحدود اللبنانية، ابتداء من درعا إلى دمشق، إلى شمالي اللاذقية وحلب الغربية.
محافظتا إدلب وحلب؛ المنطقة الشمالية الغربية من سورية، كانتا مسرحًا لإقطاعيات يحكمها الإسلاميون، القوميون، أو الجهاديون، و فصائل أخرى من الجيش السوري الحر المدعوم من وكالة المخابرات المركزية، والذي تم استهدافه بشكل خاص من جانب النظام السوري وروسيا، وغيرهما من الجهات، والذي أصبح أضعف من أن يشكل تهديدًا كبيرًا لخصومه، اشتمل نشاط تنظيم القاعدة (جبهة فتح الشام -جبهة النصرة سابقًا) بناء الهيكلية الأساسية للتنظيم، وتجنيد المزيد من الأتباع، ولا سيّما بعد تقلص أماكن سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، من جهة أخرى يعمل النظام على استعادة شرقي حلب، منطقة تلي الأخرى من خلال حملة شديدة الشراسة، مارس خلالها سياسة التجويع أو الاستسلام -مدعومًا بغطاء جوي روسي واسع النطاق، تم فيها إضعاف من تبقى من المعارضة المسلحة الرئيسية، وقد انقسم عناصرها بين الحصار، أو الالتحاق بتنظيمات متطرفة. إن العامل الرئيس الذي مكّن الإسلاميين من التفوق في الجزء الشمالي الغربي من سورية هو دعم تركيا، وهي إحدى حلفاء أميركا في حلف شمال الأطلسي؛ فعلى سبيل المثال لا توجد حركة أحرار الشام في مكان آخر من البلاد، وقد تمكنت من السيطرة على أكثر المناطق القريبة من الحدود التركية، حيث قدمت لها أنقرة مساعدات مالية ولوجستية وتكتيكية هائلة، لضمان قوتها، ولتشكل حاجز منيع ضد تقدم النظام السوري، ولمنع التوسع الكردي، ولطرد تنظيم الدولة، كما وافقت حركة أحرار الشام على تدخل تركيا العسكري في محافظة حلب.
شرقي سورية؛ يشكل شرقي سورية قلب الجزيرة، حيث كانت الولايات المتحدة وقوات التحالف تقودان حربًا الشرسة ضد تنظيم الدولة. يجب أن تنتهج إدارة ترامب رؤية مستقبلية حول الحرب القائمة في سورية، حيث أن الحلول المقدمة من قبل الإستراتيجيين لحسم الحرب تتجاهل الظروف الاستثنائية لبعض الأماكن في ذلك البلد المفتت، إن وصف علاج لحلّ الأزمة السورية في عام 2016، كما لو كانت الأوضاع في سورية تماثل عام 2012، أمرٌ غير فعال، فما يصلح للشرق لا يمكن تطبيقه في شمال غربي البلاد؛ وما يصلح للجنوب لا يصلح في المناطق الداعمة للنظام في الساحل، لذلك يجب على الولايات المتحدة الاطلاع على التضاريس الجنوبية والشرقية لسورية، لرسم إستراتيجيتها في مكافحة التطرف، ليس في سورية وحدها، بل في العراق أيضًا، وذلك لحماية اثنين من الحلفاء الإقليميين الأكثر أهمية، وهما الأردن وإسرائيل. يجب أن يكون التركيز في الأقسام الشرقية والجنوبية على العمل مع حكومة مقبولة محليًا، والاعتماد على نماذج مجالس المحافظات التي ظهرت في السنوات الخمس الماضية، والتعاون مع “أصدقاء سورية” لتمويل الإدارات الانتقالية.
إن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، رسّخ انقسامًا واضحًا في سورية، حيث نحو 40 في المئة إلى 50 في المئة من البلاد، تحت سيطرة نظام الأسد وإيران وحليفهما الروسي. في حين يستحوذ تنظيم الدولة على نحو 40 في المئة إلى 50 في المئة من الجغرافيا السورية، ومن خلال حساباتنا، فإن نظام الأسد لا يزال مسيطرًا على المناطق الإستراتيجية في مدينة دير الزور، والمطارات الرئيسة فيها. تتمتع الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيين بالقدرة، على تحدد مصير محافظة دير الزور والرقة بسبب حضورهم العسكري، وتحديد المدة التي سوف يستمر فيها “الخليفة أبو بكر البغدادي” زعيم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام والعراق في حكم تلك المنطقة.
إن الإستراتيجية الأميركية في منطقة الجزيرة، لإنشاء منطقة تخضع للوصاية الأمنية الأميركية، يتطلب سيطرتها على القواعد التي يمكن من خلالها قيادة العمليات الخاصة، وإطلاقها بالاشتراك مع جهات محلية موثوق منها، بعد تدريبهم على مواجهة المتمردين. كما يتطلب استمرار عمل عناصر الاستخبارات الأميركية، وسيتم أيضا إعطاء الريادة للسنّة العرب في تلك المنطقة، ما سيمنحهم حافزًا نفسيًّا للعمل مع الولايات المتحدة لفترة طويلة، ولكن ماذا عن العراق الذي شهد صراعًا وحشيًّا، منذ أن قادت الولايات المتحدة الغزو ضده عام 2003، والذي يجاور منطقة “الجزيرة” السورية؟
كان خط الحدود بين سورية والعراق ممرًّا لعبور أعداد كبيرة من الجهاديين، وكانت هذه البوابة تمتد من الحسكة إلى نينوى، ومن الرقّة ودير الزور إلى الأنبار، سمحت لتنظيم الدولة الاسلامية بالسيطرة على ثلث العراق في صيف عام 2014، بعد أن أنفقت الولايات المتحدة مليارات الدولارات لإسقاط صدام حسين وبناء ديمقراطية جديدة. ولكن يبدو العراق الآن مدينًا بالفضل لإيران، بوصفها داعمًا كبيرًا في الحرب الجارية ضد تنظيم الدولة الإسلامية في الشام والعراق كما فعلت أيضا وزارة الدفاع الأميركية. من دون عيون وآذان أميركية، في ذلك البلد الذي استثمر فيه الجيش الأميركي لمدة 13 عامًا، ستكون المصالح الأميركية بشكل كلّي تحت رحمة قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني ونوابه.
في الواقع، تمت محاولة أميركية محدودة في منطقة الجزيرة في عام 2008، حين كانت الولايات المتحدة تحتفظ بقواعد عسكرية على طول الجانب العراقي من وادي نهر الفرات. من خلال عملية عسكرية سُمّيت حينذاك “هزيمة تنظيم القاعدة في الشمال”، أو OPDAN، كان العنصر الرئيس هو تحرك مشاة البحرية الأميركية شمالي نهر الفرات (وفي حلول عام 2008، كانت الأمور قد هدأت تقريبًا)، حيث امتدت ساحة المعركة على طول الطريق من الشمال إلى سنجار وبعاج وتلعفر في محافظة نينوى. وكانت وحدات الجيش الأميركي قادرة على التحرك في وادي نهر دجلة والتركيز على الموصل، من دون الحاجة إلى القلق حول المنطقة الحدودية في الفترة ما بين عامي 2008 و2009، حتى انسحاب مشاة البحرية عام 2010. تلاها انسحاب الجيش الاميركي من العراق بشكل كلي بعد ثلاث سنوات، ما عَدَّ عملية OPDAN نجاحًا خاطفًا للجيش الأميركي. الدرس الذي يجب تعلمه، أنه من دون مراقبة دائمة وآلية لضبط الحدود، فإنّ هناك احتمال عودة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام في شكله الحالي، أو في شكل آخر، وسوف يعود إلى مطاردتنا مرة أخرى.
على مدى السنوات القليلة الماضية تحدثنا مع عدد من زعماء القبائل في كل من سورية والعراق، وقد قالوا إن الخوف السائد عند السنة هو أن الولايات المتحدة سوف تتخلى عنهم بعد القضاء على تنظيم الدولة، ما جعل السكان المحليين يتردّدون في مقاومة الجهاديين، ومشاركة الولايات المتحدة في محاربتهم. وفقًا لمايكل بريجنت، وهو ضابط مخابرات متقاعد خدم في العراق، فإن الثقة تُبنى من خلال التقارب، والتعاطي المتكرر، في الوقت الذي تطلب فيه الولايات المتحدة الأميركية من السنّة تنفيذ مهمات صعبة، إلّا أنّ الدعم الموقّت والمحدود الذي يتلقّونه، هو من أسباب عدم ديمومة الاستقرار. لذلك، فإن المطلوب هو إقامة علاقة تعاون دائمة، لبناء الثقة مع السنّة، لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، ولرفض أيّ تشكيلات عسكرية ارهابية مستقبلية.
أنشأت وزارة الدفاع الأميركية أربع قواعد عسكرية في منطقة الجزيرة، من دون إذن من الحكومة المركزية السورية، إضافة إلى قاعدتين في العراق بعد الحصول على إذن الحكومة العراقية، فقد استولت القوات الأميركية على مطار رميلان في محافظة الحسكة، وقامت بزيادة طول مدرج الطائرات القائم بمقدار الضعف، لاستيعاب طائرات النقل العسكرية من طرازC- 130 التي تستخدم لنقل العتاد والرجال، لمساعدة قوات سورية الديمقراطية ذات الأغلبية الكردية. كما تدرّب قوات العمليات الخاصة الأميركية والبريطانية مقاتلين عربًا أيضًا، لقتال تنظيم الدولة في قاعدة التنف في جنوب شرق سورية. أما في العراق، فتتمركز القوات الأميركية في مطار القيارة، الذي يبعد 16 كم إلى الغرب من نهر دجلة، بعد استعادته من تنظيم الدولة في تموز/ يوليو من هذا العام. كما يعمل الأميركيون أيضًا، انطلاقًا من قاعدة الأسد الجوية في محافظة الأنبار، وهي قاعدة ضخمة ومجهزة جيّدًا، وقد استقبلت طائرة الرئيس الأميركي عام 2007.
نظرًا إلى الدور الأساسي للقوات الجوية الأميركية، والتي ظهر تأثيرها في تحرير عدد من المناطق العراقية منذ عام 2014، فهناك فرصة مع الإدارة الجديدة للتفاوض مع حكومة العبادي، لإبرام عقد إيجار لتلك المنشآت. عين دونالد ترامب الجنرال جيمس ماتيس، في منصب وزير الدفاع، وهو يدعم وجودًا عسكريًّا دائمًا للولايات المتحدة في العراق، منذ كان يعمل في إدارة أوباما، كما أن سكرتير وزارة الدفاع الأميركية في القوات البحرية الأميركية، يتمتع بكثير من الاحترام في بغداد، لذلك يجب أن يقود التفاوض مع بغداد في هذا الشأن.
ولكن، ماذا عن الأكراد؟ إنهم يريدون مناطق خاصة بهم تتمتع بحكم ذاتي، لكن تركيا عازمة على منع ذلك، وفي الوقت نفسه نظام الأسد يتحالف تارة مع الفصائل الكردية، ويحاربها تارة أخرى بحسب مصالحه. لذلك، كان التدخل الأميركي لدعم الأكراد الذين يقاتلون ضد تنظيم الدولة في المناطق القريبة من الحدود التركية موضوعًا إشكاليًّا، لأنه يخضع لحسابات دبلوماسية في التمييز بين المقاتلين الأكراد المنضوين في قتال تنظيم الدولة، مثل وحدات الحماية الكردية PYD، ومقاتلي حزب العمال الكردستاني، الذين يشنّون حربًا ضد الحكومة في تركيا. إن حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي في الواقع هما التنظيم نفسه، كما أن عديد الفصائل الكردية التي تقاتل في سورية، والمدعومة من الولايات المتحدة، تحارب أيضًا الحكومة التركية. تقع القاعدة الأميركية في رميلان في منطقة حزب الاتحاد الديمقراطي، أو كما تدعى كردستان سورية، وسوف تساعد الولايات المتحدة على إقامة حكم ذاتي كردي، ضمن قيود معينة، وذلك ما سيحدّ من الطموحات الكردية.
وهناك قاعدة عسكرية جديدة أيضًا، ستكون في الصحراء الواقعة بين العراق وسورية في منطقة القائم والبوكمال، على جانبي الحدود السورية العراقية. أطلقت الولايات المتحدة في تموز/ يونيو عملية فاشلة لطرد تنظيم الدولة من منطقة البوكمال باستخدام متدربين حديثي التخرج من الجيش السوري الجديد تدربوا في قاعدة التنف، بحسب مصدر رفيع المستوى في الحكومة الأردنية، بعد أشهر من التخطيط للعملية، أوقفت الولايات المتحدة الدعم الجوي في أثناء العملية، كما أن عدد القوات المهاجمة كان قليلًا جدًّا. كثيرًا ما يقول تنظيم الدولة إنّه تراجع بشكل موقّت، إلى الصحراء، لقد سمحت تلك المناورة لتنظيم القاعدة في العراق قبل خمس سنوات بإعادة تجميع صفوفه، لمنع مثل تلك الخطوة يتطلب ذلك بناء تحالفات وقواعد في المناطق التي يتم اقتراحها.
كما يقول العميد ريك فرانكونا، الملحق العسكري الجوي السابق في السفارة الأميركية في دمشق “يتم تدريب القوات الأميركية وتجهيزها لبناء مثل هذه القواعد، أو توسيع القائم منها” كما أضاف “من دون عملية طويلة الأمد يستوجب فيها الوجود الأميركي في هذا الجزء من سورية، فإن هناك فرصة ضئيلة لاستقرار الوضع بين مختلف الفصائل هناك، وستتم العودة إلى المنافسات والأعمال العدائية” مثل هذا الوجود يمكن أن يستخدم أيضًا للمحافظة على السلام بين الحلفاء، وإنهاء حالة العداء بين الفصائل المتحالفة مع أميركا، لأنها ذات أجندات متعارضة، وذلك بعد القضاء على تنظيم الدولة. وسيشجع ذلك الدول العربية السنّية في الخليج، عندما ترى وجودًا أميركيًّا أكثر قوة على الأرض، ما يحقّق تهدئة -نوعًا ما- لمخاوفها من أن واشنطن باعت المنطقة لإيران.
يجب ألّا تنظر الولايات المتحدة إلى الجدول الزمني الذي حدّده الأسد، وفلاديمير بوتين، وآية الله خامنئي. يجب أن تضع الحقائق الخاصة بها على أرض الواقع، والتي تسمح بعودة هيمنتها العسكرية. بعض الأمور يمكن التنبؤ بها في منطقة الشرق الأوسط، وهي أن جميع المزاعم مرتبطة باستغلال النفط، والجزيرة هي الجزء الأكثر غنى بالنفط في سورية، ويعني هذا من الناحية العملية أن المجتمعات المحلية ستتمكن من تعزيز مكانتها السياسية والاقتصادية، بالنسبة إلى بقية البلاد، وستمنح المعارضة السورية ورقة مساومة جديدة في مفاوضات جنيف.
على الرغم من أن الأسد تعهّد مرارًا باستعادة كل شبرٍ من البلاد، إلّا أنّه عمليًّا لا يمكنه القيام بذلك، مع انتشار الدبابات التركية في ريف حلب الشمالي، والقوات الخاصة الأميركية المتحالفة مع الميليشيات الكردية والعربية في الشمال والجنوب. لذلك؛ فهناك مخاطر اندلاع حرب مفتوحة مع اثنين من أكبر الجيوش في حلف شمال الأطلسي.
الردع بطريقة الأمر الواقع هو الإجراء الأفضل، ولكن الخيار ليس إذا ما كانت الولايات المتحدة الأميركية ستبقى في سورية أم لا، ولكن الخيار هل ستُجبر أميركا على العودة الى سورية في حال مغادرتها لها؟.