ترجمة أحمد عيشة

(*) الآراء الواردة في هذه المادة لا تمثل بالضرورة آراء المركز ولا مواقفه من القضايا المطروحة

لا يزال ملايين من السوريين منذ أعوام يقيمون في مناطق من البلاد لا تخضع لسيطرة حكومة الرئيس بشار الأسد، ومع استمرار الولادات والوفيات وحالات الزواج ونقل الملكية، فإنهم يسجلون هذه الواقعات بواسطة حلول بيروقراطية مؤقتة ضمن إمكانات السلطات المحلية.

على مدار تسعة أعوام ونصف من الحرب، حاولت مجالس المناطق المتمردة، والمحامين الخاصين، ورؤساء البلديات، والزعماء الدينيين، وقادة المتمردين، ومجموعة متنوعة من الحكومات التي فرضت نفسها من جانب واحد، إصدار بطاقات الهوية الخاصة بها، وشهادات الميلاد وغيرها من الوثائق، على أمل بث روح في الحياة في المناطق التي يحكمونها، ومساعدة السكان المحليين في الوصول إلى المساعدات الإنسانية.

في هذا السياق، أوضح مازن البلخي، الذي عمل مع جمعية المساعدة القانونية الدولية (ILAC)، وهي منظمة غير حكومية مقرها ستوكهولم تسعى إلى تعزيز سيادة القانون في مناطق الصراع، عند مقابلته مع صحيفة الإنسانية الجديدة The New Humanitarian في عام 2018، المسألة بالقول: “هبْ أنني مهجّر في إدلب، وأريد أن أحصل على صندوق معونة (حصة إغاثة) من منظمة غير حكومية، ألا يمكنني أن أذهب إلى مقر المنظمة، وأقول لهم لدي 10 أطفال، وأنا لديّ طفل واحد فقط! كيف سيعرفون الحقيقة؟ هل سيطلبون مني الوثائق”!

قد تكون الوثائق التي تُستخرج في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون قادرةً على المساعدة، في حالات مثل التي ذكرها البلخي، ولكن الحقيقة هي أنها تتمتع بفائدة محدودة، وتظل الأوراق الصادرة عن الحكومة هي المعيار الذهبي، وتظل مقبولة في جميع أنحاء سورية، وكذلك خارجها.

أحد عمال الإغاثة في شمال شرق سورية، قال: “في نهاية المطاف، يريد الناس وثائق معترفًا بها، مثل التي يمكن أن تحصل عليها من مناطق الحكومة”. ومع ذلك، لا يمكن لكثير من السوريين الوصول إلى مكاتب السجل المدني التابعة للدولة، أو حتى دخول المناطق التي يسيطر عليها الأسد، من دون خوف على حياتهم؛ ولذلك فقد تُرك الأمر لآخرين لمساعدتهم في جميع أنحاء سورية في الحصول على الأوراق التي يحتاجون إليها.

أوراق المتمردين والتمويل الخارجي

في عام 2014، أطلقت مجموعة من المهنيين القانونيين السوريين المنحازين إلى المعارضة مشروعًا، لإحياء مراكز السجل المدني الحكومية المهجورة في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون، باسم الحكومة السورية المؤقتة، وهي حكومة المنفى التي تدعمها تركيا، وأعلنتها جماعات المعارضة في العام السابق. وتشرف جمعية المساعدة القانونية الدولية على المشروع وتدعمه ماليًا، بتمويل من حكومة السويد.

تُظهر قاعدة بيانات وكالة حكومية سويدية، تشرح بالتفصيل مشاريع التنمية الدولية، أن برنامج جمعية المساعدة القانونية الدولية لدعم الجهات الفاعلة في قطاع العدالة، داخل سورية وخارجها، تلقت حتى نهاية المشروع (40,7) مليون كرون سويدي (حوالي 4,5 مليون دولار) على شكل أموال حكومية من 2017 إلى 2019. وفقًا لجمعية المساعدة القانونية الدولية، ذهب نحو ربع هذه الأموال إلى دعم مراكز السجلات المدنية.

“لقد دعمنا 21 مركزًا للسجل المدني، ومن ضمن ذلك إنشاء بعض المراكز الجديدة لخدمة الأشخاص المهجرين داخليًا، التي لم تكن في السابق جزءًا من الهيكل الوطني”.. قالت آغنيتا جوهانسون، المديرة التنفيذية لجمعية المساعدة القانونية الدولية لصحيفة الإنسانية الجديدة، مشيرة إلى أن التسجيل المدني كان “أحد مكونات مشروع أوسع، ندعم فيه المحامين والقضاة السوريين لوضع معايير سيادة القانون لسورية المستقبل”.

ذات يوم، كانت المكاتب المدعومة من جمعية المساعدة القانونية الدولية تعمل في مناطق سيطرة المعارضة، في درعا والقنيطرة وداريّا وحمص وإدلب وريف حلب الغربي. ومع ذلك، عندما استعادت القوات الموالية السيطرة على بعض هذه المناطق في 2018، ووقعت معاقل معادية للأسد في منطقة إدلب – حلب تحت سيطرة الفصائل المدعومة من تركيا أو الجماعات المتمردة التي تم تصنيفها على أنها إرهابية؛ سحبت جمعية المساعدة القانونية الدولية مساعدتها.

ليس هناك معلومات أكيدة عن مراكز السجل المدني التي دعمتها جمعية المساعدة القانونية الدولية ذات مرة أما تزال تعمل أم لا، لكن جوهانسون قالت إنها أصدرت حوالي 300 ألف وثيقة من عام 2014 إلى 2019.

وقالت إن المراكز أصدرت ما يسمى “بيانات السجل الفردي” [إخراج القيد]، التي تشمل الاسم وتاريخ الميلاد والمكان ومعلومات عائلية أخرى، وغالبًا ما تستخدم كبديل لبطاقات الهوية. كما ساعدت المراكز أيضًا في إصدار شهادات الميلاد والوفاة والزواج، إضافة إلى ما يسمى بـ “دفاتر العائلة” التي تسجل هويات الأزواج وأطفالهم، ويمكن أن تكون الأساس لإصدار وثائق أخرى. وتابعت جوهانسون قائلة: “مما رأيناه، أن الناس أتوا بشكل أساسي لتجديد بياناتهم الفردية، وذلك أساسًا كي يتمكنوا من التسجيل لتلقي المساعدات الإنسانية”.

إلى حد كبير، اتبعت الوثائق نظام قوالب الأوراق الرسمية السورية، مع اختلاف رئيس واحد: استُبدلت أختام ورموز حكومة دمشق بأختام ورموز حكومة المعارضة المؤقتة.

وثائق خطرة؟

لم يكن مشروع جمعية المساعدة القانونية الدولية بعيدًا عن النقد. لبعض الوقت، حذر مسؤولو الأمم المتحدة من تزويد السوريين بـ “وثائق قد تعرضهم للخطر، ويمكن اعتبارها سياسية”.

في الوقت الذي يستعيد فيه الأسد باطراد كثيرًا من أجزاء سورية، ويتزايد الضغط على اللاجئين من أجل العودة من الخارج -على الأقل قبل إغلاق الحدود بسبب (كورونا)- فإن حمل وثيقة مختومة بختم المعارضة قد يعرض حاملها للمضايقة والاضطهاد من قبل أجهزة أمن الدولة.

مسؤول إنساني، طلب عدم ذكر اسمه بسبب حساسية الموضوع، قال لصحيفة الإنسانية الجديدة: “لم نصادف أي صراع آخر منتشر بهذا الشكل، حيث يكون خطر الانتقام مرتبط بوثيقة الهوية”. واعترف المسؤول بأن “روح ما يريدون القيام به هو أمر خيّر”، أعرب عن انتقادات شديدة لدعم جمعية المساعدة القانونية الدولية لمراكز السجل المدني: “نعتقد أن ما يفعلونه هو إشكالي، يخلق أنظمة موازية ويزود الناس بوثائق لا يمكنهم استخدامها في المستقبل … هناك ملايين الأشخاص الذين حصلوا على وثائق، ثمّ اضطروا إلى حرقها أو التخلص منها، لأنهم يعرفون أن هذا العمل مبني على أساس غير سليم”. وقال المسؤول إن لديهم القلق نفسه بشأن الوثائق التي تصدرها الجماعات المسلحة وزعماء القرى وغيرهم. كل ذلك يمكن أن تعدّه الحكومة في دمشق مزورًا أو غير قانوني.

وأخبرت جوهانسون الصحيفة نفسها أن منظمتها تأخذ مثل هذا النقد “بجدية بالغة”، مشيرة إلى أن المكاتب المدعومة من جمعية المساعدة القانونية الدولية حاولت نسخ قوالب الأوراق الحكومية، في محاولة لجعل مستنداتها متوافقة قدر الإمكان مع الأوراق الخاصة بالحكومة. وقالت: “لم تعترف السلطات السورية على تلك الوثائق، ومن الواضح أن هذه مشكلة”.

ومع ذلك، قالت جوهانسون إنها تأمل أن تكون الوثائق أساسًا لإعادة التسجيل أو العمل الورقي الجديد مع الحكومة السورية، معتبرة أن “إعادة الدمج المحتملة لهذه الوثائق مع السجل المدني الوطني” يجب أن “تُدار بمسؤولية”، ولكن هذا “ضروري في نهاية المطاف”.

وقالت: حتى لو لم تعترف حكومة الأسد في نهاية المطاف بهذه الوثائق، فإنها أدّت غرضًا. وأضافت: “باستخدام هذه الوثائق، تمكن الناس من الحصول على المساعدة الإنسانية والتعليم، ومكّنت الناس من التنقل بحرية داخل المناطق التي تسيطر عليها المعارضة”.

“في حالة الصراع، حيث لا تكون الخدمة متاحة، سيحاول الأشخاص إيجاد حل، ولكن بعد ذلك ستكون هناك أسئلة من دون حلٍ. طالما أن هذا قد ساعد الأشخاص في فترة انتقالية، فقد حقق غرضه على الأقل”. ولم ترد وزارة الخارجية السويدية على طلبات عدة للتعليق على ذلك.

البحث عن حل

وفقًا للمسؤول الإنساني، الذي تحدث إلى الصحيفة في عام 2019، مثل جوهانسون، “من المحتمل أن يكون الحل الأفضل [لمشكلة الوثائق التي تحمل أختام المعارضة شديدة الخطورة لاستخدامها] هو إنشاء شكل من أشكال غرفة تبادل المعلومات المستقلة”، يمكن أن يقدم السوريون إليها الوثائق غير النظامية التي كانوا قد استخرجوها أثناء الحرب.

وتصور المسؤول “آلية ممولة دوليًا، يمكنها تلقي أي شيء -ضمن معايير معينة للصلاحية وللحصول على حد أدنى من التفاصيل المصدق عليها- ثم تقوم باستخراج وثيقة واحدة للجميع”، لا تحمل تفاصيل سياسية، مثل أختام المتمردين وشعاراتهم.

لم تتجسد هذه الفكرة حتى الآن، وليس من الواضح كيف ستنجح أو هل يمكن إقناع الحكومة السورية بقبول مثل هذه الوثائق. ولكن مع فتح الحدود من جديد، من المرجح أن يواجه اللاجئون مرة أخرى ضغوطًا متزايدة للعودة إلى ديارهم. إن إيجاد طريقة لسد فجوة التوثيق في سورية هو مشكلة ستزداد إلحاحًا يومًا بعد يوم، ليس فقط بالنسبة للسوريين الذين يحملون الآن وثائق تحمل أختام المعارضة، أو الذين لا يملكون وثائق على الإطلاق، ولكن أيضًا بالنسبة للحكومة، التي لم تعد متابعةً لوقائع ملايين المواليد والوفيات وحالات الزواج والدعاوى القضائية ومبيعات الممتلكات وغيرها من الوقائع الحاسمة لإدارة مجتمع واقتصاد أي بلد.

وقالت جوهانسون: “إن مسألة السجل المدني هي قضية كبيرة في سورية، سواء داخل سورية أو خارجها أو للأشخاص الذين يريدون العودة وإعادة تأسيس حياتهم داخل البلاد. يجب التعامل معها في نهاية المطاف على المستوى السياسي وإيلائها الاهتمام الذي تستحقه”.

اسم المقالة الأصليStop-gap solutions for Syrians without papers
الكاتبآرون لوند،Aron Lund
مكان النشر وتاريخهThe New Humanitarian، 4 آب/ أغسطس 2020
رابط المقالةhttps://bit.ly/3fG6j6z
عدد الكلمات1307
ترجمةقسم الترجمة/ أحمد عيشة