عنوان المادة الأصلي باللغة الروسية: | Для победы в войне Асаду придется принципиально изменить тактику |
اسم الكاتب | يفغيني كروتيكوف |
مصدر المادة الأصلي | جريدة فزغلياد |
رابط المادة | http://www.vz.ru/world/2017/1/2/851767.html |
تاريخ النشر | 2 كانون ثاني/ يناير 2017 |
المترجم | سمير رمان |
يفغيني كروتيكوف: صحفي ومؤلف، عمل في التسعينات مساعدًا لرئيس الوزراء في جمهورية أوسيتيا الجنوبية. عمل محلّلًا سياسيًّا في صحيفة “الأزمنة الحديثة” و”اليوم”، كما عمل رئيسًا للقسم السياسي في صحيفة “أزفستيا”. منذ عام 2004 يعمل كمختص بمشكلات القفقاز والبلقان، مؤلف العديد من الكتب، شارك في أعمال قتالية في عدد من النزاعات المسلحة كالبلقان. ويكتب الآن في صحيفة فزغلياد
جدول المحتويات
مقدمة
انطلاقا من التغير الكبير في الوضع السوري خلال العام الماضي، يمكن القول إن عام 2017، سيكون حاسمًا من منظور خطة الانتصار في الحرب الممتدة لست سنوات خلت. ولكن على المرء أن يكون متفائلًا جدًّا لقول ذلك، إذ يتوجب على الحكومة في دمشق عدم تكرار الأخطاء السابقة، وعليها تغيير ترتيب أولوياتها، وتجنب الوقوع في أخطاء فادحة في حالة إدلب، ويتوجب عليها إيجاد حلفاء جدد، واستبعاد بعضهم من حلفاء الأمس.
يمكن تقسيم الحرب في سورية (وفي هذا التحليل الكثير من المتطلبات الشرطية) إلى مكونات رئيسة، أو عوامل تتقاطع مع بعضها هنا وهناك في هذه الهندسة العسكرية- السياسية. ومن يستطع تفكيك هذه “الكبكوبة” من الخيوط؛ يمكنه الانتصار. المشكلة تكمن في أن هذه “الكبكوبة” من الخيوط المتشابكة تستطيع إرباك أيٍّ كان.
الأيديولوجيا والخبز
” في عام 2017، سيكون منطقيا أن نتوقع من بشار الأسد اعتماد جميع برامج استقطاب بعض الحلفاء غير الرسميين إلى صفه. والشيعة في الدرجة الأولى”، ويستنكر كثير من السوريين وصف بعض المعلقين الأجانب ما يجري بأنه صراع طائفي. ومع ذلك، فإن المواجهة بين القسم الأكبر من السنة السوريين مع بقية المكونات تعدّ بالنسبة إلى مئات الاف السوريين، هي واقع يومي. ويمكن، أكاديمياً، الدخول في مناقشات طويلة حول أسباب تحوّل أكثر الأنظمة علمانية (النظام السوري. م) في الشرق الأوسط إلى شفير الخراب بسبب الخلافات الدينية، ولكن الأمر وقع، ومن الصعب جدًّا التغاضي عن هذا الواقع، ولو من باب البروباغاندا الإعلامية. ومالم يُتّفق على مبادئ جديدة للعلاقة بين المكونات المجتمعية، فإنّ الحرب ستستمر طويلاً على هذه الصورة أو تلك.
بالطبع، ليست الخلافات الدينية هي السبب الوحيد للمواجهة. ومن الواضح وجود عوامل ديموغرافية، وتأثير خارجي، وأسباب شخصية بحتة عند بعضهم، وحتى عوامل مناخية. وإذا لم تبحث الحكومة، على التوازي مع الأعمال العسكرية، عن حلول جذرية للمشكلات التي يعاني منها المجتمع السوري؛ فإنّ الحرب ستستمر إلى مالا نهاية. حتى لو طُرِد جميع الجهاديين خارج سورية، فإنهم سيجدون طرائق للعودة وإظهار أنفسهم، وسيستمر من يُسمَّون المعتدلين في تأليف حكومة في المنفى، وممارسة أنواع أخرى من الضغط على دمشق.
قبل عام واحد بدت سياسة المصالحة مع بعض المناطق الصغيرة، والتي انجرًت إلى الحرب الأهلية بحكم الظروف، بلا أفق. وبنتيجة هذه السياسة، انتقلت التشكيلات المسلحة الكبرى من المناطق المحاصرة الميؤوس من وضعها الى شمالي سورية، وتحديدًا إلى محافظة إدلب. وإن كانت التكتيكات في الحالة الأولى قد وجدت مبرراتها، فإن الحالة الثانية أدّت إلى خلق “سوريّة موازية”- محصّنة ومدججة بالسلاح، وعمليًّا من دون أناس أوجدتهم المصادفات هناك. تمتلك – سوريّة الموازية تلك- حدودًا هشة مع تركيا. وما كان يبدو وكأنه أسلوب للمصالحة في البداية، أصبح عمليًّا عامل تقسيم جديد. وبالفعل، فإنّه عامل تقسيم ملموس تمامًا، وليس عاملًا دينيًّا أو ديموغرافيًّا أو أيديولوجيًّا- سياسيًّا. إضافة إلى ذلك، فإنّ للمعارضة المعتدلة المجتمعة في إدلب وزنًا نوعيًّا قليلًا مقارنة مع الجهاديين. ومن المعروف أن في مقدور الجهاديّين ضم الباقين إلى جانبهم في سرعة بسبب العدوانية التي يبدونها في الحياة العملية.
حتى الآن، لم تولَ مسألة مواجهة الدعاية الجهادية، والإسلام الأصوليّ، والطائفية الصريحة القائمة على أساس الإرهاب الأهمية اللازمة. لعبت الأقاويل المتداولة منذ سنوات -مفادها أن داعش وأشباهها من التنظيمات، هي ظاهرة اجتماعية تكاد تكون عراقيةَ بحتة، ومرتبطة في الدرجة الأولى باحتجاج أعضاء سابقين من حزب البعث على الاحتلال الأميركي- دورا سلبيا أدى الى تهميش منهج التصدي الفكري لهذه الظاهرة الإرهابية. وهذا صحيح جزئيًا فحسب.
ويبقى السؤال: من استخدم من؟ هو السؤال الكبير. من الواضح أن جزءًا من السكان السنّة في بعض المناطق، قد دعم نمط الحياة الذي قدّمه لهم الجهاديون في مناطق سيطرتهم. وسرعان ما اتّخذت صورة “المقاومين للنفوذ الأنكلو- ساكسوني” مسحة من الألوان السوداء، وانتهت بالسيطرة على الموصل وحلب، وفي حركة نور الدين الزنكي مفرزة مشاهد راعبة لعمليات الإعدام. والآن، كيف يمكن التصرف مع هؤلاء البشر؟ هذا سؤال كبير أيضًا. إن أسلوب إطلاق النار على كل ما يتحرك، كما يجري في الموصل، ليس أسلوبنا طبعًا. وعلى حكومة دمشق استنتاج العبر والدروس العملية من حقيقة بسيطة مفادها أنّ سكان الأرياف القدامى، الذين ارتحلوا إلى مناطق المدن الكبرى نتيجة الأزمة الاقتصادية والتغير المناخي في مناطقهم، فقدوا بسرعة بريق الحضارة الذي جلبه لهم “عائلة الأسد آكلة لحوم البشر” خلال نصف قرن من حكمها للبلاد. والنتيجة معروفة!
تحاول دمشق الآن حل مشكلة أساسية -إطعامهم وبناء مساكن لهم- وقد وقع بشار الأسد منذ فترة على مشروع ميزانية عام 2017، وهي من حيث الأرقام موازنة ضخمة. ولكن، من أين له هذه الأموال؟ هذا سؤال آخر. من الواضح أن قسمًا من الأموال سيضخ إلى الجيش، ولكن القسم الأكبر سيذهب لتلبية الحاجات الاجتماعية وإعادة الإعمار. وهذه خطوة مبررة وإنسانية، إلا أن الحرب زعزعت المجتمع السوري من أساساته. لم تكن هذه الزعزعة فجائية، بل كانت تُراكم منذ زمن بعيد. بدأت المُراكمات منذ ثمانينيات القرن الماضي تقريبًا. وساهمت المواجهة المفتوحة والمدمرة بإيصال البلاد إلى هذه النهاية المنطقية التي نشهدها اليوم. ومع كل هذا، لم تتضح حتى الآن أولويات دمشق؛ “القضاء على الأوغاد” أم خلق “فكرة جديدة ما” للسكان المنقسمين في كثير من الخطوط الى عدد من المجموعات.
الهجوم من أجل توحيد البلاد
في نهاية تشرين ثاني/ نوفمبر، بدأت الأركان السورية، والروسية، والإيرانية مشاورات للتخطيط للهجوم على معقل الجهاديين الأكبر في محافظة إدلب. ووصل الوضع هناك حاليًّا إلى مرحلة لم تعد فيها مناقشات عن تسمية مجموعة ما، ومن أجل ماذا تقاتل، وإلى من تنتمي مناقشات مجدية.، فقد سبق ودارت مناقشات أكاديمية في الوسط الأكاديمي طوال عام مضى. مع حلول فصل الخريف في عام 2016، أصبح واضحًا أنه يجب استعمال “مشط واحد” في التعامل مع جميع المجموعات، وأصبح من الضروريّ تقليص المساحة التي يوجد فيها الجهاديون والمجموعات الأخرى في إدلب، بعد أن ازدادت أعدادهم هناك بكثافة. كما كان من الضروري التوقف، منذ زمن، عن البحث عن شخصيات بـ “وجوه جيدة” في صفوفهم.
بعد حلب، تجاوز الجيش السوري تلك المرحلة التي تتحدد فيها العمليات القتالية بالظروف السياسية، أو مايبدو أنه كذلك. في السابق، تسبّب عجز دمشق في التصدي للدعاية المضادة للأسد على الساحة الدولية في فقدان زمام المبادرة، وتسببت في انتقال غير مبرر للتركيز من هدف إلى آخر. وكانت النتيجة ضياع أشهر ثمينة من الناحية العسكرية، كما حدث في عامي 2015 و2016. وفي المناسبة، فإنه من الضروري الآن قضاء الوقت في الإعداد للعمليات العسكرية بدلًا من الخلافات الداخلية.
ستكون الجبهة الثانية في اتجاه تدمر- الرقة. وإذا كان من المفهوم أنه لن يكون في مقدور داعش التمسك طويلًا بتدمر، فإن توجيه العملية في اتجاه الرقة سيتطلب من الحكومة التنسيق مع الأكراد، وهم في العادة شريك صعب. ويمكن حتى التنسيق مع الأميركيين الذين لم يتضح توجههم بعد مع وصول ترامب إلى سدّة الرئاسة. فهل تتطلب عملية الرقّة زيادة المساهمة الروسية؟ هذا أمر لا يمكن التنبؤ به عمليًّا؛ فقد يكون هذا الإجراء غير ضروري، فربما يكتفى باستخدام إمكانيات الأسطول والطائرات بعيدة المدى انطلاقًا من الأراضي الروسية.
الأهم بالنسبة إلى الجيش السوري أن يغير المبدأ الرئيس لخوض الحرب؛ فالصراع الآن ليس ضد مجموعات مختلفة عرقيًّا، دينيًّا، أو سياسيًّا، بل صراع من أجل استعادة وحدة البلاد، حيث لا مكان فيها للنظر في قائمة المعارضين “الجيدين” و “الأشرار”، بل يتطلب الخضوع لسلطة دمشق. وسيعني ذلك مباشرة أنه على الجيش السوري أن يغير بعض المواقف العسكرية البحتة، كتغيير تكتيك إدارة المعارك، واستخدام الطيران والمدفعية. إضافة إلى ذلك، فإن الجيش السوري قد تغيّر جدَيًّا خلال العام الماضي. وتوازيًا، ومع استمرار الحرب، ستستمر عملية إعادة تأليفه، وخاصة من ناحية تأليف وحدات جديدة، والوصول بالمتطوعين إلى مستوى مهنيّ عالٍ، وأخلاق عسكرية رفيعة.
في عام 2017 ستكون طبيعة الأعمال القتالية مرتبطة أكثر فأكثر بعوامل خارجية عدة، مع الأخذ في الحسبان أن بعضًا منها قد يتغيّر جديًّا. ليس في الامكان الآن توصيف القضايا التي ستعمل عليها الإدارة الأميركية الجديدة في المنطقة. وهم بالتأكيد؛ إما أنّهم سيأخذون الموصل عاجلًا أم آجلًا، أو سيسوّونها بالأرض وهو الاحتمال الأرجح. إلى أيّ درجة سيكون ترامب مستعدًّا لإرسال مشاة البحرية؟ هو سؤال كبير آخر. من الواضح أن ترامب بدلًا من التوجه إلى جبهات مجهولة سيدعم إسرائيل بثبات. يبقى كل هذا في خانة التخمينات لا أكثر، ولكن المؤكد أن واشنطن “ترامب” لن تستمر في ممارسة ضغوط ضعيفة يوميًّا على دمشق وموسكو، ولن ترهب الأمم المتحدة بقرارات عاطفية. وبشكل خاص، قد يعيد الأميركيون، في عهد ترامب، النظر في موقفهم من دعم المعارضة ماليًّا وعسكريًّا.
حتى الآن، أدّت سياسة الاستخبارات الأميركية الى تشكيل جيش عشائري خاص والتواصل مع قيادات ما على الأرض، ولكنها لا تسعى كما في السابق إلى توحيد صفوف بعض المعارضة التي يكون في إمكانها الدخول لاعبًا كبيرًا ومهمًّا على الجبهة وفي السياسة. يمكن للرئيس المقبل أن يوقف دعم المعارضة بإشارة واحدة على الرغم من محاولة الاعتراض من قبل الاستخبارات التي قد تدوم فترة وقد تتعرض لبعض أنواع العرقلة. “بفضل جهود مكثفة للغاية تم تجنّب الصدام المباشر بين الجيش التركي والسوري في مدينة الباب، ولكن الأمور هناك لا تزال في بدايتها”.
لاعبون إقليميون على الخطّ
في هذه الحالة، ينتقل مركز التأثير في المجموعات المسلّحة كليًّا إلى بعض دول الخليج، حيث اللعب معهم أصعب، ولكنه في الوقت نفسه أسهل من اللعب مع الأميركان؛ فعبر عقود من الهيمنة على النفط، أقنع قادة الخليج أنفسهم بأنهم في جميع الظروف أكثر ذكاء من الأوروبيّين والأميركيين معًا، وهم على قناعة أنّ في إمكانهم أن يتملّقوا أو يشتروا من لا يستطيعون خداعه. غالبًا ما يدعم الخبراء الأوروبيون (وفي بعض الأحيان الروس) المولعون بسحر الشرق، بجميع تجلياته، وجهة النظر هذه. ولكن هذه بالتحديد، هي نقطة ضعف شركائنا الخليجيين. فهم يعتقدون -أكثر من اللزوم- بقدرتهم على الخداع، وفي الوقت نفسه بضعف الأوروبيين -بمن فيهم الروس- في المراوغة؛ لذا فإن مشاطرتهم اللعبة ممكن وضروري؛ فهم في حقيقة الأمر ليسوا مخيفين كما يظهرهم الأدب الإنكليزي.
وتبقى تركيا موضوعًا آخر. فالتعاون معها في الاتجاه السوري أخذ من زمن طبيعة تجارية في “سوق السمك” في إسطنبول؛ فللوهلة الأولى تبدو مصالح أنقرة واضحة للعيان -الصراع ضد الأكراد، إقامة منطقة عازلة عن طريق احتلال جزء من الاراضي السورية، والصراخ عن ضمان الأمن- ولكنّ الأمور أعقد من ذلك في واقع الأمر، لأن كل بند من الأجندة التركية يتضمن بنودا فرعية يطول تعدادها. عدا ذلك، فإن شريكنا رجب طيب إردوغان يخلط في كثير من الأحيان بين مصالح تركيا بصفتها دولة، ومصالحه الخاصة، أو يخلطها في إطار التناقضات الداخلية. وعبر جهود مضنية فحسب، تُجنِّب الصدام المباشر بين الجيش التركي والسوري في مدينة الباب، ولكن الأمور هناك لا تزال في بدايتها. الملفت أن الجيش التركي قد ظهر من خلال المواجهات المباشرة أسوأ مما كان يُعتقد، ومازالت عملية درع الفرات مستمرة وعالقة منذ نصف سنة. وما زال من غير الواضح ماهي المجموعات السورية المسلحة التي يسيطر عليها الأتراك، وماهي المجموعات التي يسمح لها فقط باستخدام الاراضي التركية قواعدَ بالتنسيق مع وكالة الاستخبارات الأميركية أم من دونها؛ فالحديث يدور عن جبهة صغيرة حتى بالمقاييس السورية، حيث لم يتمكن الجيش التركي التعامل مع الوضع حول مدينة واحدة لا غير (مدينة الباب)، وحيث غالبية السكان متعاطفين معه. إنّ حلحلة تشابك المصالح والظروف الطارئة المحتملة على خلفية العملية الهجومية على إدلب قد تغدو مشكلة أكثر تعقيدًا بكثير من الحديث الممتع مع مشايخ الخليج. وبالمناسبة ستكون أكثر تعقيدًا ليس بسبب عدم إمكانية حلّها، بل بسبب العدد الكبير من الوجوه الفاعلة، وبسبب عدم القدرة على التنبؤ بطرائق تصرّفهم. إنّ معادلة كثيرة من المجاهيل من هذا القبيل في إمكانها تحطيم أيّ عالم رياضيات.
في عام 2017، من المنطقي أن يتوقع المرء أن يقوم بشار الاسد بتنفيذ برامج تدريجية لاستمالة حلفاء غير منضبطين إلى جانبه. ويدور الحديث في الدرجة الأولى عن “حزب الله”، واثنتين أو ثلاث من التشكيلات من دول أخرى. وهؤلاء ليس بالضرورة أن يكونوا من الشيعة، والذين يطلق عليهم دعائيًّا “معتدلون” (أي ليسوا جهاديين خالصين) من الشيعة -سواء من الوافدين أو المحليين- والذين حُوِّلوا في الشهور الأخيرة الى شياطين، وأُطلِق في حقهم خطاب يكاد يكون عنصريَّ الطابع. حتى إن وسائل الإعلام الغربية، علاوةً على الخليجية، أصبحت في الايام الأخيرة من معركة حلب تسميهم بالوحوش. ووصل الأمر بهذه الوسائل إلى القول إنّ الروس معقولون مقارنة مع الشيعة. فهم (الروس) يفتحون معابرَ إنسانيّة، ويقدّمون الطعام والدفء للّاجئين، في حين يقوم الشيعة بملاحقة المدنيين ويقتلون الجميع ملحقين بذلك الأذى والضرر بسمعة الروس.
وللحقيقة، فإنه لم يتم إلغاء الشيعة المحليين؛ ففي محافظة إدلب والرقة توجد تجمعات سكانية كبيرة عدّة، يقطنها شيعة سوريون ولا تزال تعيش أكثر من عام في محيط معادٍ، ومن دون مساعدة الجيش الحكومي. ولن يرتاح حزب الله والتشكيلات الشيعية الأخرى قبل رفع الحصار عن تلك التجمعات. بعد ذلك -فحسب- سيعود حزب الله إلى لبنان، ما يستدعي ردة فعل مستنكرة من جانب إسرائيل. بالنسبة إلى إسرائيل، فإن الإبقاء على قوات حزب الله في سورية، وبأي وسيلة هو أكثر فائدة. ولتحقيق ذلك فإن إسرائيل على استعداد لاتباع جميع الطرائق الممكنة. ولهذا بالذات كانت المحادثات الروسية- الإسرائيلية فجائية وغريبة، على الرغم من وجود عدوّ مشترك للبلدين ظاهريًّا. ليس من مصلحة إسرائيل تفكّك سورية، ولكن وجود حزب الله في خاصرتها أسوأ بكثير بالنسبة إليها.
أما بالنسبة إلى إيران، التي تعرضت لخسائر هامة في بعض المعارك خلال السنوات الثلاث الماضية، ولكنها في المقابل حصلت على خبرات قتالية عميقة. لاتقتصر مصالح إيران في هذه الحرب على المصالح العملية وحسب – وهو أمر مفهوم -، بل تتعداها إلى مصالح عقائدية أكثر مما يبدو للوهلة الأولى. إن المواجهة بين إيران ودول الخليج، مع تجاربهما الأيديولوجية والدينية، تحمل طابعًا يقعُ خارج التاريخ والسياسة.
يجب أن ندرك أن إيران تتدخّل أيضًا في حرب اليمن منطلقة من المواقف الأيديولوجية- السياسية نفسها. وهي، بكل بساطة، لن تخرج من هاتين الجبهتين. وهذه النزاعات بالنسبة إلى إيران تحمل طابعًا حضاريًّا تقريبًا، وجميع الظروف الأخرى- هي عناصر تكتيكية آنية وحسب.
وعمومًا؛ فمن الممكن الافتراض أن الحرب في سورية ستبقى تحمل الطابع نفسه الذي حملته عام 2016، مع بعض التغيير في جغرافيا المعارك وتفاصيلها. من الصعب تصور حل تشابك خيوك هذه “الكبكوبة”. عدا ذلك، فإن بعض خيوطها ستزداد تشابكًا.
دخل النظام السوري عام 2017 منتصرًا، وأصبحت الخلفية السياسية الخارجية تتغير أكثر لمصلحته. ولكن إن أصبحت الأمور بالنسبة إلى بعضهم أسهل، فإن ذلك سيكون في حدودٍ ضيّقة جدًّا. وستظهر أمام الحكومة السورية مهمة جديدة، في إعادة إعمار الدولة المخربة وإيجاد علاقات اجتماعية جديدة بين مكونات المجتمع السوري.
خلاصة
إن انتظار تسوية سورية داخلية شاملة هو أمر ناتج عن تفاؤل مفرط، على الرغم من أن اللاعبين الكبار بدؤوا في التفكير جديًّا في بناء سورية ما بعد الحرب. شكًل إبرام هدنة ما قبل رأس السَّنة بين القوات الحكومية والمعارضة خطوة جيدة، ولكنها ليست المرة الأولى التي تعقد فيها هُدَن مثل هذه، والتي لن تكون الأخيرة للأسف الشديد. على الرغم من إعراب عدد من الفصائل التزامها الهدنة، فإن التقييم الحذر مبرَر في هذه المرحلة. فبغض النظر عن رغبتهم، وعن رغبة اللاعبين الخارجيين؛ فسيبقى الإرهابيّون جزءًا من الأعمال القتالية، لذا فإنّ وقف إطلاق النار على بعض الجبهات سيكون موّقتا. ومن ناحية أخرى، فإنّ هذه المقاربة ستمكّن الأركان العامة في الجيش السوري من تركيز مجهودها على الاتجاهات الإرهابية، من دون الالتفات إلى المعارضة التي قبلت بالهدنة، ما يساعد فعليًّا في اختصار المسافة التي تفصلنا عن إقامة سلام متين وشامل تقبل فيه بعض الأطراف، مرغمة، بحلول وسط. أمّا المجموعات الأخرى فإما أنّها قد قُضِي عليها، وإما أنّها أصبحت ضعيفة إلى درجة لن يكون في مقدورها المطالبة بدور مهمٍ.
القول إنّ الهدنة تُلزم بعض المجموعات المناوئة للأسد فحسب لتجميع قواها، ليس في حاجة الى التحقق؛ فمن هذا، ومنذ البداية ينطلق كل شيء. لن يكون مكان للبسطاء، والصدف غير موجودة منذ زمن بعيد- فنحن لا نتسوّل في هذه الحرب.