اسم المادة الأصلي | The Arabism Debate and the Arab |
الكاتب | Uprisings |
مكان النشر وتاريخه | كريستوفر فيلبس، CHRISTOPHER PHILLIPS |
رابط المادة | مدرسة العلاقات الدولية والسياسية، كلية الملكة بجامعة لندن، School of Politics and International Relations, Queen Mary University of London، 13 شباط/ فبراير 2014 |
عدد الكلمات | 1629 |
ترجمة | وحدة الترجمة والتعريب -أحمد عيشة |
المحتويات
الملخص
تستكشف هذه المقالة كيف أثرّت الانتفاضات العربية في المناظرات الأكاديمية حول أهمية الهوية العربية في السياسة المحلية والإقليمية. هل يشير انتشار الاحتجاج من دولة عربية إلى أخرى عام 2011 إلى أهمية مستمرة للعروبة، أم أن الصعود اللاحق للطائفية الإقليمية يدق ناقوس نهايتها؟ هل ما تزال المناظرات القديمة بين “العروبيين الجدد” و”ما بعد العروبيين” ملائمة وذات صلة، أم أنها إطار جديد مطلوب بحيث يعكس بشكل أفضل العالم العربي ما بعد عام 2011؟
مناقشة ما قبل 2011
لقد ركزت المناقشات حول العروبة قبل 2011 على أهمية الهوية العربية في السياسة العربية المحلية والإقليمية. عدَّ الموقف التقليدي/ الأرثوذكسي العروبة قوة مستنفدَة بعد الهزيمة العسكرية، وفي وقت لاحق بعد وفاة جمال عبد الناصر، بطل القومية العربية، عزز الزعماء العرب الذين أتوا بعد ذلك هويات الدول القومية (الوطنية/ القطرية)، من خلال تحويل مسخ/ كلبيّ لخطاب القومية العربية القديمة إلى خطاب فارغ. شغل الإسلام السياسي الدور الذي أدّته العروبة سابقًا في تحدي أنظمة الدولة[1].
ساعدت هذه التغييرات المحلية أيضًا على إنهاء علاقة العروبة في المستوى الإقليمي. حتى سبعينيات القرن الماضي، أظهرت السياسة الإقليمية “العرب” بوضوح، مع وجود معايير معينة متوقعة من الزعماء العرب جميعهم سواء كانوا حلفاء أم خصومًا، وبخاصة في ما يتعلق بفلسطين[2]. ولكن مع كسر هذه “المعايير”، مثل مصر التي أقامت السلام مع إسرائيل عام 1979، أصبح للمنطقة أخيرًا نظام ويستفاليا[3] “طبيعي”، تقوده المصلحة الوطنية raisons d’état. إن الدور الإقليمي المتزايد للجهات الفاعلة غير العربية، ولا سيما إيران وإسرائيل وتركيا والولايات المتحدة الذي تسارع بعد حرب العراق عام 2003،([4]) عزّز هذا النظام “ما بعد العربي”[5]. إذا كانت أي هوية تُشكّل السياسة الإقليمية، فقد كانت الانقسامات الطائفية بين السنة والشيعة، وليس العروبة[6].
على الجانب الآخر من المناقشة، لاحظ الباحثون الرجعيون أن الموقف التقليدي/ الأرثوذكسي فشل في تفسير استمرار شعبية القضايا “العربية”، مثل فلسطين، أو استمرار الهوية العربية في استطلاعات الرأي. لقد توصلوا إلى تفسير دقيق للعروبة، مشيرين إلى أنه في الوقت الذي تكون فيه قومية عبد الناصر العربية الوحدوية قد ماتت، فإن الهوية العربية تحتفظ بأهمية سياسية وثقافية. على الصعيد المحلي، استمرت الهوية العربية في إعادة إنتاج ذاتها (جنبًا إلى جنب، وليس بالتعارض مع هويات الدين والدولة) من المؤسسات اليومية للأنظمة العربية[7]. وقد عززت هذا إلى وسائل الإعلام العربية العابرة للحدود بعد تسعينيات القرن الماضي، ولا سيما محطات التلفزيون الفضائية مثل قناة الجزيرة. وقد أوجدت وسائل الإعلام تلك “عروبة جديدة”، إذ ربطت غرف المعيشة في “مجال عام عربي” مسيّس[8].
تحدى هذا التفسير “ما بعد العربي” للسياسة الإقليمية. إن تأثير الجماهير العربية، الذي تغذيه قناة الجزيرة وغيرها، منعت الحكومات العربية الموالية للغرب من التصرف على نمط ويستفاليا كما يدعي بعضهم[9]. لقد أجبرت مصر والعربية السعودية على تغيير موقفهما كليًا بعد أن انتقدت حزب الله في البداية خلال حرب لبنان عام 2006، على سبيل المثال. وبالمثل، كان على إيران غير العربية أن تتبنى قضايا عربية تقليدية مثل قضية فلسطين لتجذب بنجاح الشارع العربي. فعلى الرغم من أن إيران ليست عربية، إلا أن تنافسها الإقليمي مع المملكة العربية السعودية يمكن أن يُنظر إليه على أنه “حرب عربية باردة جديدة”، لأنها ظلت منافسة على الرموز العربية، مثل فلسطين.[10]وافق الرجعيون على أن هناك عوامل أخرى تؤدي دورًا في السياسة الإقليمية أيضًا، لكنها تُصرّ على أن البعد “العربي” ما يزال مهمًا.
الانتفاضات العربية
في البداية، دافعت الانتفاضات عام 2011 عن “العروبيين الجدد”، إذ إن الطبيعة المُعدية للاحتجاجات أوضحت الأهمية المحلية للهوية العربية. ثورة في تونس ألهمت الاضطرابات في مصر والبحرين واليمن وليبيا وسورية والمغرب والأردن، على الرغم من أن احتجاجات مماثلة في دول غير عربية، سواء كانت إيران عام 2009 أم جورجيا عام 2004 أم أوكرانيا عام 2005، لم تفعل ذلك. سهّلت “الأجواء العربية العامة” انتشار الاحتجاجات، سواء كان فيسبوك أم يوتيوب أم تويتر أم قناة الجزيرة، على الرغم من أن قطر أكدّت أن الجزيرة تجاهلت الاضطرابات في جارتها البحرين الحليفة. ثم إن مظهرًا آخر لـ “العروبة الجديدة”، وهو التنافس العربي، ساعد أيضًا، حيث ذكر المتظاهرون المصريون أنهم، كأكبر دولة عربية، يجب أن يقودوا الديمقراطية العربية، وليس تونس الطرفية/ الهامشية[11]. جرى التفاخر بأهمية الهوية العربية حتى في الدول التي لا توجد فيها اضطرابات واسعة النطاق، حيث سعت الحكومات في الجزائر والمملكة العربية السعودية والمغرب وعُمان والأردن لكبح المعارضة استباقيًا بتدابير رفاه سخية أو إصلاحات سياسية سطحية.
على الصعيد الإقليمي، دعمت الحياة الجديدة التي مُنحت للجامعة العربية بعد عام 2011 حجة العروبي الجديدة. بعد سحق الاضطرابات بصورة عنيفة، جرى تعليق عضوية ليبيا وسورية، وهما أول “طرد” للجامعة منذ طرد مصر عام 1979. وبالمثل، أقرّت الجامعة العربية التدخل العسكري لحلف الناتو في ليبيا واقترحت خطة سلام غير ناجحة في نهاية المطاف لسورية. قد يعكس هذا تحولًا أكبر في السلطة بين الأبطال الكبار في الجامعة، لأن عدم الاستقرار في مصر وسورية يسمح بالهيمنة السعودية والقطرية، أكثر من أي شخصية عربية متجددة في السياسة الإقليمية. ومع ذلك، فإن حقيقة سعي الرياض والدوحة للشرعية العربية لسياستهما توحي ببعض الأهمية المستمرة للمعايير والهوية العربيتين.
ومع ذلك، فإن التطورات الأخرى منذ عام 2011 تُعزّز الرفض التقليدي للأهمية الإقليمية للعروبة. ربما تكون الجهات الفاعلة الخليجية قد توافقت في البداية مع المعايير العربية بشأن ليبيا وسورية، لكنها لم تسعَ لشرعية جامعة الدول العربية في ساحتها الخلفية. عندما أرسلت السعودية قوات ضد المتظاهرين البحرينيين، كان الأمر المهم هو المحافظة على النظام أكثر من التقرب/ التودد إلى الرأي العام العربي. ووجهت المصلحة الوطنية Raisons d’état إجراءات السعودية وقطر الأخيرة في سورية، متخطية جهد جامعة الدول العربية من خلال توجيه الأموال والأسلحة إلى ميليشيات مناهضة للأسد. لقد عزز الصراع السوري بصورة خاصة حجة “ما بعد العروبة” التقليدية، إذ أدّت جهات فاعلة غير عربية دورًا بارزًا في حرب أهلية في دولة عربية. ساعدت الدول الغربية وتركيا المتمردين في الوقت الذي أرسلت فيه إيران القوات والمستشارين لدعم الأسد. ولكن بخلاف ما قدمه فالبجورن Valbjorn وبانك Bank في كتابهما “الحرب العربية الباردة الجديدة” في أواخر العقد الأول من القرن الحالي، لم تسعَ الدول غير العربية إلى إضفاء الشرعية على تصرفاتها من خلال أي خطاب عربي. علاوة على ذلك، يبدو أن الصراع ينشر الطائفية في أنحاء المنطقة كلها، مع بعض التشجيع من بعض المنافذ الإعلامية من الدوحة والرياض، ما يعزز المزاعم بأن السياسة الإقليمية اليوم أكثر طائفية مما هي سياسة عروبية.
وفي المستوى الداخلي أيضًا، فإن الاتجاهات طويلة الأجل هي أقلُّ وضوحًا، وبينما ساعدت العروبة الجديدة في نشر الاضطرابات، فقد تضعف بعد. في دول مثل سورية، حيث روّجت الأنظمة الدكتاتورية للعروبة، قد يكون هناك ردة فعل عنيفة ضدها. وبشكل أكثر عمليّة، كانت المشكلات التي يجري الاحتجاج عليها في كل دولة عربية، في حين إنها متماثلة، في الأساس وطنية، وحكومات ما بعد الثورة قد حولت اهتمامها بالضرورة إلى الداخل. في حين إن السياسة الإقليمية عرضت تقليديًا على القادة العرب صرف الانتباه/ عدم التركيز عن الفشل في الداخل، فإن عدم الاستقرار في السياسة الداخلية لما بعد 2011 يجعل هذا الأمر أصعب. إن انقلاب الجيش المصري عام 2013 ضد الرئيس محمد مرسي مباشرة بعد أن دعا إلى التدخل في سورية هو في منزلة تحذير. وحتى في الدول الأكثر استقرارًا التي لم تشهد اضطرابات، فإن الحكام المستبدين قد يقللون الآن من مفهومات الشخصية/ المعالم المشتركة العربية خوفًا من الاحتجاجات التي تحاكي بعضها. وبالمثل، مع وصول مزيد من الإسلاميين إلى السلطة، قد تؤكد الأنظمة الإسلام أكثر من الهوية العربية (التي كانت بالفعل نزعة/ اتجاهًا قبل عام 2011)، إما لأسباب أيديولوجية أو بسبب خصوم خارجيين. ولأسباب مماثلة، قد يتبنى الحكام الطائفية كونها تستثير الشارع. من ثمَّ تشير المتغيرات إلى انخفاض في منزلة العروبة.
دراسة العروبة بعد عام 2011
إن الانتفاضات العربية بعيدة البعد كله عن لاصدقية المقاربات السابقة لدراسة العروبة. كان إطار المناقشة قبل عام 2011 يتعلق بأهمية الهوية العربية في كل من السياسة العربية المحلية والإقليمية، ويمكن للجانبين كليهما الاستمرار في الحصول على الدعم من التطورات المختلفة منذ ذلك الحين.
من ناحية أولى، كان الموقف الرجعي دائمًا دقيقًا ومرنًا، مدركًا بأن الهوية العربية استمرت جنبًا إلى جنب مع الهويات الأخرى وأن السمة العربية في السياسة الإقليمية لم تكن سوى واحدة من الهويات. وعلى الرغم من الدور الواضح للعروبة الجديدة في نشر الاحتجاجات في البداية عام 2011، لكنها تبدو هامشيةً بشكل متزايد منذ ذلك الحين. إن دول ما بعد الثورة ضعيفة ومنكفئة نحو الداخل، في حين تسوّغ الأنظمة الباقية سياساتها من خلال الخطابات الطائفية والدينية أكثر من العروبية. يبدو الإسلام، سواء كان سنيًا أم شيعيًا، المصدر الرئيس للهوية الجماعية، وقد جرى تأطير المعارضة العلمانية من خلال الخطابات الوطنية/ القطرية بدلًا من الخطابات العربية بشكلٍ واضح أكثر في نهضة القومية المصرية العلمانية بعد 2013. ومن المفارقات أن الثورات التي ساعدت العروبة الجديدة في انتشارها قد تخلق الآن عالمًا لم يعد له صلة بها.
ومع ذلك، فقد حدثت بعض التغييرات البنيوية. ما يزال المجال العام العربي القومي قائمًا، وكذلك الحال بالنسبة إلى جامعة الدول العربية التي على الرغم من ضعفها، تُعطي السياسة الإقليمية على الأقل قشرةً عربية. إن التحدي الذي يواجه الباحثين هو تحديد كيف وفي ما إذا يمكن لهذه البُنى أن تعمل لجعل العروبة ذات صلة مرةً أخرى أو ما إذا كان ضعفها الحالي دائمًا. للتأقلم مع فكرة فالبجورن وبانك Valbjørn and Bank في أن العقد الأول من القرن العشرين كان عودة إلى “الحرب الباردة العربية” التي كانت سائدة في الخمسينيات، ربما أن عقد 2010 يشبه عقد الثمانينيات إذ كانت العروبة فيه ضعيفة، فقط لكي يعاد إحياؤها لاحقًا. بدلًا من ذلك، ربما هذا هو في الحقيقة فجر عالم ما بعد العروبة. وفي الحالتين كلتيهما، فإن المناقشة المركزية في الماضي، حول “أهمية” العروبة، سيظل الإطار الرئيس، على الرغم من أن معسكر “ما بعد العروبة” التقليدي يبدو في حالة صعود مرة أخرى. وفي هذه الحالة، يبدو من المرجح أن المناقشات الأخرى في السياسة العربية -ولا سيما التركيز على الإسلام والطائفية- أن تسيطر على الميدان، مع تهميش العروبة من جديد.
المراجع
References
- Ajami, Fouad (1978/79) The end of Pan-Arabism, Foreign Affairs, 57(2), pp. 355– 373.
- Barnett, Michael K. (1998) Dialogues in Arab Politics: Negotiations in Regional Order (New York: Columbia University Press).
- Lynch, Marc (2006) Voices of the New Arab public (New York: Columbia University Press).
- Nasr, Vali (2007) The Shia Revival: How Conflicts Within Islam Will Shape the Future (New York: Norton).
- Phillips, Christopher (2013) Everyday Arab Identity: The Daily Reproduction of the Arab World (London: Routledge).
- Valbjørn, Morten (2009) Arab nationalism(s) in Transformation: From Arab Interstate Societies to an Arab-Islamic World Society, in: Barry Buzan & Ana Gonzalez-Pelaez (Eds) International Society and the Middle East: English School Theory at the Regional Level (London: Palgrave).
- Valbjørn, Morten & Andre Bank (2012) The New Arab Cold War: rediscovering the Arab dimension of Middle East regional politics, Review of International Studies, 38(1), pp. 3–24.
- Zisser, Eyal (2006) Trends in Middle East Politics and their Implications for Israel, Israel Affairs, 12, pp. 684 – 697.
[1] (عجمي Ajami، 1979).
[2] (بارنيت Barnett، 1998).
[3] معاهدة وستفاليا: هي التي عقدت في تشرين الأول/ أكتوبر 1648، في نهاية الحروب الدينية في أوروبا (1618-1648)، المعروفة بحرب الثلاثين عامًا، راح ضحيتها ملايين الناس. أقرت المعاهدة بمبدأ السيادة للدول داخل حدودها الجغرافية، وأسست للنظام الأوروبي حتى بداية الحرب العالمية الأولى، وأقرت بوجود ثلاث مذاهب ضمن المسيحية: الكاثوليكية والبروتستانتية والكالفينية. خرجت فرنسا بموجبها أقوى الدول، واستقلت بلجيكا وهولندا، وظلت ألمانية مقسمة إلى أن وحدها بسمارك. [م]
[4] – غزو العراق واحتلاله من الولايات المتحدة، وليس حرب العراق. [م.]
[5] (زيسر Zisser،2006).
[6] (نصر Nasr، 2007).
[7] (فيلبس Phillips، 2013).
[8] (لينش Lynch، 2006).
[9] (فالبجورن Valbjorn، 2009).
[10] (فالبجورن وبانك Valbjørn & Bank، 2012).
[11] (فيلبس Phillips، 2013).